الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاعدة في اوربا.. فوق النظر وتحت السيطرة

عبدالمنعم الاعسم

2011 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


القاعدة في اوربا.. فوق النظر وتحت السيطرة
بعد مذبحة اوسلو دار منظور الرصد الدولي قليلا عن خطر تنظيم القاعدة الى خطر جديد داهم يمثله تيار اليمين المسيحي المتطرف الذي بدأ يتمثل اساليب التيار الاسلامي المتطرف في الهجمات الانتحارية ضد المدنيين ومعاقبة نظام الادارة المدنية.
فهل وضع ملف الارهاب العالمي، اوربيا، فوق مستوى النظر بوصفه خطرا يقع في المرتبة الثانية من الاخطار الامنية والسياسية؟ وقبل ذلك، هل ان خطر القاعدة تراجع فعلا على المستوى الاوربي الى النقطة التي تسبق الاجهاض عليه؟
نعم، الارهاب العالمي يتراجع. هذا صحيح. لكن ثمة الكثير مما يؤشر بان مقتل اسامة بن لندن لم يقض تماما على التنظيم الذي يجد الآن في اوربا ملاذا آمنا له، ومحطة استراحة للوثوب الى مناطق رخوة او الى اهداف محددة تعيد له موقعه في شبكة الاخبار والمعادلات الامنية والسياسية في العالم.
اخر الاخبار العالمية عن تنظيم القاعدة تحمل مبادرة محام اسباني( دانيال فيول) الى اقامة دعوى امام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على الرئيس الامريكي باراك اوباما متهما اياه بمخالفة القوانين الامريكية وقواعد العدالة الدولية حين رخّص بقتل زعيم التنظيم الارهابي اسامة بن لادن “على ارض اخرى من غير موافقة حكومتها” وقال “كان ينبغي تعقب ابن لادن والقبض عليه ومحاكمته”.
وإذ يجد اعضاء القاعدة من يدافع عنهم في اوربا، فان الامر لا يتوقف عند حدود القضاء والعدالة بل تعداها الى الفرص التي تتيحها القوانين في اكثر من عاصمة اوربية لنشاطهم الدعائي وتحركهم في اوساط الجماعات الاسلامية وحشود المتدينين تحت بصر رجال البوليس الذين يبتسمون، في العادة، حين ينهال عليهم الملتحون واصحاب الدشاديش القصيرة بشتائم بلغات افغانية او باكستانية او عربية.
لكن تسريبات وثائق ويكيليكس السرية، قبل حوالي شهر، عن معتقلي غوانتانامو اخذت مكانا واسعا على واجهات الصحف الاوربية وتضمنت ترسيم الاخطار الامنية الناتجة عن اطلاق سراح 779 من المعتقلين المشتبه بانتمائهم الى القاعدة والقتال في افعانستان، وتتابع الصحف البريطانية والفرنسية هذه التسريبات بتعليقات وصفت بـ”الباردة” حيث قللت من تلك الاخطار، بل ان بعض الصحف حذرت الحكومات من التصرف خارج القوانين المرعية في التعامل مع افراد التنظيمات الارهابية رغم انها قدمت ريبورتاجات وتقارير عن عودة الكثير من المعتقلين السابقين في غوانتانامو الى النشاط الارهابي.
نشاط القاعدة في العاصمة البريطانية يتخذ طابعا اكثر منهجية، كما يبدو، وذلك باستثمارٍ اقصى لما تتيحه الشفافية الاجتماعية السائدة للتنوع الديني والتعبير عن الاراء والعقائد، وكذلك ما تتيحه قوانين اللجوء المحلية لاستقبال واقامة مقاتلي القاعدة والكثير من افراد الجماعات المتطرفة، وكشفت صحيفة الديلي تلغراف اللندنية الاسبوع الماضي عن وقائع مثيرة عن تمركز النشاط المتطرف في البلاد بتقرير عنوانه "لندن مركز شبكة تابعة لتنظيم القاعدة في أوروبا” وتشير فيه الى إن “أكثر من 35 من معتقلي غوانتانامو الذين شنوا هجمات مسلحة ضد دول أخرى تم تأهليهم من جديد في بريطانيا على يد دعاة متطرفين” ونقلت الصحيفة عن قادة عسكريين امريكان قولهم بان بريطانيا تعتبر “مركزا للإرهاب على مدى عقدين من الزمان صارت لندن بالنسبة للكثير من المحللين الاستراتيجيين بمثابة مختبر للصراع السلمي مع الارهاب لأنها تأوي عشرات من التنظيمات المتشددة بل وسميت العاصمة البريطانية في محافل متابعة الارهاب والجريمة والتطرف بـ “لندنستان”.
وطبقا لمعلومات الديلي تلغراف فان الحكومة البريطانية دفعت اموالا كبيرة الى متطوعين سابقين “خطرين” في افغانستان على شكل “تعويضات وفوائد” لكن صحيفة “الغارديان” نقلت عن وثائق مسربة قولها بان احد مقاتلي القاعدة المتهم الجزائري بتفجير كنائس وفنادق في باكستان واسمه عادل بن حميلي “كان يعمل لصالح الاستخبارات البريطانية".

وقد نجد في كتاب "دعوة المقاومة" لأبي مصعب السوري الذي اختلف مع خط ابن لادن والظواهري في قيادة تنظيم القاعدة اجابة شافية عن السؤال عن مكانة العاصمة البريطانية في تصورات قيادة القاعدة، يقول "ان لندن أفضل مكان فى العالم يمكن أن يقيم الجهادي فيه، من زاوية النشاط والتواصل والتعرف عن قرب على خريطة الجماعات والقوى الإسلامية فى العالم كله".. "وهى أفضل مكان لتنظيم جهد دعوى وإعلامي إسلامي" بالاشارة الى ان قوانين اللجوء السياسي في بريطانيا لا تحرم اللاجئ من ممارسة العمل والنشاط السياسي، والاعلامي، وحقوق التجمهر والتظاهر خلافاً لدول أوربية كثيرة تحرمه وتمنعه.
بالمقابل، فان النظرية البريطانية في مكافحة الارهاب تقوم على ان هذا الوضع "المريح" بالنسبة للقاعدة يتيح الفرص والامكانيات للأجهزة الأمنية والاستخباراتية تكوين خبرات نوعية وتراكمية فيما يتعلق بأنشطة الجماعات والأفراد المتصلين بالأفكار الإسلامية المتنوعة، ومن ضمن ما يوفره هذا المناخ لتلك الأجهزة إمكانيات اختراق أو توظيف أو تبادل النفع مع بعض أفراد وعناصر هذه الجماعات، وحدث، فعلا، بعد تفجيرات الانفاق في تموز 2005 التوصل لصيغة للتعاون والتفاهم بين جهاز مكافحة الارهاب ودعاة ومراكز اسلامية كثيرة في العاصمة لندن وبقية مراكز انتشار الجالية المسلمة في المملكة المتحدة، ونشرت الصحف البريطانية معلومات عما اسمته بـ "العميل المزدوج" .. الذى يتمتع بدرجة من الحرية فى ممارسة أنشطته داخل بريطانيا، دونما إزعاج أمني.
على ان المشكلة تتمثل في ان الجاليات المسلمة وغالبيتها متحدرة من دول الشرق الأوسط، ودول شرق آسيا والهند، لم تظهـِر حماسا ومرونة فى الاندماج والتواصل الإيجابي مع المجتمع البريطاني التي تحمل جنسيته ولم تتفاعل مع قيمه وثقافته، بل حرص الكثير من افرادها وعائلاتها وتجمعاتها على الانغلاق والتمايز في احياء وجيوب وميتعمرات سكانية تحت شعار الحفاظ على الهوية الأصلية، وغالباً ما يكون ذلك على خلفية دينية، والافت ان الحكومات البريطانية، خاصة خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، دعمت هذا التوجه التزاما بمنهج احترام التنوع الثقافي والعرقي داخل المجتمع البريطاني.
وليس من غير دلالة، ان يتبنى المنشق عن حزب العمال البريطاني جون غلاوي حركة الشبيبة المسلمة الاكثر تطرفا في جنوب لندن لينال مقعدا في مجلس العموم البريطاني باصواتهم، بل ان المحافظ العمالي الاسبق للعاصمة لندن "كن ليفينغستون" قد غازل اكثر من مرة التجمعات الاسلامية الانعزالية وتحدى سلطات مكافحة الارهاب في دعوة الشيخ القرضاوي الى لندن في ظروف كانت تشهد غليانا سياسيا "اسلاميا" في المملكة المتحدة.
الى ذلك تفيد احدث القراءات والبحوث في احوال تنظيم القاعدة في اوربا الى تراجع بائن في نشاط التنظيم، وفشله في الاحتفاظ بالزخم "الجهادي" الذي تحقق له غداة هجمات الحادي عشر من ايلول 2011 على مركز التجارة الدولي والبنتاغون في نيويورك ومعارك افغانستان وتفجير السفارات الامريكية في افريقيا ونسف الباخرة كول في اليمن وتفجيرات الانفاق في اسبانيا ولندن ، ولعل اسباب هذا التراجع معروفة إذا ما تم استعراض ومعاينة الاجراءات النوعية والمنهجية التي اتخذتها الدول الاوربية ضد الجماعات المتطرفة، على نحو جماعي او بشكل فردي، وقد نجحت الى حد كبير في تفكيك الكثير مما كان يسمى بالخلايا النائمة، والعكليات الناجحة في استباق تنفيذ العمليات الارهابية بالقبض على ابطالها (المانيا وبريطانيا) وفي تجفيف واحتواء مصادر التمويل الايديولوجي في المساجد وشبكات الانترنيت.
وبموازاة ذلك، ثمة الكثير من المعلومات بان توجيهات مركز القاعدة (التنظيم العالمي) في افغانستان قضت بالاضطرار الى التكيف مع هذه الحملة المنظمة باعتماد اساليب جديدة في التنظيم وفي اعمال "الجهاد" اقل شأنا وفاعلية لضرب الاهداف المطلوبة، وقد علم بان هذه التعليمات تشدد على قطع الصلات بين الافراد واعتبار الفرد الواحد خلية جهادية بنفسه مع الاتصال بالمركز او ينقاط محددة عبر شبكة الكترونية غير مباشرة، وبمعنى ما، انهاء اشكال التنظيم "الخلوي" السابق الذي يتيح لاجهزة مكافحة الارهاب القبض على اكبر عدد من "المجاهدين" في حال تفكيك احدى الخلايا المقاتلة، هذا فضلا عن التخلي عن "الروابط الاوربية" للتنظيم تحسبا لكشف بعض الخيوط التي توصل الى القيادات المهمة.
وفي ظل هذا التراجع حدث خلال السنتين الماضيتين تطور مهم على تنظيم القاعدة في اوربا في اتجاهين، الاول، انفضاض الجمهور المتعاطف مع القاعدة من حول الدعاة المرتبطين بها، ونشوء جيل جديد من ابناء المهاجرين، تتسع قاعدتهم باضطراد، لا يميلون اعمال العنف التقليدية كالهجمات الانتحارية والقتل الجماعي للمدنيين، وجرت دراسات كثيرة على ما اطلق عليه الجيل الجديد من المتطرفين الاسلاميين الذين ولدوا في اوربا او ترعرعوا فيها وناصروا تنظيم القاعدة واغوتهم افكار ابن لادن وشعارات الكراهية والريبة ضد المجتمعات الاوربية واتباع الديانات الاخرى وفكرة تدمير الغرب وامريكا، وتسربت معلومات عن اتجاه امريكي الى عقد حوارات واتصالات مع بعض هذه التجمعات، في وقت نشرت في الولايات المتحدة نظريات عن ولادة جيل ثالث من الاسلاميين المتطرفين لا يحبذون افكار وسبل الجهاد التي وضعها اسامة بن لادن.
لكن باحثين واستراتيجيين يحذرون من الاستطراد في النظرية الشائعة عن عصر انهيار القاعدة والتطرف الاسلامي، فقد يولد "تطرف جديد برداء آخر" كما يقول الخبير في شؤون الجماعات المجاهدة عبدالرحيم علي.. ولهذا القول ما يبرره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد