الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأغنية الشبابية ودور الاعلام

محمد الحاج ابراهيم

2004 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


أشعر بمتعة كبيرة لدى سماعي حديثا حول الشباب بكل ما يتعلق بهم ويشكّل وعيهم ،وقد دُعيت مؤخرا لجلسة حوارية ثقافية موسيقية بين أبناء الجيل القادم الساعي لدور، وأبناء الجيل العريق حامل الإرث كما يعتقد، فكان حوارا دعاني للكتابة عنه كون لي علاقة طرفية بالموسيقى .
تميزت هذه الجلسة بتشبث العراقة بمواقعها ودفاعها المستميت المستند إلى غنى الكلمة والجملة اللحنية الروحية التي كانت تعبيرا مدروسا عن الكلمة الغنية ،هذا الدفاع استند إلى دلالات موسيقية تاريخية واستشهادات موضوعية ،لكن هذا الرأي افتقر إلى موضوعية محاكمة الأغنية الشبابية ،وكان الرأي الشبابي ضعيفا في هذا الحوار ،حيث افتقد للتجربة الفنية والثقافة الموسيقية بمعنييها التاريخي والأكاديمي ،لكنه لم يقتنع إطلاقا أن وضعه الفني دخيل على الساحة الفنية الغنائية الشرقية ،فكان الطرفين متشبثين رغم قوة الأول وضعف الثاني ما دعاني أقرأ الخلاف سياسيا ،إذ أن ميزة مجتمعنا أنه مبني على ثقافة الإلغاء ،وهذا الإلغاء الفني نتيجة طبيعية للإلغاء الثقافي ،لكن الأهم في ذلك دراسة طبيعة الصراع بين جيل ساع لإثبات وجوده وجيل يحاول انتزاع هذا السعي لإثبات استمراره على أنه الأفضل ،والحق نسبي لكليهما .
ما يغيب عن ذهننا معرفة بنية الجيل ،والاعتراف بخصوصيته على جميع الصعد ،فكل مولود يعيش تماهيا بالوالد من الطفولة وحتى المراهقة ، ثم يبدأ بالانفصال الأول فيتحوّل من التماهي إلى العيش في فلك الوالد ،إلى أن ينفصل نهائيا بتكوين كيان نفسي ووعي خاصًّ به متناسب مع جيله الذي يفضّله على الجيل السابق كونه يفهم مشاكله ويعيشها
لا أجد فارقا بين الأغنية القديمة والحديثة كما تُسمّيان ،إلاّ من حيث الموضوع والجملة الموسيقية اللحنية المعبرة عن الكلمة الغنائية ،فكما تمتعنا بأغاني عبد الحليم تمتع آباؤنا بأغاني السيد درويش وأجدادنا بأغاني شعبية لم نسمع بها ،كذلك يتمتع الشباب بأغاني مطربين جدد لأن الزمن لا يتوقف على طرف واحد ،بل مرتبط بالتجديد الثقافي والسياسي والعلمي والفني أيضا ،وليس طبيعيا أن يتوقف الغناء عند السيدة (أم كلثوم) ،ولابد لهذا الجيل الجديد من أن يختار موسيقاه ومطربيه وهذا حق له بالمعنى التاريخي ،لأنه سيرسم للمستقبل كما رسم أسلافه ،فلا يجوز مصادرته بأي شيء يتعلق به ،وإلاّ سنقسر الزمن على التوقف ،وهذا هو المستحيل بعينه ،كأن نفرض على الجيل الجديد التذوق أو الاستمتاع بشيء لايجد فيه متعة.
الأغنية هي التعبير لغة ولحنا عن آمال الإنسان وآلامه ،والأغنيتين القديمة والحديثة تسعيان لنفس الهدف مع الفارق بين كاتب وآخر وملحن وآخر من حيث الإحساس والقدرة الإبداعية لإنتاج الأغنية. والتصادم الذي نراه ،له أسبابه ،فمثلا لماذا لم نعد نسمع في كل الإذاعات العربية أغنية لعمالقة الطرب إلا نادرا ،وبالمقابل صخب ما يسمى بالأغنية الشبابية يملأ الدنيا ،إذاً للإعلام دور كبير بهذا ،فالمجتمع الأصيل فنيا يحافظ على أصالته ويطورها دون بخسها وقمعها ،لكن ما حدث أن الإعلام أطفأ صوت الأصالة وروج للجديد قليل الأثر والتعبير ،فكل المحطات العربية المرئية والمسموعة تقوم بهذا الدور،مما حول الشباب للرقص فقط دون التمتع بالكلمة والمعنى وتعبيراتها الموسيقية الراقية ،والتي لازلنا نترقّب سماعها بعد انقضاء عشرات السنين عليها ،ولابد من الإقرار بالقيمة العالية من الناحية الفنية والأدبية للأغنية القديمة الأصيلة ،وإعطاء الأغنية الشبابية قيمتها باعتبارها تعبيرا عن متطلبات الشباب وأحلامهم ،إذ أن من حق الشباب علينا احترام خصوصيتهم وذوقهم ،ولايجوز تذويقهم قسرا ،حتى لو كان التذويق بقيمة عالية من الناحية السمعية اللحنية.لكن هناك موضوعا لابد من طرحه يتعلق بتجارة الأغنية الشبابية واستعراضها المبتذل الذي يحول المرأة إلى سلعة رخيصة يفقدها قيمتها الانسانية بعرض جسدها ومفاتنها تحت غاية كسب شركات الانتاج للارباح على حساب القيمة الفنية والانسانية وهذا مايصنع هذا الموقف الحاد مما يُسمى بالأغنية الشبابية فتلك هي المشكلة إذ أن تعبير الاغنية الشبابية اليوم يعني الفيديو كليب ذو الصرعة الخاصة وليس انتاج الشباب من الغناء كالذي أنتجه شباب الأمس منذ أكثر من خمسين عاما حين قدموا فنا مذهلا مثال الرحابنه المبدعين في لبنان والعمالقة في مصر وسوريا وتونس والعراق إذ أن إنتاج شباب الأمس لامس الوجدان ورهافة الحس الانساني وعبّر عن العاطفة الجياشة للإنسان وأنسن الموسيقا ولم يختزل الغناء بالجسد، هذه المهمة تقع على عاتق مؤسسات الاعلام العربية كلها تماما بنقل الاصالة إلى الجيل الجديد فكما هو مُلاحظ أن مامن شاب يتقدم للغناء عبر البرامج الخاصة بذلك إلا ويبدأ من التراث الذي يحدد نجاحه وبعد أن ينجح يتحول إلى الفيديو كليب بسبب رواجه واعتماده من قبل المحطات الاعلامية العربية والشاب الناجح هذا يبحث عن الشهرة فيجد ذلك عبر الشاشة التي تروج للجديد وتقمع الأصيل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على