الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تنزع عنكَ أبدا قناع الحرية

دينا سليم حنحن

2004 / 11 / 22
الادب والفن


التقت نظراتنا بعد غياب. سنوات من الحرمان، وداع فضياع .

أخذتني الذاكرة حيث اللقاء الأول، لقاء يساوي الملايين، لحظة تلتها سنوات فتبعتها مئات بل آلاف الهفَوات...
خرجتُ من قريتي - والى الأبد - تُصاحبني وقارة والدي النادرة، أليس من أعيان البلدة الصغيرة؟! جبلية هي، تَغص سفوحها بالمراعي الخضراء، يؤمها طالبيها بنهم المفجوعين ووطأة الجاحدين.

هرولتُ نحو العلم، وبخطواتي الواسعة سَعَت خلفي أشباح الماضي توثق خطواتي المندفعة بشفافية نحو أسراب الطيور المُحَلّقة، فوق رأسي تهاجر غير آبهة .

بُهرتُ بسماء موطني الجديد ، مدينة مُتوجّة بحُلل اللازورد، هِمتُ ببهاء يَمّها ، سُحرتُ بجمالها وأدهشتني روعة نسائها ...

تملكتني رهبة العالم الخارجي بضوضائه ، أنغمستُ في طرقاته ، حاراته، أزقّته وشوارعه... حتى أُبتليَ جسدي بقاتلةٍَ ما همها مِن أَني للتوّ ولدتُ.

أرضتني بابتساماتها، أرغمتني على مُحاباتها، أوثقتْ يديّ بحبال من وميض الجمر، لا يمكن للهيبهِ الخمود حتى لو لامِسهُ صفاء مياه مدينتها وطهارة شفاهها.

أسكتَت ظمائي ببحيرة من الحيرة أثناء صحوة البدر من خلال نافذتي، أنتعشَ الحنين وتدفقت الدماء في عروقي الجافة فأحيت بي الخامد والساكن، أُماتت ذكريات الطفولة مثلما أيقظتّْ داخلي غرائزي المكبوتة نحو شهوة اللانهاية ...

اندفعتُ نحو الرغبات غير مقاوم ٍ، استمعتُ لنداء القلب، صُمّت أذناي أمام استغاثة عقلي الباطني، عاقد العزم الحفاظ على سباته قاصدا غير قاصر.

تقلّص الحياء فاجتمع خلف قناع البراءة، مدعياً الوقار، بشاشة الأبتسام لازمتني حتى سرير نومي الزوجي. تُقت التعرف على تعابير وجهي لحظة انتزاعي القناع ، كلما غرقتُ في سُباتي غادرتني الأقنعة وتداركتني

الحقيقة، همهمتُ من خلال أحلامي ، أيقذتُ نفسي من نفسي باستمرار خشية فقداني لهُ ، سألتُ زوجتي بطريقتي الخاصة:

- " كيف أبدوا وأنا مستغرقا في أحلامي " ؟
فتجيبني بسذاجة بريئة:
- " تبدو كأجمل طفل " .
علّها أرادت القول:
- تبدو كطفل جميل يتعلق بنهد أم .. حبيبة.. عشيقة..عابرة سبيل..الخ..!

لمحتُ وجه حبيبتي ولأول مرة من بين طالبات العلم ، سأطلق عليها اسم "خلود" ليس لأنها خالدة بل لأني أذكر وجميعكم تذكرون الحب الأول، أهم حدث لا ينسى .
سألت نفسي وما زلتُ أسألها : يا لغرابة الكون ودهشته أهو الحب الذي بدأ يطرق أبوابي أم أنها الرغبة الملحاحة في ...؟ ما المانع ما دمت بعيدا عن قرية آبائي، أجدادي وخلاّني.
اعتبرتُ نفسي حرا طليقا، بلا عين رقيب ولسان واش ٍ جبّار ، تركتُ الجبروت يتملكني وعزمتُ الأقدام راضيا الى أنأى من القيود ، ساورتني أحلام الطفولة المُتلصصة من بين سنوات المراهقة الماكرة، وها أنذا بين أجمل المخلوقات وأعظمهن جمالا ، أذابني عطرهن حتى جفّ جسمي تَعرُقا ، استيقظتْ سرايا نفسي المنطوية وصرختُ من أعماقي:
- " ما أجملكن يا بنات حواء... كل اؤلئكَ بناتُكِ؟"

أخذني بريق عينيها الى جدول النسيان، نسيتُ نفسي ولم أذكر سوى أول ابتسامة التي حطت من عزيمتي ، كلما خطت نحوي متهدهدة انتشيتُ عظمة وازددتُ قوة ،وكلما رمتني بنظرة محت بها كياني ووجودي، ارتجفت أوصالي، أوقفتني عن الحركة . قبعتُ في ظلها انتظر حبل مشنقتي راضيا.
سنة تليها سنوات وأوردتي تغمرها التنهدات، أندفع الى الوَلهِ، إن حصل واجتمعنا تدب فيّ وراعة المهجون ولحظة الانفصال أرجع مثل ناسك مطأطأ الرأس راغبا راهبا .

تَوعَدني الألم واستعرت بي نار العذاب يوم زفافها ، لا أدري أكانت نهايتي أم بداية مشواري في الحياة . اشتدت حلقات الخصام بين الحاضر وبين نفسي المتأججة ، خصام مستمر كلما باغتتني نظرة نسائية وابتسامة عذراء.

لم أدري كم من ابتسامة تبادلتها مع كل مسحة جمال، كم من لمسة يد ناعمة أجبرتُ على لمسها خاضعا لرغباتي أبتدىء بها حلقة جديدة من حلقات غرامي، حتى أني أفكر بتدوين سلسلة حلقات تحمل اسم "غرامياتي" أو ربما أسميها " نظرات العشق" أو ... لا أدري ماذا فبي من الجرأة حتى المستحيل.
أصبحتُ رجلا عديم الفؤاد، غُصتُ في جلباب المُتعة كلما طَرقَت بابي أُنملة من أنامل يد حواء. وإن حصل ولسعتني قُبلةِ إحداهن فلتت عني قيودي. أُقتدتُ بلا مقاومة الى عالمهن أسيرا ، أندفع بشهامة أغزوهُ برفق وحنان ألهبهُ برجولتي وبمهارة غير متناهية أُطوّقهُ بسرجي مفتتحا بابا من أبواب سوري العظيم، أسميتهُ " سور العشق" لهُ أبواب مشرعة وأبواب أخرى ما زالت مغلقة تنتظر فاتحتها ...

وجاء ذلك اليوم البُطوليّ، لقائي بمحبوبتي "خلود" غبت عن الوعي وغابت عني الحركة، تلألأ وجهها كالشمس، أيقنتُ حينها أن الجمال لا يزول وليس كيفما أعتقدتُ. انها أجمل مخلوق على الأرض، لكن ضميري أبى الاستسلام للحقيقة فنعَتها بالقبح .
شعّت عيناها كالجمر، تسائلتُ ما الذي يبكيها وهي التي اختارت غيري، أماتتني نظراتها المَلومة، على ماذا تلومني والحقُ لي في ذلك!

غابت بين الجمهرة وكلما ابتعدت اقترب طيف احدهم ، طيف أحببتهُ أكثر من أي أحد ، الطّيف عابس وكأنه يلومني هو أيضا، لماذا تكثر من حولي الملامات؟ لا أصدق ما أرى ! ما الذي أتى بهِ الى هنا؟ إنهُ يقترب مني، يجحظني للحظات ويغادرني بسرعة البرق . ارتجفتُ خجلا أمام الرجل الورع ... أبي .

أيقظتني زوجتي ، هزّتني بأناملها الجميلة ، وبحنان أخذتني في حضنها قائلة :
- لا تنزع عنكَ أبدا قناع الحرية فبهِ الخلاص من العبودية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال