الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


((بوبيان )) تذكرنا بأزمة خليج الخنازير في كوبا

لؤي الخليفة

2011 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



في شهر اكتوبر - تشرين الاول - من العام 1962 اكتشفت طائرات الاستطلاع الامريكية العديد من منصات اطلاق صواريخ تحمل رؤوسا نووية منصوبة على الساحل الكوبي وموجهة نحو جزيرة فلوريدا , ما دعاها الى فرض حصار بري وبحري على كوبا ونشر صواريخها في اكثر من مكان .
وكان الاتحاد السوفيتي , وبعد فشل عملية الغزو العسكري البحري والجوي الذي شنته الولايات المتحدة على كوبا عام 1961 والذي ابتدأته بانزال مرتزقتها في خليج الخنازير , قام السوفيت بارسال سفن اسطولهم البحري وغواصاتهم النووية الى البحر الكاريبي بغية التصدي لاي هجوم محتمل على كوبا , ما ادى الى نشوب ازمة خطيرة بين القطبين كادت تؤدي الى حرب نووية لولا الجهود والمساعي الكبيرة التي بذلت من قبل قادة ورؤوساء وشخصيات عالمية لدى الرئيس الامريكي جون كندي ونظيره السوفيتي نيكيتا خروشوف لتطويق الازمة وايقاف التدهور في العلاقات بين البلدين وتجنيب العالم كارثة حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر , ليتمكن في الاخير سكرتير عام الامم المتحدة انذاك - يوثانت - من التوصل الى صيغة تفاهم بين الجانبين قضى بان يفكك السوفيت صواريخهم فيما يتعهد الامريكان بعدم التدخل في الشأن الكوبي الداخلي .
ورغم مرور اكثر من نصف قرن على هذه الازمة , فأن العالم لما يزل يتذكر احداثها ومسبباتها , ذلك ان واشنطن خسرت حليفا اقتصاديا وسياسيا مهما عقب نجاح كاسترو ورفاقه الاطاحة بنظام باتيستا الموالي لها وقيام كيان شيوعي موال للسوفيت في عقر دار الامريكان وعلى مشارف حدودهم وفي تلك البقعة الستراتيجية من البحر الكاريبي . اردت من هذه المقدمة التأريخية ان اشير الى ما كان سيجري من مأسي وابادات جماعية لولا تدخل العقلاء ... واود ان استشهد بالتاريخ ثانية واعود الى عام 1990 , يوم غزا طاغية العراق الكويت , فكلا الشعبين يتذكران تلك الحظات الحرجة والمؤلمة وما افرزته من كوارث ومحن تواصلت حتى يومنا هذا , ورغم استهجان واستنكار غالبية العراقيين لما جرى , الا ان الموضوعية تقضي ان نشير الى الاسماء بمسمياتها , ذلك ان ما حدث لم يكن لغرض النزهة او سلب ممتلكات الغير , ابدا بل ثمة اسباب وجدها الطاغية مبررا لردة فعله تلك , فكثير منا يتذكر انه بالاضافة الى الجهود الدولية والعربية التي بذلت لتطويق المشكلة فأن لقاءات واجتماعات عقدت بين مسؤولي البلدين في السعودية انتهت في الاخير بالاعتداء الذي تعرض له ولي العهد الكويتي من قبل نائب رئيس مجلس الثورة العراقي حينما رماه بنفاضة السيكائر كرد فعل لما قاله ولي العهد ولا تليق ان يقولها مسؤول رفيع المستوى مثله . وفي ذات الوقت لم يكن ثمة عاقل كيوثانت استطاع ان يوقف جماح ديكتاتور وطاغية بغداد ويفهمه ان الحرب ليست الطريقة الوحيدة لحل المشاكل وفض النزاعات , سيما وان العراق كان قد خرج لتوه من حرب ضروس مع ايران دامت ثمان سنوات اكلت الاخضر واليابس وكان لدول الخليج , وبالذات السعودية والكويت , الدورالكبير في استمرارها من خلال ما قدموه من دعم مادي وغيره لا حبا بالعراق ولا بشعبه , ولكن لانهم يريدوه عراقا ضعيفا مهشما ورهن اشارتهم ... غير انهم اصيبوا بالصاعقة حينما شاهدوا ان هذا البلد الذي ارادوا به شرا , صار عقب انتهاء الحرب , قطبا ولاعبا رئيسيا في المنطقة ... حينها راحوا ينسجون مؤمراتهم ودسائسهم والتي ابتدأوها بمطالبتهم باسترداد الاموال التي كانت تدير رحى الحرب ليحموا بوابتهم الشرقية من الشرور الايراني ومحاولات الكويت التجاوز على الثروة النفطية المشتركة واغراق اسواق النفط العالمية بغية خفض سعره ليصل الى 11 دولارا للبرميل بعد ان كان 18 بغية الاضرار بالاقتصاد العراقي الذي كان عليلا بسبب اعباء الحرب الباهضة وحاجته الماسة لكل دولار لمعالجة ما يمكن معالجته من