الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاليات الفلسطينية - الحضور خارج المكان.

رائد الدبس

2011 / 7 / 23
القضية الفلسطينية


ثمّة ما يشبه الإجماع لدى علماء الاجتماع، على أنّ واحدةً من خصائصِ وسماتِ القرن الحادي والعشرين، هي ظواهر الهجرات المتنامية. وسواء كانت تلك الهجرات قسريّة أم اختيارية، ودوافعها اقتصادية أم سياسية وغير ذلك، فإن ما يبدو جوهرياً، هو أن الأثر الاجتماعي - الثقافي والاقتصادي والسياسي للهجرات والمهاجرين على كل المجتمعات البشرية، سيزداد تنامياً خلال العقود القادمة.

انطلاقاً من ذلك الأمر الجوهري على المستوى العالمي، وخصوصاً في القارة الأوروبية، وانطلاقاً من تنامي الوزن والخصائص الديمغرافية والسياسية للجاليات الفلسطينية حول العالم بشكل ملحوظ، فسوف تحاول هذه المقالة، أن تسلّط ضوءاً خفيفاً على الجاليات الفلسطينية المقيمة في أوروبا، نظراً لأهمية دورها وحجمها.

برغم قلّة المراجع والدراسات والنشرات المتوفرة عن جالياتنا الفلسطينية في أوروبا إذا ما قورنَت بتلك المتوفرة عن الجاليات العربية، يمكن القول أن ما يتوفر من تلك الدراسات والأبحاث والنشرات، يفي بالغرض المطلوب بصورة أوّلية، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

- كتاب الأستاذ عباس شبلاق : الفلسطينيون في أوروبا. صادر عن مؤسسة الدراسات المقدسية ومركز اللاجئين والشتات الفلسطيني. سنة الإصدار 2005 .

- كتاب د.ساري حنفي: هنا وهناك. نحو تحليل للعلاقة بين الشتات والمركز الفلسطيني. صادر عن مؤسسة الدراسات المقدسية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية. سنة الإصدار 2001.

- الأبحاث التي أصدرتها مؤسسة فلسطين الدولية التي يرأسها الدكتور أسعد عبد الرحمن. وهي أبحاث متخصصة بدراسة مجموعة من الجاليات الفلسطينية في البلدان الأوروبية التالية : المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا، النمسا، بلجيكا، هولندا، السويد، الدانمرك، اليونان. تجدر الإشارة إلى أن الدراسات الصادرة عن مؤسسة فلسطين الدولية، هي الأكثر مقاربة لأوضاع جالياتنا الفلسطينية في الدول المذكورة، ويمكن الاستفادة منها والبناء عليها وتطويرها.

تشير معظم الدراسات، إلى أن حصر أعداد الفلسطينيين في أوروبا على نحو دقيق، هو أمر صعب جداً. وتعود الصعوبة في ذلك لعدة أسباب أهمها، غيابُ أيُّ حصرٍ رسميّ لهم، خاصة في ظل القوانين الأوروبية التي لا تعترف بهم في كثير من الأحيان كجنسية أو فئة أو أقلية منفصلة بل تضعهم ضمن تقسيمات مثل: (من الشرق الأوسط- آخرين)، أو تَرُدّهم للدول التي قَدِموا منها كتصنيف حَمَلة الوثائق حسب البلدان التي أصدرت تلك الوثائق، أو تصنفهم ضمن فئة : بدون دولة. وتشير كل الدراسات الفلسطينية إلى هذه الصعوبات، سواء في تقدير العدد في كل بلد أوروبي على حدة، أو في التقدير الإجمالي للعدد في أوروبا. لكن المجلس الأوروبي ومعظم التقديرات تشير إلى أن العدد الإجمالي يتراوح في حدود مائتي ألف فلسطيني، بواقع تمركز حوالي 80 ألفاً منهم في ألمانيا.

بالرغم من الخصائص المشتركة التي تجمع الفلسطينيين في الشتات، إلا أن هنالك فوارق لا يمكن التغاضي عنها، كالوضع الاجتماعي والخلفية الثقافية ودرجة التأقلم والاندماج مع المجتمعات الأوروبية وغير ذلك.

أهم تلك الفوارق، هي أن الهجرات الجماعية الأولى أبرزت فئة من حملة الشهادات العليا الذين استطاعوا الاندماج في المجتمعات المضيفة، وذلك بعكس الموجات الجديدة التي تعتبر أقل تعليما وأقل اندماجاً في المجتمعات مع وجود نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل، وخصوصا في ألمانيا.
تعكس هذه الجاليات، الصورة الإجمالية للمجتمع الفلسطيني، بكل اتجاهاته السياسية وفئاته وشرائحه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لكنها تختلف عن المجتمع الفلسطيني، بحكم وجودها في مجتمعات أوروبية مختلفة عن مجتمعنا من حيث الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وهذا الواقع، يفرض على الجاليات مجموعة من الإشكاليات والتحديات، لعل عنوانها العريض هو إشكالية الهوية وتحدي الاندماج في المجتمعات الأوروبية. على المستوى السياسي، وبالنسبة للجاليات الفلسطينية، فإن وجود رأي عام أوروبي متضامن مع القضية الفلسطينية، يسهّل ويخفف من الإشكاليات والتحديات التي تواجهها الجاليات. ومع اقتراب موعد استحقاق أيلول وما بعده، فإن ذلك يُملي علينا ضرورة التوجه لهذه الجاليات بخطابٍ يتلاءَمُ مع خصوصية وضعها وطاقاتها الكامنة.
فهذه الجاليات الفلسطينية والعربية أيضاً، هي كنزٌ بشريٌّ، ينبغي استثماره وتفعيله والاستفادة منه إلى أقصى درجة ممكنة، هو يطلبها بل يستجديها في كثير من الأحيان.

خلال كتابة هذه السطور، لم تفارق ذهني صورة الحاضر الغائب، المفكر إدوارد سعيد، ولو للحظة واحدة، وخصوصاً كتابه الشهير: خارج المكان. وهو بمثابة سيرة ذاتية من نوع فريد وخاص. حيث يتحدث عن إشكالية هويته العائلية والفردية المركبة من هويات إنسانية متعددة، مثل غالبية البشر. وعن الأسئلة والملاحظات التي كان يتعرّض لها طوال حياته مثل : أَأنتَ أميركي؟ أنت أميركي دون اسم أميركي؟ لا تبدو أميركياً؟ كيف ولدتَ في القدس مع أنك تعيش هنا؟ أنت عربي في نهاية المطاف، لكن من أيّ صنف أنت؟
أتذكر رثاء محمود درويش لإدوارد سعيد : لقد أنجَبتهُ فلسطين. ولكنه - بوفائه لقيم العدالة المهدورة على أرضها، وبدفاعه عن حق أبنائها في الحياة والحرية - أصبح أحد الآباء الرمزيين لفلسطين الجديدة. إن منظوره إلى الصراع الدائر فيها هو منظور ثقافي وأخلاقي لا يبرر فقط حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، بل يرى إليه باعتباره واجباً وطنياً وإنسانياً أيضاً. كان إدوارد كُلاً لا ينفصل .

وأتمنى أن يصبح هذا شعاراً لكل جالياتنا الفلسطينية في العالم. وأن يولد في كل عام، واحد مثل إدوارد سعيد، كي يبقى حضورها خارج المكان كُلاًّ لا ينفصل ، كما كان إدوارد سعيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل