الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا بين عهدين

بدر الدين شنن

2011 / 8 / 2
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لايختلف اثنان ، على أن سوريا هي الآن ، غير ما كانت عليه قبل الخامس عشر من آذار الماضي . وعلى أن الحال لن يستمر طويلاً كما هو عليه الآن ، وعلى أن لابد أن يفضي المخاض السياسي العسير الدائر إلى تغيير ما لابد من حدوثه . لكن هناك اختلاف تعددي حول ، إلى أين تسير سوريا ؟ .. وما هي مآلات ما يحدث فيها ؟ .. وعلى أي نمط من المستقبل سوف تستقر عليه الخواتم ؟ . وتعدد الاختلاف متأت عن تعدد الأطراف المتصارعة .. وتعدد أهدافها وخلفياتها الاجتماعية والسياسية .
فهناك معارضة " سياسية - صدامية " تصر على إ سقاط النظام ، ولاتقبل من تنازلاته ، سوى تنازله عن السلطة . كل التنازلات " الإصلاحية السلمية التدرجية " التي كانت تمثل أولوياتها السياسية ، قبل انفجار الأحداث ، صارت من الماضي . والمسألة هنا ليست مغالاة ، أو رفع براغماتي في سقف المطالب ، بل هي حقيقة ما عزمت عليه هذه المعارضة ، وا ستبطنت به مطالبها المعلنة ، عندما اختارت النزول إلى الشارع ، وهي لاتطرح شكل ومضمون النظام الذي تبغيه بديلاً للنظام ، لتتمكن من جذب أوسع ما يمكن من الناقمين على النظام ، ولتكون حرة الخيارات الاقتصادية الاجتماعية لاحقاً .

وهناك معارضة " سياسية معتدلة " تتقاطع ، بشروط ضغط الشارع مع النظام ، حول الحل الإصلاحي .

وهناك معارضة " ثقافية " كما سماها ميشيل كيلو إصلاحية تروم أن يستجيب النظام لصوتها ، الذي ترفعه في المؤتمرات واللقاءات والتصريحات الإعلامية ، دون أن تقطع صلة الرحم مع أطراف معارضة أخرى ، ودون أن تفصح عن برنامجها الاقتصادي والاجتماعي ، كي لاتخسر قطاعات شعبية واسعة .

وهناك النظام الذي بسط يده للإصلاح على مستويات عدة ، لكنه لم يقارب جوهر الخلاف مع المعارضة ، الذي يدور حول تمسكه بالاستئثار بالحكم المرتكز على المادة الثامنة من الدستور ، بل ولم يتخذ أي موقف إيجابي في التعاطي مع المعارضة حول هذا الجوهر الخلافي ، وتمترس وراء الأجهزة الأمنية ، للحيلولة دون النيل من دوره الدستوري القيادي للدولة والمجتمع ومن " ثوابته السياسية والحزبية والسلطوية " .

وهناك كتلة شعبية واسعة مقهورة قمعياً واقتصادياً ، لم تحسم بعد أمر انحيازها للمعارضة أو للنظام ، فهي تتوجس من ا ستدامة النظام مثلما عرفته طوال عقود ، وتتخوف من الاشتباكات المسلحة ، التي لاتخلو من النزعات الطائفية ، بين مسلحين محسوبين على المعارضة وبين قوى الأمن والجيش ، من أن تؤدي إلى جر سوريا إلى السيناريو العراقي أو السيناريو الليبي . ليس لها حراك في الشارع ، وليس لها أداة .. أحزاب .. تعبر عنها ، في حركة اللقاءات والمناقشات والشعارات ، لكنها بحكم وزنها المرجح ، فإن جميع الأطراف المتصارعة ، تضعها في الحسبان ، وكل طرف يحاول ألا يطرح مباشرة ما ينفرها من برامج سياسية واجتماعية ، ويراهن على أن تنضم في وقت ما إلى صفوفه .

وفي حركة الصراع بين هذه الأطراف المتصارعة ، تدفع المعارضة السياسية - الصدامية الأمور على المستويين الداخلي والخارجي ، حتى تكون خواتم الصراع لصالحها ، وخياراتها من أجل تحقيق أهدافها مفتوحة على كل الوسائل والاحتمالات بما فيها المؤلمة . ويدفع النظام الأمور على مسارين ، الأول ، المواجهة لحركة الشارع الهادفة إلى إ سقاطه ، والثاني ، إجراء عدد من الإصلاحات في حقول الانتخابات والأحزاب والإعلام . وخياراته محددة ، أن يقيم علاقات منفتحة مع حركة الأحزاب الجديدة ومع مناخ الإعلام التعددي ومع حركة الشارع وفق شروطه ، وأن يواجه كل احتمالات وأنواع الضغط الداخلية والخارجية ، لتأمين ا ستدامته على قواعد جديدة تمنحه المزيد من القوة . وتدفع المعارضة " الثقافية والمعتدلة الإصلاحية إلى انتزاع تنازلات مضمونة تفتح في المجال لمناخ سياسي مريح للأنشطة السياسية والثقافية . أما الكتلة الشعبية التي ليس لها من يمثلها ، فهي تكتفي ، تحت سقف توجساتها من النظام وخوفها من مخاطر الاقتتال الدموي ، بالحد الأدنى من التغيير ، الذي يؤمن لها ، مستوى معيشة أفضل ، ومساحة من الحرية أوسع ، وفرص عمل كريم دائم ، وحقوق إنسانية مستقرة .

ووفقاً لذلك ، يبرز أن النظام والمعارضة الصدامية هما الطرفان الأساسيان في المشهد السوري . ويبرز أن المحور الأساس الذي يدور حوله الصراع بينمها هو السلطة ، ومن أجل السلطة لابد ، حسب أسلوبهما العنفي ، من هزيمة طرف وانتصار آخر . وهذا المحور " السلطة " الذي يؤدي إنجازه إلى حسم الأزمة في البلاد له وجه سياسي ووجه دستوري . الوجه السياسي هو من يستحوز على السلطة ، والوجه الدستوري هو من يمنحه الدستور الشرعية .. مع عدم استبعاد ، أن القوة على الأغلب هي التي في مثل هذا الصراع ، ستقرر من هو في السلطة .. ولمن ستمنح الشرعية ..!! .

غير أن ما يبدو الآن ، أن " عقدة النجار " في الصراع السياسي السوري منحصرة ، في تجاوز المادة الثامنة وتوابعها في الدستور ، التي تشرعن نمط العهد الحالي ، للانتقال إلى نمط عهد جديد مغاير ، وإن عدم إجراء هذا التجاوز ، والمراوحة في غمرة الأزمة . يعني إفراغ كل الإجراءا ت" الإصلاحية " المقررة والمعلنة من محتواها ، والعودة إلى المربع الأول . ولأن المعني بهذا التجاوز ، من حيث المسؤولية وامتلاك المبادرة ، هو النظام ، فإن النظام مطلوب منه ، أن يحقق هذا التجاوز ، لحل أهم وأعقد معادلات الأزمة الدموية المعقدة الراهنة ، وليتمكن من إقناع الجميع بمصداقيته في السير بالبلاد إلى عهد جديد . لكن الملاحظ ، أن التمهل والتأجيل هما الطاغيان على الإجراءات المطلوبة في هذا المضمار .

ما حصل حتى الآن في هذا السياق ، هو أن رئيس الدولة ورئيس حزب البعث الحاكم في خطابه الأخير في جامعة دمشق ، قد فتح في المجال لتعديل جزئي أو كلي للدستور ، وترك الأمر مرهوناً لما يقرره " الحوار اوطني " المزمع عقده في وقت لاحق . كما مهد نائب الرئيس فاروق الشرع للاستغناء عن المادة الثامنة في الدستور من خلال قوله " إن حزب البعث قد كان قائداً للدولة والمجتمع على امتداد عشر سنوات بدون هذه المادة في الدستور " وهو يقصد المدة بين تاريخ استيلاء حزب البعث على السلطة في 8 آذار 1963 وتاريخ إقرار الدستور في 13 آذار 1973 .

وفي الإشارة إلى ما قاله الرئيس ، فإن تعليق التعديل الدستوري ، الذي يستدعية حل الأزمة ، يبقي هذا التعديل معلقاً ومرتبطاً بمصير ملتبس . وكذلك في قول السيد الشرع . إذ أنه ، وإن كان يفسر على أنه تطمين لمنتسبي حزب البعث على امتيازاتهم المتأتية عن الدور القائد للحزب في الدولة والمجتمع ، فإنه حمل بالمقابل للمعارضة بتنوعاتها المتعددة ، حمل شحنة من التلويح بما يشبه حالة الطواريء ، التي سادت العشر سنوات الأولى ، التي عناها ، من حكم حزب البعث ، في المرحلة القادمة . ويشجع على هذه التحفظات ، ما يطرح من إشارات وما يجري من نشاطات تقودها كوادر عليا في حزب البعث ، تدل على رفض أي تعديل للدستور لاسيما المادة الثامنة منه ، وذلك بذريعة الحفاظ على إنجازات المرحلة الماضية ، وتزكية أن نظام " الحزب القائد " قد أثبت صلاحيته التاريخية .. !! .. ؟ ..

والسؤال هنا ، هل نحن أمام وجود تيارين متناقضين في الحزب الحاكم ومؤسساته ، أم هو توزيع أدوار للالتفاف على الاستحقاقات المطلوبة ، لإنهاء أزمة البلاد بسلام ، وبناء عهد جديد متحرر من شروط الماضي ، التي تجاوزها الواقع تحت ضغط احتجاجات الشارع ، وتحت ضعط الحاجة الملحة للحاق بمتغيرات العصر ، إن فيما يتعلق بمواجهة مخططات العولمة والهيمنة الإمبريالية ، أو فيما يتعلق بالحاجة إلى سبل وآليات حضارية ، توفر ارتفاع المستوى المعاشي الشعبي باضطراد ، وترتقي بالمستوى السياسي والاقتصادي والثقافي والحضاري ، بما يواكب الحاجة الوطنية والقومية والظروف الدولية التي لاترحم .

كل ما يتعلق بالأوضاع السورية يؤكد ، أن لارجعة إلى الوراء .. إلى نظام " الحزب القائد " المطلق الصلاحيات وانقسام المجتمع إلى طبقة سياسية حاكمة وأغلبية شعبية تابعة .. ويؤكد أن سوريا باتت محكومة بولوج عهد جديد ديمقراطي ، تسود فيه المساواة في الحقوق والواجبات .. والسيد فيه هو الشعب .. وليس أي سيد آخر بديل عنه .

على أنه .. ورغماً عن كل الأطراف ، فإن الحالة السورية الراهنة ، تستدعي إيجاد مخرج سلمي ديمقراطي جذري ، وفي المقدمة معالجة موضوعية ديمقراطية لمسألة الدستور ، باعتبارها منذ البداية ، هي الأكثر إلحاحاً وأكثر مركزية على ما عداها في المشهد السوري . إذ بدون هذه المعالجة للدستور دون أي تأخير ، تتأزم الأمور وتتعقد ، وتتساقط مصداقية النوايا والإجراءات الإصلاحية .

والسؤال : كيف ستتم هذه المعالجة ، ولمصلحة من سيتم التعديل الجزئي أو الكلي للدستور ؟ .. وهل كل ما في الدستور بات برسم التعديل والتغيير ؟ ..
هناك آراء يتم تداولها في جلسات معارضة خاصة ترفض أي نص دستوري يتعلق بالتوجهات الاجتماعية المنفتحة على مصالح الطبقات الشعبية ، والتي تأتي تحت عناوين ، الاقتصاد الموجه ، وتكريس وتعزيز القطاع العام الإنتاجي والخدمي ، ومجانية التعليم والصحة .. ألخ .. وتصر على الانفتاح المطلق على اقتصاد السوق الليبرالي وتبعاته ، بصرف النظر عما يؤول إليه هذا الإنفتاح ، من تمايزات طبقية متوحشة ، ومن آلام اجتماعية واسعة . وهناك آراء معارضة ، تتمحور فقط ، حول مسألة انتزاع الحرية وإسقاط النظام ، وبعدها " يحلها الحلال " . وهناك آراء في أوساط الحزب الحاكم والجبهة التقدمية ، تتمسك بجل شروط عهد ما قبل الخامس عشر من آذار الماضي الاقتصادية الاجتماعية ، وتوزع بعض المنح السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الآخر الذي يتعايش مع النظام ، وتعمل على الحفاظ على الدستور دون أي تعديل بذريعة مضمونه الاجتماعي .

إن ما يطرح من آراء متباينة حول الدستور ، يعني أن إيجاد دستور مغاير ، بهذا الاتجاه أو ذاك ، دونه أشهر طويلة من الصراع ، في وقت يستدعي الأمر التوصل إلى صيغة توقف فوراً تواتر وتصاعد الأزمة ، وتوقف نزيف الدم . ما يعني أن معالجة الدستور يمكن أن تتم على مرحلتين . المرحلة الأولى ، إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع ، وتعديل المادة الرابعة والثمانين ، التي تنص على أن القيادة القطرية لحزب البعث هي التي تقترح على مجلس الشعب المرشح لرئاسة الدولة . والمرحلة الثانية تأتي بعد انتخاب مجلس الشعب الجديد في مناخ تسوده الحرية والتعددية والرعاية القضائية ، وفيها يجري أعضاء هذا المجلس ومن يشاء من خارجه ، نقاشاً ديمقراطياً واسعاً حول صيغة الدستور المنشود ، ومن ثم يقره المجلس ويطرحه على الاستفتاء الشعبي العام . وعند ذلك تطوى صفحات تاريخ عهد ما قبل الخامس عشر من آذار ، ويبدأ الشعب بتسجيل صفحات تاريخ عهد جديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجل الزعيم جمال عبد الناصر: بشكر الشعب المصري الحريص على الا


.. مقابلة مع وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي




.. فى ذكرى وفاته.. منزل عبد الناصر بأسيوط شاهد على زيارة الضباط


.. فى ذكرى رحيله.. هنا أصول الزعيم جمال عبد الناصر قرية بنى مر




.. شرطة نيويورك تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين وتعتقل عددا م