الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبيط...الشوك الدامي- الفصل السابع والثامن.

أنور مكسيموس

2011 / 7 / 26
الادب والفن


جحظت عيون الصبية سيدة, وهي ترى من طاقة البيت العلوية حجاج, وهو يرتدي قميصا وبنطلونا فصرخت: "الحقيني يا أمي!..."الواد العويل حجاج أبو…لابس شاكب راكب"…
فزعت الأم نحو ابنتها, بمجرد أن سمعت طلب النجدة, ولكنها أدركت أن هناك ما يضحك, عندما رأت ابنتها سيدة, وهي تفغر فاها, بين الدهشة والابتسام!.
أزاحتها أمها لتنظر حيث توجهت ابنتها بنظرها ورأت, حجاج ابن همام وهو قادم!…
اقترب حجاج, مسرورا بما يرتديه, وألقى بتحيته مبتسما ووجه نحو الأرض: "ازيك" يا خاله…"ازيك" يا أم زنون…
لم تجب الأم وهي في ذهولها. تريد أن تستوعب كل تفاصيل ما يرتديه هذا الصبي, بينما الصبية بين الضحك والتعجب فيما يرتديه حجاج!.
تابعته أم سيدة, وهي شاردة, حتى دخل بيته, وبينما هي في شرودها, أيقظتها سيدة وهي تقول: أم حجاج قادمة!…
فهمت المرأة, مقصد أن يأتي حجاج بمفرده, ثم تلحق به أمه…
بالنسبة لهؤلاء الفقراء, كل شئ قابل للحسد, حتى ولو كان قليلا مميزا. ولذلك لم تشأ أم حجاج أن تدخل مع ولدها حجاج هذا الدرب الفقير الضيق, حتى لا يكونوا عرضة لعيون الحساد.
اقتربت سيدة, ألقت بتحيتها على جارتها, فردت عليها, ولكنها فوجئت بالحدة وهي تقول لها: لا تجعلي ولدك حجاج يقول لسيدة يا أم زنون…البنت كبرت فكيف يقول لها هذا كلما قابلها…إن مخاطه لا يجف على أنفه!…
استمعت أم حجاج لهذا السيل من التنبيهات والهجوم, وقد استغربت ذلك جدا. فحتى هذا الصباح, لم يكن بينهم أي لوم أو تنبيه, أو استغراب لأي شئ…فلماذا الآن؟!.
لقد طحن الفقر الجميع, وسوى دروب تلك البلدة بالأرض. ولكن عندما يرتدي هذا الصبي بنطلونا وقميصا, فهناك انقلاب ما قد حدث!.
لم يعد يليق, أو يقبل أن ينادي حجاج سيدة يا أم زنون كما كان في الماضي. لقد أصبح هذا الصباح بعيدا جدا, بعد أن ارتدى هذا الزي الجديد الحديث!.
لقد أضحى من المؤكد بين أهل تلك الناحية, أن حجاج "العويل" سوف يتزوج "أم زنون"…
لذلك لم يكن مستغربا, أن تثور أم سيدة, على هذه التسمية, فكما أن حجاج ارتدى بنطلونا وقميصا وترقى, فعليه ألا ينادي سيدة بهذا اللقب مرة أخرى.
لقد اتفق المبروك والد سيدة وهمام والد حجاج, على زواج البنت والولد, في "الدميرة" بعد القادمة, حتى يستطيعا تجهيزهما, وتخزين مؤن الزواج, من ملوحة "الدميرة" والجبن القديم,…
أزاحت أم حجاج باب البيت, ودخلت, تلقف من الحر وتتصبب عرقا, ورشت قليلا من الماء على الارض, لتضع عليها قدميها الحافيتين, تستجير بهما من حرارة الارض وترابها الساخن وحصاها الذي ينشك في قدمها وبين أصابعها. ألقت ببردتها, وجلباب حجاج على الأرض. وجلست تتأمل ابنها الغافل عنها داخل نفسه, الذي جلس على المسطبة مادا قدميه الى الأمام حتى لا ينثني البنطلون الجديد أو يتفتق!.
شردت سيدة, في أحداث ذلك اليوم. لقد بدأت تستعيد كل تفاصيل الحديث الذي دار بينها وبين عم قط, ومدحه واستحسانه الصبي والملابس.
لقد أحضر عم قط "النقلي", أول ما أحضر لسيدة وولدها, بنطلون كبير ليعيش مدة أطول, وهو يناسب حجاج, لكن ثمنه يفوق ما معهما من نقود, فطلبت سيدة بنطلون أرخص سعرا, فأحضر لهما عم قط, بنطلون رخيص جدا, لكنه رديء وليس على مقاسه وهو يقول, انه أصغر مقاسا من ولدك, وأنت كما ترين الولد مثل "البطش", أي مثل عجل الجاموس الصغير العفي. ثم أكمل: انتظري سوف تأتي بعد عدة أيام مقاسات أكبر, قالها وهو يعلم من نظراتها الغائبة في أرجاء المحل, أنها أتت لتشتري, ولن تتراجع, ولذلك أحضر لها هذا البنطلون البعيد كل البعد عن مقاس الصبي.
بسملت سيدة وحولقت, وهي تدعو ربها أن يحفظ ولدها من تلك النظرات الحاسدة, ولكنها في ذات الوقت فرحة بهذا الوصف, فقد أصبح لديها "بطش" جاموس.
قالت سيدة: لا يهم!…يقيسه, فان لبسه, أخذناه.
خلع حجاج في عجالة, جلبابه, وارتدى البنطلون, فوق سرواله القذر. كان البنطلون بالكاد يحتوي السروال الداخلي, ككيس من القماش الكبير الحجم, وقد ضاعت ألوانه من طول التخزين والتراب المتراكم عليه.
نظرت سيدة فإذا به حسن جدا, وقد أظهر تقاسيم جسد الصبي وبدانته.
طلبت سيدة قميصا. فأتاها بقميص كبير جدا, رأت أنه يفي بالغرض. ارتداه حجاج على عجل, واكتملت هيئته أمام سيدة, التي شردت وهي تنظر الى ابنها الأفندي, وعم قط يعطيها الفرصة لتتأمل, وتحلم أكثر. كان ينظر إليها دون أن تنتبه له, وهو يدير طربوشه الأحمر, الممتلئ ثقوبا, حول رأسه ووجهه تصبب عرقا من حرارة الجو .
كانت هذه عادة عم قط, القصير المكير, أن يدير الطربوش ويهرش به جبهته المتربة والممتلئة عرقا, وهو غارق مع الزبون في أفكاره, حتى إذا دخل رأسه- رأس الزبون أو الزبونة- أدارها لمصلحته. وقد أخذ هذا الطربوش, من أحد الخواجات, نظيفا سليما معافى, عندما استغنى عنه, فوضعه على رأسه, ولا يخلعه إلا عند النوم.
أيقظها عم قط من حلمها وتأملاتها وهو يقول: سوف تشترين القميص والبنطلون؟.
-نعم…وأريد أن تصنع له حذاء!…
تعجب الرجل, فهو لم يرى أحد في تلك الناحية, يرتدي حذاء. الكل يسيرون حفاة…النساء والأطفال والشباب والرجال…الكل ينتعل قدمه الجافة السميكة نعل حذاء. بخلاف خواجات البلدة وأولادهم ووجهاءها وشيوخ البلد والعمدة,فان القلة القليلة جدا, والنادرة في غالب الأحوال, والتي تطلب حذاء, هم من النواحي القريبة جدا من مركز البلدة, لأسباب التعلم, أو النزول الى القاهرة للتجارة أو للتعلم.
وعندما يطلب أحدهم حذاء, فإنه يطلبه بحجم أكبر, أي زيادة نمرة أو نمرتين, حتى لا يتفتق سريعا, وحتى يمكن أن يستوعب, القدم عندما تكبر, أو تتضخم.كما أن الحذاء, وهو شئ حديث جدا, له طريقة خاصة في السير.فأقدام هؤلاء تنحت أرض الطريق نحتا, فما بالك لو لبس أحدهم حذاء؟!.لذلك, كان على من يرتدي حذاء, ويريد مواصلة السير به, أن ينقل قدمه نقلا, مثلما يفعل طائر أبو قردان, حتى لا يذوب النعل سريعا, تحت تأثير تلك الأقدام البرية.
استيقظ عم قط, لما يحدث أمامه, وأيقظ المرأة الواقفة أمامه من أحلامها, وهو يقول لها: أربعة قروش ثمن الحذاء, سوف تدفعين قرشين, وعند الاستلام قرشين.
-ومتى تنتهي منه؟.
رأى الرجل علامات الاستعجال على وجهه,ا فقال بعد أن حسب متى ينزل لشراء النعل والجلد, وحتى يجمع له أيضا حذاء آخر, أو حذاءين: الجمعة بعد القادمة إن شاء الله.
تنهدت سيدة اذ علمت أنه لا فائدة من الرجاء, ولابد من الانتظار, وقالت: الحذاء يجب أن يكون كبيرا, اجعله زيادة نمرتين, وتكرمنا في "المصنعية", حتى يكون شديدا ويعيش.
-حاضر يا أم البك.
أفاقت سيدة من هذه التفصيلات التي لم يمر عليها سوى ساعتين, أو أكثر قليلا, ونظرت الى حجاج مرة أخرى وهي تتأمله , ثم طلبت منه أن يقف لتراه. وقف حجاج بعينين شاردتين, وتأملته سيدة, وهو يقف, ثم هبطت الى أسفل, لتتأمل قدميه الحافيتين…قميص وبنطلون وليس حذاء بعد!.
طلبت منه أن يبقى كما هو, حتى يعود أبيه همام ويرى تلك الأعجوبة!.
انصرفت سيدة الى أعمال المنزل, وهي بين الشرود, والابتسام, وكلما مرت بحجاج تأملته, وهو يجلس كالتمثال, فاتحا عينيه شاردا, يخشى على زيه هذا أن يصيبه سوء.
دفع همام الباب, ودخل وهو يحمل قفته, ويتصبب عرقا, فقد أحضر ملئ القفة روث البهائم النيئ, وهو ما يسمونه "بالختى", أو الجلة الطرية".
فوجئ همام بذلك الجالس, الهائم بنفسه, كأنه من عالم آخر, ثم حضرت سيدة, وهي تبتسم وتضحك وتتدلل: ما رأيك في هذا الأفندي الصغير الجالس أمامك؟.
نظر إليه همام ولم يبادل الصبي أي حديث أو التفات,وإنما وجه حديثه الى سيدة: طبعا أنهيت كل ما معك من نقود!.
-أطال الله لنا في عمرك, ونرفل ونستمتع بخيرك, وسوف ترى حجاج ابنك أحد الأفندية الذي يشار إليه بالبنان, وتبقى أنت أبو البك, بالله عليك ما رأيك؟.
أنت تلقين النقود على الأرض…وما هذا البنطلون الضيق, الذي سوف يتفتق سريعا…هل جننت لكل ذلك؟!.
كانت سيدة قد اتفقت مع زوجها على كل ما أحضرته, ولكن لابد من هذه المشاجرة, لتعرف كم ضحى وتساهل.
ولكي تنهي هذا الحديث الذي قد يتفتق عنه مواضيع أخرى, طلبت من حجاج أن يقوم بخلع ملابسه ويقوم بنشر الجلة, في غرفة الطيور والتي بلا سقف, حتى تجف. ولما لم تجد أن الصبي, يصغي لها, وقد تجمد في مكانه, لكزته وهي تضحك: قم…نشر "اِلجلة" يا ولد…
قام الصبي وخلع ملابسه في رفق وهدوء, وقام بتطبيقهما كما رآهما عند البائع, ووضعهما تحت حصيرة المصطبة, حتى يحفظهما بشكلهما الحالي, عندما يعاود لبسهما. قام أخيرا وأخذ القفة الى داخل الغرفة, وبذلك عاد الى هيئته وطبيعته الأولى, ومنظره المعتاد.
بادرت سيدة همام وهي تضحك: انك لم ترى البنت سيدة…أم زنون…وقد فتحت فمها والذي يشبه "زبدية الفروج" على آخره, وأمها التي كادت تنفجر من الغيظ…
ظلت سيدة تتحدث, وهمام مطرق برأسه يستمع ويستطيب رويدا, رويدا, ما تقوله له زوجته. ثم أردفت سيدة قائلة: لن تأخذ سيدة لحجاج.
سألها همام وهو سارح, ودون أن يعترض على ما قالته:
- وماذا سنقول لهم ولأهل البلدة؟!…الجميع يعرف أن سيدة لحجاج!…
-سيدة: دع هذا الأمر لي, وكل شئ قسمة ونصيب…
-همام: لكن!…
-سيدة: لا لكن, ولا غيره, دع الأمر لي, سوف أفتعل معها مشاجرة, وكل حي يذهب لحال سبيله!…
-همام: والبنت التي ربطناها لأكثر من عامين لولدك العويل هذا؟.
-سيدة: لا زالت صغيرة ولم يفتها قطار الزواج بعد…ممكن أن يزوجها لابن علي الكلاف, سبق وأن طلبها لابنه…
-همام: ولكن ابن علي, سوف يتزوج موزة بنت خليفة, مقرئ الترب!.
-سيدة: ليس لنا صالح بهؤلاء القوم بعد!. هذه ابنتهم, ولا نفع في شئ يأتي من طرفهم!.
هز همام رأسه, وسكت قليلا ثم قال: افعلي ما تريدين!…لكن لا تدخليني في شئ!…
-ردت سيدة بثقة: لا تعل هم شئ, اترك لي كل ذلك, وان ضاق أهل الناحية عليك, قل لهم امرأة مجنونة ولن تستريح البنية معها. ما رأيك في بنت بلال؟.
-سأل همام في دهشة: بلال!…بلال من؟.
-سيدة: هل تعرف غيره؟…هذا النطع الشره…بلال أبو سنة…
-همام وهو لا زال في دهشته: ابنته من؟!…نحمده؟!…
-سيدة: لا, لا,…نحمده كبيرة…لقد أتمت الأربعة عشرة سنة!…
-همام: أم العيون؟!…
-سيدة: ولا أم العيون, لقد أتمت إحدى عشرة سنة…كما أنها "بطلانه-أي ضعيفة صحيا- ألا تذكر البنت "الوسطانية"…أم العنز…وهي اسم على مسمى…نشيطة وعفية, ومقدمها خير...اشترى أبيها المنزل الجديد الذي يسكنون فيه الآن بعد ولادتها بعدة أيام, لقد أكملت أمها "نفاسها" فيه…إنها الآن حول الإثني عشرة سنة…ما هو قولك؟.
هز رأسه بالموافقة, كأنه عندما يفاتح بلال, سوف يرحب به كثيرا.
لكن سيدة لم تترك الأمور على سلاستها هذه, بل أردفت قائلة: لابد أن يكتب لها نصف فدان, ونصف البيت…نحن لا نعرف ماذا يأتي به الغد…بلال لم ينجب سوى بنات, ولو مات سوف يشاركه كل أقاربه في ميراثه, لابد أن نتفق معه على كل شئ…ولا تنسى أنه سوف يبذل قصارى جهده لرفعة زوج ابنته, لأنه سوف يصبح حما الأفندي…على أي حال, لنرى كيف يرد أبو البنات, وأنا أم الولد, والولد يكسب كل شئ!.
*******
وقفت سيدة أمام ولدها, وقتا طويلا دون أن يلحظ ذلك, فقد كان شاردا وسرحانا. تأملته من بعيد ثم اقتربت منه وبادرته قائلة: فيم سرحانك يا ولد؟!…هل تريد أن تتزوج؟.
سكت الصبي ولم يرد فأعادت عليه السؤال بطريق أخرى: ما رأيك في أم العنز؟…سوف نخطبها لك من عمك بلال…ما رأيك؟.
-لكن أم العنز!…
قاطعته سيدة عندما سمعت كلمة لكن: وماذا بها أم العنز؟!…قبل سابق لم نكن نقدر أن نفكر بذلك…لقد كلم أبوك بلال, ولكن فيما بعد سوف يتحدث معهم حديثا قاطعا, وسوف نطلب منهم, أن يكتبوا لها نصف فدان…على الأقل…ونصف البيت…
-ولكني لا أريد أم العنز…
-ومن تريد إذن ؟!…أم زنون؟!…لن نستطيع أن نفاتح أهلها بعد الآن…
استلقى الفتى على ظهره وهو يحملق في سقف الغرفة وقال: ولا أريد أم زنون…
تمهلت الأم قليلا متعجبة قبل أن تبدأ الاستيضاح وقد علت وجهها ابتسامة وقالت: لا تقل لي أنك تريد الزواج ببنت العمدة, أو بنت أبو سليم شيخ البلد!…نحن أخرنا بلال أبو سنة!.
-أنا لن أتزوج…لا أريد الزواج…لا بنت العمدة ولا بنت شيخ البلد…
-من إذن يا حجاج أفندي؟.وضحكت.
-سوسن!.
-سوسن من يا حزين؟!…
-بنت عبد الرحمن بك المفتش!…
دقت المرأة على صدرها في فزع, وقد علمت أن نهاية آمالها قد قربت. فلو عرف عبد الرحمن بك, بأن أحد خدمه ينظر الى ابنته, أو تطوع أحدهم ودس الى بلال, وقام بلال بدوره بإبلاغ عبد الرحمن بك. فان هذا الرجل الشديد, سوف يطرده هو وأبوه, وقد يلاحقهم, حتى يطردهم من البلدة كلها…
قالت الأم: سوسن بنت عبد الرحمن بك؟…المفتش؟!…سوسن التي يحكي عنها كل من رآها أو سمع عنها…السنيورة!…وحيدة البك المفتش…هل جننت يا ولد؟!…ولد عويل ومخبول, كما قال أبوك…لأجل ذلك ظللت تلح علي, أن أشتري لك "شاكب راكب" أي بنطلون وقميص…
ثم أردفت متفحصة الولد, ومهيأة نفسها, لفحص كل كلمة ينطق بها: قل لي يا ولد!…هل لاحظ بلال أو أي من العاملين بالفيلا شئ عن ذلك؟.
-لا…أنا فقط من بعيد…
نهرته الأم في شدة وحزم: هل تعرف ماذا سيحدث لو عرف عمك بلال, وخصوصا أن أبيك قد تكلم معه في خصوص خطبة ابنته لك؟…لا أريدك أن تتحدث في هذا الموضوع مرة أخرى, وتنتبه لعملك, وعملك فقط, ولا شئ آخر…لا تنظر إليها مطلقا…سوف نخطب لك أم العنز بنت عمك بلال…
-لن أتزوج…
-هل جننت يا ولد؟!…بنت بلال وتقول انك لن تتزوج…هل تصغرنا معه؟…
-ليس لي صالح, أنا لن أتزوج…
سكتت الأم قليلا, قبل أن تستدير بالحديث في جهة أخرى قائلة: ومن سيخطب لك بنت المفتش؟…أبوك همام أفندي أم أنا…ثم ضحكت, وهي تنظر إليه مليا…
أثارت ضحكتها كرامته, وقال كأنه يلقي بسر من أسراره التي لا يعرفها أحد: إنها تحبني…
-تحبك؟…تعني أنها تعشقك, وتهيم بك…نعم, نعم…ثم ماذا؟!…
-صدقيني هي تحبني…ثم أقسم, وأغلظ في القسم, حتى يدفع أمه الى تصديقه, وعدم السخرية منه…
ثم أردف قائلا, وأمه تتأمله: كلما مرت بي, نظرت وضحكت…
إنها تضحك منك, ومن منظرك…قالتها في حزم حتى يتأكد أنه واهم, ولكنه عارضها قائلا: لا…لأنها تضحك لي…
-وماذا تفعل أنت؟…
-أتجاهلها…
-هي تضحك لك وأنت تتجاهلها!…
فجأة انتبهت المرأة من تأملاتها, لتسأله: هل تسير بمفردها, أم يكون معها أحد الخدم؟.
-هي لا تخرج إلا مع أمها.
عاد الفزع والخوف لوجه سيدة, فهي تعرف قوة ملاحظة المرأة, وقلبها, وسألته:
-هل لاحظت أمها شيئا؟…
-إنها تنظر إلي وتضحك…
أراحت هذه الإجابة سيدة من هواجسها, فأردفت قائلة: أمها أيضا!… فريدة هانم…تنظر لك وتضحك!… اسمع يا ولد, إياك أن تفتح هذا الموضوع…لا أريد أن يعرف أبيك عن ذلك شيئا…أنت تعرف ماذا سيحدث, لو عرف أبوك…عندما ترى البنت وأمها قادمتين, اختفي من وجههما!…هل سمعت؟…هل نسيت ما حدث من قبل, من أبيك وعمك بلال؟.
سمعت الأم صوت الباب وهو يفتح, فعلمت أن همام قد حضر. استدار الصبي على جانبه, وجهه نحو الحائط, متظاهرا بالنوم¸ وهي لا تزال تحذره في همس قبل أن تغادر…
ألقى همام بجوال الدقيق, على الأرض, وقد اختلط وجهه ورأسه وملابسه بالدقيق الأبيض والتراب الأسود, وجلس مسندا رأسه على الحائط, وهو يمسح وجهه بكم جلبابه.
أسرعت سيدة إليه, تحمل قلة الماء, فأخذها وروى ظمأه, من لهيب حرارة الجو, وطلب كوبا من الشاي, وسألها: هل عاد الولد من عمله؟.
-نعم, وهو ينعس قليلا…"ِمجَييل"…
-لقد فاتحني بلال, في زواج أم العنز, من حجاج, وقال لابد أن تتزوج الكبرى أولا, وقد تصنعت أنني لا أفهم ماذا يريد!.
-هو يريد إزاحة, البنتين, نحمده وأم العيون…رجل لئيم و واعي, مثل التاجر الشاطر, يزيح البضاعة الراكدة أولا ثم ينتبه بعد ذلك للرائجة…
ثم أردفت قائلة: سوف أضع لك الطعام, ثم أذهب لرؤية أم نحمده.
وضعت سيدة الطعام, ثم وضعت الشاي على الموقد, وطلبت منه استكمال عمل الشاي, بعد أن ينتهي من طعامه, والتفت ببردتها, وانطلقت الى بيت بلال, تحمل بعض "المقارص", في قفة وضعتها على رأسها.
طرقت سيدة الباب, فأطلت نحمده من الدور العلوي, ثم اختفت قليلا, وعادت لتدعو سيدة للدخول, بعد أن سحبت حبل مدلى, من أعلى لأسفل ومربط باليد الخشبية المتحركة للباب.
دخلت سيدة وهي تستعيذ. وتبسمل, بصوت عال, حتى يسمعها كل من قي البيت فلا يخشى العين أو الحسد, حتى إذا ما وصلت, حيث تجلس أم نحمده, ألقت السلام, وجلست القرفصاء, على الأرض.
تأملت أم نحمده سيدة بعضا من الوقت...وتتابعها وهي تمسح وجهها بالشال الملفوف حول رأسها, وقد نظرت الى الأرض متفكرة…
انتبهت سيدة الى نفسها, وقد عدلت من جلستها, الى نصف قرفصاء, ودفعت بالقفة أمامها وهي تقول: أحضرت لك بعض "المقارص"…صنعتها خصيصا لك…خفيفة وكبيرة…
نادت أم نحمده, على ابنتها الكبيرة, وهي لا تزال تنظر الى سيدة: بنت يا نحمده, "تعال" خذي هذه "المقارص" وضعيها في غرفة الغلال.
أتت نحمده, وهي تتمسح مثل القطة, وسلمت على سيدة: كيف حالك يا خالتي!.
ردت سيدة, وهي ترفع وجهها, نحو نحمده, مستطلعة لهذه اللهجة الغريبة: إن شاء الله تسلمي, يا قمر يا غالية.
حملت نحمده القفة, وقد طلبت منها أمها, وهي لا تزال ترمق سيدة: اعملي شاي لخالتك سيدة يا نحمده.
ردت الفتاه وهي تبتسم: حاضر.
كسرت أم نحمده, هذا اللقاء غير المريح. فلم تعد سيدة تلك المرأة, التي تحضر, وتقوم بدور الأراجوز. تسخر من نفسها, ومن زوجها, وتتخذ من حجاج مادة للتندر عندما تشبهه بأبيه همام. سألتها: ماذا بك يا بنت يا سيدة؟!…منذ أتيت, وأنت تجلسين صامته!…ماذا بك, ولماذا أتيت؟!…
انتبهت سيدة الى وضعها الشاذ, فاخترعت قصة, تبرر صمتها, فقالت: قبل أن آت هنا, عملت "شبطة" أنا وهمام! …
"شبطة" بمعني عراك.
استعاذت أم نحمده, عندما سمعت اسم همام, كأن سيدة, استحضرت عفريتا الى المنزل.
انطلقت سيدة تحكي, وقد أسعفتها ذاكرتها, بكثير من الأحداث, فأضفت نوع من المصداقية على مشاعرها, وقد استجابت أم نحمده لهذه المشاعر, وقد دعمها من قبل حديث, بلال عن طلب همام, أم العنز لحجاج. قالت أم نحمده وقد صارت أكثر ودا نحو سيدة: هل تخالين, أن زوجك العويل هذا, الذي لا يفهم في الأصول, يطلب البنت الصغيرة قبل أن تتزوج أختها الكبيرة…راجل ناقص!…
صدقت سيدة على كلامها وهي تقول: عندك حق, لابد أن تتزوج البنت الكبيرة أولا, هذه عاداتنا وتقاليدنا…لكن سامحيه, فهو تعبان قوي, ودائما ما يشكو أن الخواجا يرهقهم جدا في عمله…إنه يتمنى العودة للعمل في الفيلا مع بلال أفندي!…
عقبت أم نحمده في أسف: لا يعلم أحد جنتي إلا عندما يجرب نار غيري!…
لم تكن أم نحمده تعلم حقيقة الأمر, إن كان همام يفضل العمل مع الخواجا, أم مع بلال. لكن سيدة تعلم, أن همام يفضل العمل مع الخواجا, عن العمل مع بلال. فسلطات الخواجا ونفوذه لدى المفتش كبير جدا. بعكس بلال الذي يعمل خادما للبك المفتش, ويلهث ورائه دائما, واضعا مركوبه تحت إبطه, وعصاه في يده الأخرى فوق كتفه!…
أرادت أم نحمده أن تأخذ سيدة بعيدا عن همومها التي روتها لها, حتى تستطيع أن تفاتحها في زواج ابنتها الكبرى نحمده, بدلا من أم العنز!…
قالت أم نحمده: لقد كنت عند فريدة هانم هذا الصباح…أي جمال وأي فخامة وعظمة…نعم أولاد الأكابر, يظلون دائما أكابر…
أصاخت سيدة السمع, وهي جالسة على الأرض…تتسمع وتتابع باهتمام بالغ, ما تقوله أم نحمده, وشجعتها على الاسترسال قائلة: نحن نسمع أنهم أناس طيبون, ويعاملون من معهم بكل طيبة…
-أم نحمده: طيبة وأي طيبة!…أناس بساط, لا يشكون في أحد, ولا يرتابون في معاملاتهم مع العمال والخدم…
قاطعتها سيدة: لكن البك شديد قوي. والكل يخافه…
-هذا مظهره الخارجي, لكن داخله شديد الطيبة…لكنه, أيضا لا يتهاون في عمله قط…
تمهلت أم نحمده قليلا قبل أن تكمل: وهو أيضا لا يتهاون أو يتسامح أبدا, مع من يخون الأمانة. ربما لا تعرفين أن البك المأمور والضباط, ووكلاء النيابة, والقضاء…كله, كله, أصدقاء عبد الرحمن بك, ويتمنون خدمات يؤدونها للباشا, أو رئيس تفتيشه عبد الرحمن بك...لهذا كان مقدم عبد الرحمن بك, مقدم الخير كله, ازدهرت الزراعات, وزاد إنتاج مصنع قصب السكر قوي, قوي…ارتفع التفتيش, وطلع فوق قوي, وشغل كثير من الناس…
قالت سيدة تستحث أم نحمده, على مزيد من الكلام: لقد رأيته مرة واحدة…ضخم وله هيبة, أبيض ووجهه أحمر…مثل خواجات بلاد بره…لكن نظراته شديدة…
توددت أم نحمده أكثر, وهي تعقب: ومع ذلك فهو كثير الحركة والنشاط…يعود بلال مساء كل يوم, مرهقا مهدودا من كثرة العمل…
أضافت أم نحمده: أتعرفين يا بنت يا سيدة كم هم بسطاء وطيبون, أن هؤلاء العاملين في الفيلا, يضحكون عليهم ويسرقونهم…
تنهدت أم نحمده وهي تكمل وتؤكد: هم من البساطة بحيث يصدقون كل ما يقال لهم…ليس عندهم خبث أهل هذه البلدة ودناءتهم…انهم يأخذون مرتباتهم, ويقومون بالاحتفاظ بها, ويسرقون ما تطوله أيديهم…
يأخذون مرتباتهم, ويعيشون على خير البك المفتش…ما يأكلونه, يأكلونه, وما يأخذونه يبيعونه…لولا يقظة بلال أفندي لخربت الفيلا…
سكتت أم نحمده قليلا ثم أكملت, كأن الموضوع لا يمس سيدة: وزوجك أيضا يسرق…يده طويلة!…
فوجئت سيدة بهذا الكلام, لكنها لم تعقب, فقد يكون بلال قد أخبرها بما حدث. فإن رجال الصعيد, قد يقولون في غرف النوم, ما لا يقولونه خارجها, إظهارا للذكاء والقوة والبطش.
خرج بلال من الغرفة, وفوجئ بوجود سيدة. اعتدلت أم نحمده في جلستها, وألقت سيدة الشال على وجهها: كيف حالك يا أم حجاج!…
في اشمئزاز واضح, ألقى بلال بالسلام على سيدة, فهو, في يقينه, لا يريد دخول هذه الأصناف بيته. يدخل هو الى بيوتهم, دون أن يأتوا هم إليه. لكنه في لهجته هذه, يوجد بعض التغير, فقد كان يعاملها كخادمة ويحتقرها هي وزوجها وولدها, لكنه هذه المرة يناديها, بأم حجاج.
ردت سيدة من شق الشال وهي تدير نظرها بينه وبين أم نحمده: أن شاء الله تسلم من كل رديء.
-عامل إيه همام مع الخواجا؟.
-نفسه يرجع ويشتغل معك.
وضع يده على صديريته, ورفع رأسه الى أعلى وهو لا يزال ينظر إليها, كأنه يعلن عن وجوده, وقال: هل عرف الآن قيمة العمل معي. ثم هز رأسه وتركهما وانصرف الى الحمام قبل أن يذهب, الى فيلا عبد الرحمن بك.
شيعت أم نحمده بلال وهو ينصرف, ونظرت مليا الى سيدة, ثم قالت: قال لي بلال أفندي, ما دار من حديث بينه وبين زوجك. لكن يبدو أن زوجك, قد نسى الأصول. فكيف تتزوج الصغرى, قبل أخواتها الأكبر منها؟!. كم أن نحمده ست بيت ممتازة…
ردت سيدة كلام أم نحمده: هي من هذه الناحية, أعلم أنها نشيطة وماهرة…لا تأخذي بالا لكلام همام…
أحست سيدة, أنها أخذت ما تريد, وعرفت المزيد عن بيت عبد الرحمن بك المفتش, فتعللت وهي تستعد للانصراف: أنت تعلمين المشاكل التي بيني وبين همام, أقوم الآن. ثم أردفت: كنت أود إحضار ضعف "المقارص"…لكن في المرة القادمة سوف أحضر الباقي…أين القفة؟.
نادت أم نحمده على ابنتها كي تحضر القفة, فأتت نحمده وهي تبتسم قائلة: متشكرين يا خالتي…
-لا شكر على واجب يا عروس ابني.
وضعت القفة الفارغة على رأسها, وانصرفت كأنها تهرب من هذا المأزق.
وصلت سيدة بيتها, ودفعت الباب, لتستلقي على المصطبة, وطلبت من حجاج أن يسقيها, فآتاها بقلة الماء الفخارية, فشربت, ورشت بعض الماء على قدميها, وعلى الأرض تحت قدميها, ترطبهما من لهيب حرارة الأرض, وحصاها…
قام همام من مرقده, ليسألها:
-وصلت! …
-نعم!…المرأة الخبيثة تريد زواج نحمده من حجاج!…
-وماذا قلت لها؟.
-سايرتها حتى نرى ماذا نفعل…
احتد همام فجأة, وهو يقول لها: "توري"- أي انهضي دون إبطاء- جهزي لنا العشاء…امرأة مخبولة…ذهبتي لحل مشكلة, فعقدتي كل شئ…
كانت شمس المغارب القاسية لا زالت في الأفق, ومع ذلك قامت سيدة بإشعال السراج "العويل", وهي تستعيد كلمات أم نحمده, التي ألقتها في ود, ودون اهتمام, كأي حديث عادي. وربما لمزيد من التفاخر, إظهارا لعلاقتها ببيوت الأكابر, ومعرفتها بطبائع وسلوك النخبة من المجتمع المصري.
لم تكن أم نحمده, في عليائها وترفعها تعلم أو تلاحظ, أن هذه الآذان الجالسة على الأرض, تفحص, وتمحص, وتنتقي ما يخدم آمالها وطموحاتها.
عموما, فقد أسقط الكبرياء, وعدم الحذر واللامبالاة, كثير ممن يجلسون على الكراسي الى الأرض, وداستهم الدهماء والغوغاء الماكرة, أو أسالت دمائهم!.
لقد انتقلت سيدة من مرحلة السخرية والاستهزاء بولدها, الى مرحلة ربما...ثم الى مرحلة ولما لا. لقد رأت في الأفلام المصرية, أحداثا مثل هذه, والكل يقول أن هذا يحدث. ولذلك عقدت سيدة العزم على أن تضع قدما في بيت بلال, وقدما في بيت المفتش. فإن ثبتت قدمها في بيت المفتش, سحبت الأخرى من عند بلال, وإذا فشلت, ثبتت أقدامها في بيت بلال!.
كانت سيدة تحاول الانفراد بحجاج, ولكن عينا همام تتابعها, وهي تتلصص بنظرها نحوه, حتى تأكد من أن هناك شئ تخفيه: ماذا جرى لك يا امرأة, ما الذي تخفينه ولا تريدين قوله لي؟!…
قالت وهي تضحك لترضيه, فيكف عنها ويسكت: أنت لا يفوتك شئ…أريده أن يقوم ويعمل أي شئ حتى ترضى عنه…أي شئ…يساعدني في إعداد الطعام, جمع "الجلة" التي جفت, أي شئ…
يبدو أن همام اقتنع بما قالته, فركن الى النعاس, وهو في نصف رقدته هذه!.
اطمأنت سيدة أن همام قد غفا عنها, فسحبت ولدها حجاج من يده, وهي تنظر نحو زوجها, خشية أن يستيقظ فجأة, وذهبت به الى غرفة الفروج, الغير مسقوفة. قالت سيدة في سرعة: هل يأتي بلال كثيرا الى الفيلا, في غير مواعيد عمل البك؟.
رد الصبي في بطئ: يأتي في الصباح, ويعود مع عبد الرحمن بك قبل العصر, ثم يعود ويصحبه قبل المغرب, الى المكتب, ولا أراه بعد ذلك.
-ألا تراه في غير هذه الأوقات؟
-أحيانا…قليلا ما يأتي في غير هذه الأوقات…لماذا تسألين؟.
تغاضت الأم عن سؤال ولدها, وأردفت قائلة: انتبه, حتى لا يلحظ بلال شيئا, انتبه جيدا…وعندما يكون في الفيلا, لا تظهر أمامه, أريدك أن تندس جيدا…لا تجعل أحد يلحظ شيئا…
-يلحظ ماذا؟!…
-أنك تنظر الى بنت البك…سوسن…حبيبة القلب. ثم ابتسمت وهي تنظر إليه, مليا.
استغرب الصبي هذا الحديث, ولماذا اهتمامها المفاجئ, وكل هذه التنبيهات. إنها لم تذكر له ما قالته من سابق, من أن هؤلاء القوم أكابر, وهم من صغائر, صغائر البشر. وأن هؤلاء الأكابر لا يسمحون لأهالي البلدة, أن ينظروا إليهم, أو. يتطلعوا نحوهم.
هز الصبي رأسه بالموافقة, وقد أدار الحديث رأسه بالألغاز. إنها لم تذكر له شيئا مما قالته من سابق, من تهديد ووعيد, لكن الحديث وطريق سرده الودية, دفعته الى الشرود في طمأنينة.
تركته سيدة وذهبت, الى شؤون بيتها, وهي تفكر وتراقب همام في نعاسه, فاتحا فمه و يشخر. عادت سيدة مرة أخرى لتهمس لولدها: انتبه هؤلاء القوم, يحبون من يعمل عندهم, أن يكون أمينا, ويحترمهم…انهم يحبون الرجل الخجول, الذي لا يرفع وجهه نحو النساء…عندما ترى السنيورة, حبيبة القلب, تخجل وتضع وجهك نحو الأرض. وإذا ضحكت لك, انظر الى الجهة الأخرى…هل تكون بصحبة أمها؟…
سبق وأن سألت ذلك السؤال, وقلت لك إنها لا تتركها قط. قالها وهو سارح عنها.
-هل تدخن يا حجاج؟.
-أحيانا.
-إن رأيت الست قادمة, قف ووجهك نحو الأرض, واجعلها تراك وأنت تلقي بالسيجارة, كأنك تخجل من نفسك وتحترمها…هل فهمت؟. ثم أمسكت برأسه وهي تهزها هزا رفيقا , ثم ضمتها الى صدرها, وهي تقول: افهم بقى يا ولد!.
اشتبكت مشاعر الصبي بمشاعر أمه. لقد أصبح الآن في مأمن. فلا خوف من أن يلاحق أحد شوارده ونزق أحلام الصبا…
لقد اصبح الآن مثل ما كانت أمه تحكي, هي وأبيه أمامه, عن عجائب ما يحدث في هذا الزمن, وعجائب ما يحدث عندما تعشق المرأة أو الرجل, وتستشهد بما رأته في سينما البندر. رأت كيف أن الفتاه الغنية, عشقت شابا, فقيرا ,جاهلا, ودافعت عنه, وعن أمانته وصدقه في حبها لا في مالها أو مركزها الإجماعي. ثم كيف احتقرت هذه الفتاه الغنى والأغنياء وكرهت طمعهم فيها وفي أموالها, وكرهت دسائسهم, ونفاقهم, وعدم أمانتهم وفسوقهم, وانحلالهم و…
وأخير انتصرت لحبها, وعاد الجميع لمباركة ذلك الزواج, وعاشوا في تبات ونبات.
هكذا أحيت السينما المصرية الشعب المصري في الوهم...كل الفقراء شرفاء وتحبهم بنات الأغنياء, وكل الفقيرات شريفات ويحبهن أولاد الأغنياء!!...
*******
بدأت سيدة الاهتمام, كثيرا بملابس حجاج, فهي تقوم بغسيل بنطلونه, وقميصه, وجلباب العمل, كل يوم…
وقد اعتاد حجاج, أن يضع الجلباب على كتفه, الذي يحمل عليه القفة, حتى لا يتسخ القميص والبنطلون, وعندما يقترب من الفيلا, ينزل القفة ويمسكها بيده, بدلا من حملها على ظهره.
حتى إذا ما وصل مكان عمله بالزريبة, خلع القميص والبنطلون, وارتدى جلبابه فوق السروال الدمور العتيق الداكن, والسترة المهلهلة, ولو أن قذارتهما والبقع الثابتة قد غطت, على لونهما الرخيص, الأصلي, ويبدأ العمل.
كان يتصنع ما أوصته به أمه, ولم يعد ذلك الصبي, الذي يشرد ويخاف ويحلم. بل أصبح يدرك أنه توجد أساليب وطرق يتخذها البشر للوصول لما يريدون.
لكن ما بتوهمه هؤلاء الفقراء شئ, والواقع شئ آخر. فلم يعش أي من الطرفين, حياة ومجتمع الآخر. فالغني ينظر برفعة وعدم اهتمام ولا مبالاة لهؤلاء الجالسين على الأراضي وتحت المقاعد, وفوق التراب, محتميا بنفوذ غناه, أما الفقير فيرى ويدقق ويتطلع ويكمن حتى تحين فرصة.
كانت السيدة فريدة, وابنتها سوسن, تخرجان للتنزه, تقريبا كل يوم, فتركبان الحنطور الذي يقوده أحد الخدم, في طريقهما على ضفة النهر,على الطريق الذي يصل ما بين الفيلا, ومكتب عبد الرحمن بك. أو يتخذان طريقهما نحو قصر الباشا. فتتسامر السيدة فريدة مع زوجة الباشا الإنجليزية, أو يريان عرضا لأحد الأفلام في صالة العرض الخاصة بالقصر.
وتتسامر سوسن مع ابنة الباشا, التي تكبرها بعدة سنوات, أو ينزلن لركوب الخيل ولعب كرة التنس, أو الاستماع الى الجرامفون والراديو, وعير ذلك كثير من وسائل التسلية والتسامر الكثيرة جدا في قصر الباشا.
كما اعتاد, حجاج, بعد أن ينتهي من عمله, أن يعود فيرتدي لبس الأفندية مرة أخرى, ثم يجلس أمام حجرة البهائم ويدخن, لاحتمال مرور السيدة فريدة وابنتها سوسن. وفي بعض الأحيان يتأخر بعض الوقت .
حتى انه في يوم من الأيام, ظل جالسا, ربما يراهن ولو مرة وهن عائدتين, فظل على جلسته هذه حتى تأخر الوقت جدا, وهم بالعودة الى منزله. وعند عودته, واقترابه من الدرب, تلقفته الكلاب, تنبح خلفه بشدة. تماسك أول الأمر, كما علمه أبوه, وعرفته أمه. ولكن لم تلبث أن خانته شجاعته, فجرى بكل ما أوتي بقوة. كان يقف, ويضع القفة حاجزا بينه وبين الكلاب, التي سرعان ما تقف أيضا, لكنها متحفزة, ومزمجرة, في انتظار فرصة لهربه وجريه. وعندما أحس اقترابه من بيته, جرى بكل قوته, فجنت الكلاب, وجرت خلفه بكل قوتها. كانت هناك كلبة ذات أثداء, لم تكن ظاهرة بين الكلاب, برزت فجأة وعقرته في عقبه.
عندما وصل البيت, تلقفته الأم القلقة, وكان يصرخ في فزع وبكاء, وقد مضى وقت طويل قبل أن تعرف الأم أن الكلاب وراء هذا الخوف والفزع. أتت إليه لتضع القلة في فمه ليشرب, ثم تسحبها من فمه, وتضع بعضا من الماء البارد في كفها وتقذفه, عدة مرات, في وجهه قذفا, وتدعو أدعية, ثم أمسكت بأحد المراكيب القديمة, المغروزة في التراب, وضربته عدة مرات على صدره ورأسه ووجهه, وهي تردد أدعية محفوظة لمثل هذه المواقف, ثم عادت لتسقيه الماء, وترشه به, حتى ظنت أنه هدأ. لقد دوخته ضربات المركوب القوية, والتراب المتصاعد, فنسى خوفه وروى لها, أخيرا سبب تأخيره, وما فعلته به كلاب الدرب…
قامت بعد ذلك وشوت بصله, ووضعتها ساخنة فوق مكان الجرح, والذي بدأت به أسنان الكلبة واضحة, وهي تلعنها وتلعن أصحابها, ,أحيائهم وأمواتهم…, وتدعو عليهم بالحرق والوقيد…
لم ينس ذلك اليوم الرهيب, وهو يحكيه, كلما أتى حديث عن الكلاب, أي كان هذا الحديث, ولكن الغريب في طبائع أهل تلك البلاد, النسيان وعدم النسيان, التذكر وعدم التذكر, كأنه شعب مريض!…
اليوم بعد أن أنهى حجاج عمله كالمعتاد, وارتدى لبسه العجيب هذا والذي جعله خيال أمه وخياله, أنه ظن نفسه من الأفندية. جلس يدخن في انتظار أن تخرج فريدة هانم, وابنتها, حتى قربت الشمس أن تغيب, فقام مهرولا عائدا نحو بيته.
وفي طريقه نحو البيت, رأى الكثير من الرجال, والصبية والشباب يهرولون. سأل أحدهم عن السبب, فأخبره وهو يجري حتى لا يفوته المشهد, في الصفوف الأولى, بأنه توجد فتاه غريقة معلقة بأعشاب الجرف.
جرى خلفهم وهو لا يلوى على شئ, حتى يرى بعينيه ما سبق أن سمع عن حوادث مثل هذه, وما يروه ويحكونه, من تفاصيل مثيرة!.
فغالبا ما يتم تشريح مثل هذه الجثث بعد تعريتها تماما, في مكان العثور عليها, وفي حضور الأهالي, ربما يتعرف عليها أحدهم, ثم يتم نقلها رأسا للمشرحة, ويتم حفظ التحقيق, والأمر بالدفن. حيث لم يسبق وحدث أن قال أحدهم أنه يعرفها. إجراءات قانونية وحكومية وجب اتباعها وكفى!.
وصل حجاج الى المكان, مع من وصلوا واتخذ لنفسه مكان في الصفوف الأولى بين الأهالي. لم يكن بالمكان, سوى بعض الخفر الذين يحملون المصابيح والقناديل, حول الجثة, بلبسهم الأميري, ولم يكن قد حضر بعد العمدة أو شيخ الخفر ليكونوا في استقبال السيد المأمور, ووكيل النيابة, والضباط والعسكر الأميري…
الجميع يريد أن يرى ويعرف, وقد أحضر بعضهم المشاعل, ولكن لا أحد يستطيع الاقتراب, وسحب الجثة من الماء الى فوق على الأرض, فوقفوا في انتظار حضور المأمور ووكيل النيابة.
وصل بعد العشاء, مأمور المركز, يرافقه وكيل النيابة, وطبيب يرتدي "بالطو" أبيض, ومعه حقيبة قديمة تشبه الصندوق, ومعهم بعض الضباط والعسكر. مع حضور هذا الموكب, حضرت الهيبة والنظام, واعتدل الجميع في وقفته, وساد صمت عميق, كأن الجميع في طابور أميري.
أمر مأمور المركز, باستخراج الجثة, فتطوع البعض من أهالي البلدة, وقاموا بخلع ملابسهم, وسبحوا في الماء بين الطين والأعشاب, وجروا الجثة ليضعوها على الجرف, وهم يمعنون النظر, مكافأة لأنفسهم على ما فعلوا.
كانت الجثة موثقة اليدين والقدمين, بحبال من ليف. اليدين خلف الظهر, وحول رقبتها ايضا حبل من ليف. كانت تلك الحبال من التي تستعمل في تقييد وربط البهائم, أثناء قيادتها, أو لمنعها من الحركة أو الهرب, أو عندما تقيد لذبحها.
قام الطبيب بالفحص الظاهري للجثة, ثم تحدث الى المأمور ووكيل النيابة. لقد قرر الجميع تشريح الجثة على الجرف. لكن قبل أن يبدأ تشريح الجثة, سأل جميع الحاضرين, أن كان أحدهم يعرف شخصية القتيلة, ولم يجب أحد…
نظر وكيل النيابة, ومأمور المركز والضباط الواقفين الى تلك الوجوه والعيون, التي سكنت عن أن تعطي أي تعبيرات إيجابية, لما تنظر وترى...لكن دون جدوى!.
كان حجاج, من بين الواقفين والمزاحمين, وقد زاحم أكثر ليقترب ويرى أفضل. انتبه إليه أبوه, عندما وجده فجأة الى جواره, دون أن يراه الصبي, ولم يشأ أن يكلمه حتى ينتهي هذا المشهد المثير للجميع!.
شهق الجميع, وتسارعت دقات قلوبهم, ونظروا بشبق عندما رأوا الطبيب, يخرج أدواته, وعرفوا, أنه قرر تشريح الجثة على الجرف. فتلاصقوا أكثر دون وعي أو دون حرج, وهم يدفعون بعضهم البعض أكثر نحو الاقتراب من الجثة, ويمعنون النظر.
تهامس المأمور وهو يتاضحك, مع وكيل النيابة, وينظر الى هؤلاء الواقفين المشدوهين.
قال وكيل النيابة: منذ لحظات عندما كنت تنظر الى وجوههم وعيونهم, كنت تراهم متعبين, يرفعون عيونهم بصعوبة وحرج, يفتحونها ويغلقونها سريعا عدة مرات "يبربشون", أما الآن فقد صحوا وتركزت أبصارهم نحو الجثة...ترى ما الذي يجعلهم يقتلون البنات والنساء في هذه البلاد؟!.
نظر إليه مأمور المركز قليلا قبل أن يجيب, حتى انتبه إليه وكيل النيابة فقال: عندما تطول إقامتك معنا , سوف تكتشف أنه لا يوجد سبب يمنع قتل المرأة أو الفتاه في هذه البلاد, ولن تعرف من هي, أو من الذي قتلها, أو لماذا قتلت…فان كانت هذه أو تلك رخيصة على أهلها ولا أهمية لها, فهل تكون غالية علينا؟!…إن هذه الجثة لفتاه, يبدو أنها قتلت بطريقة أقل عنفا وبربرية من كثير من الحوادث, التي شهدناها من قبل, دعنا نرى!…أهم شئ أن تكون أوراقك صحيحة, وكاملة…
فهم وكيل النيابة, انه توجد إجراءات قانونية وجب عليه اتباعها, وإثباتها على الورق, بالتوافق مع مأمور المركز المحنك, حتى إذا ما أثيرت شكوى أو تحقيق أو تفتيش, فقد قام بما يجب. وما دام قد أتمها, فعليه ألا يصدع رأسه والآخرين, بما لا يستحق!!.
تقدم المأمور, وهو يدعو وكيل النيابة, كي يباشر عمله. أمر وكيل النيابة بأن تعدل الجثة على ظهرها, حتى يتم فحصها الظاهري وتسجيل ملامحها, وصفاتها وما يميزها.
كانت الجثة لفتاه, شابة ممتلئة نحو العشرين من العمر, بيضاء, ذات شعر أسود كثيف, يصل حتى جبهتها, وينزل بجانب الأذنين, والشعر مجدول على شكل ضفيرتين كبيرتين ولا يوجد غطاء على رأسها. يكسو بقية الوجه شعر أصفر خفيف. الفم دقيق, يعلوه انف صغير, وعينين تبدوان شديدة الأتساع, فوقهما حواجب غزيرة لم تمس, والجلباب جلباب منزلى أسود, كأنها كانت تحد على شخص ميت…
عاد وكيل النيابة, ومأمور المركز ليجلسان في مكانهما بعيدا عن موقع الحادث, حتى ينتهي الطبيب من عمله, بينما وقف كاتب النيابة قريبا يتابع ما يحدث!.
أمر الطبيب بفك الحبال, ثم قام بفحص أماكنها بعدم اهتمام.
كان حجاج, قد ابتعد عن أبيه, في ذروة الزحام, والاندفاع ومحاولة الوصول الى الصفوف الأولى.
قام الطبيب, بارتداء قفازي يد, ثم قام بقص الملابس, حتى الرقبة, وفرد الملابس على جانبي الجثة. تحسس بيديه, البطن المنتفخة على الجانبين, ثم قام بشق الجثة, واستخرج, جنينا صغير الحجم, لكنه مكتمل الأعضاء, ووضعه بجانب الجثة…
تعالت الأصوات الفجة, والتعليقات البذيئة, تعلن عن شبق من يتحدثون, ويقلدون أصوات النساء الشبقة. منهم من أشاد بمن قتلها, أو بمن قتلوها, و آخرون عن أنفة من سلمت له نفسها, من الزواج بهذه الفاجرة, كما يحلو لهم أن يدعونها. وربما تقابل الأب أو الأخ مع العشيق, وتصافحا, لأن كل منهم فعل ما تمليه عليه العادات والتقاليد, والموروثات القبلية. فالرجل الحر لا يتزوج فتاه ممكن أن ينالها غيره مثل ما نالها هو, وأهل الفتاه يقدرون ذلك. والجميع يقدرون في أهل الفتاه شهامتهم ورجولتهم, فقاموا بقتل الفتاه. فلا هذا تزوجها, ولا الآخرون تركوها تعيش!…
أعاد الطبيب, الملابس دون ترتيب, فوق الجثة, وقام بغسل القفازات وهي في يديه, ثم قام بخلعها, وغسل يديه, وذهب حيث وكيل النيابة, والمأمور وبادرهما بقوله: الفتاه حامل…
كان الهواء قد توقف, والتصقت ملابس الجميع بأجسادهم, من العرق اللزج, فأمر المأمور بتفريق الجموع, وهو يسب الجميع. فالحر خانق, والمشاعل والقناديل زادت من شعور الإحساس بالحرارة. وهؤلاء لا زالوا يتزاحمون, وقد اقتربوا جدا حتى اختلط الحابل بالنابل, كأنهم يشاهدون فيلما مثيرا وروائحهم تزكم الأنوف.
قام الخفر, خشية زيادة غضب المأمور, وفي سرعة وهمة, رفعوا العصي, وهووا بها على أجساد هؤلاء المتبلدين. تسقط العصي حيث تسقط وحيث صاحب النصيب, ومن رأى أفضل, نالته أفضل العصي, وهم على علم ودراية بأن ذلك يحدث دائما!.
بحث همام تحت ضوء المشاعل والقناديل, عن ولده حجاج, فوجده يجري مع من يجرون, فذهب ناحيته, وشده من ظهره, وقد اشتد به الغضب, وضربه عدة مرات, وذلك لحضوره وتأخره عن الذهاب الى البيت مباشرة!. لم يشأ الصبي أن يقول له ولماذا أتيت أنت, خشية أن يضيف ذنب على ذنبه, فتكون عاقبته أسوأ!.
اتفق المأمور ووكيل النيابة على دفن الجثة. فأتى المأمور بالعمدة وأمره باتخاذ الإجراءات لدفن الجثة بمعرفته غدا , ثم تحدث الى وكيل النيابة: غدا نجلس معا وننهي هذه القضية.
وافق وكيل النيابة على ذلك, ولكنه طلب, إرسال برقيات, الى مراكز المديرية, والمديرية التى تقع الى الجنوب من هذه, عل أحدهم يكون قد أبلغ عن غياب فتاه, و هموا بالانصراف!.تاركين العمدة وشيخ الخفر وبعض العسكر.
قال مأمور المركز وهو ينصرف: هؤلاء لا يتركون شيئا جميلا يزين حياتهم, أو حياة غيرهم!…
أسرع الجميع بالذهاب, الى بيوتهم, منهم من أهل تلك الناحية وبعضهم من قرى ونجوع أخرى, يأنسون ببعضهم البعض, من مخاطر الليل, ويتبادلون أحاديث تلك الليلة وحوادث أخرى, وتعليقات لا حصر لها,…
أسرع همام وولده حجاج نحو بيته مع كثير من أهل تلك الناحية, والذين يسكنون, معه في نفس الدرب, أو الدروب القريبة, وكلهم يعرفون بعضهم بالاسم, تنبح خلف الجميع كلاب الناحية من بعيد, فالجميع يحملون في أيديهم العصي…
استقبلتهما سيدة, وكأنها تستقبل شخصين, غريبان عنها…
كلاهما ملئ بالعرق, والتراب, لكن العيون ليست هي العيون, والبريق غريب وغبي!…
تعشى الجميع في سرعة, ليهرب كل منهما الى أحلامه ونزقه. وسوف يحكي همام لزوجته ما رأى, حتى تخاف وترهب أكثر. لكن خيال نساء تلك الناحية, يجعلهن يزددن نزقا, عندما يعرفن أن فتاه قتلت. فإن هذه الفتاه اختارت بكامل حريتها فتاها, وصدقت أكاذيبه, لكنها استمتعت, بمن اختارت.
كانت النساء, في مثل هذه الأحوال, تصف العلاقة بين المرأة والرجل, مثل العظمة, التي تظهرها للكلب فيسعى خلفها. لقد استمتعت الفتاه, ولكنه في النهاية كلب, وكلهم كلاب في مثل هذه الأحوال. غير هؤلاء الخرفان والجديان, الذين يمتطون نسائهم, ثم يسقطون, وهم يقولون أن النساء لا تشبع أبدا!!. فهم إما كلاب أو خراف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل