الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار المصرى - الخروج من النفق المظلم

القاسم موسى محمد

2011 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


يارُبّ حىٍّ ركامُ القبر مسكنُهُ ... وربّ ميتٍ على أقدامه انتصبَا

يابن الوليدِ ألا سيفٌ نؤجرُهُ ... فكل أسيافنا ، قد أصبحت خشبا



ليس فى هذه المقالة من التحليل العلمى بقدر ما فيها من الخبرة الذاتية والهموم والأسئلة التى تطرح نفسها بإصرار ربما يكاد يكون جلدا للذات ، ولكنى مع ذلك أراه ضروريا للحظة التى نعيشها من واقعنا

ثورة بدون ثوريين 1-

كانت الجموع ( وبينها شباب ليبراليون وإخوان وسلفيون ) تردد أغنيات عبدالحليم حافظ التى اكتسبت معنى ثوريا حقيقيا فى ميدان التحرير ، فضلا عن أغنيات محمد حمام ، بل ولم يكن غريبا أن تكون الأنشودة الملهمة والشعار المستمر الذى يردده الثوار ، هو مطلع أحد أغانى الشيخ إمام عيسى ( الجدع جدع والجبان جبان)إن هذا لا يعبر عن : مابعد الأيدلوجيا وانهيار الحواجز الفكرية .. إلخ

إنه على العكس يؤكد أن روح الثورة يسارية بامتياز ، وكذلك برنامجها وشعاراتها .

رغم ذلك لم يكن هناك قادة ثوريون ( لا يساريون ولا غيرهم ) وكان على جميع المنخرطين فى الثورة فعل الشىء نفسه : السير خلف الجماهير

قبل الثورة ، لم تكن أغلب التيارات السياسية وأحزابها تؤمن بالثورة أو تبشر بها أو تحرض عليها ، وحتى الحركات والمجموعات التى واجهت النظام فعلا ، كانت تتحدث عن العصيان المدنى والحرب اللاعنيفة ، ومع أول أيام الثورة كان لدينا مئات الشهداء وآلاف الجرحى ، وفى يوم 2 فبراير لم تكن الثورة لتواصل مسيرتها بدون عملية تسليح نظامية شهدت تكسير أرصفة ميدان التحرير وكل الشوارع المحيطة به للتسلح بحجارتها ، فضلا عن المولوتوف والدروع البلاستيكية والمتاريس.

كانت ثورة حقيقية إذن ، ولم يجرؤ الواقفون فى خندق الإصلاحية ومعاداة التغيير الجذرى ، لم يجرؤا أن يعادو الثورة بل بدؤا يلوحون لها من بعيد حينما تأكد أنها دفعت ما يكفى من الدماء للإطاحة بمبارك ، هؤلاء للمصادفة متنوعة ألوانهم من رفعت السعيد إلى السيد البدوى إلى شيوخ السلفية وقيادات الكنيسة !

كانت الروح الثورية تعنى القتال والتضحية من أجل لقمة عيش وحرية ، لا من أجل شعارات مثالية أو أى رايات سوى راية الإنسان



ولهذا ، كان البوعزيزى وخالد سعيد وجهان لعملة واحدة .. يسارية قطعا .. للخبز والحرية



2- ماذا عن اليسار المصرى ؟



إذن كانت ثورة بدون ثوريين ، وفى مصر .. كما فى كثير من الدول العربية وأكثر دول العالم ، اليسار خرب ، ضعيف ومنقسم خائف ومترد د .. فى مصر يمكن تشبيهه بمن تلقى منذ عشرين عاما وبالذات عند سقوط الاتحاد السوفيتى ضربة فى مؤخرة رأسه سقط منها فى غيبوبة وظل يهذى محموما طيلة العقدين الماضيين .. ربما بدأ يفيق .. ، فى غرفة العناية المركزة مازال أمامه الكثير من المحاليل والعقاقير كى يسترد عافيته ، كى يصبح قادرا على الفعل



3- أعوام الدعارة السياسية : الجمود فى الرؤية والخيانة فى الممارسة

منذ مطلع التسعينات كان على الكثيرين أن يطرقوا أبوابا أخرى ، واتجه كثير من أجيال الثورة المهزومة إلى تغيير النشاط أو قفل الدكاكين ، وظلت البقية تهذى وتعلك نفس الشعارات رغم ما بينها وبين الممارسة من هوة شاسعة ، وكان هذان الصنفان سببا فى تخريب حزب التجمع ، فبعد زكى مراد أصبح لدينا : شيوعيون سابقون ، وشيوعيون ( نص لبّه ) وتوالت التنازلات والصفقات المشبوهة والخيانات العلنية ، وهكذا أصبح اليسار أقل من عروسة ماريونيت فى يد النظام ، وانضم لطابور النخبة الستينية المتخمة وتلك السبعينية المهزومة ، فى معسكر السلطة التى استأنست اليسار كقط أليف يموء فى وجه الإسلاميين ، وكان عليهم أن يوجهوا للإسلاميين أرخص أنواع النقد حتى لو كانت حماس تقود انتفاضة ثانية أو كان حزب الله يحرر الجنوب اللبنانى ، وقد أفهم أن تهاجم الطابع الرجعى للتيارات الدينية ولكن عليك أن تهاجم السلطة هنا بنفس القدر أو على الأقل هاجم أميركا والصهيونية ! وطبعا هناك فارق بين أن تقف فى وجه الرجعية لأنك فى معسكر الشعب وبين أن تهاجم التيار الإسلامى تنفيذا لمهمة ( قومية ) بتكليف من أجهزة الأمن !



فيما بعد الانتفاضة الثانية ، كان ثمة صحوة أشبه بوخز الضمير ، لكن كانت نفس الأجيال والوجوه موجودة تلعب نفس الأدوار .. لم يعد لديهم طاقة كافية للفعل والتمرد ، وكانوا قد أيقنوا أنهم آخر أجيال الثوريين ، فالثمانينيون والتسعينيون كانوا جميعا : مابعد حداثيين !! بالتعبير النخبوى ، تفكيكيين وبعيدين عن السياسة ..

أما جيل الإنترنت .. فلم تكن التحف الستينية ترى فيه أكثر من طفل فاشل لا يجيد حتى اللعب

ولهذا كان 25 يناير صدمة لليسار المعطوب وتراثه العفن فى سنوات الخيانة ، كما أنه فى نفس الوقت بعث جديد للذين عفوا عن ممارسة العهر السياسى وقبضوا على مبادئهم فى فترة كانت الأحلك فى تاريخ المجتمع المصرى



4- نهاية الأيدلوجيا الانهزامية

سلمت أفكار اليسار التقليدى الانهزامية ، أنه لا مفر من الرأسمالية .. ولا ملجأ منها إلا إليها .. ولذا فأمامنا عشرات القرون كى نتحدث عن ثورة اشتراكية ، وهكذا فضرورات المرحلة لا تتطلب بناء تنظيم ثورى ، قدر ما تتطلب مزيدا من الأريحية والكتابة والفن البرجوازى والسفر عبر العالم للقاء الرفاق القدامى والبكاء على أطلال الستالينية !ولنأخذ هاهنا مثالا واضحا : بالنسبة للقضية الفلسطينية ، فلنقبل بأوسلو ولنقل بحل الدولتين لعل هذا يذيب الثلوج بيننا وبين الأصدقاء الإسرائيليين أو فى أحسن الأحوال ، يقولون لن نحارب أمريكا وإسرائيل أقوى منا ..

ولنتأمل الآن ، حين خرج الآلاف عبر الحدود الصهيونية مع سوريا ولبنان رغم كل ما يجرى بالداخل فى ربيع الثورة العربية ، وأصيبت إسرائيل بالذعر ! ومن سخرية القدر ، أن الإعلام السورى المناضل استخدم حوادث كهذه لغض الأنظار عن قتل ومذابح للجماهير المنتفضة ضد نظام بشار ، وهكذا يجد الرفاق المتحالفون مع بشار ذريعة لدعم ( النظام الوطنى ) الذى لن يعوضه التاريخ ! فهو يعادى بل ويقاوم ( الإمبريالية - من الأمبرة ) والصهيونية والليبرالية الجديدة .. لكنه فوق البيعة يعادى شعبه أيضا ويعادى الإنسانية وتلك ملاحظة غير جديرة بالاهتمام أن يقيم مقبرة جماعية للمتظاهرين القتلى فى درعا .. وماذا فى ذلك ؟ طالما انه نظام وطنى ! هكذا يفكر الرفاق فى الحزب الشيوعى السورى .. سُحقاً لهم



5-عن وحدة الماركسيين المصريين: ليس خلافا نظريا وليس خلافا حول موقف سياسى

لا أحد يحدق فى سقف غرفته قبل أن ينام ليفكر فى الثورة الدائمة أو الاشتراكية فى بلد واحد ، لا توجد لدينا حقيقة خلافات نظرية ، ولا خلافات فى المواقف لأن المواقف لاتثير خلافا جادا ، طالما أن مساحة تأثيرك لا تتعدى مجموعات طلابية وخلايا عمالية تعد على أصابع اليد .. هناك فقط شللية وعصبوية ، هذا ليس نقدا أعمى أو تطاولا ، إنها حقيقة يواجهها جيلنا بحسرة ، وحسرة أكبر حين تتسرب أحاديث عن فساد مالى هنا أو هناك ناهيك عن رجل كرفعت السعيد ، كان على اتصال دائم بأجهزة الأمن !

لننظر إلى تحالفات اليسار المزعومة ، كان هناك شىء تافه -بل من أتفه ما يمكن-اسمه التحالف الاشتراكى ،وما أكثر المنظمات والأسماء وما أكثر ملوك الطوائف فى امبراطورية الوهم والاتجار بالأحلام

أسماء مملكة فى غير موضعها .. كالهرِّ يحكى انتفاخاً صورة الأسدِ

والآن لدينا جبهة القوى الاشتراكية !وهى شىء ليس أقل تفاهة طالما أن الكروش هى هى والهوس الثورى هو هو والبارانويا هى هى ، وللإنصاف توجد قلة قليلة من الأجيال القديمة من الممكن أن تفيد الحركة مستقبلا ليس بإلهام الشعر الأبيض لكن ببقية من إخلاص ثورى ووعى جماهيرى حقيقى ، تظل تلك القلة غير مؤثرة فى حضرة الكروش وسطوتها

فالبعض يحب أن يقف على رأس منظمة حتى لو كان هو عضوها الأوحد ، مؤتمرها العام ولجنتها المركزية ومكتبها السياسى !! أقول البعض يفضل هذا عن أن يتماهى مع الرفاق الآخرين ، فى تجرد وإخلاص وانتماء حقيقى للكادحين والطبقة العاملة

هؤلاء هم قادتنا وهكذا تحققوا طيلة سنوات من هالات العمل السرى أو التحالف مع السلطة ، هكذا أصبحوا أقل كثيرا من ملوك طوائف الأندلس .. قبل السقوط



6- الخروج من النفق المظلم



لازال بعض الأغبياء يبكون على حزب التجمع ( بيت الوطنية المصرية ) بل ويرون ضرورة النضال داخله من أجل إصلاحه بحجة قديمة وعجيبة أن اليسار المصرى بدون (تجمع) مثل راقصة شرقية دون حزام حول الأرداف

البعض الآخر من التجمعيين ممن فاض بهم الكيل ، خرجوا .. وللمصادفة قرروا إعادة إنتاج تجربة حزب التجمع فى نسخة جديدة تضم تيارات وتيارات ثم مزيد من التيارات ، فهذا إذن تحالف شعبى واشتراكى على كل المذاهب ولا أدرى لماذا تنسحب لدى دلالة كلمة شعبى هنا على الفولكلور .. فهذا فولكلور اليسار كما كان التجمع (البيت الكبير) حزبا مضحكا يضم الماركسيين مع الناصريين مع التيار الدينى المستنير !!

البعض الثالث يتشظى أكثر هنا وهناك ويتردد فى طرح رؤيته الماركسية ويخلط بين الحزب والنقابة والتنظيم السرى .. وأنا أتساءل : لماذا لا نقول الآن نحن ماركسيون ، ولم تكن الثورة العربية سوى فصل من فصول المادية التاريخية والديالكتيك الماركسى ..

والبعض مازال ينسج الأوهام ولا يحب أن يسمى الأشياء بمسمياتها ويعيد إنتاج فصول الدعارة السياسية فى ويبتذل الثورية وحتى الستالينية تبتذل هنا ..

ويبدو أننا محاصرون داخل نفق مظلم يسير بموازاة الواقع دون أن يكون جزءا منه .. إن خيوط الأزمة بدأت تتجمع فى ذهنى وقد لا يتفق معى الكثيرون .. وقد يتفهم الشباب غضبى ، وقد لا يتفقون معى إذا ألقيت إليهم بتلك النصيحة السحرية :



رفيقى العزيز :

انسف حمّامك القديم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها النهاية
عبد الله موسى محمد ( 2012 / 1 / 24 - 23:37 )
نعم انها النهايه جعلتم حافظ القران ينطق بالمبادىء الهدامة لكى تصفقوا له الله وحده هو القادر على ان يخلصه منكم