الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا تتحول بعض الدوائر الإعلامية إلى أحزاب منافسة

سامر أبوالقاسم

2011 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


وسائل الإعلام أداة أساسية للتنشئة السياسية والاجتماعية، وأحد أهم الوسائل الأكثر نجاعة وفعالية لتصريف المنظومة القيمية والمبدئية، عبر تزويد الرأي العام بالأخبار والمعطيات، وتمكينه تدريجيا من أدوات التعليق والتحليل على الأحداث والوقائع، بهدف المساهمة في عمليات إنضاج العقول وإخصاب الأفكار والمواقف، خدمة لمسار التطور الإيجابي للمجتمعات والشعوب.
هكذا نتصور طبيعة جزء من المهام الملقاة على عاتق إعلامنا الوطني، وهكذا نطمح إلى أن يكون أداء إعلاميينا متناغما مع مطلب تحقيق المشروع المجتمعي، وهو ما لا يمكن نفيه عن الكثير من الطاقات الإعلامية المشتغلة بروح من المسؤولية والجدية.
لكن، اختارت بعض الصحف الوطنية ـ الرافعة لشعار "الاستقلالية" ـ الانخراط في حملة انتخابية سابقة لأوانها، عبر نشرها لما ادعته "لائحة كاملة للولاة والعمال المتدخلين بشكل مباشر لصالح مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الجماعية السابقة"، مصطفة بذلك إلى جانب بعض الأحزاب السياسية المنافسة.
أحزاب لا زالت تكرس المزيد من الارتهان إلى الثقافة السياسية المتخلفة، ومن الاستكانة إلى الممارسات السياسية الانتهازية المزايدة بخلفيات إما دينية أو انتخابوية أو مصلحية ضيقة، ومن المحاربة الشرسة للممارسة السياسية بشكل مغاير، وعلى رأسها العدالة والتنمية والاستقلال والتقدم والاشتراكية.
هذا الاتهام المجاني، يأتي في سياق الهجوم العنيف على الحزب، بخلفية التعبير عن التخوف من نجاحاته السياسية والتواصلية والجماهيرية والاقتراحية والانتخابية المتراكمة منذ التأسيس، وبهدف النيل منه والتأثير على أدائه السياسي، وبغاية الضغط على الدولة من أجل "توافق" لتأمين إمكانيات وصولها إلى موقع التدبير الحكومي بعد الانتخابات التشريعية القادمة، دون عناء الانخراط في عمليات إعادة الاعتبار للعمل السياسي وتأهيل المشهد الحزبي والحد من العزوف الانتخابي.
اصطفاف بعض الإعلاميين ـ للأسف ـ مع هذه الأحزاب في قضية "لائحة الولاة والعمال" يعد خطأ مهنيا شنيعا، خاصة وأنهم لم يستندوا في ذلك إلى منهجية تدقيق المعطيات بخصوص الولاة والعمال المتهمين بالتدخل المباشر لصالح حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الجماعية السابقة، فاللائحة التي نشرتها أسبوعية "المشعل" ـ على سبيل المثال ـ مجانبة لمعطيات الواقع، لأن أغلب هؤلاء الواردة أسماؤهم في اللائحة تم تعيينهم بعد الانتخابات الجماعية، ولم يكونوا في موقع المسؤولية في الانتخابات التشريعية لـ 2007 والانتخابات الجماعية لـ 2009، وهو للأسف توضيح كنا ننتظر صدوره عن وزارة الداخلية، التي هي مساءلة اليوم عن كل هذا الصمت بخصوص قضايا ذات طابع جوهري في تحديد مسار الإصلاحات السياسية الجارية، وفي ضبط قواعد التنافس الديمقراطي.
فتسويق الصحفي لمعلومات مجانبة لمعطيات الواقع، وعدم تحققه من حدود قدرة الحزب على "التحكم في رجال السلطة" من موقع المعارضة، وعدم بحثه عن خلفيات وغايات هجوم المنافسين الحزبيين العنيف، وعدم وقوفه على مدى استفادة الأحزاب المنافسة من تدخل السلطة لفائدتها في كل الاستحقاقات، كل ذلك يجعل الصحفي في موقع التهافت وممارسة التغليط المؤثر سلبا على حزب الأصالة والمعاصرة، ويضعه في تناقض صارخ مع شعار "الاستقلالية"، ويموقعه في خندق الاصطفاف المصلحي الضيق مع أحزاب محاربة لطرق التغيير الممكنة والمتاحة.
ففي الوقت الذي كان حزب الأصالة والمعاصرة يعيش على إيقاع المعاناة السياسية الحقيقية من جراء تدخل السلطة بالأقاليم الجنوبية وجهة مراكش تانسيفت الحوز وجهة طنجة تطوان وغيرها عقب الانتخابات الجماعية الأخيرة، كانت المعطيات تفيد أن السلطة تتدخل بقوة لصالح حزبي العدالة والتنمية والاستقلال في بعض المناطق (الشمال نموذجا).
وفي الوقت الذي كان الجميع يرفع شعار محاربة الترحال السياسي، لا زالت المعطيات تفيد أن كل الأحزاب تتهافت وتخطط وتبرمج لاستقطاب منتخبي حزب الأصالة والمعاصرة، وعلى رأسها حزب التقدم والاشتراكية (جهة طنجة تطوان نموذجا).
علما بأن بعض إعلاميينا لم يكترثوا لمثل هذه الأساليب من الضغط والمزيد من الابتزاز من طرف هذه الأحزاب تجاه الدولة، ويصبوا كل انشغالهم على ادعاءات وإشاعات مغرضة بخصوص ارتباطات حزب الأصالة والمعاصرة.
فلا التهليل ولا التبخيس لهذا الرأي أو ذاك، يدخل في مهام من اختار الإعلام طريقا للمساهمة في بناء أو تعديل أو تغيير أوضاع مجتمعه، فبالأحرى أن يتم اللجوء إلى تقديم مادة إعلامية خالية من كل المواصفات والمقاييس والمعايير المطلوبة بخصوص الدقة في التعامل مع معطيات الواقع وأحداثه ووقائعه. هذا دون أن تحكمنا في هذا المقام خلفية الحكم على الأشخاص والدوائر الإعلامية، من حيث ارتباطاتها المصلحية الضيقة مع مراكز النفوذ المؤيدة أو المعارضة، الداخلية منها والخارجية.
قواعد اللعبة السياسية ينبغي أن تكون سليمة، وأسس التنافس الديمقراطي ينبغي أن تكون مستندة إلى منظومة قيمية ومبدئية غير متسخة، وتدبير هذه العمليات والإشراف عليها ينبغي ألا يكون محكوما بالرضوخ للضغوطات السياسوية المجانية، والمواكبة الإعلامية ينبغي أن تبقى بعيدة عن الاصطفاف المصلحي الضيق، لتمكين المواطنات والمواطنين من إصدار موقف واضح تجاه المنافسين السياسيين، ولترك حزب الأصالة والمعاصرة يمارس دوره كمنافس وفق محددات التعامل الديمقراطي.
وأي تجاهل لأحد هذه الشروط السياسية القوية التي ناضلت من أجل تحقيقها العديد من الأجيال يعد من باب الخروج عن القواعد الضابطة للاشتغال، ويدخل في باب التبخيس المغرض للمجهود المبذول من طرف حزب الأصالة والمعاصرة على أرض الواقع.
إذا، ليس العيب في أن يحازب إعلاميونا هذا التوجه أو ذاك، كما أنه ليس معيبا أن يكون للإعلامي موقف من هذه القضية أو تلك، خاصة وأنه يتمتع بكامل حقوق المواطنة وحرياتها، لكن العيب يكمن في غياب المهنية والقواعد العلمية والمنهجية في تصريفه لتوجهه أو رأيه أو موقفه، وللأسف هذه حال بعض من يشتغل على المادة الإعلامية في بلادنا اليوم. لذا، فالتحذير قائم بخصوص المساهمة في التأثير على مستقبل حزب الأصالة والمعاصرة وعلى حظوظه في الانتخابات القادمة، وعلى الجميع تحمل مسؤولية ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو