الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي مع أطيب التحيات

غالب محسن

2011 / 7 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 20



ان خادعتك الحياة
لا تحزن ، لا تبتئس
كن رابط الجأش في يوم الملمات
وثق أن نهار البهجة لابد آت
القلب في المستقبل يحيا
الحاضر لا بهجة فيه
كل شئ عابر ، كل شئ سيأتي
وما سوف يأتي ، عذباً سيكون
..... بوشكين

ما مضى ليس بماضٍ

الحاضر غير حقيقي ، لأنه أولاً زائل ، ولأنه ثانياُ أستمرار لما مضى . المستقبل هو وحده الحقيقي ، بمعنى أننا نرنو أليه وألا لكان بلا معنى . لكنه ، المستقبل ، هو الآخر ماضٍ لما بعده وحاضرٍ لما قبله فهو أذن زائلٍ وغير حقيقي ... من غير أن نستمر في هذه اللعبة ، الفكرة واضحة على ما أعتقد ، الماضي لايقل أهمية لا عن الحاضر و لا عن المستقبل بل هو عندي أهم .

لأننا كثيراً ما نسمع ونردد مع العندليب أن الذي راح ، راح ، ولا فائدة من النواح ، دعونا ننظر بأنشراح ، ونصنع المستقبل بالصبر و الكفاح ، لا بالثرثرة والنطاح . قد يبدو هذا منطقياً بل ولو شئتم حتى علمياً لكنه لا يخلو من خداع وأرتياح . ففي عالم السياسة يُراد لنا أن نسدل الستار على الذي راح ، وتحديداً ليس كل ما مضى بل ماهو بعيداً عن المصباح .

الماضي هو الأساس لما نحن فيه وما نصبو أليه . وأنا من يلوم أولئك الذبن يتلذذون مع أم كلثوم بترنيمة "لسه فاكِر " ، أو يلقون باللائمة على كل شئ سواهم في تبرير فشلهم ؟ لكنه تناقض شكلي فحسب والأجدر تفحص المعنى عن كثب . يقول أبو طالب " لو أطلقت سهامك على الماضي سيطلق المستقبل نيران مدافعه عليك " * . المستقبل نصنعه بايدينا لكنه لا ينبثق من فراغ وألا أصبحنا صنواً للخالق والعياذ بالله . نحن في الماضي والراهن والمستقبل في آن . لكن أن سيطّر الماضي عليك ستكون ميتاً وأنت حياًّ في الراهن ولن ترى المستقبل فهو سراب. وهكذا هي البقية من غير عتاب .

الأعتراف قبل الغفران

تشخيص المرض ثم العلاج والمباشرة فيه ليس كافياً للشفاء أذا لم يكن الجسد مستعداً وقابلاً للعلاج . كيف ؟ بالأعتراف ، وهو سيد الأدلة بلغة القانونيين . هكذا في كل شئ بما فيها السياسة والحزب الشيوعي ليس أستثناء . هذا هو الدرب الذي سلكه الماهاتما ومن قبله المُستيقض وتبعه المُخلّص ثم المصطفى وأن أختلفت كثيراً وسائل الأخير عن سابقيه .

في اليهودية هناك يوم الغفران (في العبرية كيبور ) وفيه الكثير من مظاهر رمضان الأسلام كالصيام والتعبد وقبل كل شئ غفران الخطايا علماً أن رمضان يسمى أيضاً شهر الغفران . وفي الكنيسة المسيحية هناك شباك الأعتراف وبدونه لا تُغتفر الخطايا ** ، أما جماعتنا في الأسلام فهناك الكثير مما يحض على الأعتراف "بالذنوب" لتقصير الطريق للوصول للجنة ف " الأعتراف بالخطأ فضيلة " . غفران الذنوب أرتبط بالتوبة التي بدورها بنيت على الأعتراف بالذنب . هذا الأعتراف يفضي في تراتيل السماء الى الغفران والى النعيم ، لكنه لا يصلح في الأرض . ف "عفا الله عما سلف " قد تكون عواقبها وخيمة .

النقد موهبة أبداع

وعلى الأرض فأن الأعتراف بالفشل أو الخطأ ليس المراد منه العقاب أو الشماتة (هذا ربما فقط في الثقافة العراقية ) بل التغيير نحو الأفضل ، هذا أولاً و يتطلب ثانياً شجاعة وجلد بروميثيوس . وبهذا المعنى فهي دليل قوة لا ضعف. وفضلاً على كل هذا وذاك يتطلب أكتشاف الخطأ والأعتراف به ( أو ما نسميه في السياسة بالنقد والنقد الذاتي ) قدرة وأمكانيات بل وابداع أن شئتم ، فليس من السهل تقديم أفكاراً جديدةً دون موهبة الأبداع وألا لأصبح ما نقوله نعيقاً . و هذا هو في الواقع معنى وجوهر النقد ، الأبداع .

لكن لا أحد يُحِبُ أن يُنتَقَد خصوصاً امام الملأ ، وهو الأشد تجلياً عندنا في السياسة ، وأن أدعينا عكس ذلك . لكن النقد العلني هو الخطوة الأولى على طريق الأصلاح والتطور الحقيقي . أما خرافة النقد والنقد الذاتي فتجربتنا أثبتت فشل ما يسمى ب" النقد البّناء " الذي لم يستطع أختراق جدران غرف الأجتماعات وبقي ، كما كان صوت المعمدان هائماً ، في الردهات والممرات ، وأن نفذت منه شعاعات باهتة في تلك المرات المحدودة .

ملاحظة : عن طريق مكافأة أصحاب الشكاوى (النقد) تقوم العديد من الشركات الكبرى بالحصول على مقترحات وأفكار جديدة مجانية لتطوير منتجاتها وخدماتها .

الأنتخابات البرلمانية موضوعاً للأعتراف

الموضوع لا يتعلق ، أذن ، بمواعض أخلاقية في السلوك والسياسة بل مبادئ في العمل . فبعد ثمانية سنوات من العمل العلني "هذا هو ما مضى " علينا " الأعتراف الصريح " بفشل تجربة الحزب في النضال الأنتخابي والوصول الى البرلمان / السلطة التي هي غاية كل حزب (وألا كيف ننجز البرنامج ) . هذا ما ينبغي التركيز عليه " الحاضر " لا على المضايقات والظروف الصعبة الي واجهها الحزب بما فيها ألقاء اللوم على النظام الأنتخابي والتزوير وغيرها كثير وهي كلها صحيحة بالطبع لكنها ستبقي موجودة على الأرجح في الأنتخابات القادمة أيضاً ، أليس كذلك ؟

ما أقصده هو تركيز الجهود على ماذا ينبغي و نستطيع نحن عمله لنصل للهدف لا على ماذا تفعله " الأقدار " بنا . هذا هو " المستقبل ".

أشتراكية ديمقراطية لا شيوعية علمية

" يسترشد الحزب الشيوعي العراقي في كفاحه وفي مجمل سياسته ونشاطه ، بالفكر الماركسي والتراث الأشتراكي عامة .... " *** . لو لم ترد كلمة " الشيوعي " لتصورته أحد أحزاب الأشتراكية الديمقراطية فهذه الصياغة مألوفة في برامجها .

في الماضي ، حين حققت الأحزاب الشيوعية نجاحات وأنتصارات ، كبيرة احياناً ، وكادت أن تتمكن من السلطة أو اقتربت منها في بعض المرات ، كان ذلك في ظل حماية ودعم الأتحاد السوفييتي ومن ثم كتلة الدول الأشتراكية . كان كل ذلك في ظل ظروف ميّزت حقبة تأريخية كاملة في الصراع الدولي " الحرب الباردة " وتزامت بل وحفّزت ثورات التحرر الوطني . يكفي أن نتذكر كيف كنا نتداول مفهوم الأممية ، بسلاسة ، حتى صار الموقف من الأتحاد السوفييتي مقياساً للوطنية حسب المرحوم خالد بكداش . وبكلمات أخرى فأن أنتصارات الأحزب الشيوعية (ومنها العراقي ) لم تكن بقواها الذاتية المجردة وأن هي قامت بالكثير من العمل المثابر والصبور وقدمت الشهداء في ساحات الوغى . وأكاد أجازف بالقول أن هذا العامل " الخارجي " كان أكثر تأثيراً في تحشيد الجماهير وتعبئة الرأي العام " للمد الشيوعي " من قواها الذاتية . و لا تخطر ببالي اليوم طبعاً فكرة أقتناع الجمهور بالشيوعية كفكر ومفهوم رغم أنني شاهدت بنفسي صور ماركس وأنجلس ولينين في صحراء الربع الخالي وربما كانت تُدَرَّس مبادئ الشيوعية العلمية في كهوف التورا بورا قبل أن يُشنق ال"نجيب" والحالم بها على يد قوات طالبان .

أن الأقرار بهذه الحقيقة يترتب عليه أستنتاجات مُحيّرة . فاليوم وبغياب هذا العامل الخارجي أولاً أضافة للتأريخ المثير للشكوك لعموم التجربة الشيوعية ثانياً فضلاً عن نجاح الرأسمالية و " ذكائها " في أحتواء أزماتها وتطور بلدانها ورفاهية شعوبها مما يضع الكثير من مفاهيم الشيوعية موضع تساؤول وحيرة وشك وهذا ثالثاً ، أذن لا يبقى في الواقع الكثير من الدعم لفكرة الشيوعية التي تبدو بعيدة جداً في بلدان الغرب المتطور أما في بلداننا فهي حتى أدنى من يوتوبيا .

أن تغيير أسم الحزب الشيوعي ، والذي بدأت الأصوات تردده حتى قبل أنهيار الأتحاد السوفييتي ، ومن بينهم كاتب هذه التأملات ، ليس أمراً صورياً كما يُريد أفهامنا بعض
المعارضين للفكرة أو بأنه أنبطاحاً ، بل هو تعبير " عن أدراك الضرورة " ولواقع الحال ، لا الخيال ، وهو على على أية حال ، دليل قوي وملموس على الرغبة في التغيير والأنتقال . وبالطبع لا يعني هذا التنكر لتأريخ الحزب أو نسيان شهداءه ومحو مآثرهم فهذه الفكرة عاطفية أكثر مما هي حجة فالحزب الجديد لا ينبثق من فراغ . وأنا أتفهم أولئك الذين يختلفون معي بل ولا ألومهم حتى ولو بكوا من شدة التأثر لكن علينا المضي أبعد من العواطف .

التكتيك للسياسة وليس للأخلاق

أن تحليل ما حدث (ومنها مثلاً أسباب الأخفاقات الي لحقت بنا ) لا يحتاج الى ذكاء أو موهبة خاصة وقد ملّ العوام من الأستماع الى تحاليل تشبه التداعيات بل وحتى الثرثرات في أحيان . فهذه " التحليلات " أصبحت وكأنها هي الهدف وليست من أدوات الوصول للهدف. فهناك من يعشق تلك " الكليشات " الجاهزة أو المبتكرة والتي تصلح تقريباً لكل الأحداث مع تعديلات هنا وترطيشات هناك تبعاً لمسار الأحداث . انها تُذكِّر كثيراً بأولئك المحللين الرياضيين الذين يبذلون كل جهد لديهم في محاولة اقناعنا بأهميتهم وهم يحللون مجريات أحداث مباراة قد أنتهى شوطها الأول منذ وقت . أما أولئك ، عاشقي الكلام ، فبعضهم يُذكِّر بالمحاولات الكاريكاتورية للدكتور زغلول النجار للكشف عن ما يُعرف بالأعجاز العلمي للقرآن محاولاً تسطيح الأمور بما لا يدع أي فسحة لأحترام عقول الناس . ****

القصد واضح ، لست عدواً للصياغات المحكمة والتحليل " العلمي " للواقع ، لكن الحكمة والذكاء تكمن في أستباق الأحداث وصنعها وليس " تحليل ما فات " وكأنها سياسة رد فعل التي تعني التأخر والتخلف في مواكبة ركب التطور . أن آفاق التطور القريبة في المشهد السياسي العراقي لا تبشر بالخير أطلاقاً و تشير الى أستمرار التدهور في مسالة الديمقراطية ***** والألتزام باحكام الدستور الأعرج أصبح في خبر كان وغيرها الكثير من مظاهر الأنتكاس . وأكثرها دلالة أحكام سيطرة الأسلام السياسي ليس على مقاليد السلطة فحسب بل وعلى عقول العوام . أما الخدمات و الفساد فلم يبقى هناك شئ جديد يمكن الكتابة عنه .

ان كل بصير يرى في مسألة حظر نشاط الحزب الشيوعي العراقي ما هي ألا مسألة وقت لا أكثر وهو أمر لا يمكن مواجهته بالأساليب القديمة والأستعداد من جديد للعمل السري وربما المسلح أيضاً . هنا قد يبدو موضوع تغيير أسم الحزب وكأنه لأغراض تكتيكية وليس في هذا عيب في السياسة اللهم ألا لو غيرنا أسم الحزب الى " الحزب الشيوعي الأسلامي العراقي " .

د. غالب محسن

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* حمزاتوف في داغستان بلدي
** أستغلت الكنيسة هذه الفكرة للترويج لما يسمى بصكوك الغفران في مطلع القرن الثالث عشر
*** من برنامج الحزب المُقر في المؤتمر الثامن وهو نفسه معروض للنقاش والتعديل للمؤتمر التاسع . وبغض النظر عن النوايا الطيبة المعلنة في أشراك أكبر عدد ممكن من الجمهور في صياغة الوثائق لكن يصعب عليّ تقبل هذا التفسير والحكمة وراءه ولا أخفي ضنوني من أن الحزب لا يمتلك بديلاً واضحاً عن هذه الوثيقة " العتيقة " و أختار أن يبحث عن أجوبة عند الجمهور . ماذا لو تمنيت أن ينعقد المؤتمر كل سنتين بدلاً من أربع وهل ستُقَدَم في كل مرة ذات الوثائق للنقاش وكأن الواقع ثابت وغير متحول (عذراً لأودونيس ) .
**** ينتقي ما يلائمه من النصوص القرآنية ثم يحاول قسرها بالتأويل ليماثلها مع أحد المنجزات العلمية وكأن الأخير موجود في النص المقدس منذ أكثر من أربعة عشر قرناً . لكنه ، وهو المتمكن من القرآن ، بأعتباره هو المقصود في الآية " وأسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون " سورة الأنبياء ، لا هو ولا غيره من أقرانه العلماء أستطاعوا ولو لمرة واحدة أستنباط منجزاً علمياً واحداً قبل حدوثه ولكنُّا قد سبقنا القوم الكافرين كما عبر الدكتور سيد القمني.
***** أذا تجوزنا الجدل حول ما أذا كان النظام في العراق ديمقراطياً أم لا . يُعرض هذه الأيام أعلاناً متكرراً في التلفزيون عن محاربة الأرهاب ويبتدأ ، من الماضي السعيد ، بالتذكير بأبرز علماء ومفكري المسلمين ومن بينهم طبعاً الغزالي ( الذي حرّم على العامة التفكير في كتابه تهافت الفلاسفة ) ويختتم الأعلان بجملة من أجل " مستقبل أشراقته كالماضي".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء