الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول صعود تيار الإسلام السياسى فى قلب ميدان التحرير

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الحضور السلفى و الجهادى و الإخوانى فى جمعة ما سمى " بالإستقرار " وهذه الشعارات والرموز والهتافات الدينية الكاسحة فى قلب ميدان التحرير – تستوجب وقفة للنظر والتأمل من جانبين :
الأول : يدور حول جديد ما يقدمه الإسلام السياسى فى هذه المرحلة الفارقة من تطور حياة السياسة فى مصر وبما يشفع لوجوده فى ساحة العمل السياسى الثورى .
والثانى : بشأن مستقبل الصراع مابين أنصار الدولة المدنية الحديثة وأنصار الدولة الدينية أو ما مابات يعرف " بالدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية " ..

مما لا شك فيه أن صعود التيار الدينى على مسرح الحدث السياسى يخدم مصالح قوى محددة داخل و خارج مصر , فهناك روافد اليمين وفلول نظام مبارك حيث تجمعهما أرضية أقتصادية وأجتماعية مشتركة , وهناك عرش آل سعود والأنظمة الملكية بالخليج والتى يؤرقها المد الثورى بالمنطقة و يهمها أجهاض مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة فى مصر.

والثابت أن النخب الثقافية و السياسية المصرية زكت هذا التواجد الدينى من منطلق أن أعمال المبدأ الديموقراطى بستلزم طرح منطق الإقصاء والإستبعاد لأى تيارأو فصيل دينى أو سياسى فى عهد ما بعد ثورة 25 يناير , وأن الأنظمة الغربية الديموقراطة تسمح بوجود ونشاط هذه التيارات الأصولية داخل مجتمعاتها , فضلآ عن أن خروج هذه الجماعات إلى النور يتيح نقاش أفكارها علانية و يدفع نحو تغيير هياكلها وسلوكها المتطرف .

واقع الأمر أن القراءة الموضوعية للمنتج النظرى الدينى المتداول كاشفت عن أنه لم تتقدم خطوة مؤثرة نحو القطيعة مع المفاهيم الأساسية الناظمة لرؤيتها بشأن نظام الدولة وحركة التاريخ وجدل متغيراته .

فالفهم الدينى مازال ينطلق من فرضية أن انحلال الإيمان وابتعاد المسلمين عن صراط الدين المستقيم هو بمثابة " صيرورة تاريخية " مستمرة منذ وفاة الرسول وحتى الآن , وأن العودة لجوهر الدين وحقيقة الاسلام يستوجب مواجهة جديد الواقع باعتباره ضلالات شركية ونصرانية يتعين مقاومتها .

كما أنه لم يهجر مفهومه الخاص بشأن نظام ( الدولة ) , فهو يسعى للتحقيق العيني لفكرة الخلافة الإسلامي كنقطة بدء معيارية و مركز ثقل لحركة التطور التاريخي للإسلام , وحيث يتحدد صلاح العباد والبلاد بمقدارالاقتراب منها أو الإبتعاد عنها .

وبالتبعية فأن هذا الفهم مازال يدور فى فلك وولاية الفقيه ودولته الدينية ويعتصم بفكرة الحاكمية , و يذهب إلى أنكار سلطة البشر الوضعية فى صياغة الأحكام والقوانين .

هذا المنتج النظرى وحركة مراجعاته - التى دشن من خلالها التيار الجهادى أكثر من ثلاثين كتابآ - لم تتعرض لهذه المفاهيم بالتعديل والتصحيح والتقويم بل هى تعتبرها ( ثوابت ومنجزات ماضى ) تفرض الاعتداد بها كمحاور لتوجيه مستقبل الإسلام والمسلمين .

ومن البين عن الشروط والضوابط - المعتمدة على الموروث الإجتهادى العتيد لأبن تيمة و أبن القيم وغيرهم – مازالت تطل برأسها فى خطاب الهوية الدينى المعاصر - لاسيما السلفى - وعبر أعتماد كثيف للثنائية الضدية ( الكفر / الإيمان ) كسند للتمييز بين البشر و للكثير من التأويلات الفقهية وتبريرعقد الذمة التاريخى , والعمل بفقه وأحكام الديار التقليدى . ومن هنا فهو يجحد كقاعدة عامة فكرة أن الفقه وفهم النصوص دالة فى تطورات وتناقضات واقع البشر الاجتماعى .

هذه المفردات المغلوطة بشأن حركة التاريخ والتطور الإجتماعى تجد جذورها فى رفض الأعتراف " بالمعنى الجدلى للتاريخ " الذى يترجم صراع وتناقضات المصالح والأفكار والطبقات , ويضع الجماهير والكتل الأجتماعية فى مقدمة الفعل التاريخى .

جديد الإسلام السياسى وهو يقف فى قلب ميدان التحرير يقطع بأنه مازال يقف خارج روح العصر الحقوقية وضد المفردات الأساسية لقواعد المواطنة و الديموقراطية , وأن حضوره بالمشهد السياسى و الإجتماعى المصرى سيعرقل روح الثورة وبناء المجتمع الجديد و ميلاد مشروع الدولة المدنية الحديثة .

أما بالنسبة للصراع المحتدم حول هوية وشكل ومقومات الدولة الأساسية المصرية - فى حقبة مابعد التحول الثورى - فثمة حاجة للتأكيد بداية على أن أنظمة الحكم المتعاقبة منذ حركة الجيش فى 52 يقطع مردت على توظيف الدين فى صراعاتها السياسية , ومن هنا فهى لم تسمح بتمايز العلاقة بين دائرة ماهووضعى ومجتمعى وبين ماهو ميتاوضعى – أيا كانت مصادره .

ولذلك ظل المعطى الدينى مؤثرآ فى المجال العام وعلى المنتج القانونى والسياسى والقيمى , الأمر الذى حال دون تبلور" مجتمع مدنى فاعل " يقف فى المسافة بين الدولة والفرد , وعرقل أعتبارالتشريع والحريات والإلتزامات والواجبات المتصلة بالفرد نتاجآ بشريآ خالصآ وتجسيدآ لتوازنات القوى الإجتماعية المتصارعة .

الخلاف بين أنصار الدولة المدنية والداعين لمشروع الدولة الدينية يعكس فى الأساس أشكالية الموقف من " شمولية الإسلام " من عدمه , ويبرهن على نفسه من خلال ثلاثة تيارات رئيسية :

الأول : تيار يذهب إلى ترديد فكرة الحاكمية بمفومها السلفى - على تنويعات مختلفة , ويؤكد أن حاكمية الإنسان غير شرعية على الأرض وأن مصدر السلطات هو الوحى اللآلهى , فالدولة أصل من أصول الشريعة تدين بالولاء لحكم الدين ونصوصه ورجاله.

الثانى : تيار يذهب لما سمى ( بالدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية الحضارية ) ويرى أن مضمون " الشمولية " يستوجب البحث عن أيجابيات الإسلام وتكامله . أيجابيته بمعنى الإعتداد بمتغيرات الوجود الإنسانى . وتكامله بمعنى القدرة على أنشاء صورة للحياة لا تنغرس فى الأرض بنوعيتها المادية المتطرفة ولا تنزع للسماء تهويمآ فى المثالية ومفارقة للواقع ( ينسج " حزب الوسط الإسلامى " الجديد فى مصر برنامجآ سياسيآ على هذا المنوال .

الثالث : تياريذهب إلى مدنية الدولة وفق قاعدة أنه ( لا سياسة فى الدين ولا دين بالسياسة ) , وأن شكل ( السلطة / الأمة ) وكيفية عملها لم يكن واضحآ فى النص الدينى المركزى ( القرآن ) ولا الحديث النبوى , كما أن الإجماع لم يتوافر حول " شكل الحكومة و النظام الإسلامى " فى التجربة التاريخية المؤسسة / الراشدة .
ومن ثمة فأن هذا التيار يؤكد على تاريخية الإسلام ويتحفظ على فكرة صلاحية الشريعة للتطبيق فى كل زمان ومكان .وأن كان هذا الفصيل الذى يضمن أطيافآ ليبرالية ويسارية وقومية لا يدافع صراحة عن " المبدأ العلمانى للدولة " - بعد أن طال مفهوم العلمانية تشويه و تجريح عمدى مستمرعلى مدار عقود طويلة .

ثمة حاجة للتأكيد على أن صمود هذا التيارالمدنى العلمانى والحيلولة دون أختطاف الدولة فى مصر يظل رهنآ برؤية سياسية تسلم بحقيقة أن العطب الأكبر فى خطاب التبشر بالدولة المدنية يكمن فى أنه لم يتأسس على واقع وصراع مكثف – كما حدث فى الحالة الأوروبية - وأنه مازال ينتج خارج دائرة الفعل الإجتماعى -السياسى والدينى المعاش .

ولذلك يبدوهذا الخطاب فى كثير من الأحيان مستعارآ و نخبويآ , ويركز على مطالب المعارضات السياسية وبعض نشطاء الجماعة الثقافية والأكاديمية التى تختلف أولوياتهم عن أهتمامات المواطن العادى الضعيف والمنهك والمسحوق فى دائرة حياته اليومية .

خطاب الدولة المدنية يجب أن يكون خطابآ للشعب ومرتبطآ بمشاكله ونابعآ من حاجات الجمهور, على أن تكون ركيزته الأساسية هى الحقوق الإقتصادية والإجتماعية بداية من علاج الفقر والعوز ومرورآ بقضايا الأجوروالدخول والتعينات والبطالة وأنتهاءآ بمشاكل الصحة والتعليم والسكن .. وغيرها

ومن هنا فالمدخل المناسب لجذب التأييد والدعم ( لدولة الحقوق المدنية الديموقراطية ) يكون بالتأكيد على أن هذه الدولة ستكون رافعة لتحقيق المطالب الثورية العدالية , وأن أطروحة الدولة الدينية التى ينادى بهاالأصوليون ستكون الوجه الآخر للدولةالطبقية والتفاوت الإجتماعى وأهدارآ قواعد المساواة والمواطنة بأسم الإسلام وكلمة الدين .

الفريق الدينى ينتصرعندما يصبح خطاب الدفاع عن الدولة المدنية مرادفآ لأفكارالحريات الليبرالية العامة ولنسق التعددية ,أذ يسهل علي السلفيين النيل منه بأدعاء الخصوصية وأن الإسلام يمتلك نظام الشورى بديلآعن الديموقراطية , والتوافق عوضآعن التنافس السياسى والإجتماعى .

الوعى الثورى القائم فى مصر مازال بطور النضج و التبلور, ولكنه لم يتشكل بطريقة نظرية , كما أنه لن يكذب أو ينافق مثل وعى النخب , فالجمهورلن تستغرقه الآن أحاديث الغيبيات وعدالة السماء , فهو يعرف مصالحه وحقوقه على الأرض ويدرك من القادرعلى تمثيلها وترجمتها والدفاع عنها . ولذلك يجبأن تكون القادة والرموز الشعبية الوطنية التى تتمتع بمصداقية وحضور جماهيرى الحاضن الإجتماعى للخطاب المنشود حول الدولة المدنية فى الإستحقاقات الإنتخابية والرئاسية القادمة .

أجهاض مشروع الدولة الدينية ( أوالمدنية بمرجعية أسلامية - كما يذهب البعض ) ليس أمرآ مستحيلآ , ولكن بشرط أن يكون طريق الدعوة للدولة المدنية هو طريق الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وكضامن لمنظومة الحقوق السياسية الليبرالية , ولن يتاتى ذلك إلآ من خلال الإرتباط والإيمان بوعى الجمهورونواته الثورية الشابة الصامدة و المعتصمة بقلب ميدان التحرير .. ومهما أحتشد الإسلام السياسى و راهن بشعارته ورموزه على أحتلال المشهد السياسى و الثورى الجديد فى مصر.
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
الدكتور حسين محيي الدين ( 2011 / 7 / 29 - 23:12 )
خطاب الدولة المدنية يجب أن يكون خطابآ للشعب ومرتبطآ بمشاكله ونابعآ من حاجات الجمهور, على أن تكون ركيزته الأساسية هى الحقوق الإقتصادية والإجتماعية بداية من علاج الفقر والعوز ومرورآ بقضايا الأجوروالدخول والتعينات والبطالة وأنتهاءآ بمشاكل الصحة والتعليم والسكن .. وغيرها
عزيزي الكاتب عماد أحييك أولا على دراستك الوافية للقوى السياسية المتصارعة في ميدان التحرير. كما أوأكد على ضروروة ان يتبنى اليسار المصري القضايا المطلبية للمواطنين بعيدا عن التنظير حول الصراع الطبقي والعلمانية التي تفسح المجال واسعا للتيار الديني في اثارة وتأليب الشارع على قوى اليسار والديمقراطيين تحت حجة ان هؤلاء كفرة . لقد اجتهد العراقيين في التنظير ولكنهم فشلو في كسب القوى الاجتماعية والاقتصادية المسحوقة بسبب محاربة للدين وتبنيهم أفكار وجودية نحن في غنا عنها وكم تعلم فان الشارع المصري شارع متدين واثارة مثل هذه الافكار قد تجعله يتخندق دينيا وبدل من ان يكون قاعدة جماهيرية للفكر المدني يتجه صوب الوهم الديني


2 - السلفيون لم يتغيروا فكرآ
حنان مصطفى ( 2011 / 7 / 30 - 00:59 )
أعبر عن أعجابى الخاص بمقالك أستاذ عماد و بعرضك الممتاز للسؤالين سواء عن الجديد من الناحية النظرية لدى التيارات السلفية أوعن الصراع بين أنصار الدولة المدنية و الدينية . وما أريد هنا ان أؤكد عليه أن أى مفهوم سواء فقهى او اجتماعى عند السلفيين لم يطرأ عليه اى تغيير معرفى حقيقى . ومن يتابع فتاويهم و آرائهم يجدها متجمدة و عقيمة من عشرات السنيين . وحتى المراجعات الجهادية التى قاموا بها عقب الإفراج عنهم كانت مراجعات بخصوص منهج التعامل مع الحاكم و تكفيره والعنف ومشروعيته لكنها لم تذهب إلى أصول ومبادىء و قواعد الفقه التى يستطيعون من خلال الإستدلال و الوصول إلى حلول للمشاكل الواقعية . هى أزمة فى منهج و منطق و منهج التفكير السلفى و لا يمكن ان يتحرر منها لأنه باختصار سيفقد صفته كسلفى ملتزم بالماضى و بمعاييره و مقايسه و قيم و أحكامه سواء بالنسبة للدين أو الحياة . أكرر تحياتى لك أيها الكاتب الممتاز


3 - الصراع على الهوية فى مصر
احمد عبد الله ( 2011 / 7 / 31 - 12:29 )
مقالك وقلمك يستحق التحية استاذ عماد . وما حدث فى ميدان التحرير يوم الجمعة هو شكل من اشكال الصراع على هوية مصر . وان كان لهذه الأمة تاريخ يمتد لسبعة آلاف سنة فان الغريبة أن يظل هذا الموضوع على جدول اعمال المصريين . السلفيون لم يرفعوا اعلام مصر لأنهم لايؤمنون بفكرة الوطنية و الإنتماء لما يسمى مصر . وكانوا يرفعون شعارات - اسلامية .. اسلامية - واعلام السعودية و آخرى مكتوب عليها الله اكبر تشبه أعلام القاعدة . ومنذ يومين قال احد رموز السلفية انه يجب منع تدريس تاريخ الفراعنة لأنهم كفار و ليسوا اجداد لأبناء مصر ؟ .. طبعآ ما يتحمل هذا الخلط هو ثورة 25 والحكومات ااالتى جاءت بعدها فى عهد عبد الناصر و السادات ومبارك لانهم خلطوا الدين بالسياسية واستغلوه للبقاء فى الحكم . الفرق بيننا و بين تونس على سبيل المثال فى هذه النقطة ان عهد بورقيبة حسم هذا الجدل و اكد على مدنية الدولة و النظام تونس بينما المصريون مازالوا يخوضوا فى فكرة هل مصر دولة للمصريين ام يجب ان تكون مارة للمسلمين و هل تاريخها و جذورها و أنتماؤها للعالم الإسلامى أم لهويتها التى تكونت عبر 7 آلاف عام . .


4 - اخطر شيء
الشهيد كسيلة ( 2011 / 7 / 31 - 13:19 )
ان اخطر ما يهدد الثورات في مجتمعات تغلب فيها الامية ويسودها الهوس الديني هو الثورة المضادة
لم تدرس المناهج التعليمية في العالم العربي هذا الموضوع ولم اجد رسالة او اطروحة بهذا العنوان رغم ان الموضوع في غاية الاهمية وهو البلسم الذي يشفي الاجيال الجديدة التي لا تعرف غير مقولات الاسلام السياسي
لقد انتجوا لنا اجيالا لم تقرا الا كتب الارهابيين وهي معبّأة وعلى استعداد للارتماء في
الهاوية لمجرد اشارة صغرة من كهنتها
هذه الاجيال ضحية الانظمة الفاسدة التي سلمت التعليم الى دعاة الظلامية
لكي تتحرر العقول ينبغي ان تتحرر المدرسة اي ان تكون المدرسة مدنية اضمان تاسيس دولة مدنية
فكيف يمكن تاسيس دولة مدنية والمدرسة تنتج سنويا الاف من الذين اقنعتهم مدارسهم بشرعية ووجوب الدولة الدينية

اخر الافلام

.. هكذا دخلت شرطة نيويورك قاعة هاميلتون بجامعة كولومبيا حيث يت


.. وزير الدفاع الأمريكي يقول إن واشنطن ستعارض اقتحام رفح دون خط




.. وقفات احتجاجية في جامعات الكويت للتضامن مع غزة


.. وزير الخارجية الأمريكي: إسرائيل قدمت مقترحات قوية والكرة الآ




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد قال إنها لتجهيز فرقتين للقتال في