الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايتها السلطة ... كيف أعاودك وهذي آثار فأسك ؟

بشرى ناصر

2004 / 11 / 21
القضية الفلسطينية


لم أدهش من الشارع الفلسطيني الذي بدا ولأول مرة منذ عقود بهذه الجمهرة ؛ وذاك التزاحم .. وهو يودع رئيسه وقائده ومناضله أبو عمار ... بل انشغلت به للدرجة التي أنستني الحزن؛ (وقد اعتدت أن أنشطر) في مناسبات الموت والجنائز... ومضيت انظر للمواطن الفلسطيني يطلق هتافاته؛ ووقوفه الطويل مشفوعاً بالأسى والحزن على قائده؛ الذي ظل يمثل (رمزاً) للثورة أكثر من كونه رئيساً... وظل يعني منظمة التحرير الفلسطينية أكثر من فلسطين ذاتها.... فمثل سيول جارفة كانت الجموع تتدفق في محاولة يائسة لاختراق الجموع؛ ممنين النفس بمشاهدة (نعش) قائدهم عن كثب؛ ربما ليصدقوا أن أسطورتهم انتهت.. أو ربما هي محاولة لينصّب كل واحد منهم نفسه شاهداً على حضرة الموت الذي وحده لا يستهزئ بنا ؛ وقد بدا لافتاً وملحوظاً بشكل كبير هجوم العسكر على الجمهور بالدفع والضرب بالعصي والهراوات لفسح المجال أمام باب المروحية الصغيرة لفتحه وإنزال النعش ؛ مما دعاني للغضب والسخط على العساكر أثناء متابعتي لعرض الاحتفال المهيب على القنوات الفضائية .. ولأن غضبي مندفعاً كعادتي فقد رحت أحتج بصوت عالً متسائلة : هل هو دأب العسكرتاريا وديدنها تخويف الشعب وقمع الشعوب واضطهادها حتى في مناسبة كهذه لها ما لها من قدسيتها وحضورها المشبع بالمهابة ؟ أم أن شعوبنا مجموعة من الرعاع لا يصلح معها غير العصا والترهيب والقمع ؟
وهذه ليست المرة الأولى التي يفرق فيها العسكر جموع الشعب بالقوة والإطلاق الناري أو حتى الغازات المسيلة للدموع ؛ ومع ذلك فلن أكون قاسية في إصدار الحكم علينا نحن الشعوب العربية ؛ وبقيت أتابع نقل الفضائيات التي يبدو أنها احترفت صناعة الرأي العام ؛ مبهورة بمحاصيل السذاجة البادية على شعبنا العربي الفلسطيني والتي دفعته للهتاف بالروح بالدم نفديك يا ابو عمار) تدور في رأسي ألف فكرة عن ياسر عرفات المستسلم للموت الذي لم يشأ له أعداءه غيره .. بعدما وصموه بالإرهاب والوقوف إلى جانب الإرهابيين ؛ فالمواطن الفلسطيني الذي خرج مودعاً جثمان قائده لم يتساءل وهو يرى سهى الطويل تمسك بيد (الختيار) لتساعده على النهوض ؛ وتدافع عنه ضد رفاقه المستورثين .. أين اختفت طيلة تلك السنوات؛ ولماذا اختفاءها عن مسرح الأحداث طيلة سنوات ؟ ؛ تاركة أبو عمار في إقامته الجبرية لتعيش في جادة من جادات باريس الراقية ؛ ولا عن القصور المرفهة التي بنتها سهى في عدد من العواصم العربية والتي من بينها قصراً في مدينة الحمامات التونسية كلفها ملايين الدولارات ؛ الشعب الفلسطيني الذي وقف يودع قائده لم يتساءل أيضاً عن مصداقية بيع سهى الطويل للوثائق والصور الخاصة بعرفات لدولة عربية ما.. وقبضها الثمن ؛ ولا القصص المنتشرة عن علاقتهما الزوجية المنقطعة ؛ ولا عن أرصدتها الضخمة في البنوك الأوربية .. ليس لأن المرأة برجوازية أصلاً وإنما لأن الشعب الفلسطيني شعباً عربياً يمثلنا نحن العرب في توجهاتنا اللاهوتية والمتسببة في فشلنا عن إنجاز أي مشروع حضاري أو نهضوي بل نستعين بالتراتيل والبخور في قضاء حوائجنا ونستخدم الأسطورة بديلاً عن الثورة لأننا لا نؤمن بغير الفكر الأسطوري القائم على عقيدة الخلق بالكلام والنظر والإشارات ولذا فنحن في الأزمات : ندعي على أعداءنا أن يرد كيدهم لنحورهم وما إلى ذلك من تهديدات كلامية ؛ ولذا أيضاً فعلاقتنا بحكامنا علاقة أسطورية قائمة على الأسطورة العبودية ؛ فنحن رعاع أو رعية يحكمها الراعي المسئول عن رعيته وهو الملك أو الحاكم أو الرئيس الذي يملي علينا ما يملي فلا نجد غير الاستجابة والقبول لما يفرضه الدور (دورنا كرعية للراعي) وتبعاً لهذا نسقط في مثالية الوهم والتصور .. فندير ظهورنا للفكر الثوري ونعتنق الفكر الغيبي الأسطوري ولا يستثنى من هذا التصور حتى المثقفين أنفسهم الذين يستندون لنفس السلطة المرجعية والتي جعلت من العقل السياسي العربي الإسلامي تاريخا تكراريا ؛ فنحن ( نعوذ بالمثيلوجيا من شر التكنولوجيا) ولذا فالمواطن الفلسطيني ليس معزولا عن الثقافة والحضارة العربية التي تكونت من مجموعة تقنيات رمزية ومادية من خلالها تقدر لنا ما نرغب وما نكره وكيف نتألم وكيف نكره ؛ وهي نفسها النظرة التي تجعلنا نستقبل الموت حيث (الوفرة) وحيث الدنيا فانية ولا قيمة لها ؛ وحيث الدهر مصدر الوعي التراجيدي المأساوي للإنسان العربي ... والموت باعتباره الانتقالة الأكثر أهمية في وعينا العربي وثقافتنا لما يعني من قداسة وطهارة لأنه خاتمة الدنيا وبداية الخوف الذي استعصى على التدجين .. ورحنا نهيئ أنفسنا له بزوادة التقوى والخشوع ؛ أريد القول : أن ذاكرتنا العربية تحفل بمضامين التقديس ورموز التقديس التي جعلت من حياتنا (مطلق فردي) وغدا العقل العربي عقلا سلطانيا ؛ وأذاب الوعي الديني والأيدلوجيا الدينية الذات الفردية في (النحن) الميتافيزيقية ؛ فالجماهير العربية الكادحة الفقيرة خاصة تؤمن بنظرية الخلق لتسقطها على الحكام ؛ فالسلطة تعني القوة ؛ بمعنى أن الشعب لا يعشق صدام او عرفت أو غيره من الحكام العرب لما يقدمون من تفاني وتضحية لشعوبهم بل لما يرون فيه من صورة (للمخلّص) التي يشكلونها هم وبالتالي للإيمان بها ذاك النوع من الإيمان الغيبي القائم على التصور والتوهم ولا عجب أن السياسات العربية تحافظ على استمرار الفكر الأسطوري وتصونه والتي منها الحلول السلمية ؛ فالاعتقاد اللاهوتي يمتص الوعي الثوري ويعزل الشعوب عن تناقضات الواقع وفهم الصراعات ؛ وبالتالي يشكل صمام أمان سياسي للطبقة الحاكمة ؛ فنحن نرى المستقبل شيئاً مجهولاً ضبابياً ليس من أدوات بحثنا ولا من حقنا الاعتداء عليه بينما يرى الفكر العلمي أن المستقبل من صنع الإنسان ؛ وحتى إشعار آخر : نحن نعيش ثورة وهمية وكاذبة طالما ظل الفكر العربي غارقا في أسطورته وغيبياته ؛ وطالما استطاع العدو الصهيوني أن يطور الميثيلوجيا التي يعتنقها لتصبح أداة لقمع الفلسطيني ويبيد الحرام العربي ليحل فوقه الحلال الإسرائيلي ؛ فنحن استخدمنا التكنلوجيا ولكن لخدمة مثيلوجيانا الدينية والسياسية وبررناها دائماً أمام شعوبنا ؛ وهكذا نجد وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان أن السلطة الفلسطينية لا تختلف عن أية سلطة عربية بتخليد وهمها السياسي واستبدادها الطبقي ؛ وهو تماما ما فعلته في اختيارها الحل السلمي بدلاً عن إرادة القتال ؛ نحن لم ننتقل الى الثورة الحقيقية بل انتقلنا لأسطورة الثورة التي أضيفت لمجمل أساطيرنا العربية وحكايات الأولين ..... ولذا فلا عجب أن يهتف الفلسطيني البسيط الكادح بفداء روح أبو عمار رغم أن روحه قد غادرت جسده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و