الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وحي الربيع العربي تاملات في دلالة الحدث ورهاناته 2 رهانات الحدث وافاقه

محمد القرافلي

2011 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


من وحي الربيع العربي:تأملات في دلالة الحدث ورمزيته
1) خصوصيات الحدث
2)رهانات الحدث وآفاقه





"الخلاقون (المبدعون) هم الذين أوجدوا الشعوب وبثوا فيها
الإيمان والحب وبذلك خدموا الحياة .
الهدامون هم اولائك الذين ينصبون الشراك
للجموع ويسمونها الدولة ثم يعلقون فوق هذه الجموع
سيفا وشهوات كثيرة(...)
يريد كل واحد منهم أن يتبوأ العرش: ذلك هو جنونهم، كما لو كانت
السعادة على العرش؟ وما يكون في الغالب على العرش هو الوحل،
وغالبا ما يكون العرش نفسه على الوحل"
فريدريك نتشه1
"ماركس يقول غيروا العالم ورامبو يقول غيروا الحياة "














لقد أضحى حدث الربيع العربي واقعا ماثلا للعيان ليس فقط عند صناعه بل محل اهتمام كل من يعنيه من قريب أو بعيد أو متفرج تستهويه فقط الصور المتداعية بمختلف أشكالها وألوانها والتي تحولت إلى شكل من الفرجة المجانية في عهد الطفرة الرقمية الفرجوية والتي يعزو لها البعض فضل انبثاق الحدث(علي حرب في كتابه ثورات القوة الناعمة). إنها لعبة جديدة من الترائي حيث تخضع فيها البشرية إلى أشكال جديدة من الاختبار لا تخطف فيها الأبصار فقط بل تسلب العقول وتدغدغ المشاعر ويلعب بها بكيفية محبوكة وتختلط الأوراق فيها والأدوار ويصعب معها فك لغز اللعبة، لحظة يتحول اللاعبون إلى جمهور والعكس صحيح،أما من أبدع اللعبة ومن خطط لها،ومن يتحكم في خيوطها، لا احد غيرك يمكنه أن يدلك على مفاتيح المتاهة. خلف المشاهد اليومية التي تضخها مختلف المنابر،المرئية أو المكتوبة ، تثوي إرادات ما وتتصارع رهانات تختلف من حيت مرتكزاتها ومقتضياتها وتتقاطع وتتضارب في أهدافها وغاياتها وتتباين على مستوى اشتغالها. قيل إن الثورة الفرنسية نظر لها الأذكياء ونفذها الأغبياء واستغلها الجبناء، وان الثورة تلتهم أبناءها. والحال أن خصوصيات الحدث التي المحنا لها سابقا(البغتية والفجائية –الأصالة والتميز -الزمانية الخاصة – النسبية والكونية) قد أحدثت رجة وتهافتا جعلت البعض يراهن على الحدث ويعتبره فرصته التاريخية لرد الدين لخصوم الأمس أو حصان طروادة لاقتحام قلاع ظلت موصدة أمامه، ورأت فيه الدول المهيمنة زر أمان تعيد بواسطته إحكام سيطرتها على مصالحها وتوسع عبره دائرة أسواقها وتغرسه في أعناق وأذناب أتباعها. ولعل التنافس المحموم بين هذه الدول وارتفاع أسهم مضارباتها ورهاناتها وصبيب راسمالاتها المنهوب من جيوب الفئات الكادحة من العالم العربي،يطرح أكثر من علامات استغراب واستفهام. لقد تعدت قيمة الحدث قيمة الذهب الأسود إلى درجة تحوله إلى حرب عالمية جديدة تجرى مراهناتها في الفنادق وعلى حلبات غوغل وأمام مرأى ومسمع من الإنسان الرقمي المتفرج. مثلما يحصل في عروض الصفقات فالمراهن واحد(سواء كان أمريكيا أو بريطانيا أو فرنسيا أو روسيا أو صينيا أو تركيا ) والمراهن عليه واحد( مصر أو ليبيا أو تونس أو سوريا...) انه السوق العربية برأسمالها البشري والمادي أو الفكري والمرهون المرتهن واحد انه مشروع الانعتاق والتحرر والاستقلالية. كذلك يراهن عليه البعض لاسترداد الهوية الضائعة ولملمة جراح الماضي والدفع به نحو بعث النخوة العربية الإسلامية الموءودة على خطو جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، أو عودة الثوار الجدد في صورة غيفاريين أو ماويين، كما وجدت فيه بعض الأنظمة فرصتها لإعادة شبابها من خلال التنكر وتلميع الصورة وتجديد حسن السيرة...ويمكن سرد ما لا نهاية من قائمة الرهانات التي تختلف اختلاف المنابر التي تصدر منها وباختلاف الخطابات التي تفعلها وبتعارض مراميها. مما يؤدي إلى طمس معالم الرهان الأساسي الذي أنتجه الحدث ومفعليه الحقيقيين والمتمثلة في إرادة الحياة وإرادة العيش الكريم وإرادة التغيير فكيف يمكن الخروج من حلبة الرهانات وتوضيح الرؤية؟
إجرائيا ولكي لا نتيه خلف تعددية الرهانات بالإمكان حصرها في رهانين أساسيين يختلفان من حيث مراميهما ومنطق اشتغالهما وان تقاطعا على مستوى شروط إمكانهما ومضمون خطاباتهما،الأول ذو مطلب تطهيري تغييري والتاني مطلبه ترميمي إصلاحي،لنحاول تلمس خصوصيات كل واحد منهما وآفاقه:
- المطلب الترميمي الإصلاحي:
يتجذر الرهان الترميمي في التجربة العربية-بدءا بما اصطلح عليه بأدبيات النهضة أو قبلها- وإن اختلفت تلويناته من تجربة مجتمعية لأخرى، إلا أن ثمة قواسم مشتركة ظلت تطبع مساره سواء من حيث شروط ظهوره بوصفه رد فعل على الصدمة التي أحدثها الاكتساح الأوربي وطفرة التقدم العلمي والتقني الذي أنجزته شعوبه مما خلق تحديا يطال أسئلة الذات والهوية والعلاقة بالأخر وكيفية الانعتاق والتحرر من الوصاية ومسايرة القفزة التي حققتها الشعوب الأخرى. والواقع انه لم يتم الانكباب على تلك الإشكالات وتمحيصها نظريا وتأسيسها فكريا واجتماعيا وسياسيا بل اتصفت بجملة من الإعاقات كما كشفت عن ذلك كتابات العديد من المفكرين كالمفكر التونسي هشام جعيط وتركيزه في كتابه أوربا والإسلام على طبيعة العلاقة بين الذات والأخر وعلى الجهل المزدوج الذي يسم الذات العربية فيما يخص وعيها بذاتها وكينونتها وتمثلها للأخر، وأيضا مشاريع رائدة توسلت بمناهج ومفاهيم وآليات مستمدة من تراكمات معرفية محصلة جملة تحولات معرفية وعلمية بدءا من محاولات حسين مروه والطيب التيزني ومرورا بمشاريع محمد أركون ومحمد عابد الجابري...حيث عملت على الحفر في المتن التراثي وتفكيك بناه وبالتالي رفع جملة من الأوهام كرفع القداسة والطابع السحري وتجاوز التوظيف الإيديولوجي والنزعة الانتقائية التي ظلت تكبل المشروع النهضوي المأمول. ولعل هذا التهافت المحموم على الحدث ومحاولة إفراغه من إمكاناته وآفاقه يمثل ناقوس خطر قد يرتد بالشعوب العربية قرنا إلى الوراء إذ يلوح البعض بالذاكرة الثراتية وبإعادة بعت محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والآخرون باستلهام النماذج الثورية البائدة والبعض الأخر باستلهام الديمقراطيات المظفرة ونسخ دساتيرها والدفع بمشاريع إصلاحية كفيلة بدفع عجلة التنمية وبضخ دماء في جسد مومياء محنطة. ينبغي إذن ضرورة التحلي بالوعي التاريخي وبالحس النقدي وبالمسافة الزمنية والثقافية الفاصلة بين الأمس واليوم على حد تعبير ريمون ارون مادامت أفاق هذا المآل الترميمي الإصلاحي الجديد تنذر بإقبار هذا الحلم الذي ارتوى من دماء بريئة وستظل وصمة عار على صفحات التاريخ وستكون اشد وقعا لأنها تجاوزت حدود الزمان والمكان بفضل الطفرة الرقمية.
- المطلب التطهيري التغييري
يقول هشام جعيط متحدثا عما صار يعرف في الأدبيات الثراتية بالفتنة الكبرى "إنها فترة مكثفة مميزة، متوترة، على غرار التوراث الكبرى التي هزت البشرية. ولأنها لم تكن تعبيرا عن مطامح فجة وحقيرة، بل كانت تحتوي مبادئ وأفكارا ومطالب، فإذا كان الإسلام هو" ثورة الشرق" على حد تعبير هيجل فإن الفتنة كانت ثورة في الثورة أو بالأحرى كانت قد أغنت الواقع الإسلامي بديناميكية لا مثيل لها في تاريخ الإسلام"2 لا يحتاج قارئ النص إلى جهد تأويلي قصد استنطاقه - رغم انه يمثل خلاصة عمر أفناه صاحبه في استنطاق متن قل من يجرؤ على اقتحامه بالنسبة للحاملين لشعاره قبل المتحاملين عليه – إذ يبين أهمية وقيمة الأحداث العظيمة والتي تتجاوز الاحتياجات الآنية لمتطلبات الحياة اليومية وتؤشر على أفاق جديدة وتفتح إمكانات لامتناهية من خلال بعت منظورات جديدة تعيد النظر في القضايا المصيرية وتغير نظرة الإنسان لذاته وللعالم والوجود ولعلاقته بالأخر وتخلق حركية في الحياة. بعدما ألمحنا في المقال السابق إلى خصوصيات حدث الربيع العربي وأصالته وتميزه فإنه سنكتفي هنا بالإشارة إلى أفق وحيد ربما شكل أساس الحدث ووقوده ، انه أفق الحلم والحق في الحلم. قل لي ما حلمك اقل لك من تكون، بقدر حلمك تتسع الأرض، والشعوب على قدر أحلامها، يمثل أفق الرؤية الحلم-الحلم الرؤية فيصل التفرقة بين الحي والميت، بين الشيخوخة والشباب،بين الوجود الأصيل والوجود الزائف . فلا غرابة إن اعتبر الحدث ثورة شباب بامتياز ولا غرابة إن امتدح نتشه هذه الفترة. لقد تقزمت أحلام العربي إلى درجة أن صار هاجسه جحرا يواري فيه سوءاته وبات يسير في الأرض مكبا على وجهه يستحي أن تصطدم نظراته بعيون الآخرين، ليس غضا للبصر أو تأدبا وتخلقا بل انكسارا وخوفا من الفضيحة وسوء النية. والحال انه لم يتم الانتباه إلى هذا الجانب من قبل المتابعين للحدث بالرغم من أهميته وخطورته. لكي لا يتحول هذا الحلم إلى مجرد وهم أو كابوس يؤرق أصحابه يحتاج إلى الرعاية والحراسة من كل المتربصين وسارقي الأحلام ونحتاج أيضا إلى نزعة تطهيرية لحامليه وأصحابه ودعاته وكل من يستهويهم افقه ولن يتحقق ذلك إلا بتجاوز مختلف المطبات أو الآفات التي ظلت تلازم الرهان الترميمي الإصلاحي وألقت بظلالها على التاريخ العربي والتي يمكن حصرها إجمالا في أربع آفات متلازمة مع بعضها وتتقاطع مع بعضها وتتبادل الأدوار ويصعب الفصل بين بعضها البعض بحيث أن الواحدة تستدعي الأخرى أو تستبعدها، إن لم نقل أنها تشكل بنية لها منطق اشتغالها أو حقولا بلغة بيير بورديو تتقاطع وتتباعد ، تنفصل وتتصل إلى حد يصعب الإمساك بمنطقها. سنحاول الإشارة إلى كل آفة على حدا وباختصار ليس لان كل واحدة تحتاج استشكالا وعرضا بل الأهم كما اشرنا في كيفية الاشتغال وتبادل الأدوار:
أ‌- آفة البؤس السياسي وتبريرية المتسيس.
ب- آفة الارتزاق الثقافي وجبن المثقف.
ج- آفة التلهف الديني واختزالية المتدين.
د- آفة الاستكسال الشعبي ولامبالاة الإنسان العادي.
وبما أن الرهان التطهيري التغييري ليس معطى وجاهزا وإنما أفقا للرؤية والفعل والحلم فإننا سنعمل في الورقات القادمة على الحفر في بنية هذه الآفات اقتناعا انه بدون تعريتها وفضحها ستلتف على هذا الحلم وتجهضه عند مهده.
محمد القرافلي
البلد : المغرب

1)"هكذا تكلم زرادشت" فريدريك نتشه ترجمة محمد الناجي إفريقيا الشرق الطبعة ص47-48
2) هشام جعيط " الفتنة جدلية الدين والسياسة دار الطليعة 2000 ص325








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال