الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤتمر الدولي عن العراق في شرم الشيخ بين الذاكرة والطموح

أحمد الناجي

2004 / 11 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حضيت مدينة شرم الشيخ في جنوب سيناء، على مدار السنين الماضية، باهتمام واسع من وسائل الأعلام المتنوعة، وقد تم تسليط الضوء عليها بشكل لافت للنظر في الكثير من المناسبات، وبالذات خلال احتضانها للعديد من المؤتمرات، والاجتماعات واللقاءات الرسمية، التي كانت تستضيفها مصر بين مختلف الدول والهيئات، فمعظمها كان يمس شؤون وشجون الواقع العربي على كافة المستويات، بيد أن ما تمخضت عن تلك السلسة الطويلة المسورة بالأضواء الساطعة للإعلام المبهرج، من قررات، أو اتفاقيات، أو تفاهمات، أو مداولات، انحسر جله في إطار المدونات على الورق، وثائق لإبراء الذمم، وقلما ارتقت نتائجها الى حقيقة الهواجس والآمال والتطلعات المشروعة لأبناء الشعوب العربية، ولكن بقدر ما حملته الذاكرة عن شرم الشيخ كمكان لانعقاد المؤتمرات، وبقدر ما تحمله عن خواء الوفاض العربي، فأن الأمل يحدو غالبية العراقيين، وهم في أيام اللظى، ولجة المخاطر، بأن يخرج المؤتمر، بقرارات واضحة غير مبهمة، تحدد ما يقع عاتق الدول العربية بشكل خاص، وعلى المجتمع الدولي بشكل عام، من مهام تساعد على تتابع مسيرة المرحلة الانتقالية، لكي تكفل تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1546، لإخراج العراق من نفق الأنفاق، مأزقه التاريخي الراهن.
سيشارك في المؤتمر الدولي عن العراق في شرم الشيخ، ممثلون عن الدول الثمانية الكبرى الأكثر تصنيعا وهي الولايات المتحدة وروسيا واليابان وكندا والمانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا، بالإضافة الى الصين ومصر مستضيفة المؤتمر، والدول المجاورة للعراق، وهي سوريا وإيران والأردن والسعودية وتركيا والكويت الى جانب منظمات دولية واقليمية، هي الأمم المتحدة والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي، فضلاً عن العراق، و قد جاء انعقاد المؤتمر تلبية لمساعي عراقية مدعومة من قبل الإدارة الأمريكية التي تروم الى ترتيب مواقف دولية، اختلفت معها من قبل بسبب خيار الحرب الاستباقية المتمثل في احتلال العراق، بهذا القدر أو ذاك، وما عاد التوقف في الوقت الحاضر عند تلك الخلافات ضرورياً بعدما صارت تلك الخطوة واقعاً مفروضا ومشرعناً من قبل المنظمة الدولية.
لا شك أن تداعيات الإحداث في العراق الجريح، وخصوصاً بعد احتلاله تلك الناجمة عن استشراء الأعمال الإرهابية بفعل أيادي تبغي الخراب للعراق، وتطال أرواح أبنائه الأبرياء، التي استعرت بسبب استغلال الانفلات الأمني وعدم السيطرة على الحدود مع الدول المجاورة، جعلت من الحكومة العراقية المؤقتة في واقع يستدعي البحث عن شرعية دولية تقف معها لتقويض أعمال الإرهاب الهمجية، وتصد موجات الحقد الأسود والغل الوافدة من خارج البلد، وتدعم كل الجهود الرامية الى تحقيق الأمن والأمان والاستقرار فيه، كأولوية يتوافق عليها غالبية العراقيين في الوقت الحاضر.
جنوح المؤتمر الى دعوة المصالحة الوطنية بين العراقيين، بشكل عائم، من دون معالم محددة، يعني ترك الأمور على عواهلها، لأن ذلك سيفضي الى التباس، أو بالأحرى الى مأزق، وعندها يغدو مجرد الدعوة من دون فعل ملموس، كأنما عباءة تغطية لأعمال التقتيل وسنن الاحتراب والافتراس، فمعيار المصالحة لابد أن يستند في التوافق على تبني التغيير الديمقراطي للعراق، ونبذ العنف، وتحقيق المسائلة القانونية عن أرواح العراقيين التي دفنت فيما مضى تحت الأرض، والدماء التي لا زالت تسيل بفعل الاغتيالات والمفخخات، ولم تجف بعد، لأنها جرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن تسقط مهما تقادم الزمن.
يتطلع العراقيون ضحايا الحروب والحصار والاحتلال والمفخخات، الى أن تتخلص الأطراف المدعوة لحضور المؤتمر من شراك حسابات المصالح الذاتية، وتضع نصب عينها على الأقل الحد الأدنى من مصالح محور المؤتمر، العراق وغالبية العراقيين، لتبديد المخاطر الجمة التي تهدد أمنه واستقراره، ووحدته أرضاً وشعباً، وتقدم ما بوسعها لدعم العملية السياسية الجارية في البلد، لتسيير عملية الانتخابات النيابية المقبلة بأجواء مستقرة وحرة ونزيهة في موعدها الأقصى نهاية كانون الثاني 2005، كخطوة أولى على طريق نيل الاستقلال الناجز، وبناء الأسس السليمة للنهج الديمقراطي عبر اختيار تشكيلة برلمانية تمثل كافة أطياف ومكونات الشعب العراقي، كي تتصدى الى مهام تشريع الدستور الدائم، وتشكيل حكومة شرعية تضطلع بمهام المرحلة الانتقالية الثانية، وهذه الإجراءات من دون شك ستمهد الى تحديد أفق واضح لانسحاب قوات الاحتلال الأجنبية من العراق، عبر جدولة زمنية تفرض مواقيتها ظروف البلد الذاتية، وما يحيط به من ظروف موضوعية، إقليمية ودولية، وليس على غرار نغمات مَنْ يحاول أن يبتزنا، بشعارات الخروج الفوري لقوات الاحتلال، التي يجري ترديدها بكثرة في سوح النضال المتهالكة، فهي قطعاً لا تدرك أهوال ذلك، وغير معنية بحال العراقيين وواقع البلد، نحسبها في خانة المزايدات على العراقيين، شاء من شاء وأبى من أبى، حتى ولوان قسماً منها صدر بنوايا سليمة.
إن الدول العربية الشقيقة مدعوة، كما المجتمع الدولي، وعبر هذا المؤتمر الى اتخاذ قرارات جدية تعالج موضوعة الديون على العراق، بإطفاء كل ما ترتب بذمته من ديون كارثية، كان قد أقترضها النظام البائد، أو قدمت له كدعم خلال حقبة الحروب والتسلط والجور الماضية. وتأخذ على عاتقاها مساعي الوصول الى إلغاء التعويضات التي أقرتها المنظمة الدولية، من جراء نزواته وغزواته، فبالرغم من كون معظم الديون حقيقية وموثقة، إلا أنها تمثل تعهدات لتعاملات تجارية مبهمة، ومواثيق غير معلومة، تم إتمامها في حقبة تشارك الكثير من الدائنين في رسم ودعم سياستها، والبعض الأخر ساهم في تسيير أحداثها بشكل مباشر، ولكنه في الأخير ناء بعيدا عن جريرة نتائجها المعروفة.
كثيراً ما تشنفت أسماعنا بما تعلنه وسائل الإعلام العديدة عن مواقف دولية تدعي الحرص على العراق الجريح، وتعلن بالكلام المعسول مساندتها للشعب العراقي، تتبجح بالوقوف معه في أزمته ومحنته الحالية، وهي لا تخرج عن إطار كونها مواقف فضفاضة، فما حاق بنا والعراق اليوم يجعلنا غير أبهين، إلا بمن يجسد القول بالفعل على أرض الواقع، ذلك الذي يساعدنا في شل الجراح الغائرة، ويسند صوت الحق المتهدج في غاب التكسب بأباطيل الشعارات الثورية، وسياسات السمسرة، فالوقوف مع العراق، ومساندته عبر هذا المؤتمر، لابد أن يكون مقروناً بخروج المواقف من عتبة الأقوال الى عتبة الأفعال الصادقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا