الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحريضٌ ممنهج

عمر دخان

2011 / 7 / 30
الصحافة والاعلام


طالعت قبل أيام في إحدى الصحف الجزائرية و تحت عنوان استفزازي بحت، خبر زيارة المغني العالمي الجزائري رشيد طه لإسرائيل، و مشاركته في مهرجان القدس الغنائي، و ذلك "رغم أنف الجزائريين" كما ورد في عنوان المقال، و معظم الخبر لم يكون في حقيقة الأمر خبرا بقدر كونه مقالا تحريضيا على ذلك المغني. و على الرغم من أنه ورد في ذلك المقال نصوص لم تكن بارزة بسبب كمية التحريض التي سبقتها و تلتها، إلا أنه تم تجاهلها من القراء تماما، و على سبيل المثال النص التالي :

" ونقلت مواقع الكترونية حضرت الحفل عن امتزاج السرور والفخر بتواجد الفنان "العربي" طه بين أشقائه الفلسطينيين في قلب مدينة القدس المحتلة، حيث شارك الجمهور في ترديد كلمات أغاني الفنان الجزائري."

" واعترفت رانيا الياس مديرة مركز يبوس الثقافي خلال تعبيرها عن سرورها بهذه الأمسية الموسيقية، التي لاقت إقبالا جماهيريا كبيرا، بأنها المرة الأولى التي يشارك فيه فنانون عرب في المهرجان، مما يساهم حسبها في تعزيز التواصل الثقافي للمدينة المقدسة التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني مع محيطها العربي والفلسطيني."

أي مغفل يقرأ المقال دون أن يولي العبارات التحريضية و العنوان الاستفزازي بالا، سيدرك أن المغنى شارك في مهرجان أقامه العرب في إسرائيل و ليس مهرجانا إسرائيليا بالمعنى المراد إيصاله للعامة، و قد يكون حضره إسرائيليون طبعا لأن يقام على أراضي دولتهم و لا يمكنك أن تقيم مهرجانا موسيقيا في الجزائر و تمنع الجزائريين من حضوره، و المغنى لم يقم بشيء سوى المشاركة في مهرجان موسيقي شارك في مهرجانات شبيهة له من قبل حول العالم، وهو كأي فنان يدرك أنه لا دخل للفن في السياسة، ولذك لبى الدعوة بكل بساطه، خاصه و أن المهرجان منظم من طرف عرب إسرائيل، و هي النقطة التي ذكرها الكاتب و لكنه أجاد إغراقها أيضا بكمية ضخمة من العبارات التحريضية التي بدأت من عنوان المقال " رشيد طه يغني في إسرائيل رغم أنف الجزائريين".

مشكلة استغفال القراء و اللعب على مشاعرهم، بالإضافة إلى كون أولئك القراء في حقيقة الأمر مجرد كيانات فارغه كلما جاءت ريح ذهبت بهم ذات اليمين و ذات الشمال، هي فعلا مشكله حقيقيه، و خاصه عندما يكون المتورط الأولى هي صحف تقدس نفسها و نجاحها و تتباهى به صبح مساء بشكل يدعو إلى الغثيان، بينما هي في الحقيقة لا تلتزم الحيادية في نقل الخبر، و غالبية أخبارها تنقل على شكل مقالات تعبر عن آراء شخصيه أكثر من كونها نقلا موضوعيا للخبر.

هذه هي الصحافة الجزائرية، صحافة طفوليه باستثناء صحيفة واحده تكاد تكون الأفضل إذا قورنت بالبقية، فهي صحافه تغير و تغضب و تعادي و تتكبر و تستغل صفحاتها للهجوم على أشخاص لمجرد أنهم في يوم من الأيام رفضوا إجراء لقاء معها، و تشهر بالأشخاص لمجرد أنهم كانوا مهنيين و رفضوا الكتابة على صفحاتها، بل و تجعل منهم أعداء للشعب و الوطن وفق هواها الشخصي و هوى مسيريها، مستغلين سذاجة العامة من القراء، و مدركين أن المثقفين من الشعب الجزائري لا يقرأون لهم أساسا، و لذلك فهم يرغون و يزبدون، و يحشون عقول العامة بالحقد و العداوات ضد كل ما تحرك أو تنفس، حيث تجدهم معادين للولايات المتحدة و أفكارها، و في نفس الوقت، كلما منت عليهم الحكومة الأمريكية أو أحد مكاتبها بذكر اسم صحيفتهم و لو بالغلط، تجدهم يتطايرون بالفرح و الإبتهاج، لأنهم يعلمون جيدا من هو السيد و من هو العبد في هذا الكوكب، و الجيش الأمريكي بالنسبة لهم جيش إجرامي محتل، إلى أن يسمح لإحدى صحافييهم دون الصحفيين الآخرين برحله معهم لزيارة القوات الأمريكية الرابضة في البحر الأبيض المتوسط، فنجد ذلك الصحفي ينشر في اليوم التالي تقريرا عن الرحلة يمدح فيه الجيش الأمريكي و قوته و تنظيمه و بشكل مبالغ فيه. أهذه صحافة يؤخذ عليها؟ لا و ألف لا!.

عودة لصلب الموضوع، أود الحديث بخصوص التعليقات التي تركها رواد الموقع على المقال السالف الذكر، و التي أبرزت الحقيقة الدموية لهذا الشعب الديكتاتوري المتسلط و الذي يتمنى حرق و دمار كل من لم يكن نسخة منه، و على الرغم من أن الموقع الإلكتروني لتلك الجريدة يؤكد على أنه "يُرجى تجنب السب والشتم في حق الأشخاص والهيئات وارسال تعليقات ذات معنى " و أنه لن تنشر تعليقات فيها سب و شتم، إلا أن التعليقات المنشورة كانت فعلا أقبح تعليقات يمكن أن تطلق في حق إنسان، فمن تهديد بقتله و المطالبة بحرقه، إلى كيل أنواع الشتائم و الإهانات له، و التي نشرتها إدارة الموقع لأنه بكل بساطه لا يمكن لها أن تعمل دون تحريض الشعوب الغافلة و إثارة أعصابها من أجل تحقيق عدد أكبر من المبيعات و الرواد، و على سبيل المثال من التعليقات، أذكر الآتي :

" من يكون هذا الحثالة ؟؟؟" و إن لم تكن عبارة حثالة شتما، أسأل مدير الجريدة : هل يقبل أن يناديه أحد بالحثالة؟

" هدا لازم يموت" و كأننا في العصور الوسطى، من خالفنا يقتل و يمثل به. طبعا وفقا لسياسة الجريده، السب و الشتم ممنوع، لكن التحريض على القتل مسموح!

" لعنة الله عليك" توزيع اللعنات المجاني و الذي هو جزء من الحياة اليومية للعرب في كل مكان.

"لعنة الله عليه حيا وميتا." أما هذا فيلعنه حيا و ميتا و كأن رشيد طه قام بجريمه مثلا!

" خبيث نجس لا بد من منعه من دخول الجزائر علي كل حال واش رانا نستناو من الخبابطية ليس هو فقط لا حول ولا قوة الال بالله" و كأنه ليس آلاف بل ملايين من شعبه المحترم يمسي في المخامر و الملاهي، و هذه صفة نفاق أخرى على كل حال، القيام بشيء و استنكاره في الآخرين و قد لا حظتها في معظم معاقري الخمر من الجزائريين الذين تراهم يلعنون الخمر صباحا و يعانقونها مساءا.

" الله لا يوفقك .. انت هيك عم اتقلل من قيمة و دور القزاير في نصرة فلسطين" هذا نموذج ذهبي لمساندي "القضية المزعومة"، لا يجيد حتى كتابة اسم البلد التي يعلق في صحيفتها، و مع ذلك ينشر تعليقه لأن المتحكم في التعليقات لا يمكن أن يكون سوى أقل منه في المستوى العلمي.

" عاجل.....عاجل.....تكلمت مع والده عن رشيد ومادا فعل فأجاب بان ابنه لديه الجنسية الجزائري وليس فرنسية وبسبب المال غنى في إسرائيل وقال الله يهديه" لا أجد تعليقا على هذا التعليق "العاجل" سوى الضحك!.

الحقيقة أنني أقرأ الكثير من المقالات التحريضية في الصحافة الجزائريه على غرار هذا المقال، و كلما أرسل تعليقات عقلانية تدعوا إلى التعقل و النظر إلى الحقائق بحياديه، لا يتم نشرها أبدا على الرغم من أنها في الغالب تعليقات ليس فيها أدنى تجريح أو تشهير بأي أحد، فقط شرح نقاط غفل عنها الكثير من المعلقين و تعمد تجاهلها الكاتب المحرض، و أعتقد أنه هناك عملية فلترة تتم لإزالة أي تعليقات تنويريه أو تعليقات تفضح كذب الكتاب، و تترك فقط المقالات المليئة بالتهديد و الوعيد لكل من خالف الاتجاه العام للمجتمع و الذي تريد هذه الصحيفة و أخريات رسمه وفق منظورها الخاص.

لا يمكن لأي جزائري أن يلوم الصحافة المنحازة في الغرب و هو يعيش في مجتمع منحاز من أساسه إلى رأسه، صحافته و سياسيوه و جمعياته و كل شيء فيه منحاز، و كلمة الحيادية هنا لا تعدوا كونها نكتة لا معنى لها على الإطلاق، و بعد ذلك تخرج علينا صحيفه هنا و صحفي هناك منتقدا دولا غربيه و انحيازها و تضييقها على الآخرين، على الرغم من أن العدو يشهد قبل الصديق أن مقدار الحريات الممنوحة في الدول الغربية يفوق بسنين ضوئية أكثر الدول العربية تحررا، و هي ليست الجزائر طبعا، و التي يعيش فيها شعب يريد أن يكون "بالغصب" الوصي على قضية لا ناقة له فيها و لا جمل، لمجرد أن الصحيفة الفلانية و الحزب الفلاني أخبره أن تلك هي "قضيته المركزية" و أنه يجب أن لا ينظر إلى التخلف الذي يعيش فيه، و الجوع الذي يعانيه جزائريون لا يفصلهم عنهم سوى حائط، بل يجب أن ينظر إلى قضية غير واضحه المعالم و مليئة بعلامات الاستفهام و بالانتهازيين الذين يتغذون على استمرارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل