الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعدام

هاتف بشبوش

2011 / 7 / 26
الادب والفن






إعــــــــــدام


طارق الهاشمي الجلواز المرائي ,يعرف جيدا كيف يتحيّن الفرص كي يزيدنا قرفاً فوق قرفنا من الضباط , الذين عرفناهم جيدا , وهم يسوموننا ضيما وقهرا لسنين كثيرة , من الاذلال في جيش المجرم صدام .
كنت يافعا وقد نبت لي زغب السياسة توا , وانا اسمع من اذاعة اسرائيل تقول( اذا اردتَ ان تكون ملكا , فكن ضابطا في الجيش العراقي) , ولم اكن أصدقُ مفهوم هذه الكلمات بسبب حقدي الاعمى على اسرائيل , حتى دخلتُ السلك العسكري الالزامي , فوجدتُ الضباط العراقيين قولا ً وفعلا ً ,ملوكاً ساقطين , شاخصين أمامي , وبعد ان قطعتُ شوطا كبيرا , جنديا خادما لامثال المجرم سلطان هاشم ورشيد حسين التكريتي وطارق الهاشمي , وليس خادما للوطن , عرفت ُ جيدا ماذا تعني هذه الكلمات , كنت مهانا على الدوام , بائسا , ذليلا , خائفا , اضعف من نملة , يدوسونها باقدامهم متى شاءوا , حقير امام هؤلاء الملوك كما قالت اسرائيل , ايام وانا اجد نفسي كالحمار الذي يُحمّل بما لايطيق, ولايستطيع حتى النهيق ,ناهيك عن الكلمات البذيئة , الشنيعة التي لايمكنني نسيانها مادام هناك نبض حي , والتي تنطلق من افواه أولئك البغي الضباط , جميعهم لا استثني احدا الاّ ما ندر .
كان في ثكنتي العسكرية عشرة جنود هاربين في السجن من اصدقائي الاعزاء, وقد حكمَ عليهم آمر اللواء حسب الصلاحيات المخولة له , بالاعدام رميا بالرصاص , على ان ينفذ الحكم في ساحة عرضات وحدتنا , وان يتم اختيار مجموعة منا نحن الجنود اصدقاء الهاربين ان نقوم برميهم , ياللهول....... ياللهول ,, اتذكر ذلك اليوم جيدا , وبعد ان قرأوا علينا القرار وتفرّقنا , جميعنا قد اخذتنا نوبة من القئ , والحمى , استمرت لأيام , نتيجة القرف والخوف من القرار الخسيس الغير مهني كما يدعي اليوم طارق الهاشمي بمهنية هؤلاء الضباط المجرمين . أنها لحظات عصيبة يتخلّلها التوتر الدائم , وعليّ انْ ابذل جهدا عظيما كي ابقى متماسكا وصلبا , وفي نفس الوقت عليّ أنْ أموت الاف المرات مع الصمت والحزن , لانّ اي شجار مع هؤلاء البغاة يؤدي بالجندي الضعيف الى السجن لاشهر او سنين .
من يستطيع النوم والراحة في ذلك اليوم المغبرعلى ان يصحوا ويجد نفسه واحدا من الذين اختاروه ليمطر أصدقاءه بوابل من الرصاص , واذا لم يُنفـذ القترار , يعتبر خائنا وسوف يُرمى معهم .
أجلسونا اجبارا في صباح ذلك اليوم المكفهرّ, نحن الذين لم يقع عليهم الاختيار لرمي أصدقاءه الهاربين, كي نشاهد موت اصدقاءنا بأم اعيننا , لكي يكون الاعدام بهذه الطريقة البشعة عبرة لنا, ثم جاء منفذوا الاعدام مقنـّعين , وقد القى علينا آمر اللواء المجرم محاضرة في الوطنية المزيفة وتخلّلها التهديد والوعيد , دقائق وقد امطروهم بالرصاص وهم موثقين على شاخص خشبي . ولحد هذا اليوم لااعرف من الذي رمى اصدقاءه العشرة وارداهم قتيلين , انه مشهد مروّع لايطيقه بشر ,عدا امثال سلطان هاشم ورشيد حسين التكريتي . هذا هو الجيش العراقي الذي يتكلم عنه طارق الهاشمي وعن مهنية الضباط الغير شرفاء , انهم جميعا كلاب .
لدى عشائر بني عبس في السماوة كلاب كثيرة نابحة ولكن هناك من بينهنّ كلبة تدعى (طوكة) وهي تختلف عن باقي الكلاب بكونها متوحشة مفترسة , تنهشُ في الذاهب والآيب , ولذلك قالوا هذا المثل المشاع لديهم ( كل الكلاب احســـن من طوكة ) , لكن ضباط الجيش العراقي كانوا كلهم مثل تلك الكلبة ( طوكة).
بدأ حقدي يزداد يوما بعد اخر للضباط , للسلاح , لصواريخ سام التي كنت اعمل عليها , لكل شئ اضعه امامي باحتقار ,وغضب ,وحتى حينما أتالم ويتوجب علي ان اصرخ , لااستطيع سوى ان العنهم في داخلي خوفا من آذانهم المزروعة في كل مكان .
لقد كان لي صديق جندي في وحدتي وهو معلم مدرسة وقد جنّ في ايامه الاخيرة مما لاقاه من العذابات على ايدي الضباط اللاشرفاء , وقد كنت اقول له ( شيخلّصهه العسكرية ) يقول ( بالعكس , العسكرية تخلّص, لكن المدنية شيخلّصهه) وبالفعل حينما حصل على الانتداب لكونه معلما , كان مجنونا خالصا , وبدل ان يعمل في مهنته كمعلم ,عمل في الشوارع بصفته مجنونــا , وهو حتى اليوم يجوب شوارع المدينة بثوبٍ بالٍ يرفعه الاطفال النزقون فتظهرُ أعضاءه , وقد صدق قولـــه( المدنية شيخلّصهه) , وخذ الحكمة من أفواه المجانين.
لقد ترك لنا هؤلاء الضباط اللوطيين الاماً قاتلة وتشوهات دائمة , انهم ضباط ساديون , ونحن كنا ضعفاء امام جبروتهم وقسوتهم , كنا خانعين , صبورين لجبننا الرهيب انذاك , جبننا الذي يجعل منا قادرين على التحمل والتجاوز والاستمرار .
جبننا هو المزيج من الخوف والتحدي والاصرار والحنين الى كل شئ انساني ,والذي لا يمكن أن يمنحهُ لنا هؤلاء الضباط القرود ,بوجوههم المستمناة , وكنت احلم كيف يمكنني تجاوز هذا النفق المظلم الى الجهة الاخرى , كيف يمكنني ان اضع حدا للخوف من هؤلاء , كيف يمكنني التخلص من جرذيتي هذه , التي لم أستطع تجاوزها حينذاك سوى مع كأس من العرق , أثناء إجازتي الدورية , والتي تحفّزُ في داخلي ميلاد لحظات اعتزاز و قوة وفخر , تجعلني افكر, أنّ فيّ الكثير, الغير قابل للكسر والالغاء . وفيّ من طاقة الاستمرار الكثير الكثير , وانا اليوم طائرُّ حرُّ وبعد إنْ أعدتُ ترميم نفسي من آلامها , ولطالما حلمتُ انْ اشتم كل ضابط عراقي قديم بأعلى صوتي .. فها انذا اليوم اقول لهم أنا هنا ............. أيّها السفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلة .

هــاتف بشبــوش/عـراق/دنمــارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدقت
نبيل عبد الأمير الربيعي ( 2011 / 7 / 26 - 05:37 )
تحية من الاعماق للغالي ابن السماوة هاتف بشبوش
لقد اعدت الى ذاكرتي مهزلة الحروب والدمار واللوطيين من اشباه الرجال


2 - الخزي والعار للكلاب الصدامية
سامي عبد المنعم ( 2011 / 7 / 26 - 19:06 )
العزيز هاتف تحية من القلب
هذه هي نهاية الاوباش السفلة انهم في مزبلة التاريخ
المجد والخلود لكل الشهداء من ابناء العراق الشرفاء
والرفعة والعزة لمن بقي على قيد الحياة كشاهد عيان على اجرام هؤلاء المأجورين


3 - مليون تحية
هاتف بشبوش ( 2011 / 7 / 26 - 21:06 )
المبدع الجميل .. نبيل عبد الامير الربيعي ... لم اقل غير الحقيقة وكل ماقلته عايشته لحظة بلحظة وكل لحظة كنت احمل فيها من الالام ما لايطاق .. ولكننا اليوم محسودين لاننا استطعنا ان نقول كلمتنا بحق هؤلاء السفلة وهذا مايريحني جيدا ...


حبي واحترامي
هاتف بشبوش


4 - تحيات حارة
هاتف بشبوش ( 2011 / 7 / 26 - 21:12 )
صديقي الشاعر الجميل سامي عبد المنعم .. لقد اشتقت لسماع صوتك من على البالتلك .. ولكننا هذه الايام قد تعبنا من البالتالك .. اكيد انك تذكر جيدا مافعل هؤلاء بنا لسنين طويلة .. ذهبت تلك السنوات هباءا و.حينمااتذكرها اموت قهرا وضيما .. اتذكرهم جيدا وجها وجها ولم انسى جبروتهم واستهتارهم .. ..
لقد اشبعونا من الذل والهوان .. ولكننا اليوم على الاقل انا وانت وكل المبدعين استطعنا ان نقول كلمتنا بما لم نقله سابقا ..

احترامي واشتياقي
هاتف بشبوش

اخر الافلام

.. -شد طلوع-... لوحة راقصة تعيدنا إلى الزمن الجميل والذكريات مع


.. بعثة الاتحاد الأوروبي بالجزائر تنظم مهرجانا دوليا للموسيقى ت




.. الكاتب في التاريخ نايف الجعويني يوضح أسباب اختلاف الروايات ا


.. محامية ومحبة للثقافة والدين.. زوجة ستارمر تخرج للضوء بعد انت




.. الكينج والهضبة والقيصر أبرز نجوم الغناء.. 8 أسابيع من البهجة