الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنظيم وبناء سوق العمل ليضم كفاءات حقيقية

عبد الرحمن تيشوري

2011 / 7 / 26
الادارة و الاقتصاد


بعد سنوات من الإهمال تبدأ وزارة العمل في سورية بالعودة لتحتلّ المكانة التي تستحقها، وهذه العودة يجب أن تستمر، فقوة العمل هي العنصر الأهم في عملية الإنتاج الاجتماعي، ومع عودة وزارة العمل لتحتل دورها تبرز سوق العمل في سورية كإحدى القضايا الأساسية التي كانت غائبة لسنوات طويلة.
إن البناء "التنظيم" الحالي لسوق العمل يشبه مبنى قديماً مهترئاً بني على غير هدى خلال عهود مختلفة، وفوق ذلك جرى إهماله، وبالتالي فالحاجة ماسة لإعادة بناء سوق العمل بجميع مكوّناته وليس إجراء بعض الإصلاحات فقط، وهذه المادة تناقش هذا الموضوع. ولأن هذا الموضوع لم يكن يناقش على نحو مفتوح، فمن المناسب استعراض بناء سوق العمل وواقعه في سورية.
تتكون سوق العمل بمفهومها الواسع من المكوّنات التالية:
ـ سياسة التشغيل: وهي الأساس الناظم للتوجهات الرئيسية في التشغيل، وترسمها الدولة ضمن استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتترجم التوجهات في الخطة الخمسية للدولة وتشارك في وضعها وزارة العمل وهيئة التخطيط، ومراكز الدراسات، والتي كانت شبه غائبة، وتشرف على تطبيقها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ـ المؤسسات التي تؤهل قوة العمل وتشمل:
ـ مؤسسات التعليم بجميع مراحله وأنواعه التي تعدّ قوة العمل، وتؤهلها للقيام بالوظائف التي تطلبها سوق العمل، وتشمل المدارس العامة والفنية المهنية والمعاهد والجامعات، الترابط بين مناهج التعليم وحاجات سوق العمل في الواقع ضعيف جداً ينعكس في عدم تطابق مخرجات التعليم مع الطلب في السوق على قوة العمل.
ـ مؤسسات التدريب الحكومية والخاصة، وهي تلعب دوراً هامشياً حتى الآن، وتحتاج لتفعيل كبير.
ـ التشريعات: وتشمل تشريعات العمل في القطاعين الحكومي والخاص، وتشريعات الشؤون الاجتماعية. وهي تشريعات قديمة تحتاج إلى تطوير جذري، وتشريعات الأجور والرواتب والتعويضات والمزايا، وهي تتصف بالجمود في القطاع العام، وبالفوضوية في القطاع الخاص.
ـ المؤسسات التي ترعى سوق العمل: لسنوات طويلة كانت وزارة العمل ومؤسساتها تقوم بدور ثانوي في رعاية سوق العمل وتطويرها، فمكاتب العمل مؤسسة بيروقراطية، ودورها هامشي. ولا يوجد بين مؤسسات وزارة العمل "هيئة عامة للتشغيل" ترعى سوق العمل. ومكاتب التشغيل الخاصة غير مرخصة وتعمل خارج القانون رغم أهمية دورها وأهمية تطوير عملها. وتحتاج مؤسسة التأمينات الاجتماعية لإعادة نظر وتطوير شامل لعملها. ولا يوجد صندوق للعاطلين عن العمل "صندوق البطالة" بينما أحدثت هيئة مكافحة البطالة عام 2001 ولعبت دوراً إيجابياً.
ـ التنظيمات النقابية العمالية التي تقوم بالدفاع عن حقوق المشتغلين في علاقاتهم بأرباب العمل، حكومة وقطاع خاص، والنقابات المهنية التي تقوم بتنظيم المهنة، وهذه النقابات هي الأخرى بيروقراطية وتحتاج لتطوير شامل لأدوارها وأدائها.
ـ محاكم العمل التي تحكم في خلافات العمل، وهي بيروقراطية وتعمل بكفاءة ضعيفة، ويشوب عملها الكثير من المظاهر السلبية وتحتاج إلى تطوير شامل.
عرض قوة العمل، ويتكوّن من:
ـ العرض الكمي وينتج عن تزايد السكان، وما زال معدله مرتفعاً (24%) سنوياً وهذا ما يخلق ضغوطاً على سوق العمل.
إذ تبلغ قوة العمل الداخلية إلى سوق العمل نحو ربع مليون طالب عمل جديد، كما ينتج عن العمالة الوافدة إلى سورية من دول أخرى وهي تشكّل نسبة ضئيلة.
ـ العرض النوعي وينتج عن التعليم والتدريب وهو يعاني من قصور وعيوب كثيرة.
والطلب على قوة العمل ويتكون من:
ـ طلب الحكومة لقطاعاتها الإدارية أو الاقتصادية: وهي لا تزيد عادة عن 25 ألف فرصة عمل في السنة.
ـ طلب القطاع الخاص، الصغير والمتوسط والكبير، الذي يعجز عن خلق الفرص الكافية لتشغيل العمالة الداخلة إلى السوق، وينعكس هذا في تزايد معدلات البطالة، ولا تتوفر دراسات عن الطلب في القطاع الخاص.
ـ طلب الهجرة بقصد العمل، وهي عمالة مؤهلة أو مهنية كما لا يوجد أية إحصاءات أو حتى تقديرات موثوقة ولا أية دراسات عنها.
العرض والطلب في سوق العمل:
يلتقي عرض قوة العمل والطلب عليها في سوق العمل، وتقوم مكاتب العمل الحكومية والخاصة بالتوفيق بين العرض والطلب. وبنتيجة الأوضاع السائدة فإن عرض قوة العمل والطلب عليها في سوق العمل، يتسم بالضعف وعدم التنظيم، والفوضى وعدم الكفاءة، وخاصة في القطاع الخاص. ويمكن أن نجمل نتائج هذا الوضع بما يلي:
ـ عدم توازن العرض والطلب، وضعف دور المؤسسات التي ترعى سوق العمل، بدءاً من رسم السياسات، مروراً بتنسيق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، على المدى القريب والمتوسط والطويل.
ـ غياب استراتيجيته قوة العمل وضعف سياسات العمل.
ـ غياب دراسات العمل وسوق العمل، وغياب الدراسات التي تقدم مبادئ لتوجهات عامة لسياسة تمتص البطالة، وترشح صناعات وخدمات معينة تولّد عدداً أكبر من فرص العمل وفق منظور عام ينسجم وتوجهات تنمية الاقتصاد السوري، ما يحدّ من القدرة على توجيه العرض والطلب والتحكم في توازن سوق العمل.
ـ يتسم العرض والطلب على العمل للعمل في الخارج بعدم وجود أي تنظيم، وبنقص شديد في المعلومات حول العمالة المهاجرة، وغياب أية دراسات عنها، وغياب أية رعاية لها، والتقصير يشمل الجميع، بما فيها سفاراتنا البيروقراطية في دول الهجرة.
ـ كفاءة متدنية لمخرجات التعليم والتدريب، وضعف الربط بين مخرجات التعليم والتدريب. واحتياجات سوق العمل.
ـ معدّلات النمو الحالية تجعل الاقتصاد عاجزاً عن امتصاص جميع الداخلين لسوق العمل. العاطل عن العمل مستهلك وغير منتج، أي يخلق أثراً سلبياً مزدوجاً عدا عن الآثار الاجتماعية المعروفة للبطالة.
ـ والنتيجة بطالة بين 11% و16% حسب الإحصاءات الرسمية و20% حسب تقديرات غير رسمية، وهي مرشحة للتزايد مع عودة مئات آلاف المشتغلين من لبنان.
ـ من جهة أخرى نقص في العمالة الماهرة وخاصة لبعض المهن.
ـ ضعف كبير لتنظيم العمل وغياب لدور مؤسسات العمل في القطاع الخاص، مثل غياب النقابات، وغياب دور مكاتب العمل، وغياب دور مراقبة الالتزام بقانون العمل، وقانون التأمينات الاجتماعية، وغياب دور محاكم العمل وضياع لحقوق المشتغلين.
التوجهات الجديدة لتنظيم سوق العمل:
تقوم الآن وزارة العمل بمجموعة من النشاطات، وتعمل عدة فرق عمل لوضع أسس جديدة لتطوير مختلف مكوّنات سوق العمل وتشمل: ـ إصدار قانون عمل جديد للقطاع الخاص.
ـ وقانون جديد لهيئة مكافحة البطالة يحوّلها إلى هيئة دائمة ويعيد رسم أدوارها.
ـ إعادة تنظيم مكاتب العمل في وزارة العمل.
ـ إصدار تشريع ينظّم عمل مكاتب العمل الخاصة، أو تضمينه في قانون العمل الجديد.
ـ إحداث هيئة وطنية جديدة للتشغيل تهتمّ بسوق العمل، وتنظيم سوق العمل وتنشيطها وتطويرها.
ـ إحداث مرصد للبطالة يهتم بالدراسات والمسوحات لسوق العمل وللعرض والطلب، ورصد الظواهر وتطوير السياسات.
إن إعادة تنظيم سوق العمل، وتطوير دور وزارة العمل سيسهمان بقوة، ليس في تنظيم سوق العمل وحسب، بل وفي تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والجهود المذكورة سابقاً لا تشكل سوى جزء من العمل والجهد المطلوبين، وهو عمل يحتاج لسنوات من الجهد المستمر، ويحتاج إلى تكاليف مادية غير قليلة، ليس لوضع الأفكار على الورق بل لتطبيق ما هو على الورق في أرض الواقع وهو الأهم.


_








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تلقت -المعلومة الذهبية- بشأن نصر الله الإثنين الماضي


.. عيار 21 يتراجع لأقل مستوى.. أسعار الذهب ليوم 28 سبتمبر




.. ما سبب الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الألماني؟ | الأخبار


.. عودة يوسف بطرس غالي: إصلاح اقتصادي أم استرجاع لزمن مبارك؟




.. عودة يوسف بطرس غالي: إصلاح اقتصادي أم استرجاع لزمن مبارك؟