الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غموض الفكر السياسي الإسلامي

عبدالله تركماني

2011 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


بداية يجدر بنا أن نميز بين الإسلام السياسي، بوصفه ظاهرة سياسية - دينية، وبين الإسلام كعقائد وعبادات وتراث ثقافي. إذ يمكن هنا الانطلاق من تعريف للإسلام السياسي على أنه اللجوء إلى مفردات الإسلام كدين للتعبير عن مشروع سياسي، على أنّ النقطة المحورية فى الإسلام السياسي ربما كانت هي سعيه للوصول إلى السلطة، باعتبار أنّ ذلك هو الشرط الضروري لإقامة مشروعه.
وتضم الحركات الإسلامية، في مفهومها الواسع، جميع الأفراد والجماعات التي تسعى لتغيير مجتمعاتها عن طريق اشتقاق أفكارها وبرامجها من الإسلام. وفي حين تختلف هذه الجماعات والأفراد في طرقها ومناهجها وأساليبها، فإنها تتفق على القيمة الإيجابية للإسلام، وتريد تحويل إطار المرجعية في الحياة العامة إلى مرجعية يكون فيها الإسلام، بتأويلاته المختلفة، قوة رئيسية في تشكيل هذه الحياة.
وتاريخياً، لم يتناول التراث الفقهي السياسي الإسلامي والأحكام السلطانية مفهوم الدولة بمعنى الكيان السياسي الجغرافي المتضمن عناصر: الأرض والشعب والسلطة. بل أنّ التنظير لفكرة الدولة الإسلامية، خلال التاريخ المعاصر، حمل كثيراً من الطوباوية والتفكير الرغبوي، وقدراً كبيراً من الشعاراتية والرؤية الأخلاقية لمفهوم الدولة، دون الغوص الحقيقي في الآليات وأساليب العمل، ودون التنظير لفكر سياسي واقعي يملك القدرة على التحرك والمرونة في محيط مضطرب. لذلك بقيت أغلب الكتابات حول " الدولة الإسلامية " مثقلة بعبء التجربة التاريخية الإسلامية ولم تستطع الانفكاك عنها وتجاوزها. ففي الدولة الإسلامية المفترضة هناك غموض يحيط بالمفاهيم المرتبطة بالدولة، فالولاء مسألة خلافية: هل هو للدولة أم للدين، ومسألة غير المسلمين في الدولة الإسلامية ما تزال شائكة، كما أنّ مسألة ولاء المسلمين المواطنين في دول غير مسلمة هي مسألة أكثر تعقيداً. ثم هناك غياب ثقافة المؤسسة لصالح ما نسميه " القدوة والهيبة "، وهي صفات للفرد، إذ أنّ المؤسسة لا كاريزما لها، لكنها أقدر على رعاية مصالح الناس من الأفراد لأنها تضمن الاستقرار والثبات والاحتكام للقانون.
وهنا يدور الأمر حول ما إذا كان بالإمكان طرح مفهوم للمواطنة يقوم على أساس التوفيق بين مجتمع مؤمن ودولة لا دينية، أي دولة تحترم الدين وتصون الحريات الكاملة لرعاياها المؤمنين لممارسة شعائرهم الدينية، المتعددة والمختلفة والمتباينة، من دون أن تتخلى عن مدنيتها.
وربما تستطيع التيارات والحركات الإسلامية، التي انخرطت في معمعة النضال السياسي الواقعي، تجاوز التجربة التاريخية والتنظير لرؤية إسلامية تعبر عن فكرة ومشروع الدولة، عمادها الإصلاح السياسي وإقامة الحريات العامة والمجتمع المدني الديمقراطي، وإصلاح الفساد الداخلي والتنمية المستدامة.
ومن شأن هذه المراجعة وتواصلها أن تعكسا، من جهة، هموم قطاع كبير من الرأي العام العربي الحريص على القيم الدينية، والمتمسك بها. وتعملا، من جهة ثانية، مع الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى في التوصل إلى الحلول التوافقية المجدية، لإقامة نظم سياسية عربية تضمن المساواة والعدالة والحريات الفردية لجميع المواطنين.
وقد يكون هذا المدخل في استشراف اتجاه إعادة الحركة الإسلامية لإنتاج نفسها أكثر منطقية وصحة، خاصة مع إرهاصات الربيع الديمقراطي العربي، فهي بحاجة إلى أن تبحث عن تعريف لنفسها يختلف عما كانت عليه طوال العقود الماضية، وهو تعريف يجب أن يكون مستمَداً من رؤية لدورها وما تسعى إليه بالفعل، ومن حاجة مجتمعاتنا العربية إلى الانخراط في عصر الحداثة السياسية، بكل ما تنطوي عليه من مفاهيم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وحاكمية الشعب.
وإذا كانت بعض حركات الإسلام السياسي منسجمة مع دعوتها إلى الوسطية والاعتدال والالتزام بالديمقراطية فعليها أن تكون في مقدمة المقاومين للانفلات الديني والتطرف الذي يمارسه المتشددون ضد الحريات الفردية، أما إذا صمتت أو اكتفت بالمواقف الغائمة فإنها ستسيء لنفسها وتشكك في جدية خطابها. ولعلها الأكثر قدرة على لعب دور إيجابي في هذا المجال من موقع المسؤولية البناءة، فقد تجد نفسها عاجزة بعد حين إذا استفحل الأمر وعمت الفوضى وتحولت شعارات الثورة من الحرية والكرامة والمواطنة إلى التفتيش في عقائد الناس والحكم عليهم من طول لحاهم وهيئات لباسهم.

ولاشك أنّ نشوء تيار إسلامي مدني‏،‏ يؤمن بفصل الدين عن الدولة‏،‏ ودعم الدولة المدنية التي ترعى كل الأديان وتصون مقدساتها، وتضمن حقوق كل مكونات مجتمعاتنا،‏ هو أمر بالغ الأهمية في مرحلتنا الانتقالية الصعبة من الاستبداد إلى الديمقراطية، حيث لابد فيها من قيام مؤسسات الدولة المدنية القائمة علي مبدأ المساواة في المواطنة‏،‏ وهو أمر بالغ الحيوية والأهمية لتطوير المفاهيم الدينية‏،‏ ولكن بشرط الإيمان بدنيوية الممارسة السياسية‏،‏ ولوازم الدولة المدنية من الديمقراطية الحقيقية والتعددية‏‏ وتداول السلطة‏،‏ واستناد البرامج السياسية إلى أسس مدنية ومعايير عقلانية،‏ بعيداً عن المزايدات الدينية‏ والتدخل في حيوات الناس الشخصية‏.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة