الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحوار واللاحوار

بدر الدين شنن

2011 / 7 / 23
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


تؤكد تداعيات الانتفاضة الشعبية السورية الأخيرة .. المقلقة ، التي اتضح فيها بجلاء دور الخارج الإعلامي والسياسي المغرض في تأجيجها ( زيارة السفير الأميركي والسفير الفرنسي لحماة ومدن سورية أخرى تشهد زخماً احتجاجياً متصاعداً ) . واتضح خطر الاشتباكات المسلحة بين مسلحين في الشارع وقوات الأمن والجيش ، في مدن ومناطق عدة لاسيما في ( درعا وتلكلخ وبانياس وجسر الشغور وحمص ) ، التي تنشر الرعب والموت والبغضاء بين أبناء الوطن ، وتلحق الضرر البالغ بحركة الاحتجاجات الشعبية السلمية خاصة وبالاستقرار الوطني عامة ، تؤكد أن الأزمة السورية قد دخلت مرحلة خطيرة ، لها تأثيرها المدمر على الوحدة الوطنية والكيان الوطني ، وهي تستدعي من المعارضة الوطنية الديمقراطية والنظام ، تحمل المسؤولية التاريخية ، في البحث عن مخرج سلمي يجنب البلاد منزلقات كارثية ، قد لايتم السيطرة عليها لاحقاً .

الذين حددوا خيارهم بإسقاط النظام ، سواء عن قناعة والتزام سياسي وضعوه نصب أعينهم ، أو عن التزام بأجندات أجنبية ، يديرون الظهر لهذه التداعيات ، ولديهم التأويل لكل شيء لتبرير هذا الموقف . وكذلك الحال بالنسبة لأهل النظام ، الذين حددوا خيارهم بإقصاء الآخر بالعنف أو باحتوائه بالحوار تحت سقف النظام ، ويسحبون مخاطر " المؤامرة " لتغطية موقفهم . الأمر الذي يبقي الانسداد لدى الطرفين محصوراً بين " الأبيض والأسود " و بين " الإقصاء و " الإسقاط " . في حين أن حل الأزمة ، حسب موازين القوى على ألأرض محكوم بالحوار التعددي الديمقراطي بين ندين ، على مستوى كافة ألوان الطيف الوطني الديمقراطي السياسية والثقافية والاجتماعية .

وذلك بدلالة المؤتمرات الأحادية اللون التي عقدت في الآونة الأخيرة . إن من طرف المعارضة أو من طرف النظام . حيث قامت المعارضة حتى الآن بعقد ( مؤتمر أنطاليا ومؤتمرين في استانبول في تركيا ، ومؤتمر في بلجيكا ، واشترك بعض منها بمؤتمر سان جيرمان بمعية عملاء لإسرائيل في باريس ) وعقد مثقفون وناشطون معارضون مستقلون مؤتمراً في فندق سميرا ميس بدمشق ، وعقدت أحزاب معارضة في الداخل مؤتمراً في دمشق ضم ( التجمع الوطني الديمقراطي باستثناء حزب الشعب الديمقراطي ، وتجمع اليسار الماركسي ، وأحزاب كردية ، وشخصيات سياسية مستقلة ) . وقد أكدت جميع هذه المؤتمرات انتماءها ، دون أية تحفظات ، لحركة الشارع المستمرة بشعاراتها وبأشكالها المتعددة . كما قام أهل النظام كذلك بعقد سلسلة من المؤتمرات ، كان أبرزها حتى الآن ( مؤتمر اللقاء التشاوري في مجمع صحارى بدمشق ، ومؤتمر فعاليات سياسية مؤلفة قلوبها مع النظام في حلب ، ومؤتمر فعايات تجارية وصناعية تابعة لاتحادات رسمية . آذرتها حشود موالية عارمة في مختلف المدن لاسيما في دمشق وحلب ..

وبدلالة ايضاً ، تلويح المعارضة في الخارج بتشكيل حكومة ظل ، لتتلقف السلطة بعد إسقاط النظام ، الذي يتوقعونه قاب قوسين أو ادنى ، واستنفار حزب البعث الحاكم منظماته وكوادره لرفض إلغاء المادة ( 8 ) من الدستور ، والتمسك بمكتسبات البعث التاريخية وأولها قيادة الدولة والمجتمع .

ويديرون الظهر في المعارضة والنظام معاً ، لحقيقة جاءت بها الانتفاضة الشعبية . بل وتدل ممارساتهم على محاولة وأدها قبل أن تنمو وتؤتي أكلها ، وتشكل عامل ضغط مبدئي وأخلاقي وسياسي عليهم للانتقال إلى عصر سياسي أكثر رقياً وإنسانية وحضارة في الحياة السياسية ، وهي ، أنه بصرف النظر عن شعارات الاستعراضات في قاعات المؤتمرات في الداخل والخارج ، المنقسمة بين الدعوة إلى الحوار وإلى اللاحوار ، فإن هذا الحراك بذاته حوار . حوار مباشر داخل كل فريق سياسي وداخل فرقاء الطرف الواحد .. وحوار غير مباشر بين طرفي الأزمة . وهذه الحالة الحوارية السورية شكلت سمة نوعية سياسية وحضارية ، بدأت مع عودة السياسة إلى المجتمع ، تطبع الحالة السورية بطابعها الجديد المميز المغاير تماماً لما كان سائداً منذ خمسين عاماً ونيف ، معلنة أن العقل السياسي السوري قد بدأ يتحرك ، وبدأت السياسة تصنع مفاعيلها الجدد ، وتكشف خفاياها وأسرارها ، وبدأ اللاعبون السياسيون ، على اختلاف ألوان الطيف ، يتحركون مكشوفين على خشبة المسرح السياسي ، أمام أنظار ومشاركة الملايين من الناس الجوعى للحرية .. ولفعل الحرية والتغيير الشامل .

لكنه ليس الحوار الذي تطرحه النخبة الحاكمة المتشبثة بزعامتها وامتيازاتها .. وليس هو حوار جماعة اللاحوار ، الذي تطرحه النخبة المعارضة المراهنة على التداعيات الداخلية والخارجية ، بانتظار أن تضعف هذه التداعيات أوراق النظام وتقوي أوراقها ، لتدخل في لعبة التفاوض مع النظام ، لتقاسم الثروة والسلطة . بل إنه الحوار الصادق النابع من أعماق وعي وحاجات الشعب .. الذي ليس له خلفية الجري وراء الثأر السياسي ووراء السلطة .. وليس له امتداد للخارج والاعتماد على الخارج .. من أجل ألا تعود سوريا إلى الوراء .. من أجل أن يتغير كل شيء في سوريا نحو الحرية والكرامة والعدالة وأن تجري سوريا باستمرار نحو الأفضل . أي أن ننتقل من الاستبداد إلى الحرية ، ومن الميز السياسي الدستوري إلى المساواة في الحقوق والواجبات، ومن اقتصاد السوق الليبرالي حماّل الآلام الاجتماعية إلى اقتصاد تضامني يستند إلى قطاع عام إنتاجي وخدمي يشكل قاعدة النموالاقتصادي ومصدر قوة للدولة ، من الأزمة التي تهدد وحدة الوطن إلى مجتمع حر متضامن تسوده الأخوة والوحدة الوطنية والأمان والفرح ، ومن حالة تهديد الحصار الخارجي إلى حالة النهوض الوطني الديمقراطي والقوة والازدهار .

بيد أن الأمر الواضح المؤسف والمزعج ، حتى اللحظة ، في الاشتباك السياسي بين المعارضة والنظام.. بين طرف جماعة " الحوار " وجماعة " اللاحوار " .. ورغم كل المخاطر الجدية المحدقة بوحدة الشعب والوطن .. أن لاتراجع من طرف أمام الآخر . النظام مع كل التعديلات والإصلاحات القانونية والدستورية والمؤسساتية ، التي يضيؤها الإعلام الرسمي ليل نهار ، يعمل بدأب ليحتفظ باستئثاره بقيادة الدولة والمجتمع . والمعارضة لاتقبل أي حوار لتحقيق ما يرمي إليه النظام . ما تقبل به هو حصراً ، حوار تفاوضي يؤدي عملياً إلى إلغاء النظام عاجلاً أو آجلاً . والنتيجة مع استمرار نزيف الشعب والوطن .. أن لا حل إلاّ بأن يكسر طرف عظم الطرف الآخر .

والسؤال الآن ، اين المخرج ؟ هل تستطيع القوى الشعبية الصامتة أن تتحرك وتحسم الأمر وفق رؤاها ومصالحها ، بطرحها رؤية ثالثة للحوار ولإنهاء الأزمة ؟ وهنا لابد من القول ، إلى أن تتمكن القوى الشعبية من الحضور السياسي بكل تجلياته ، لايستطيع أي من طرفي الأزمة في الوقت الراهن ، رغم استطاعته تجييش الآلاف ومئات الآلاف لموالاته ، الزعم أنه يعبر عن القوى الشعبية . ومن حق هذه القوى على ضوء مكونات النظام " قيد التصليح " ، ومكونات المعارضة اللاهثة للوصول إلى السلطة بأي ثمن ، أن لا تقبل ما يقرره مؤتمر يضم الكثير ممن لاوجود حقيقي لهم في الداخل أو ممن يتحاورون مع الصهاينة ويتعاملون مع عتاة الإمبريايين الطامعين في بلادنا ، أو ما يقرره مؤتمر يكرس صيغة جديدة ، تبقي الهيمنة الأحادية الحزبية على الدولة والمجتمع ، وتبقي على الثوابت والآليات التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه ، أو ما تقرره النخبة السياسية المتصارعة إجمالاً بعيداً عن مصالح هذه القوى ومطامحها .

ثمة أسئلة تقتحم أجواء الحوار واللاحوار ، وتدخل الإجابة عليها في مقدمات وخواتم هذه الأجواء :

- لو قيض للنظام أن يحقق إصلاحاته الدستورية والسياسية والاقتصادية التي يعد بها ، وفق معايير تجديد وترسيخ ثوابته ، مع احتفاظه باحتكار قيادة الدولة والمجتمع ، هل سيحقق للناس وخاصة الطبقات الشعبية ، تغييرات اجتماعية واقتصادية جذرية عادلة ، ويوفر الحريات العامة كاملة ، ويضمن لهم حق تحديد خياراتهم وقياداتهم السياسية وغيرها التي تمثل مصالحهم وأهدافهم ؟ .

- لو قيض للمعارضة بمكوناتها ذات الخلفيات المختلفة المتناقضة ، أن تستحوز على السلطة ، هل سيكون حال الناس ، في ظل غياب البرنامج السياسي المتكامل اقتصادياً واجتماعياً ، هو أكثر ضمانة للحريات العامة والعدالة عامة والاجتماعية خاصة ؟ .

- لو قيض للتيارات الاحتجاجية المتطرفة ، التي تمارس التخريب للمنشآت العامة والخاصة ، أو تحمل السلاح وتفجر الاشتباكات المسلحة مع قوات الأمن والجيش ، التي تجر البلاد إلى حرب اهلية ، أن تسيطر على الحكم ، يمكن أن تأتي بتغيير وطني ديمقراطي ، يصون الوحدة الوطنية ، ويحمي الوطن من المخططات الاميريالية والصهيونية ؟ .

إذا كانت الإجابة ب " لا " .. وهي كذلك .. فإن المسؤولين عن ا ستمرار حالة الحوار الناقص واللاحوار ، مقابل مكاسب حزبية .. وذاتية .. ضيقة الأفق ، يتحملون كامل المسؤولية التاريخية أمام الشعب عما هم الآن يفعلون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إفتح عينيك يا شنن
يوسف نوقا ( 2011 / 7 / 26 - 05:53 )
عصابة الأسد تلغي الأحكام العرفية وفي اليو التالي تقتل بالرصاص 100 مواطناً وتعتقل 200
من الذي يمنع الحل السلمي؟ حكم العصابات لا يستمر مع أي حل سلمي
أميركا وفرنسا تقولان بصوت مرتفع لا ابهام فيه: على الأسد أن يصغي لمطالب شعبه
أي سفير هذا الذي يدفع ب 700 ألف تظاحر في حماه ومثله في حمص ودير الزور فإن كان ذلك صحيحاً فذلك يعني أن أميركا هي من يحكم في سوريا وليس حزب البعث وجبهته المشبوهة
ألا تتساءل يا شنن لماذا لا تطلق رصاصة واحدة على الظاهرات الليونية الؤيدة للأسد؟ أين العصابات المسلحة؟
نذراً سأفتح قنينة شمبانيا وأنا أشاهد قريباً على شاشة التلفزيون السوري قادة الحزب الشيوعي البكداشي والفيصلي يقفون في قفص الإتهام أمام محكمة الشعب تحاكمهم بتهمة الخيانة العظمى


2 - الوقائع على الأرض هي مقياس الحقائق
بدرالدين شنن ( 2011 / 7 / 26 - 07:26 )
ينطلق صاحب التعليق من موقف عدائي من النظام وليس من موقف معارض وطني ديمقراطي . وعلى هذا الموقف يبني آراءه وقناعاته ، ويعيد تركيب معطيات الواقع المادية حسب الرؤية - الإسقاطية للنظام - وهذا مايمنح البراءة للتدخلات الأجنبية السياسية والإعلامية ، ويغيب الاشتباكات المسلحة التي يخوضها مسلحون ضد قوى الأمن والجيش ،ويمنح مجاناً شهادة حسن سلوك للسفيرالأميركي في زيارته لحماة ، التي أساءت للإنتفاضة الشعبية ، ومنحت النظام أسباباً - مشروعة - لممارسة القمع الذي يشكو منه السيد يوسف . أرجو أن نتحلى يا سيد يوسف بقليل من الموضوعية والرؤية السياسية الشاملة . حتى نتمكن من حماية وطننا ، وتحقيق التغيير الوطني الديمقراي ، الذي إن تحقق يلبي كل الأهداف الوطنية والديمقراطية لإنساننا السوري . ولاننسى الجرائم الأميركية والأطلسية ضد شعوبنا العربية والإسلامية .لاسيما ماتقوم به في أفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين وليبيا قبل أن نفكر بمد اليد والعقل إليها لتمنحنا المساعدة المشبوهة المرفوضة

اخر الافلام

.. نجل الزعيم جمال عبد الناصر: بشكر الشعب المصري الحريص على الا


.. مقابلة مع وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي




.. فى ذكرى وفاته.. منزل عبد الناصر بأسيوط شاهد على زيارة الضباط


.. فى ذكرى رحيله.. هنا أصول الزعيم جمال عبد الناصر قرية بنى مر




.. شرطة نيويورك تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين وتعتقل عددا م