الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الحشود الإسلامية: مجرد تساؤلات مشروعة

هانى جرجس عياد

2011 / 7 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم تدهشنى قدرة التيارات الإسلامية على الحشد فى (جمعة 29 يوليو)، فلست من الذين يعتقدون أن الإسلاميين ليس لهم جمهور، أو غير قادرين على الحشد، وطالما وسائل النقل متوفرة لنقل الناس من مختلف المحافظات، فليس غريبا ولا مفاجئا أن نرى هذه الحشود القادمة من أرجاء البلاد تتجمع فى التحرير.
لكن هذه الحشود أثارت عندى تساؤلات أخرى، ما زالت تلاحقنى باحثة عن إجابة، من بينها أين كانت كل هذه الملايين طوال 30 سنة عاشتها مصر فى ظل الاستبداد والمهانة والفساد؟ لماذا لم نر لهم مظاهرة واحدة تتصدى لفساد نظام مبارك واستبداده، وتطالب بالدولة الإسلامية؟ لماذا تراجع وانزوى بعضكم؟ ولماذا أقدم بعضكم على إجراء مراجعات فقهية (نعم فقهية) بإشراف اللواء (الراحل) أحمد رأفت نائب رئيس جهاز أمن الدولة؟ وما معنى أن يروج بعضكم لمقولة (الخروج على الحكم ضلالة)، والحاكم فى ذلك الوقت هو حسنى مبارك وليس غيره؟ ثم لماذا أصبحت إسلامية الدولة وتطبيق الشريعة أمرا ضروريا وملحا الآن، بينما كانت قابلة للتأجيل والانتظار طيلة 30 سنة؟ وانتظار ماذا؟
تساؤلات لا تستهدف –من ناحية- الإساءة لأحد، لكنها تبحث عن الأسباب الكامنة وراء تقاعس تنظيمات قادرة على حشد كل هذه الجماهير عن مواجهة نظام مستبد متعسف أهان مصر والمصريين لثلاثة عقود، وهو بحث أظنه مشروعا. كما أنها تساؤلات –من ناحية ثانية- لا تطال الأحزاب الشرعية (أو بالأحرى الورقية) التى كانت قائمة أيام مبارك، حيث لم يكن بوسع أى منها أن يحشد بضع مئات للتظاهر، ومازال وضعها كذلك حتى الآن، بينما الأمر يختلف مع الإسلاميين، الذين أثبتوا أنهم قادرون على الحشد، ثم أنها تساؤلات –ثالثا- تطال (الإخوان المسلمين) أكثر من غيرهم من التنظيمات الإسلامية الأخرى، فلقد بقى الإخوان فى الساحة، ملء السمع والبصر، بينما توارى الآخرون، ثم هى –رابعا- تساؤلات ليست موجهة لمئات الألوف الذين احتشدوا من كل حدب وصوب، بل لمن استدعوهم وحشدوهم. وأظن –بالمناسبة- أننا لو سألنا هذه الألوف المؤلفة عن مفهوم الشريعة (التى رفعوا شعاراتها) فسوف نحصل على إجابات تستدعى القراءة والتحليل.
وحدهم الإخوان –إذن- بقوا على الساحة، ورغم أنهم عانوا كثيرا من الاعتقالات العشوائية، والمحاكمات العسكرية، إلا أنهم لم يرفعوا يوما شعار إسقاط النظام، ولم يدعوا يوما لمظاهرة احتجاج ضد النظام، غاية ما وصلوا إليه، هو المشاركة المراوغة فى حركة كفاية، التى نجحت فى كسر حاجز منع التظاهر، بينما كانوا قادرين، بكل هذه الإمكانيات اللوجستية والبشرية، على تنظيم مظاهرات (غضبهم) وإسقاط النظام، لو أرادوا. فلماذا لم يبادروا؟ كما أن أكثر مواقف بعض قادتهم، إيجابية، عشية مظاهرات 25 يناير، كانت عدم المشاركة، كتنظيم، مع حق كل إخوانى أن يشارك بصفته الشخصية، ونصيحة لمن يشارك بعدم الاحتكاك بقوات الأمن، وهى نصيحة لم يلتزم بها شباب الإخوان الذين كانوا فى صفوف الثورة الأولى، مثلما لم يلتزموا، لاحقا، بتعليمات قادتهم بتفريغ الميدان يوم موقعة الجمل.
الحقيقة الماثلة أمامنا الآن تتمثل فى قدرة الإخوان على حشد مئات الألوف، أن لم نقل الملايين، وهى حقيقة تعيد استدعاء التساؤل حول تقاعس الأخوان عن المبادرة بالإطاحة بنظام الفساد والاستبداد، أو حتى –وهذا اضعف الإيمان- المشاركة بفاعلية فى حراك الشارع المصرى، الذى راح يتجلى منذ عام 2004 فى حركة «كفاية»، ثم بلغ ذروته فى ثورة 25 يناير؟
يعيدنا التساؤل إلى وضع (الإخوان) فى عصر مبارك.
كان الإخوان تنظيما محظورا وفق قوانين (دولة مبارك)، لكنه كان حظرا من نوع خاص.
التنظيم (المحظور) له مقر رئيسى معلن ومعروف وأجهزة الدولة لا تغلقه ولا تصادره، تنظيم محظور لكنه قادر على انتخاب، وإعلان أسماء خمسة من مرشديه العموم، فى عصر مبارك، (محمد حامد أبو النصر 1986-1996، مصطفي مشهور1996-2002، مأمون الهضيبي 2002-2004، محمد مهدي عاكف 2004-يناير 2010، محمد بديع يناير 2010-حتى الآن، فضلا عن عمر التلمسانى الذى عاصر السادات ومبارك معا، 1973-1986) يتمتعون جميعا بحرية الحركة وعقد المؤتمرات الصحفية..الخ...، تنظيم محظور لكنه يشارك علنا فى انتخابات البرلمان، فى تحالفات علنية مع أحزاب شرعية (غير محظورة) أحيانا (الوفد، العمل، الأحرار)، أو منفردا أحيانا أخرى (انتخابات 2000 حتى 2010)، وغاية ما فعله النظام هو الاعتراض على شعار «الإسلام هو الحل» وليس أكثر من ذلك، تنظيم محظور لكن «أمن الدولة» يتفاوض معه حول عدد المقاعد التى سينالها فى البرلمان، تماما مثلما كان يفعل مع الأحزاب غير المحظورة..الخ...
المفارقة تبدو صارخة، قوانين (دولة مبارك) تفرض الحظر على الجماعة، وأجهزة (دولة مبارك) تنسج خيوط العلاقة مع ذات الجماعة.
وتتسع أبعاد المفارقة عندما نتذكر أنه عندما استقالت (دولة مبارك) من وظائفها الاجتماعية (التعليم والصحة على وجه الخصوص) تقدمت الجماعة، تحت سمع وبصر أجهزة (دولة مبارك) لملء الفراغ، فأنشأت المدارس والمستوصفات الدينية، ثم راح الدور الاجتماعى للجماعة يتمدد ويتسع، بعلم وإشراف وموافقة أجهزة (دولة مبارك) بينما دورها السياسى لا يتجاوز سقف المشاركة فى انتخابات البرلمان، وهو ما كان ضروريا لإضفاء بعض شرعية على انتخابات تعد نتائجها فى أروقة أمن الدولة.
المؤكد أن أحدا لا يستطيع أن يلوم الجماعة على التقدم لملء الفراغ الذى أحدثه تخلى الدولة (فى عصر مبارك) عن وظائفها الاجتماعية، لكن المؤكد –وبالقدر نفسه- أن صمت أجهزة نظام مبارك عن هذا الدور، يحمل بين طياته نوعا من التوافق بين الطرفين، النظام والجماعة، فيما يمكن تسميته (توزيع الأدوار)، الأمر الذى قد يفسر، جزئيا، عدم تصدى الجماعة للنظام، وبما يتناسب مع جماهيرها الهائلة المحتشدة فى التحرير يوم 29 يوليو، والتى قد تتفوق على أعداد المتظاهرين يوم 25 يناير.
كان نظام مبارك قادرا على تصفية الجماعة من داخلها، مثلما فعل مع الأحزاب الأخرى (الوفد-التجمع-الغد..الخ)، أو إسكاتها تماما مثلما فعل مع القوى الإسلامية الأخرى (العمل-الجهاد-الجماعة الإسلامية..الخ)، لكنه لم يفعل، ليس فقط لمقتضيات (تكامل الأدوار داخليا) لكن أيضا لأهمية وضرورة الحفاظ على بقاء (الفزاعة) الإسلامية حاضرة فى المشهد، فى مواجهة الداخل والخارج على السواء، وبما يبرر استمرار الديكتاتورية واستكمال أوراق ملف التوريث.
لعب نظام مبارك اللعبة بذكاء، مستفيدا من تجربة السادات الذى اعتقد أن مجرد حجب الشرعية عنهم يضمن بقاءهم تحت سيطرته، لكن عندما انطلقت رصاصاتهم إلى صدر السادات، كان ذلك إعلانا صارخا أن حجب الشرعية وحده لا يكفى، لذا لم تكتف أجهزة (دولة مبارك) بحجب الشرعية، بل اعتمدت إستراتيجية (الإنفراد والإضعاف) الانفراد بالإخوان وحدهم بعد إسكات وإقصاء كل القوى الإسلامية الأخرى، حتى لا تتشتت الجهود الأمنية، ثم الإضعاف المستمر عن طريق الاعتقالات والمحاكمات العسكرية ومصادرة الأموال..الخ...، وبما يبقى الجماعة محصورة دائما داخل المربع الذى يريده لها النظام، تؤدى دورها المرسوم دون أن تكون قادرة على تجاوزه والتمرد عليه، وبما يضمن عدم إعادة سيناريو (المنصة) مرة أخرى.
ولا أظن أن هذا السيناريو –المرسومة بعناية داخل غرف الداخلية وأمن الدولة- كان غائبا عن قادة الجماعة، لكنهم ارتضوا لأنفسهم هذا الدور، والتزموا بأداء الوظائف المحددة لهم، واستمرؤوا دور الضحية الذى يدفع الثمن، رغم أن هذا الدور –فى ذاته- يفرض عليهم سؤال ولماذا لا تحاولون التخلص من النظام الذى يضطهدكم وينكل بكم؟
التساؤلات الآن تبدو أكثر إلحاحا: لديكم كل هذه الجماهير القادرة على هزيمة وإسقاط نظام، لكنكم لم تفعلوا، بل انزوى منكم من انزوى، وتراجع منكم من تراجع عن أفكاره الفقهية تحت إشراف أمن الدولة، وارتضى منكم من ارتضى أن يلعب فى المساحة التى حددتها له أجهزة النظام؟ ثم لماذا أصبحت إسلامية الدولة وتطبيق الشريعة أمرا ملحا الآن، وقد كانت قابلة للتأجيل أكثر من 30 سنة؟
ليس مهما حدود دوركم ومشاركتكم فى ثورة 25 يناير التى دعا إليها وقادها أخرون، الأهم هو لماذا لم تفعلوها أنتم بكل هذه الجماهير؟
***
أخيرا
إذا اختزلنا الديمقراطية فى أغلبية وأقلية، فالمؤكد أنها لا تعنى فقط حكم الأغلبية، بل أولا وقبل ذلك تعنى ضمان حق الأقلية فى إعلان رؤاها والترويج لمواقفها وما تراه صحيحا. لكن شعارات من نوع (إسلامية رغم أنف العلمانيين) تكشف لنا كيف يفهم الإسلاميون الديمقراطية، حتى بعد اختزالها فى أغلبية وأقلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح