الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدريس لكريني في حوار مطول مع صوت الشوى اليمنية بصدد سياق وتداعيات -الثورات العربية- الأخيرة

إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)

2011 / 8 / 3
ملف 1 ايار 2011 - تأثير ثورات العالم العربي على تقوية الحركة العمالية والنقابية


أستاذ العلاقات الدولية الدكتور إدريس لكريني في حوار لـ " صوت الشورى أو نلاين ":

* ليست كل النخب القديمة فاسدة.. هناك نخب لديها كفاءة، لذا من المهم السماح بانتقال سلس، لتجنيب المجتمع والدولة سياسة الانتقام، عير لجوء بعض النخب القديمة إلى (البلطجة) ومحاولة وضع العصا في العجلة..

* لا أحد كان يتوقع أن تخرج الشعوب في منطقة تعرف نوعاً من الاستبداد، وتعرف إكراهاً اجتماعياً كبيراً

* الموقف الدولي يدعم "الثورات" تارة، ويتجه لدعم السلطة تارة أخرى، ومن تم على "الثوار" والمحتجين أن يتعاملوا مع الموقف بنوع من البراغماتية والتكتيك و الذكاء..

* للأسف ما يحدث بالمنطقة العربية يعكس غياب المثقف وغياب النخب بشكل عام

على هامش أشغال الدورة الثالثة لجامعة منبر الحرية المنعقدة بالرباط الأسبوع الماضي التقى موقع صوت الشورى أونلاين الدكتور إدريس لكريني أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض/ مراكش، في حوار ضاف وشامل عن الحالة العربية الراهنة ومستقبل الثورة الشبابية في عدد من الأقطار.

حوار: عبدالله علي صبري;}

نرحب بك دكتور في هذا الحوار ونبدأ بالسؤال التقليدي الذي يطرح نفسه .. الثورات العربية إلى أين؟

- مرحبا؛ عندما نطرح سياق هذه "الثورات" ينبغي أولاً أن نضعها في سياقها الحقيقي، رغم الحديث عن الفجائية في حدوثها؛ أعتقد بأن شروطها كانت قائمة فعندما نتحدث عن تفشي الاستبداد، وعن الأزمة الاجتماعية، والاقتصادية، وعن ظاهرة التوريث، وعن تهريب الأموال، كل هذه عوامل تشكل شروطاً قائمة لحدوث ما وقع، ولكن الجديد هنا هو تسارع الأحداث، ووجود ظرف دولي، وظهور بعض الأمور التي أسهمت في تطوير التحولات بهذا الشكل. العامل الأول هو تطور وسائل الاتصال الالكتروني التي انتقلت من دورها في التواصل الاجتماعي إلى الضغط الذي أتاح لمجموعة من الشباب الذين لم يسمع صوتهم على امتداد عقود، ولم يجدوا أنفسهم داخل السياسات العمومية أو داخل الأحزاب، والمجتمع المدني، ليبحثوا عن وسيلة بديلة، وجدوها في هذه القنوات الحديثة للاتصال، وظهر ما يمكن تسميه باللجوء السياسي إلى "الفيس بوك"، وإلى قنوات أخرى، بالشكل الذي سمح لهم بمناقشة مشاكلهم، ويقيّمون وضعياتهم، أو الأوضاع السياسية في بلدانهم، ثم انتقلوا من هذه السجالات والنقاشات الافتراضية إلى لقاءات ونقاشات واقعية، ظهرت بشكل احتجاجات عارمة شهدتها مختلف الدول.

النقطة الأخرى أعتقد بأن الحديث عن مستقبل هذه الثورات والانتفاضات يفترض في البداية أولاً أن نضع سؤالاً جوهرياً :هل نحن بصدد ثورات فعلية كما هو متعارف عليها في الأدبيات السياسية؟ أم نحن أمام انتفاضات أو احتجاجات أو حتى انقلابات؟

بطبيعة الحال؛ تقييم الأمور حتى اللحظة هو سابق لأوانه؛ ومن الصعب أن نقول بأننا بصدد ثورات أو بشيء من هذا القبيل، لأن الأحداث لا زالت تتفاعل والأمور لم تنته بعد، ويبدو أن التغيير هو سهل كمصطلح يردده الجميع؛ ولكن على مستوى ترجمته على أرض الواقع يبدو أن هناك مجموعة من الصعوبات والإكراهات التي تواجهه من قبيل المحيط الدولي المتهافت، ووجود قوى مقاومة للإصلاح على الصعيد الدولي، وهذا ما شاهدناه في حالة مصر وتونس، أي أن هناك مقاومة واضحة، لأنه لا زال للأنظمة إمكانياتها، وقنواتها ونخبها، وبالتالي أعتقد أنه من غير المناسب الحديث عن وجود محددات تجعلنا أمام تحول واضح وأمام ثورات واضحة بنتائج وبأهداف واضحة.

تتحفظ أنت وغيرك من الباحثين على مصطلح الثورات العربية في حين أن الشارع العربي ظل راكداً لعقود طويلة، ولم يألف مثل هذا الحراك برأيك، إذا لم تكن ثورة، فما المطلوب لهذا الحراك كي يكون ثورة بالمفهوم التقليدي؟

- سؤال وجيه جداً، حتى نكون بصدد ثورة، أولاً ينبغي أن نحدد مفهوم الثورة، الثورة هي عبارة عن خروج جماهير لتغيير أوضاعها، والثورة من مميزاتها أنها جماهيرية، وهي تختلف عن الانقلاب الذي هو عمل فردي أو تقوم به مجموعة بشكل سري، وليس علنياً كما هو بالنسبة للثورة.

النقطة الأخرى هي أن الثورة يجب أن يكون لديها مشروع مجتمعي، وأهداف إستراتيجية، الثورة الأمريكية كان لها هدف رئيس وهو الخروج من التشظّي والتشتت، ومن التبعية، والاستعمار البريطاني لأمريكا، كذلك بالنسبة للثورة الفرنسية، كانت أهدافها[معروفة]، وبالنسبة للمنطقة العربية، ينبغي أن نستحضر الآن مجموعة من الأمور التي تشكل نوعاً من الإشكاليات:

أولاً: فجائية هذه الأحداث، رغم أن شروطها كانت قائمة، وفجائيتها جعلت النخبة لم تواكبها من البداية، والنخبة التي نتحدث عنها، هي النخب المثقفة والدينية والسياسية والفكرية التي يمكن أن تحدد طريقة العمل، والأهداف الإستراتيجية، أي وضع تصورات مستقبلية، ورهاناتها، وأفقها.. يبدو أن النخبة إلى حد ما انخرطت بشكل أقل من المطلوب، ولكن في دول أخرى لا زالت النخبة بعيدة لا تواكب هذه التحولات، الأمر الذي يجعل هذه الأخيرة منفتحة على مستقبل غامض. ولا ننسى بأن هناك محيط خارجي متهافت، ودور المحيط الدولي هو حاسم في إنجاح أو إفشال هذه التحولات.

والنقطة الأخرى هي عندما نتحدث عن الثورة، فمن بين شروطها أن تكون بصدد تغيير النظام، أما الانقلاب فهو تغيير الأشخاص، مع بقاء نفس النظام، فالثورة هي تغيير النظام السياسي والاقتصادية والاجتماعي..، أي الانتقال من وضع إلى وضع آخر، تغيير جذري شامل. وحتى لا نكون أمام تكرار بعض الأخطاء التي ارتكبت في بعض الدول العربية مثلما تم في العراق حيث كان هناك اجتثاث لحزب البعث، الآن في مصر وتونس، هناك حديث عن إقصاء فلول النخب الحاكمة السابقة، أنا أقول إن الثورات الحقيقية تفترض أن يكون هناك إفراز لنخب جديدة، يفرزها هذا التحول لها مشروعها واستراتيجيتها، لكن في الوقت نفسه ينبغي ألا ننفي أهمية النخب القديمة، أنا لا أقول أنها تبقى بنفس الأفكار والإستراتيجية السابقة، لكن على الأقل يستفاد من خبراتها، ليست كل النخب القديمة فاسدة، هناك نخب لديها كفاءة، فقد يكون لديك حسن نية، ومشروع للإصلاح، ولكن إذا كان ينقصها الكفاءة والخبرة فأعتقد بأنك لن تستطيع التقدم نحو الأمام، لذا ينبغي أن خلق ذلك الخيط الرابط بين نخب قديمة وأخرى جديدة، وهذا أمر مهم جداً أن نسمح لانتقال سلس، قادر على تجنيب الدولة والمجتمع سياسة الانتقام، أو لجوء بعض النخب القديمة، إلى (البلطجة) ومحاولة وضع العصا في عجلة الإصلاح والتغيير، كما نراه الآن من (بلطجة) سواء في مصر أو تونس، لأن الإقصاء دائماً يخلق ردة فعل، ثم النقطة الثانية، التي يمكن استحضارها في أدبيات الثورات هي العدالة الانتقالية، أي أننا ننتقل من وضع الاستبداد إلى وضع الديمقراطية، أو من وضع الحرب إلى وضع السلم، من خلال قنوات متعارف عليها في هذا الشأن على الصعيد العالمي.

إن مرحلة البناء هي الأخطر، فهي الاستفادة من التضحيات التي رافقت إسقاط الأنظمة المستبدة، فهذه المرحلة تقتضي البناء، وهذا لن يتأتى إلا بنوع من المصالحة الوطنية، وعدم تكريس ثقافة الانتقام، بفتح المساهمة في هذا الانتقال أمام الجميع بدون إقصاء، لأن الإقصاء يولّد تكرار أخطاء الماضي، إن تكريس ثقافة الإقصاء هي دفعت الجماهير إلى المطالبة بالأنظمة المستبدة حاليا؛ ومن تم لا ينبغي تكرار أخطاءها في هذا الشأن.

لنبقى في مفهوم الثورة، نحن الآن بصدد ثورة جديدة للمجتمع العربي بوسائل جديدة ونمط جديد، ثورة بلا قيادة، ثورة تستخدم التكنولوجيا الحديثة، هذا التغيير أو الثوب الجديد للثورة، ألا يفترض أن ينعكس على مفهوم الثورة التقليدية أيضاً؟

- سؤال وجيه أيضاً..؛ لماذا؟ لأنه عندما نستحضر النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية بشأن التحولات والصراعات والنزاعات في المجتمع الدولي، يبدو أن هناك إشكالية عويصة مطروحة أمام المجتمع الدولي، فيما يتعلق بمقاربة ما يحدث الآن في عدد من الدول العربية، بحيث أن جميع النظريات كنظرية الفراشة والفوضى والدومينو ..، عندما نحاول أن نطبقها على ما يحدث الآن، نجد أن هناك نوعا من الانفلات، إن هذه النظريات لا تستطيع تفسير ما حدث، ولا تستطيع أيضاً التنبؤ بما سيحدث، لأن ما يحدث الآن هو جديد، وفاق كل التوقعات، بحيث لا أحد كان يتوقع أن تخرج الشعوب في منطقة تعرف نوعاً من الاستبداد، وتعرف إكراهات اجتماعية كبيرة، ووجود أوراق لدى الأنظمة، كالإعلام والتعليم.. الموجهين..

إذا نحن بصدد تحولات جديدة تشكل أرضية خصبة لبروز نظريات ومفاهيم جديدة، وربما لمفهوم جديد للثورة أيضا، لكن أعتقد أن الأمر لحد اللحظة هو أمر سابق لأوانه، مادامت الأحداث في بدايتها، وعندما نستحضر المآل الذي آلت إليه التحولات في مصر وتونس، لا يمكن أن نقول بأن الأمور قد انتهت وطويت صفحة الاستبداد وتحقق التغيير، العملية لا زالت قائمة ولا زال هناك متسع من الوقت لتقييم ما يجري، حتى نخرج بخلاصات موضوعية وبعيدة عن الارتجال أو التسرع. أما إذا قلت لك أمراً غير هذا، فبكل تأكيد كباحث أعتقد أنني سأجانب الصواب، لأن الأحداث مازالت تتفاعل، حتى في تونس، لا زالت هناك تفاعلات، ونفس الشيء في مصر، فما بالك بالنسبة لمناطق أخرى كسوريا واليمن، أو غيرها..

إذا انتقلنا إلى مسار التدخل الخارجي.. هناك من ينظر إلى هذه الأحداث في إطار تآمر خارجي على المنطقة العربية، ويستدل بتسريب وثائق ويكيليكس قبيل اندلاع الثورات العربية.. كيف تنظر إلى هذه المقولة؟

- أولاً؛ نظرية المؤامرة ينبغي أن نستبعدها بشكل مطلق على اعتبار أن نظرية المؤامرة شكلت في كثير من الأحيان مع منطق الخصوصية مجرد قميص عثمان، أو ذريعة، يتم إخفاء الحقائق والإخفاقات خلفها، والتذرع بها، لاستمرار دورة الاستبداد، والدليل على ذلك، فالخصوصية يتم رفعها كلما تعلق الأمر بالتغيير ومواجهة الاستبداد، في حين يتم التسامح معها في قضايا أخرى، في مجالات ثقافية، فنية..، وفي بعض الأحيان، يتم التعامل بصرامة مع من يرفض مثلاً الحداثة في جانبها الاقتصادي والثقافي.. أما فيما يتعلق بالجانب الدولي، أعتقد أن أي تحرك نحو الإصلاح والتغيير رغم وجود نخب ووجود شباب يتوق إلى التغيير، ورغم تطور وسائل الاتصال الحديثة التي تسمح ببناء رأي عام داخلي، ينخرط في هذه الطفرة الإصلاحية، لا ينبغي أن نغفل أو نتعامل بنوع من اللامبالاة مع المحدد الدولي، فهو حاسم ومهم، ولا ننسى أن ما حصل في مصر وتونس لم يكن ليتم بنفس السياق لو لم يكن هناك شرط دولي داعم، ولا حظنا أن المواقف بدأت تتناسل عندما وصلت الأمور إلى تغير في موازين القوة بين الأنظمة والجماهير المحتجة و"الثائرة"..

في مصر أو تونس، المواقف الدولية كان لها دور حاسم، بحيث عندما نتحدث عن الدور الدولي، لا أعني به فقط الدول الكبرى أو الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، بل حتى بعض المنظمات الدولية غير الحكومية التي بدأت تتحدث عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كمنظمة العفو الدولية، ومنظمة الصليب الأحمر، ومنظمة أطباء بلا حدود، ومجموعة من القنوات الإعلامية الدولية، إذاً عندما نتحدث عن هذه المآسي فهي أخرجت القضية من طابعها المحلي إلى طابع دولي مرتبط بمسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة هذه المسألة، لكن النقطة التي أريد الإشارة إليها هنا هو التعامل مع المحدد الدولي، يجب أن يكون حذراً. لا ننسى بأن هذه المرحلة انتقالية، أو مرحلة تعرف حراكاً داخلياً، تستوجب توجيهه؛ يعني أنه ينبغي التعامل بحذر مع المواقف الخارجية؛ أعطيك مثالاً؛ في بعض الأحيان نجد أن الموقف الدولي يكون مضطرباً تارة يقف في دعم الثورات وتارة يتجه لدعم السلطة، أو على الأقل إطالة عمرها، فهنا ينبغي على الثوار، والمحتجين، أن يتعاملوا بنوع من البراغماتية والتكتيك ونوع من الذكاء مع الموقف الدولي، ولا ننسى أن هذه المقاومة والاحتجاج ما زالت في بدايتها، فهي تملك مشروعية ثورية، ولكن ليست لديها قوة مؤسساتية ومشروعية دستورية، وبالتالي هي لا تحكم على الأرض، ومن تمّ ينبغي أن تتعامل بحذر وبراغماتية مع المحيط الدولي.

في مصر لم ترفع شعارات بصدد إلغاء اتفاقية السلام، ولم نسمع الدخول إلى القدس أو رمي إسرائيل في البحر..، وهذا أسميه (الذكاء الثوري)، لأن رفع مثل هذه الشعارات من شأنه أن يحرض المجتمع الدولي، أو بعض القوى الدولية الكبرى، وبالتالي ممارسة الضغط على المحتجين أو الثوار بشكل يسهم في إحباط أية عملية نحو التغيير والإصلاح.

التأثير المتبادل، في عالم اليوم أيضاً يفرض سؤالاً، فيما يتعلق بالثورة العربية، إننا الآن نشهد تأثراً بما حدث في مصر وتونس، نجد أنه وصل مثلاً إلى إسبانيا: هل تتوقع أن يجري تصدير الثورة العربية مستقبلاً؟

- قبل بضعة أسابيع زارتني صحفية إيطالية في مراكش، كانت تعد برنامجاً حول "ربيع الثورات العربية" وكانت قد زارت مصر وتونس والجزائر، ثم زارت المغرب، وأعدت فيلما في حوالي 45 دقيقة عرض على القناة الإيطالية الخامسة، وكانت معجبة بما جرى في البلدان ِالعربية، ومن بين ما ناقشناه حول "بعض الإكراهات في المنطقة العربية" من قبيل انتشار بعض مظاهر الفساد والهجرة، كنتاج للتحولات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الدول، وما إلى ذلك، بعد ذلك قلت لها يكفي أننا كنا حتى وقت قريب نكتفي بتصدير المهاجرين إليكم، الآن أصبحنا نصدر لكم "الثورات"، خاصة بعدما تابعنا من احتجاجات عارمة بساحة في مدريد بإسبانيا كمحاولة لمحاكاة ما حدث في ساحة التحرير بمصر.

خلال مناقشتي مع الصحفية، ذكرت لها أن الإعلام الأوروبي كان يقدم المواطن العربي كأمي وكشخص يرضى بالاستبداد، ويستلذ به، يجد نفسه مع الاستبداد ولا يرتاح إلا مع الاستبداد، وهذه صورة كانت مغلوطة، نمطية، وما وقع يبرز على أن الشعوب العربية ما زالت لديها تلك الأنفة، والعزة بالنفس، ورفض الاستبداد، لأن هذه هي طبيعة الإنسان، وحتى في العهد الإسلامي القديم، عمر بن الخطاب قال :"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، بمعناه أن الإنسان بطبيعته يميل إلى الحرية، يميل إلى الانعتاق، وبالتالي ما وقع أعتقد أنه غير مجموعة من المفاهيم للرأي العام الأوروبي، وظهر الإنسان العربي كباقي بقية شعوب العالم توّاقا إلى الحرية والعدالة والديمقراطية.

أتوقع أن تنتقل الأمور إلى أوروبا وخصوصاً في ظل وجود عاملين، الأول، أن الرأسمالية وصلت في بعض الدول إلى مستوى من الوحشية، لا يمكن تصورها، وخصوصاً بعد رحيل الاتحاد السوفيتي، أصبحنا أمام تدخلات زجرية ولا إنسانية في مناطق مختلفة وأمام إعلام كاذب، وحتى الآن داخل أوروبا، هناك إقرار من قبل الرأي العام الأوروبي، بأن الإعلام يتلاعب بعقول الناس ولا ينقل ما يجري في العالم بجدية وموضوعية، وغالبا ينقل صورا وأخبارا مغلوطة حول الشعوب غير الغربية..

وهناك عامل آخر لا يمكن إغفاله وهو الأزمة الاقتصادية التي خلفت تداعيات اجتماعية كبيرة، في الولايات المتحدة، وفي بعض الدول كأسبانيا والبرتغال واليونان، فشروط قيام احتجاجات عارمة قائمة، ولا ننسى بأن أوروبا عرفت احتجاجات عارمة سواء في اليونان مؤخرا أو فرنسا في الستينيات من القرن الماضي، وكذلك أمريكا في بداية التسعينيات، كان هناك احتجاج بشأن التمييز ضد السود، ولا ننسى أنه الصين وإسرائيل شهدتا مؤخراً بعض الاحتجاجات تيمنا بما يقع في المنطقة العربية.

أنا متأكد أن هذه الاحتجاجات كلما انتقلت من دولة إلى أخرى، سوف تصل إلى أوربا، وإلى أفريقيا وإلى أمريكيا اللاتينية، لأنها تخلق سوابق تبرز أن الشعب يمكن يغيّر وضعيته من خلال احتجاج ورفع المظالم وإحراج الأنظمة أمام الرأي العام المحلي والدولي، وما يحدث في المنطقة العربية يعطي نوعاً من الأمان والثقة بالنفس وتجاوز عقدة الخوف.. لباقي شعوب العالم.

على ذكر التوقعات، وجميل أنك توقعت بالأحداث العربية، وها أنت تتوقع بما قد يحدث في الدول الأوروبية، وغير ها، ولكن السائد، أن ما حدث لم يكن متوقعاً، والسؤال الذي يفرض نفسه: أين كان المثقف العربي؟

- في بداية هذه التحولات كتبت مقالاً بعنوان "صمت النخبة وانتفاضة الجماهير" وقلت فيه : إنه مع الأسف كثير من النخب السياسية، أو النخب المثقفة ، لم تكن في مستوى مواكبة التحديات، التي أصبحت مطروحة، في منطقتنا العربية، وأعطيك مثالاُ، الكثير من الأنظمة الآن التي تطالبها شعوبها بالرحيل، هي أنظمة "ثورية" جاءت من انقلابات أو ثورات، القذافي يعتبر نفسه ثورياً، النظام السوري أيضاً، وفي اليمن ومصر أيضاً، فهذا مبارك ظل يقول أنا عملت في سلاح الطيران وشاركت في حرب 1973م، ولكن الإشكالية أن هؤلاء الثوار(المزوّرون) رفعوا في البداية مجموعة من الشعارات" بناء الدولة الحديثة، تحقيق التنمية، تحقيق الديمقراطية، خلق الرفاه الاجتماعي، ولما نجحت عملياتهم الانقلابية أو عملياتهم (الثورية) وبمجرد ما سيطروا على دواليب الحكم، سيطروا على وسائل الإعلام، وفرضوا التعتيم الشامل، عبر تسخير وسائل الإعلام للترويج لبرامجهم وأيديولوجياتهم، والقضاء على جميع الأصوات المعارضة، انطلاقاً من المشروعية الثورية، وتوجهوا نحو تأبيد الحكم، ولم تتحقق أية شعارات من الشعارات التي رفعوها، فلا التنمية تحققت، ولا الديمقراطية تحققت، بل أصبحت الأقطار العربية تتخلف عن الشعوب الأخرى، وخصوصاً عندما وجدنا أن عددا من الدول الإفريقية والأمريكية اللاتينية بدأت تتحول بشكل جاد ومتدرج نحو الديمقراطية، بل إن كثيرا من الأنظمة العربية بدأت تتراجع عن كثير من المكتسبات التي تحققت بعد ترسيخ التوريث، من حيث القضاء على المعارضين باسم مكافحة الإرهاب، أو بأكاذيب أخرى انكشفت أخيرا في خضم هذه التحولات.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تواصل التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان • فرانس 24


.. هاريس تلتقي ممثلين للأمريكيين من أصول عربية بميشيغان لإقناعه




.. أم فلسطينية: لا أستطيع أن أخبر ابنتي عن بتر رجليها


.. تجدد الغارات على ضاحية بيروت الجنوبية والقسام تنعى أحد قادته




.. تجدد الغارات على ضاحية بيروت