الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن الاصالة في الغناء السرياني الحديث

كمال يلدو

2011 / 7 / 26
الادب والفن


يسترجع الكثيرون منـّا ، تلك النقلة النوعية التي حصلت في المشهد الموسيقي التحديثي ابان السبعينات ، وذلك من خلال بروز العديد من الفرق الشابة ، والتي جاءت متزامنة مع عدة ظواهر كان منها ، افتتاح العديد من النوادي الاجتماعية العائلية ، وكثرة الحفلات الخاصة ، ثم تأثير بروز فرق ( الروك ان رول ) في اميركا و أوربا ، والظاهرة الاهم هي مطاوعة الفنان الهام المدفعي لآلة الكيتار واستخدامها لأداء المعزوفات والغناء العراقي الفلكلوري ، مع ما رافق المشهد السياسي من انفتاح نسبي لم يدم طويلا . كانت هذه الظواهر وربما اخرى غيرها، هي ما شـــجع جمع كبير من الشباب والشابات للتوجه نحو تعلم العزف على الآلات الغربية وتشكيل الفرق الناشئة ، وانتشار الغناء الغربي ومزجه مع الغناء - العراقي – بأستخدام هذه الآلات . وكان للغناء السرياني نصيب في هذه النقلة النوعية ، اذ برزت فعلا طاقات وأمكانيات شكلة اللبنة الأساسية التي نعيش امتداداتها لحد هذا اليوم . وفي العموم ، عندما نقف ونقـيم تلك المرحلة ، سيكون من المنصف ان نقول ، انها كانت مرحلة مهمة في نقل الغناء والموسيقى السريانية الى مديات كبيرة مما ساعد على انتشارها وتقبل الجيل الجديد لها اكثر .
لكن، حينما ننظر لتلك المرحلة ونقيس ما جرى بعدها من تأثيرات ، قد يحمل استنتاجنا مآخذ كثيرة على ذاك ( التطور ) الذي حصل منذ حوالي اربعة عقود .

لا شك ان الغناء السرياني ( الكلداني ، الآشوري ، السرياني) ، كان قد نمى وترعرع في المدن والقصبات والقرى التي يكثر فيها ابناء هذا الشعب ، وربما كانت الالحان الكنسية والألحان المتوافرة في المنطقة ( العربية ، الكردية ، التركية والايرانية) معينا لا ينضب لتلك الاغاني التي مازال جيل كبير وبضمنهم الشباب ايضا ، يستمتع فيها لأنها تحاكي ماض يطلق عليه البعض ( الزمن الجميل) .ومما لا شـك فيه من ان الآلات المستخدمة كانت تلقي بظلالها الوافرة على جودة اللحن وعذوبته ، وارتباطا بالمنطقة ( الارض) ، وطبيعة المناسبات ان كانت افراح او احزان ، ومن هنا اخذت اغاني ذلك العهد اصالتها واستمراريتها في وجدان الاجيال اللاحقة .

لم تمر العقود الاربعة على العراق والعراقيين بسلام ، واذا تحدثنا عن الموسيقى والغناء السرياني فأنه هو الآخر تأثر بما شهدته الساحة السياسية من عنف ، ودخول النظام العراقي بالحروب الكارثية وصولا للحصار ومن ثم الاحتلال ، وأرتباطا بما رافق التغير عام 2003 ، من استهداف للمكونات القومية الصغيرة ، وصل حد التصفية الجسدية ، مضافا لها ما شهده ابناء هذا الشعب نتيجة لذلك ، من اكبر موجة - هجرة او لجوء – للخارج ، مما سـاهم في تشتيت التراث والفن والفنانين وابتعادهم عن الارض التي تشكل عاملا مهما وجوهريا ، في تقدم ورقي الفنون ذات الطابع القومي . كان لابد لهذه المقدمة ، لكي اصل ايضا الى ما افرزته الفرق الفنية الجديدة ، واستخدامها للآلات الغربية الحديثة وخاصة ( الكي بورد) بأفراط ، في طرح الوان جديدة من الغناء ، وباللغة السريانية ( الكلدانية ، الآشورية) ، ولكن بروح غربية لاتمت للغناء السرياني ( في معظمها) بأية صلة ، الا لكون المفردات المستخدمة هي من اللغة السريانية . وبقدر ما يتحمل هؤلاء الفنانين ( فرادى او فرقا) من مسؤولية في حالة التشرذم التي اصابت وتصيب هذه الحلقة الهامة من الهوية القومية لأبناء هذا الشعب ، فأن مسؤولية اكبر يتحملها الملحنون والشعراء اضافة الى النخب الثقافية التي لم تتعاطى مع هذا الامر بالجدية اللازمة .

كيف يمكن تخيل الغناء السرياني دون الآلات الفلكلورية المعروفة في المنطقة ( الطنبور ، العود ، الناي ، الكمان ، الدف والايقاع ، الزرنة والطبل واحيانا القانون) ؟ وهل يقوم الكيتار او الجاز او الكي بورد مقام هذه الآلات ، حتى لو كانت بأيدي امهر العازفين ؟ هل يمكن على سبيل المثال تصور الغناء العربي الاصيل دون العود ، أو الجالغي البغدادي دون الجوزة والسنطور ، اوالموسيقى الآيرلندية دون " المزماري"، أو الموسيقى الهندية دون " السيتار" ؟
ان نظرة متأنية للغناء السرياني الدارج في الحفلات والمناسبات ســـيكشف للمتابع حجم الابتعاد ( الكارثي) لهذا الفن الاصيل عن قواعده الحقيقية في الألحان ، وتفضيله الالحان الدخيلة على اللحن العراقي والسرياني المتميز ، لابل حتى ان الكثير منها مسروق ، و الكلمات جاءت في معظمها باهتة ، وكأنها حشرت حشرا لأكمال النص الغنائي او تفصيلها على مقاس اللحن ، ناهيك عن مواضيعها المملة والرتيبة والتي غالبا ما تدور في محور واحد هو "الحب" ! على الرغم من اهميته ، الا ان العديد من هذه الاغاني ، صـارت تطرحـه بشكل ممجوج ، وكأن لا مواضيع اخرى تشغل بال الشعراء والملحنين والمغنين غير هذا الامر . ويحق لي ان اتسـائل : اين اضحى الانسان والوطن والارض والقرية والمسـتقبل والطموح والمعاناة ، في اهتمام الغناء السرياني ؟
قد يحمل كلامي عموميات كثيرة ، رغم اني لا أدعي بالتخصص في الالحان والغناء السرياني ، لكني اكتب ملاحظاتي هذه ، بقلم مستمع ومتذوق للغناء العراقي الاصيل ، ومنـه الغناء السرياني . ويهمني كثيرا، ان يتحمل الفنانون الذين يؤدون غنائهم باللغة السريانية ، مسؤلياتهم كاملة ، وان يكونوا امناء على الموروث الثقافي والفني لهذا الشعب ، كـون هذا اللون ، هو جزء مكمل واساسي للهوية القومية ومظهرا من مظاهر الاعتزاز بها ، خاصة في ظل ظرف عصيب يمر به ابناء هذا الشعب في ارض اجداده ، ان كان بالتهميش والمحاربة ، او حتـى بالترهيب ونتائجه الكارثية التي انعكست على آلاف العوائل التي اضطرتها هذه الظروف العصيبة ، الى ترك وطنها واللجوء الى دول الجوار ، او ممن اختاروا اوطان الغربة ملاذا اخيرا لهم بعد ان ضاق العراق على ابنائه الاصلاء .

دعوة مخلصة الى المؤسسات المعنية بالغناء والفنون السريانية ، الى التوقف امام هذا الامر بجدية ، والدعـوة موصولة للشعراء والملحنين والفنانين الذين يقدمون نتاجاتهم باللغة السريانية ، ان يعيروا الغناء السرياني اهتمامهم الصحيح ، وأن لا يشاركوا في تشويه الهوية القومية الصادقة لهذا الفن . من اجل ان لا تكون الدعوة متأخرة ، لأن اجيالا تنشـأ اليوم وتتكاثر ، وهي بعيدة عن الاصالة ، ولا يحق لنا ان نلوم ظروف العراق والغربة دائما ، بل ان نسعى بما نملكه ونتمكن منه ، في اداء هذا الواجب الوطني والقومي ايضا .

تموز 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-