الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر وحلم الديمقراطية - المال والديمقراطية والفقر والغنى ( 3)

باسمة موسى

2011 / 7 / 30
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


من المفروض أن يكون في إمكان الحكومة الديمقراطيّة معالجة الإفراط والانحراف الذي ينشأ في اقتصاد السوق الحرّ (Market Economy). لكن التّنافس السّياسي يجعل القيام بهذه المسؤوليّة مستحيلاً من الوجهة العمليّة. فالتّنافس السّياسي يحتاج إلى المال، وهذه الحاجة تتفاقم مع تتابع الأجيال. لا يوجد مَنْ يتنافس في الحملات الانتخابيّة إلاّ مَنْ كان لديه السند المالي المباشر أو غير المباشر من أغنى العاملين في السوق الاقتصادي، وما هؤلاء سوى المنتفعين من الإفراط والانحراف الذي ينشأ في ذلك السوق. هناك مجهود لإصلاح ذلك الخلل، ولكن أصل المشكل يوجد في التّنافس السّياسي نفسه. لأن عمليّة الانتخابات قائمة على أساس كسب "مباراة"، لابد لفريق من كسب التباري في جمع الأصوات، ولكسب المباراة لابد من المال. هنا نجد أن العلاقة بين الحكومة والسوق تأخذ نمط عكس المطلوب. فبدلاً من أن يخضع السوق لتحكيم الحكومة المسئولة، نجد الحكومة هي الخاضعة لمؤشرات ومطالب السوق. لا يمكن إصلاح هذا الخلل ما دامت السّياسة مبنية على التّنافس. وبقدر ما يبذل من مجهود لسد قنوات انهمار الأموال في عمليّة الانتخابات، بقدر ما تفتّح قنوات جديدة للالتفاف حول القواعد والقوانين.
مشكل الأثر السلبي الناتج من المال في التّنافس السّياسي، هو السبب الرئيسي للاتّساع الحاصل في الفرق بين الغنى والفقر المتفشي في عالم اليوم غرباً وشرقاً. فالاتّساع في الفارق بين الغنى والفقر ليس نتيجة اقتصاد السوق الحرة في حدّ ذاته، بل نتيجة اقتصاد التّنافس السّياسي المقترن به، لأنّه عن طريق الاقتصاد السّياسي يتمكن "اللاعبون" في السوق الأكثر ثراءً من تحديد الإطار الذي يوفّر لهم إمكانيّة جمع الثروة. هذا الإطار يحتوي على نظم لقوانين الملكيّة، وقوانين العقود، وقوانين الشغل، وقوانين الضرائب، وجميع أنواع التشريعات التي تخص البنية التحتيّة العامة، والمعونات العموميّة. كل هذه العناصر تتكاتف لتحديد توجهات السوق. في النّظام الديمقراطي التّنافسي، يقوم "اللاعبون" الأكثر ثراء في السوق، مع مرور الوقت، بتحديد ذلك الإطار، نظراً إلى تأثير المال في الصراع السّياسي، وبالتالي تزداد ثروة الأكثر ثراء في المجتمع.
ولا تقتصر مساوئ المال في الديمقراطيّة التّنافسيّة واقتصادها السّياسي على ما سبق، لأن إخضاع الحكم (governance) إلى نفوذ قوى السوق له مضاعفات على البيئة أيضا. ففي السوق الحرّة، تقدّر سعر التكلفة باحتساب المصاريف الدّاخليّة للإنتاج، أي باعتبار تكلفة اليدّ العاملة، وتكلفة المواد الأوليّة، وانتقاص قيم المعدّات وتكاليف صيانتها ومصاريف الطاقة. التكلفة الدّاخليّة تحدّد سعر البيع الذي يدفعه المستهلك، وسعر البيع نفسه له تأثير كبير على الاستهلاك، فعندما يكون سعر البيع منخفضاً نسبيّاً، يزداد الاستهلاك. في غالبيّة الأحيان، نجد أن سعر التّكلفة الدّاخليّة لا يعكس حقيقة التّكلفة إذا ما أخذنا في الاعتبار التداعيات التي يتكلّفه المجتمع والبيئة. لأنّ العديد من الصناعات تتكلّف مصاريف خارجيّة لا تدخل ضمن سعر التّكلفة لأنها ليست مصاريف إنتاج. لنأخذ على سبيل المثال، الصّناعة الملوّثة للبيئة. إنها تولّد مصاريف باهظة على المجتمع الذي يضطر إلى معالجة تدهور الصحة العامة وإفساد البيئة الناتجة من تسويق تلك الصناعة، وهذه المصاريف الباهظة لا تدخل في سعر التّكلفة لأنها ليست مصاريف إنتاج. إنها مصاريف يتحملها المجتمع بأسره والأجيال القادمة وحتى الحيوان والنبات. ونظراً إلى أن السوق "حرة"، أي غير مقيّدة، فإن تلك المصاريف الخارجيّة لا تؤخذ في الاعتبار، وتبقى الأسعار منخفضة بصورة اصطناعيّة. الانخفاض الاصطناعي للأسعار يساعد على تضخم في استهلاك السلع الأكثر تلوثاً للبيئة والأسوأ أثراً على المجتمع. لذلك أصبح من الصعب أن يتحمّل العالم "السوق الحرة" أو "اقتصاد السوق الحرّة"، إن لم يتم تقييده من طرف الحكومات بطريقة مدقّقة وحكيمة تأخذ في الاعتبار تلك المصاريف الخارجيّة. ولكن للأسف، رأينا فيما سبق ذكره أن الأسواق ليست مقيّدة بطريقة حكيمة في النظام السّياسي التّنافسي، لأن النظام يجعل القرارات السّياسية خاضعة لتأثير السوق. فالسوق هي التي تقيّد الديمقراطيّة التّنافسيّة وليس العكس كما يجب أن يكون.
وفي نهاية الأمر، فإن المصاريف الاجتماعية والبيئيّة الناتجة عن السّياسة التّنافسيّة تولّد ما يمكن أن يطلق عليه مجازاً اسم الأبارتايد (apartheid) البيئي أو العنصريّة البيئيّة وما ينتج عنها من مظالم. لآن الفئات الفقيرة، والأقليّات العرقيّة، والنساء هم الذين يتحملون أعباء تداعي البيئة ومساوئها، إذ أنّهم في الغالب يعملون ويسكنون في المناطق الأكثر عرضة للمخاطر الصحيّة الناتجة عن تدهور البيئة. فالبيئة التي لا يقبلها المتيسر الحال قريبة من مسكنه، نجدها أو أسوأ منها هي بيئة المجموعات الهامشية اقتصاديّاً واجتماعيّاً. هؤلاء هم الذين يدفعون الجزء الأكبر من المصاريف الخارجية لتدهور البيئة التي لم تؤخذ في الاعتبار عند احتساب سعر التّكلفة للمنتجات الصناعيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو


.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب




.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما


.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم




.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني