الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات -1-

جنبلاط الغرابي

2011 / 7 / 26
سيرة ذاتية



ربما تعني الذكريات بالنسبة لكثير من الناس الجلوس امام خشبة مسرح تستعرض احداث وتراث شخصي,اي انها رؤية مجموعة من الاسرار التي كانت تغمرها امواج الخوف او تحرسها جدران الخجل.بينما الذكرى ليست سوى واقع عام,تجارب الانسان مع الآخرين,ومع الطبيعة,استخلصت منها فحوى فردية ظاهرة وكأنها ولدت مع الذات واختصت بها.ورغم ذلك فاننا نحاول ان نجعلها فردية محضة,نحافظ عليها,وفي كل يوم نغسلها ونبدل ثوبها القديم,لانها الماضي الذي نرى من خلاله حلم العودة,حلم ايقاف الزمن,تلافيا للفناء.ذلك ان معرفة الناس اسرارنا وذكرياتنا بظننا قد تبطل وتعكر هذا الحلم,ولكننا نغفل ونتجاهل عدم وجود اية رابطة بين البقاء والماضي.فالحياة قطار لا يتعاطف مع احد,وليس من شأنه ان يرحم او يفني,كونه وسيط يحمل رسائل,حيث نحن نعيش بداخلها,فتارة علينا ان نقرأ,وتارة نجد انفسنا المضمون الذي يجب ان يظهر,اننا المرآة لهذه الحياة,ومرآة لذواتنا.استطيع الان ان اتذكر اول مرة ارى فيها شابا يصارع الموت امام امه وابيه,كانت امه تصرخ بشدة وكأنها تريد ان يعود بعدما شعرت بسفره البعيد نحو اللاعودة,بينما الاب قد ادرك جيدا بانه قد مات,حينها استسلم بسرعة,وواجه مرارة وشدة الالم,فقال لها بنبره حزينة,وانا ما زلت اتذكر كلماته,مع من تتكلمين دعيه,فقد مات,والى اين تجرينه؟.وبالرغم من ذلك لم تذعن الام وسلمته لنا كي نأخذه الى المستوصف المحاذي لمدرسة الشرطة والتي كانت ملاذنا الوحيد,عندها ركضنا مسرعين ونحن ندرك ما ادركه الاب,ولكن العاطفة التي فاضت من عيون الام جعلتنا نواسي اوهامها,لنتوهم معا,بانه قد يعيش مرة اخرى.ومع ذلك,فالمستوصف لا يملك حتى مروحة,او اي مستلزمات الطوارئ البسيطة,انه مستوصف خيري,يعالج مرضى التيفوئيد والملاريا,وليس له اختصاص اخر,لذا عندما وصلنا هذا المكان الفقير في منتصف الليل نظر الينا احد الموظفين بحزن وحيرة,فيا ترى ماذا يفعل هؤلاء المساكين بميتهم هذا؟.كان عليه ان يصاب بعدوى الوهم كما حدث معنا,الا انه سرعان ما قال لاهله والجمع الغفير بان هذا الشاب ميت,ليزيد من الم الام التي تعالت صرخاتها.لقد كانت تريد ان تعالج مرضه السرطاني بذهابها الى استراليا,ولكنها لم تفلح,فاودعته في قبر يقع فوق تلال جزيرة كوبانك الاندونيسية,تلك الجزيرة التي لطالما اشعرتني بموت بطيء يطوف حولنا,لكثرة الاوبئة,والكائنات السامة اللامنتهية الانواع والعدد.وهكذا دفنا حازم في اليوم التالي,بعدما قضينا معه ليلة مليئة بظلام طقوس الموت.ذلك الشاب الذي اعتدت ان اراه عصبي المزاج مع امه وابيه واخوته الصغار بسبب مرضه الخطير والموجع لمشاعر الامل.وقعت هذه الحادثة سنة - 2002- في جزيرة اندونيسية تدعى كوبانك وهي قريبة من استراليا,حيث كنا مجموعة يبلغ عددها -245- شخص ينتمون الى قوميات وبلدان مختلفة.اتذكر اننا مكثنا فيها ثلاثة اشهر وكانت محطتنا الثانية من بعد جزيرة روتي التي هي من اغرب الامكنة التي رأيتها في حياتي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة يدعو الدول العربية لاتخاذ موقف كالجامعات الأمريك


.. 3 مراحل خلال 10 سنوات.. خطة نتنياهو لما بعد حرب غزة




.. جامعة كاليفورنيا: بدء تطبيق إجراءات عقابية ضد مرتكبي أعمال ا


.. حملة بايدن تنتهج استراتيجية جديدة وتقلل من ظهوره العلني




.. إسرائيل تعلن مقتل أحد قادة لواء رفح بحركة الجهاد