مخلفاتها ... وهكذا ضاعت الفرص الواحدة تلو الاخرى , ففي بغداد كان ثمة معتوه متعطش للحروب والدماء وفي الكويت لم يكن ثمة من يسمع او يستمع الى النصيحة وحدث ما حدث , وكانت المعانات شديدة سواء هنا او هناك مع الفارق ان الشعب العراقي ما زال الى يومنا هذا يتجرع المر جراء اعمال شخص مجرم لم يكن لكائن ما ان يقول له ما يخالف رأيه , ولا ارى بأسا ان اشير الى خطاب القاه الطاغية في السابع عشر من تموز , وهذا اليوم هو يوم اسود في التاريخ العراقي اذ استولى حوب البعث على السلطة , اي قبل اسبوعين من الغزو اشار فيه الى استغلال الكويت الظروف الحرجة للعراق اثناء الحرب مع ايران حيث راحت تزحف باتجاه الحدود اي الكويت واغرقت الاسواق العالمية بالنفط مما خفض سعره كثيرا , وقامت ايضا بسحب كميات كبيرة من نفط الرميلة الحدودي قدر ثمنها 2400 مليون دولار ....
غير انه ومع شديد الاسف ان ما جرى لم يكن ولن يكون حسبما يبدو عبرة لاؤلئك المسؤولين الذين راحوا يؤدون ذات الادوار السابقة ويسعون بمناسبة او دونها احداث ازمة بعد اخرى في العلاقات التي شهدت تحسنا نوعيا لبعض الوقت ... ويبدوا ان الكويتيين نسوا انهم وفي يوم ما قدموا للنظام العراقي الغازي جزيرتي وربة وبوبيان هدية مقابل انسحابه من الكويت , لا بل فتحوا شهيتهم لابتلاع المزيد من الاراضي الحدودية والمياه الاقليمية العراقية , والادهى انهم باشروا ببناء الميناء الجديد في بوبيان لسد المنافذ البحرية على الموانئ العراقية واستمرارهم في سحب كميات غير قليلة من النفط على الحدود المشتركة ... وفي المقابل ففي العراق ثمة بعض وهم ليسوا قلة ما زالوا يتألمون على سلخ الكويت عن الجسد العراقي ولا يخفون رغبتهم في اعادته الى موضعه القديم .
ان العراق اليوم بلد ضعيف ويسوسه قادة بعضهم لا يصلح لقيادة قطيع من الغنم اضافة الى انه محتل بسسب الكويت , سواء لغزوه اياها او بسسب فتح اراضيها للقوات الدولية لاحتلاله ... ولكن مخطئ من يتصور ان هذا الوضع سيستمر الى الابد ... فقد شهدت هذه البلاد عبر التاريخ غزوات عدة من الرومان والمغول والفرس والاتراك ... غير انه وبعد كل مرة كان يخرج اكثر قوة وبأسا , وهذه المرة لن تكون مخالفة لسابقاتها , ولا بد ان يعود الوطن الى اياد امينة لا تفرط بسيادته وحقوقه بل ستقطع كل يد تمتد ومن اي طرف كان للتجاوز على حدوده وثرواته او على شعبه . وعلى الكويتيين وكما الايرانيين وغيرهم ان يتفهوا ذلك وان لا يتمادوا اكثر مما سبق , وان الكويت يمكنها ان تهدأ التوتر الذي تمر به العلاقات الان بنقل الميناء الى مكان اخر من جزيرة بوبيان بدلا من عنق الزجاجة الذي اختارته ان كانت نواياها سليمة , وان العراق على استعداد لتحمل التكاليف التي صرفت على الميناء واضافته الى الديون التي بذمته , وكذلك الكف وعدم التجاوز على حقول النفط المشتركة والاراضي الحدودية بحجة قرار الامم المتحدة الذي قضى بترسيم الحدود والذي اجبر النظام السابق على توقيعه , بل عليهم العودة الى العبدلي كما كانوا سابقا , ايضا ان الكويت مطالبة بالكف عن دعم وتمويل بعض الاطراف والقوى السياسية والطائفية لتمزيق الوطن وجعله دويلات ليكون بلدا ضعيفا لا يقوى الدفاع عن سيادته وحقوقه , وكذلك على بقية دول الجوار ان يتفهوا ذلك جيدا ... ان تغليب لغة العقل والوصول الى حلول مقبولة ستجنب دون شك المنطقة من كوارث جديدة نحن قي غنا عنها وليعلم الاشقاء في الكويت ان امريكا لم تعد ذلك البلد الذي باستطاعته ان تؤدي ذات الدور السابق ثانية فقد تعلمت دروسا قاسية في العراق وافغانستان لن تنساها بسهولة , واما درع الجزيرة فلن يصلح ان يكون سوى ناطورا للخضرة ليس اكثر .
وما نشاهده اليوم من شد وجذب بين البلدين يذكر بأحداث عام 1990 , فذات السيناريوات وذات التشنج في التصريحات وكأنهم يريدون ازاحة الرماد عن النار المستعرة تحتها , خلافا لتصرف اؤلئك العقلاء الذين اخمدوا نيران ازمة خليج الخنازير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه