الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل: احتجاجات ضمن النظام السائد

علي جرادات

2011 / 8 / 3
القضية الفلسطينية


ظلت، ولا تزال، سطوة الأيدلوجي على السياسي، وسيطرة الأخير، وذراعه العسكرية الأمنية تحديداً، على المجتمع، سمة فارقة للنظام السياسي الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، الذي أقام الجيش من خلاله دولة، أنشأت بدورها مجتمعاً، بعد أن جلبت سكانه، وأحلتهم محل السكان الأصليين لفلسطين. هذا على عكس تجارب المجتمعات الطبيعية، التي أفرز تطورها دولها ونُظمها السياسية.
بهذه السمة الفارقة للنظام السياسي الإسرائيلي، وبفعلها، تحددت، كاتجاه عام، مضامين حركات الاحتجاج الاجتماعي الإسرائيلية وأشكال نضالها، التي لم ترتقِ يوماً، إلى مستوى المطالبة بإسقاط النظام الاستعماري الاستيطاني، بل، ظلت، تدور حول كيفية تقاسم الكعكة العامة لهذا النظام، وبما يمنع تفجر تناقضاته الداخلية، ويعزز الدفاع عنه، وتمتين أواصره. في السياق، تحضرني، حركة الاحتجاج الاجتماعي لـ"مغبوني" اليهود الشرقيين في ستينيات القرن المنصرم، تحت اسم "الفهود السود"، بقيادة شارلي بيطون، الذي عاد وانضم إلى حزب العمل، بل، واختار لاحقا مستوطنة معاليه أدوميم مكانا للسكن، وعندما سئل عن السبب، أجاب: "السكن هنا أرخص".
عليه، فإن الرهان على تطور حركة الاحتجاجات الشعبية الإسرائيلية الجارية، إلى حركة تنادي بإسقاط النظام الاستعماري الاستيطاني، هو رهان في غير محله، ذلك على الرغم من اتساع نطاق هذه الاحتجاجات. وعلى الرغم من لجوء مُنظِّمي هذه الاحتجاجات غير الحزبيين، إلى التظاهر والاعتصام، كسلاح لتعديل كيفية تقاسم الكعكة العامة وأولويات توزيعها، بينما كان إعلان الإضراب العام المُنَظَّم عن العمل، ( وهو أنجع على أية حال)، هو السلاح الدارج في حركات الاحتجاج الإسرائيلية.
لكن، وعلى الرغم مما تقدم، فإن ما تشهده إسرائيل من احتجاجات شعبية مطلبية واسعة، يكشف عن أزمة اجتماعية عويصة، هي، وإن كانت على علاقة بالأزمة الاقتصادية العالمية، فإن لها خصوصيتها المعقدة، المتعلقة بالتطورات التي شهدها الواقع الإسرائيلي، وخاصة في العقد الأخير، الذي شهد النظام السياسي الإسرائيلي خلاله، تطورات نوعية، تجمعت وتلاقت، وقادت، فيما قادت، إلى تراجع نظام دولة الرفاه الاجتماعي، الذي أسسه، وطوره، حزب العمل، الذي تآكل، بل تلاشى، بعد أن ضرب فريق باراك، البعد الاجتماعي لهذا الحزب، بحسب تعبير أحد قادته المناوئين لباراك، أوفير بينس. وبتلاشي دور هذا الحزب ووزنه، ناهيك عن تلاشي دور أحزاب تقع على يساره، ("ميرتس" مثلاً)، تلاشى أيضاً دور نظام "الكيبوتسات" و"الهستدروت"، كنظام، استند إليه حزب العمل، في بناء سياسة اقتصادية اجتماعية، تكفل الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، ضمن نظام اقتصادي رأسمالي استعماري استيطاني. هنا ربما من المفيد الإشارة، إلى أن مؤسسة "الهستدروت"، (الاتحاد العام للنقابات في إسرائيل)، أصبحت مجرد هيكل بلا مضمون، بعد أن تم خصخصة ممتلكاتها العامة، وبيعها لكبار الرأسماليين، علماً أنها كانت أكبر شركة قابضة في إسرائيل.
بهذا لم يسيطر تكتل الليكود، بجناحيه: "كاديما"، و"الليكود"، على قيادة السياسية الإسرائيلية الخارجية، (حُكْماً ومعارضة)، فقط، بل، وسيطر أيضاً على السياسة الاقتصادية الاجتماعية الداخلية، التي، لم تكتفِ، وفقاً لتعليمات نتنياهو، (كوزير للمالية في عهد شارون، وكوزير أعلى للإستراتيجية الاقتصادية حالياً)، بإضافة زيادات غير مسبوقة على الموازنات الخيالية المخصصة للأمن وللحرب وللاستيطان، بل، وأوغلت في تطبيقات سياسة السوق الحر المنفلت العقال، وفي سياسة الخصخصة الشاملة لكل شيء، بما في ذلك تحويل الإعلام من إعلام عام إلى إعلام تجاري، يمتلكه كبار الرأسماليين، الذين أخضعوا الإسرائيليين، لضخ إعلامي محترف في تزيين سياسة يمينية "فوق متطرفة"، على المستويين السياسي الخارجي والاقتصادي الاجتماعي الداخلي، على ما بين الأمرين من ترابط.
لقد أفضت سياسة نتنياهو الاقتصادية المتوحشة، فيما أفضت، إلى انهيار الطبقة الوسطى في إسرائيل، التي كانت تشكل 75% من المبنى الاجتماعي الإسرائيلي، هذا علاوة على سحق الشرائح والطبقات الدنيا لهذا المبنى، ناهيك عن تفشي الفساد بكافة أشكاله، وبضمنه، لجوء نتنياهو إلى سياسة الرشوة والمحاصصة الحزبية في توزيع موازنات الوزارات، لضمان بقاء ائتلافه الحكومي. ولعل ما حظيت به حركة "شاس" من رشوة، كانت زعيمة حزب "كاديما"، ليفني، قد رفضت تقديمها، مجرد مثال بارز، ليس إلا.
لقد أفضت التطورات التي شهدها الواقع الإسرائيلي، وخاصة في العقد الأخير، إلى خلق تيار اجتماعي عريض ناقم على ما خلفته سياسة نتنياهو الاقتصادية المتوحشة، من إفقار، إلى درجة عدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة الأولية، السكن مثلاً، الذي يشكل المطلب الأول، في مطالب الحركات الاحتجاجية التي تجتاح ميادين عدة مدن إسرائيلية.
هنا، وفي تصريح لافت، وذي دلالة، يقول وزير المعارف المُقرَّب من نتنياهو، جدعون ساعر: "كان الليكود يخسر الانتخابات عندما تكون المعركة الانتخابية على قضايا اجتماعية اقتصادية. وفي كل مرة كانت المعركة على قضايا أمنية سياسية، كان الليكود يفوز".
قصارى القول، تلك هي أسباب الحركة الاحتجاجية الدائرة اليوم في إسرائيل، وتلك هي مضامينها وسقوفها، التي لا تتجاوز محاولة إجراء تعديلات على كيفية تقاسم الكعكة العامة، لكن من دون المساس بجوهر النظام الاستعماري الاستيطاني. وأعتقد أنها لن تنجح حتى في إجراء تقليصات على موازنات الأمن والحرب والاستيطان، بل، إن أكثر ما يمكن أن تسفر عنه، هو إحراز بعض المكاسب، إنما ضمن السياسة الاقتصادية الجارية. وفي أحسن الحالات، ربما تقود إلى إسقاط حكومة نتنياهو، وتقديم موعد إجراء الانتخابات العامة، كإحتمال غير مؤكد. أما لماذا؟؟
لأن من يسيطر على قيادة السياسة الإسرائيلية، حكْماً ومعارضة، هما جناحا تكتل الليكود، بعد انقسامه عام 2006، إلى "كاديما" و"الليكود"، علماً أن خلافهما، (ناهيك عنه مع "إسرائيل بيتنا" و"شاس")، ظل تكتيكياً، بل، و"سلطوياً" إلى حد كبير، ولم يرتقِ، إلى ما هو جوهري أو استراتيجي، بفعل انتماء كلٍ منهما إلى الجناح الصهيوني الأكثر تشدداً، جناح جابوتينسكي- بيغن -شامير. وربما يفيد التذكير هنا، بأن إسرائيل كانت قد تجاوزت أزمة اقتصادية أكثر حدة، من دون المساس بجوهر النظام الاستعماري الاستيطاني، بل، ومن دون المساس بموازنات الأمن والحرب والاستيطان، وذلك عندما شهدت في ثمانينيات القرن المنصرم، إضراباً عاما لمدة ثلاثة شهور، شمل كافة قطاعات موظفي الحكومة، على خلفية تدهور أوضاعهم المعيشية، بعد ما بلغت نسبة التضخم المالي 100%. وكان ذلك أيضاً في ظل حكومة ليكودية، تقلد فيها، هيروفتش، منصب وزير المالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس