الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهذا هو ديمقراطي العراق الجديد؟

منى زكي

2004 / 11 / 23
الادب والفن


قرأت، باستهجان شديد، ما كتبه قاسم زهير في مجلة "أفق" بعنوان "الناقد العربي إخوانياً وعبداً لمؤسسة". وأقول منذ البدء إن استهجاني نابع أولاً من احترامي الشديد للمجلة ومستوى ما يُنشر فيها من مواد ثقافية وإبداعية. وهو نابع، ثانياً، من أن مقالة زهير تنهض على الضغينة العمياء، والكذب على القارئ، والجهل الفظيع بالمشهد الشعري العربي المعاصر، والعجز عن القراءة الصحيحة السوية في بعض الأحيان. وأضيف أيضاً إنني لا أكتب دفاعاً عن الناقد السوري الجادّ والمتميز صبحي حديدي، الذي يتهجم عليه زهير بشكل رخيص وسطحي، لأن حديدي يعرف أفضل منّي كيف يدافع عن نفسه، هذا إذا شاء أن يهبط إلى هذا المستوى المتدني في النقاش .
وأبدأ بالضغينة العمياء! فما العلاقة بين احتجاج قاسم زهير على مقالة حديدي، والسيارات المفخخة التي تُرسل إلى "العراق الجديد"؟ هل أرسل حديدي سيارة مفخخة إلى بغداد؟ أم أنّ مقالته المنشورة في فصلية "الكرمل" الفلسطينية هي بمثابة سيارة مفخخة عند زهير؟ وكيف يفسّر، حقاً، قوله بالحرف الواحد: "المؤسسة التي أنتجت ناقداً مثل صبحي الحديدي هي المهزومة والخاسرة في حرية الثقافة التي يتنفسها العراقيون الآن بعد سقوط الدكتاتورية على الرغم من السيارات المفخخة المرسلة إلينا والتي تحمل خطاباً هو ذاته خطاب مؤسسة الحديدي"؟ ألا يعلم أنّ هذا الاتهام الخطير يمكن ان يقوده إلى السجن بتهمة القذف والتشهير، أمام أبسط قضاء حرّ في أي بلد يحكمه القانون؟
وكيف يتناسى قاسم زهير "الديمقراطي" أن حديدي يعيش في المنفى بعيداً عن بلده سورية، بسبب معارضته لنظام البعث الاستبدادي الحاكم في دمشق، وإيمانه بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان؟ وأي "مؤسسة" هذه التي يشتغل فيها حديدي؟ ألأنه نشر مقالته في "الكرمل" فهو تابع لها؟ هل كلّ من ينشر في مجلة "أفق" تابع لـ"مؤسسة أفق"؟ وحتى إذا صحّ أن حديدي يشتغل في "الكرمل" ، فهل هذه مؤسسة صدّامية مثلاً؟ أم هي تابعة للاستخبارات الأمريكية؟ ألا يخجل زهير، حقاً، حين يكذب على هذا النحو الفاضح .
يبدو انه لا يخجل أبداً، بالفعل! فهو يقول إن حديدي "ناقش في مقدمته بأربعة أسطر لا أكثر قضية السجالات التي تشهدها الحياة الثقافية الأمريكية"، متناسياً أنّ حديدي كرّس لها دراستين مترجمتين وقعتا في 20 صفحة هي صلب الملفّ، وأنّ من الطبيعي أن تركز مقدمته على أحوال الشعر العربي مقابل ما يجري من سجالات في الثقافة الأمريكية. هذا إذا وضعنا حقيقة أن حديدي لا يكتب عن السجالات "أربعة أسطر" كما يقول زهير، بل أكثر من 25 سطراً!
كذلك يكذب زهير حين يقول إن حديدي يعتبر محمود درويش "نموذجه الكوني"، وأقصد أنه يكذب بالمعنى الحرفي للكلمة: هذا التعبير ليس موجوداً أبداً في مقالة حديدي! ويكذب حرفياً حين يقول إن حديدي يعتبر درويش "نموذجاًُ مستقبلياً يحتوي على خصائص الكمال الجمالي والبلاغي والشعري والإيقاعي"، فهذا الكلام بدوره ليس موجوداً في مقالة حديدي! من أين أتى به زهير؟ لماذا اخترعه؟
ودوافع الضغينة والحقد ذاتها تدفع زهير إلى أن يتناسى كلياً أن حديدي لا يتحدث عن درويش وحده، بل أيضاً عن الشاعر اللبناني أنسي الحاج، الذي يضعه في موقع القطب الآخر الموازي لدرويش: الأخير في شكل قصيدة التفعيلة، والحاج في شكل قصيدة النثر. لماذا تجاهل قاسم تحليل حديدي للموقع الذي يشغله الحاج، بالقياس إلى الموقع الذي يشغله درويش (ثمّ أدونيس، وسعدي يوسف في الواقع)؟ الهدف واضح وجلي ومكشوف ومفضوح: أن يخدع القارئ ويجعله موقناً بأن حديدي لا يحابي إلا شعر درويش وحده! أليس هذا منتهى العيب؟ أهذه هي الثقافة الديمقراطية التي يبشّرنا زهير بأنها ستسود "العراق الجديد"؟
أصل الآن، لكي لا أطيل على القارئ، إلى جهل زهير بتفاصيل المشهد الشعري العربي المعاصر. ذلك لأنه يتهم حديدي بالأمية الجغرافية لأنه لا يذكر إلا ستة شعراء عراقيين! أهذا منطق سليم؟ لقد تحدث حديدي، ضمن سياقات محددة، عن نماذج نزار قباني وصلاح عبد الصبور وخليل حاوي وأنسي الحاج وأدونيس وسعدي يوسف ومحمود درويش وأمل دنقل. ثمّ نماذج علي الجندي وممدوح عدوان وسركون بولص ومحمد عفيفي مطر وسليم بركات وقاسم حداد وعز الدين المناصرة وأحمد دحبور ومحمد القيسي وعباس بيضون ووديع سعادة وبول شاول ومحمد بنيس. وأخيراً، نماذج وليد خازندار، زهير أبو شايب، طاهر رياض، غسان زقطان، أمجد ناصر، نزيه أبو عفش، نوري الجراح، بسام حجار، عناية جابر، لينا الطيبي، فاطمة قنديل، عماد أبو صالح، سيف الرحبي، كاظم جهاد، هاشم شفيق، حسن النجمي، عبد الله زريقة. هذا فضلاً عن محمد مهدي الجواهري ومصطفى جمال الدين وسعيد عقل ونازك الملائكة...
ماذا يريد زهير؟ أن يذكر حديدي جميع شعراء وشاعرات اللغة العربية في القرن العشرين؟ وهل جريمته أنه لم يذكر كمال سبتي وفوزي كريم وفاضل العزاوي؟ أم لعلّ جريمته، الكبرى والوحيدة في الحقيقة، أنه لم يذكر الشاعر الكبير العبقري قاسم زهير؟ أليس ذروة الجهل أن يعتبر صاحبنا أن ذكر ستة عراقيين (هم في الواقع سبعة، ويبدو أن الرجل لا يتقن العدّ البسيط أيضاً!) لا يكفي للتعبير عن إسهام العراق في الحداثة الشعرية العربية؟ أو أن سعدي يوسف وسركون بولص هم من "النجوم" فقط؟ أو أنّ لائحة الأسماء التي يسوقها حديدي ليسوا أفضل ممثلي المشهد الراهن؟
ذروة المهزلة أن زهير هذا يتوّج الكذب بالمسرح الميلودرامي، حين يقول ما يلي مخاطباً حديدي: "مرة تذكر شعراء سوريين لأنك سوري ولأنهم (بلدياتي) وحين تصل إلى شاعر سوري منهم يرف قلبك فتذكر معه مطلقته السورية (يا عيني على عطفك ورقة قلبك يا ناقدنا)، ومرة تذكر شعراء آخرين لأنهم يوجهون لك دعوات ثقافية لزيارة بلدانهم، إلخ". نصل هنا، بالطبع، إلى قاع الإنحطاط، لأن قارئ مقالة حديدي، وأنا أنصح الأخوات والأخوة بالعودة إليها على هذا الرابط:
http://www.alkarmel.org/prenumber/issue80/subhihadidi.pdf
لن يجد أياً من الأجواء الفاسدة التي يخترعها زهير، الذي لم يستح... ففعل حقاً ما شاء.
ومن أسف أن مجلة محترمة مثل "أفق" لم تتنبه إلى ما تحتويه هذه المادة من رخص وأحقاد وأكاذيب!
وإنني، كباحثة عراقية واستاذة جامعية، أتابع منذ سنوات كتابات صبحي حديدي المعمقة والمتميزة، في الأدب والنقد والترجمة والسياسة، وباللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. ولا أستغرب أن يتعرّض لهجوم بائس من شاعر حاقد، ولكن ما يحزنني أن واحداً من أفضل المواقع الثقافية في بلدي هو الذي يتبنى ذلك البؤس!


سانت لويس ـ ميسوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول