الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارفعوا ايديكم عن حماة!

مهند عبد الحميد

2011 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


استباحة دبابات النظام السوري مدنَ حماة ودرعا ودير الزور وغيرها وقتل وإصابة المئات واعتقال الآلاف من الشبان والمواطنين في يوم دموي واحد، عشيّة شهر رمضان، كانت محاولةً يائسةً أخرى، محاولةً حمقاء أشد وأقسى، علّ وعسى أن يعود الشعب المنتفض إلى بيت طاعة النظام، إلى عهد العبودية والاستبداد. لقد صعّد النظام من قمعه الدموي وتمادى في تقديم الروايات الكاذبة إيماناً منه بأن ما لم يتم تحقيقه بالقوة سيتم تحقيقه بمزيد من القوة، وأن تكرار الروايات الكاذبة يؤدي إلى تصديقها، وهو الأسلوب المتبع من كل قوى الاستبداد والقهر في أربعة أركان الأرض.
إن إصرار النظام السوري على وجود جماعات مسلحة وعصابات قتل داخل المدن المنتفضة، يساوي إصراره على الحل الأمني الذي يُخضِعْ بموجبه الشعب لحكمه الديكتاتوري الدموي. اختلاق عنف العصابات أو استدراج المنتفضين للعنف هو الذي يسوّغ للنظام استخدام الدبابات والمدافع وأقصى قوة لديه. فهذه القوة تروّع نسبةً كبيرةً من المواطنين وتدفعهم لانتظار ومراقبة ما ستنتهي إليه الأوضاع عوضاً عن المشاركة في النضال السلمي الديمقراطي من أجل الانعتاق.
دعونا نفترض توقف النظام السوري عن البطش وسحب الدبابات من المدن والبلدات وتوقف مليشيا النظام (الشبيحة) عن التنكيل بالمواطنين. ماذا سيحدث؟ سيخرج الشعب السوري بأكثريته الساحقة ليعبّر عن مطالبه في الحرية والكرامة والعدالة وفي وطن خال من الاحتلال. ولن تسفك نقطة دم واحدة، بل ستنثر الورود على الجيش وسيحافظ المنتفضون على الأمن ومؤسسات الدولة جنباً إلى جنب مع رجال الشرطة والجيش. سيقدم الشعب مطالبه وهي حكومة انتقالية وموعد لانتخابات رئاسية وبرلمانية ووضع دستور جديد وتشكيل لجان تحقيق في جرائم القتل والفساد بالاستناد للقانون.
النظام للأسف رفض وأغلق كل الطرق أمام الحل السلمي، والنضال السلمي الذي يتطابق مع مصالح السواد الأعظم من الشعب، ويصون سورية من كل تدخل وأطماع خارجية، ويوقف هدر واستنزاف الاقتصاد السوري. النظام اختار الحل الأمني الذي يكلف الشعب السوري الدم والعذاب والمعاناة، ويدمر الاقتصاد، ويفتح الأبواب أمام التدخل الخارجي، وكل ذلك مقابل مصالح طغمة أمنية واقتصادية مستبدة فقط لا غير.
النظام يقايض مصلحة الطغمة بمصلحة الوطن والشعب السوري تماماً كما فعلها العقيد القذافي الذي ضرب عرض الحائط بانتفاضة الشعب الليبي السلمية ومطالبها المشروعة، وذهب إلى الخيار الأمني - الإخضاع بالقوة - معرضاً شعب ليبيا والوطن الليبي إلى مخاطر لا حصر لها، كان في مقدمتها نزيف الدم الذي لم يتوقف منذ ستة شهور، إضافة إلى التدخل الخارجي وأطماعه وجشعه في النهب والهيمنة. كان من شأن استجابة النظام للمطالب المشروعة والاحتكام للشعب واحترام إرادته وتوقه للحرية، تجنيب ليبيا كل تلك الكوارث.
الغريب والعجيب أن النظام السوري ومن قبله النظام الليبي طرحا وقدما هذا الاحتمال بالمقلوب، فكلاهما طالب شعبه بالتجديد لسلطتهما الاستبدادية، وبتجديد الخضوع المذل لأجهزتهما الفاشية، وذلك لتفادي نزف الدم والمخاطر الأخرى. إنها مقايضة شبيهة بالمقايضة التي قدمها الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني، والمقايضة التي قدمها الاستعماران الفرنسي والإيطالي للشعبين السوري والليبي في العهد الاستعماري البائد. الشعبان مطالبان بالتنازل عن حقهما المشروع بالحرية والكرامة والعدالة مقابل وعود كاذبة بإصلاحات شكلية لا تمس مصالح الطغمتين. الشعبان مطالبان بالالتزام بعبودية تحت جزمة النظام والعائلة المورثة للحكم إلى الأبد. ولم يكن شعار "إلى الأبد يا حافظ الأسد" ولقب "ملك ملوك إفريقيا" بلا مغزى. شعاران يلخصان مرحلة العبودية..
الشعب السوري تحدى النظام وتحمل كل ألوان البطش والتنكيل والعذاب والعقوبات الجماعية، وبقي مصراً على خياره السلمي الديمقراطي. والشعب السوري رفض الانزلاق في اللعبة الطائفية والإثنية التي حاول النظام استخدامها كسلاح لتخويف الأقليات الدينية والإثنية ودفعها إلى طلب حمايته وبقائه، وبقي مصراً على الالتزام المبدئي الثابت بالوحدة الوطنية الجامعة.
الانتفاضة للشهر الرابع على التوالي كشفت عن قوة وشجاعة وصبر شباب سورية الأحرار، كشفت عن الوعي الوطني المميز والإرادة الحرة، والثقافة الوطنية الديمقراطية، واحترام التعدد الديني والإثني. أحرار سورية الذين كسروا جدار الخوف وضعوا نصب أعينهم الدفاع عن شعبهم وتحريره من الخوف وحققوا نجاحات باهرة.
لكن شعب سورية للأسف لم يحظ بالدعم والمساندة التي يستحق، الصمت والانتظار الشعبي شكلا الغطاء لمواصلة القمع الدموي. وكان من شأن الدعم الشعبي الواسع للشعب السوري واستنكار وإدانة جرائم النظام، وممارسة الضغوط على الأنظمة العربية للتدخل والضغط للحد من قمع النظام، أن تقيّد استخدامه القوة الوحشية. إن نجاح الثورة في سورية سيعزز نجاح الثورات العربية في مصر وتونس واليمن وليبيا، والعكس صحيح.
الجامعة العربية لم تحرك ساكناً، والأنظمة منفردة لم تمارس أي ضغط على النظام السوري. والسبب يعود إلى الموقف الدولي المخزي الذي يصمت على انتهاكات وجرائم النظام. والذي اكتفى بعقوبات رمزية. إن أية قراءة للموقف الدولي مقارنة بالموقف من النظام الليبي يعزز الاعتقاد بإعطاء ضوء أخضر دولي للنظام كي يسحق المنتفضين. الموقف الدولي ليس غريباً وهو الذي يستند إلى المصالح والأطماع ولا تعنيه مصلحة وحقوق ومطالب الشعوب.
الشعب السوري كان السباق إلى رفض كل تدخل أجنبي، التدخل المطلوب هو تدخل المحكمة الدولية ومنظمة العفو ومنظمات حقوق الإنسان، والرأي العام المناهض للحرب والاحتلال والهيمنة والعولمة المتوحشة. الشعب السوري مع تدخل الشعوب والثورات العربية فقط.
إن مجازر النظام السوري عشية رمضان تطرح تحدياً كبيراً أمام الثورات والشعوب العربية والشعب الفلسطيني، تطرح مهمة الانتصار للشعب السوري المكافح العنيد المصمم على انتزاع حريته، وحرية الشعب السوري من حرية الشعوب العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة