الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمق الثورة، وسطح الثورة

مجدي مهني أمين

2011 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


خرجت الثورة من عمق الشعب الصامت، كما يخرج البركان من صميم الأرض؛ خرجت تهزنا من الأعماق كيوم أن تغضب منا أمهاتنا؛ فالأم عادة لا تغضب؛ فنادرا – وقد يكون محالا- أن يغضب قلبها، وفي الثورة كان غضب القلب والأعماق ، فأين المفر؟ ولم يكن هناك مفر.
خرجت الثورة من أعماق قلب الأم ، وخرج شبابها المسحور بحبها، خرج شبابها العزل من شرايينها ، نزفتهم أمهم في ميادين مصر، كان قلب الأم يتدفقهم ؛ قلبها وكل كيانها يقذفهم حمم غضب لا راد لها ، حمم غضب لكرامتها المهدرة، غضب من حكامها الفاسدين؛ مَن لم يكونوا على قدر تاريخها وقامتها ونبلها ، وانتشر الشباب في كل الميادين ، يسقطون على الأرض وتسير أرواحهم مع الشباب تهتف بسقوط النظام.
كانوا في سحر الغضب النبيل الذي تهون فيه الروح ولا يلتفت للدم المسفوك، كانوا في لحظة سرمدية أقوى من الحياة الفانية، في لحظة البحث عن حياة جديدة تستحقها بلادهم.
وسقط أمام غضب الأم كل الطواغيت، كل من أرهبوا هذا الشعب العظيم ، سقطوا ودماء الشباب تقطر من اسلحتهم:
- يسقط القاتل أمام شباب أعزل لا يحمل سلاحا!!
ويرحل مبارك ، ولم يبرح الشباب الميدان، بقوا يطالبون من في يده مقاليد الأمور أن يردوا على كافة مطالبهم حتى يستكين قلب البلاد، بقوا في الميدان بنفس كيانهم المسحور بالأم الغاضبة، الغاضبة من التراخي والالتفاف على العدالة والثورة.
- هم غضب الأعماق الثائر لكرامة مصر وحقوق شهدائها ورغبتها في العدالة والحرية.
وكان آخر الردود على مطالب الثوار هو تلك الاعتداءات التى وقعت في العباسية على المسيرة السلمية مساء السبت 23 حيث قام الثوار بمسيرتهم من ميدان التحرير للعباسية للتظاهر أمام وزارة الدفاع للتأكيد على مطالب الثورة من: وقف محاكمات المدنيين عسكريا، والمحاكمات العاجلة لرموز النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس مبارك، وقتلة الشهداء، وتحقيق العدالة الاجتماعية بوضع حد أدنى (وحد أقصى) للأجور.
وجاءت أحداث العباسية استكمالا للعديد من الاعتداءات على الثوار، والعديد من الإجراءات التي حاولت إخلاء الميدان من الثوار، والمؤلم هنا أمرين : طريقة وحجم الاعتداء، ثم الإمعان في التهوين من شأن الثوار.
كان الاعتداء بشعا ، ذكرنا "بموقعة الجمل" ، حتى أن البعض قد أطلق عليه "موقعة الجمل الثانية" ، حيث فوجئ المتظاهرون بأعداد كبيرة من البلطجية يهجمون عليهم بالأسلحة البيضاء والشوم ، (راجع الرابط الأول ) ، وقد ذكرت إحدى المشاركات في هذه المسيرة :
- أول ما وصلنا الجيش كان واقف سادد الطريق من ناحيه الجامعة والعباسية، وبعد ما الناس وقفت شوية، فجأة لقينا ضرب من فوق البيوت بالمولوتوف والحجارة؛
- قفز البلطجية داخل حديقة الوايلي وعبأوا المولوتوف وزحفوا لمكان الثوار الذين فوجئوا بزجاجات المولوتوف تقذف مباشرة على أجسادهم؛
- شيخ الجامع كان بيبكي وهو بيطلب من الجيش يحمي الناس لان كل المصابين اللي كانوا بيتصابوا ما كناش بنعرف نوديهم فين كنا بنوديهم في المسجد؛
- الأمن المركزي كان فاتح للبلطجية جزء صغير علي جنب يحدفوا منه الطوب والمولتوف على المتظاهرين؛
ثم تساءلت شاهدة العيان:
- أين هي الحياه وأنت ترى شباب بلادك يموتون غدرا وبلا رحمة، ودماؤهم تملأ الارض؟.. صدقوني أنا ما نمتش من إمبارح، وأنا واقفة قدام شاب من الشباب لسه واصل وكان نفسه يدخل؛ مسكوه شرحوا جسمه بالمطاوي كانوا بيسحلوه في الأرض من غير رحمة، هفضل أشوف الولد ده وأحس قد أيه كنت جبانة وأنا مش عارفة أعمل له حاجة...
نعم، لقد تم محاصرة المتظاهرين بين قوات الجيش والأمن من ناحية والمعتدين من ناحية أخرىن، ووجه إمام مسجد النور نداءات إلى القوات الأمنية بفتح ممر آمن لانسحاب المتظاهرين، وأمنت القوات هذا الممر(بعد أن سقط ما يقرب من 300 مصابا إثر هذا الاعتداء المنظم) وانسحب المتظاهرون عائدين إلى ميدان التحرير وحملوا كثيراً من جرحاهم حتى لا يتعرضون للاعتقال. تمت الواقعة على مرأى ومسمع من قوات الجيش والشرطة، ولم يتحرك أى منهم للتدخل لمنع تلك الاعتداءات بدعوى " الحياد" (راجع الرابط الثاني).
الصورة مؤلمة، و"البلطجية" مرة أخرى - كما في موقعة الجمل وغيرها- هم مرتكبو الجريمة، ولم يتم القبض عليهم ولم يحولوا للمحاكمة العسكرية (المفترض اقتصارها على أعمال البلطجة)، المحاكمات العسكرية التي نالت الثوار ولم يتم بعد إلغاؤها عملا بمطالب الثوار.
و"البلطجية" عادة ما يكونون أشخاصا مأجورين لحساب شخص أو جهة للقيام بأعمالهم الإجرامية، وهو عُرف عُمل به طوال فترات حكم مبارك لتفريق (وسحق) المتظاهرين ، وتزوير الانتخابات، وترويع اللجان الانتخابات، وغيرها؛
- وهنا لمصلحة من عمل البلطجية هذه المرة؟
سؤال يلزم أن تجيب عليه "لجنة تقصي الحقائق" التي طالب بها المجلس القومي لحقوق الإنسان ، و17 حركة سياسية وائتلاف ثورة (راجع الرابط الثالث والرابع).
أما الإعلام فحدث ولا حرج، نازل طالع ينتقد الثوار، بطريقة تفوق بمراحل دوره في الماضي، "وإحنا عايزين الاستقرار، وعجلة الانتاج" ، يتحدثون في كل ما يظهر الثوار في صورة الغافل أو المعاند أو المتواطئ ضد مصر، وكأنهم في الشارع بيقضوا إجازة نصف السنة، وعلى شوية ويغنوا دقوا الشماسي،
- هل هذا هو إعلامنا الوطني؟
إن التهوين والتخوين الذي يمارسه الإعلام والنظام هو أقسى ما يمكن أن نطعن به أبطالنا الشرفاء، ثم عن أي استقرار نتحدث؟ أليس في تلبية مطالب الثوار تحقيق فعلي للاستقرار؟ أليس فيما أتخذ مؤخرا من إعفاء بعض رجال الأمن المتهمين بقتل الشهداء من الخدمة، أو تفعيل "قانون الغدر"، أو الموافقة على شفافية وعلانية الأحكام، وتحديد موعد محاكمة مبارك؛ أليس في كل هذا تحقيق فعلي للاستقرار؟
إذن لماذا لا نكمل في الطريق الفعال لتحقيق الاستقرار؟ ولماذا نستبدل هذا الطريق الفعال بالاعتداء على المتظاهرين وتخوينهم، أي قتلهم ماديا وأدبيا؟ لماذا نحول الثوار إلى مطاريد، والبلطجية إلى أبطال؟ كيف نؤمن انتخابات حرة نزيهة في هذا المناخ الملبد؟
لماذا لا نكمل العمل على تحقيق مطالب الثوار المشروعة؟ لماذا لا نسرع بتطهير أجهزة الدولة من كافة فلول النظام السابق، أو بوضع الحد الأدنى (والأقصى) للأجور؟ لماذا لا نرد على طلب الثوار في تحديد صلاحيات حكومة عصام شرف أمام المجلس العسكري؟ ولماذا لا يكون للثوار دور في صناعة قرارات المرحلة القادمة؟
نعم يقر الثوار أن الحكومة والمجلس العسكري يستمعون للشباب والعديد من القوى الوطنية ، يستمعون؛ ولكن وغالبا ما لا تكون القرارات في سياق أطروحات الثوار أو القوى الوطنية، وهو ما يشير إلى خلل في صناعة القرار، خلل لا يملأ بالاعتداء على الثوار ، ولا بمحاولة ترضيتهم والإصغاء إليهم، وإنما بأن يكون للثوار دور واضح في آلية صناعة القرار، كيف؟
1- أن تحدد صلاحيات حكومة عصام شرف ، كحكومة ثورة ، لها دورها الواضح مع المجلس في صياغة القرار الوطني؛
2- أن تضم الحكومة كافة الفئات الممثلة للحركات والإئتلافات في كافة أجهزتها، وأن يكون لهم دورهم الواضح في صياغة المفاهيم السياسية التي تناقشها الحكومة؛
3- أن تكون اللقاءات التي يديرها المجلس مع كافة اللجان الثورية ملزمة، وفي حدها الأدنى أن يعود المجلس لهذه اللجان (مرة ومرات) لمناقشة مشروعات القرارات قبل أن اعتمادها في صيغتها النهاية؛
4- والأهم أن يعلن المجلس إلتزامه بمطالب الثوار، وأن يضع جدولا زمنيا لتلبيتها .
هذه بعض المقترحات في طريق الاستقرار، أما ترك الشباب في العراء، أو العمل على إزاحتهم عن ميادين مصر ، أو ترك (مش عارفين مين) يضربهم (ويسحلهم) ، أو تخوين الثوار، أو فصل الإعلامية المرموقة دينا عبد الرحمن لأنها تضامنت مع الثوار، أو أخذ موقف من بعض الإعلاميين مثل : ريم ماجد، أو إبراهيم عيسى، أو يسري فودة، أو غيرهم، أو ترك القنوات المصرية تمارس دورها في النيل من الثوار... كل هذه المواقف تسير نحو الاستقرار بالقوة ولا تسير في طريق الثورة، وهو ما لا ترضاه مصر التي انتفضت لتاريخها.
الثوار شركاء أصليون في صناعة القرار ، هذا هو الفراغ الذي يجب أن يملأه المجلس العسكري حتى تسير الأمور في إتجاه الاستقرار الحقيقي، الاستقرار الذي يلبي النداء من أجل مصر التي ينشدها الشباب وقاموا من أجلها بثورتهم، ولا زالت بعض الأيادي تنالهم على مرأى ومسمع من قوات الجيش والشرطة.

1- اليوم السابع ، أحمد مصطفى http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=462047 ، الثلاثاء، 26 يوليو 2011
2- اليوم السابع ، محمد عبد الرازق ونرمين سليمان http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=462146 ، الثلاثاء،26 يوليو 2011
3- اليوم السابع ، حمزاوى يطالب بتحقيق عاجل فى موقعة "العباسية"، http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=462466، الثلاثاء،26 يوليو 2011
4- المصري اليوم، محمد فايق، http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=305262 ، الأربعاء،27 يوليو 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح


.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با




.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على


.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف




.. الجزيرة ترصد وصول أول قافلة شاحنات إلى الرصيف البحري بشمال ق