الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (٢٣): المحاكمة... تداعيات وتساؤلات- ٢

عبير ياسين

2011 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


مرة أخرى نعود للحديث عن محاكمة القرن وهو أمر طبيعى لمحاكمة يمكن أن تكون فارقة بأكثر من اللحظة، فارقة للماضى والحاضر وهذا حقيقى لأنها المرة الأولى تاريخيا، ولكنها أيضا يمكن أن تكون فارقة للمستقبل عندما تدشن لمحاسبة حقيقية تعيد الثقة فى المؤسسات والدولة كدولة قانون ومحاسبة

الحدث يتجاوز أيضا حدود الجغرافيا، فالحدث لعدة اعتبارات يتجاوز حدود مصر ويمتد ليتجاوز حدود العالم العربى والأقليم. فمن جانب يدشن لقطيعة ممكنة بين حالة الحاكم الفرعون وحالة الحاكم القابل للمحاسبة، كما أنه يقدم رسالة للحاضر والمستقبل بأن صوت الجماهير أقوى عندما تتوحد حول هدف اسقاط الظلم، ويؤكد أن العالم العربى الذى اعتبر لفترة طويلة غير ديمقراطى وغير مستعد للديمقراطية كما تقول الأنظمة دوما يدشن مرحلة انتقال وربما قطيعة عن تلك الحالة ويعلن أن مبررات الأنظمة وما يدعمها من تبريرات لا يمكن أن تستمر للأبد

تلك الأبعاد المرتبطة بمشهد المحاكمة تؤكد على أهمية المحاكمة وعلى أهمية توفر القانون فى مواجهة من تجاوزه وسخره لخدمته، ولأهميتها لما تمثله فى مستقبل مصر وتطورات المنطقة بتداعياتها تصبح عملية المتابعة والتعليق نقدا وتأييدا مهمة، وهنا فأن طريقة التعامل مع المحاكمة وتحليلها تضع مسئولية على الجميع فى قياس الانعكاسات الممكنة لها وهنا فأن بعض الملاحظات على التعامل مع المحاكمة عملية مهمة ولعل أحد تلك النقاط المثيرة للنقاش هى قضية التعاطف مع الرئيس السابق وما تمثله من بعد أساسى من أبعاد النقاش الدائر

ربما يكون الحديث عن حالة التعاطف ممكنة ومقبولة فى منطقة وواقع يغلب عليه البعد العاطفى فى الحكم، فمن منا لا يضع مشاعره كجزء من حكمه وتقييمه للأمور. ولكن يبقى السؤال الذى يثيرنى منذ فترة طويلة والخاص بدور البعض من وسائل الإعلام والأشخاص فى عملية تسريب محسوبة لأخبار مختلفة عن حالة الرئيس النفسية وحالة أسرته بداية من الحديث عن الخلاف أو الشجار بين أبناء الرئيس السابق علاء وجمال وما تلاها من مسلسل يبدو منظما لإثارة حالة التعاطف.

مرة أخرى، تعامل البعض مع مشهد المحاكمة بطريقة التعاطف والبحث عن صور تستدعى تعاطف المواطنين وتبرير معاملة خاصة لاعتبارات العاطفة. فهناك من تحدث عن خيانة الأب الذى ظل لعقود فى خدمة الوطن، ومن تحدث عن أهانة أبناء الرئيس السابق وعدم توفير مقاعد لهم فى قفص الاتهام على عكس غيرهم من المتهمين، ومن تحدث عن حضارة المصريين وسموهم عن الإساءة. مرة أخرى لم يتوقف هؤلاء للتفكير فى نقاط أساسية وهى أننا فى نقاش حول الحكم والدولة وليس حول الأسرة والعائلة، أن محاكمة الحاكم ونظام الحكم فى محاولة لإرساء العدالة تتجاوز ولا تتشابه مع حالة الأب وعلاقته بباق أفراد الأسرة

أما الحديث عن الأهانة وعقود الخدمة، فأن الخدمة تتوقف على جودتها وليس على مجرد الوجود فى المنصب، وعندما يكون الأداء سلبيا وعلى عكس المفترض من صاحب السلطة فأن المحاسبة حق للمظلوم. فالنظام الذى حكم لعقود والذى لم يسقط بعد فعليا أهان أمة وساهم فى الكثير من المشكلات التى تعانئ منها مصر بصورتها كدولة وتاريخ ومكانة، كما أهان المواطن البشرى بصفته الانسانية عندما حول الوطن لفئات وحكم بطرق أخرى بعيدة كليا عن الحقوق والقوانين
فى حين أن الحديث عن مقاعد الجلوس يعد مسألة خارج السياق فلا يوجد فى المشهد ما يوحى بنية تشفى أو أهانة للرئيس السابق أو غيره من المتهمين سواء من حيث المعاملة أو الشكل الذى ظهرو به جميعا داخل القفص. أما عملية المقاعد والتى تثير نقطة أخرى مرتبطة بعملية تصوير الرئيس السابق فتبدو محاولة غير جيدة لإثارة تعاطف غير مبرر.

فبداية تطرح عملية الوقوف وما صاحبها من حمل المصحف صورة إيجابية عن مبارك وأسرته، فهم وقوف أمام والدهم المريض، والذى لم يلتقو به لبعض الوقت وكانت لديهم الفرصة للحديث معه وتوضيح بعض النقاط كما ظهر فى حديثه مع جمال خلال سؤال القاضى وهو ما يعكس صورة ايجابية لأسرة عادية تقف متماسكة فى لحظة المواجهة. كما أنه يتماشى مع طبيعة أن المحاكمة تتم فى رمضان فتكمل المشهد البشرى الايمانى الذى لا أرغب فى الحديث عنه بأكثر من هذا كونه مسألة تتجاوز المحاسبة وتتعلق بعلاقة الفرد بخالقه وليست مجال لنقاش الا فى استخدامها السياسى أو الرمزى كما حدث. يضاف لهذا ما شعره الجميع من محاولة وقوف أبناء مبارك أمامه لتجنب تصويره بقدر الإمكان حتى أن نظرية المؤامرة تطرح وجود نوع ما من التنسيق تجعل حركة أبناء مبارك مقاربة لحركة الكاميرا، وهنا فأن السؤال يصبح مشروعا حول غياب المقاعد التى كان يفترض أن تخصص لأبناء مبارك والتى تشير فى تلك الحالة لوجود تنسيق مسبق لإخراج المشهد بتلك الصورة العائلية المتكاتفه أو الحريصة على توفير مساحة من الخصوصية لمبارك وهى بهذا تثير تساؤلات بأكثر مما تثير تعاطف

التعاطف يبدو بالنسبة لى مسألة غير منطقية ليس بحثا عن انتقام أو تشفى ولكن بحثا عن عدالة غائبة راح ضحيتها الآف وربما ملايين المصريين ليس فقط فى أحداث الثورة ولكن خلال عقود من غياب العدالة وتوفر الظلم بصوره المختلفة ماديا ومعنويا. قد يكون لدى البعض أسبابهم للتعاطف وهى مسألة لا تحتاج لخلاف أو هجوم بل لنقاش واع حول واقع بلد وشعب خلال عقود، ولكن عملية التعاطف تلك التى قد تنبع بحكم ميراث الفرعون والأبوية تختلف عن اقتراب التعاطف المستخدم سياسيا. فعملية خلق التعاطف تبدو منظمة ويشارك فيها عدد كبير من انتماءات مختلفة وفى مواقع مختلفة وعبر وسائل متعددة، بهدف توفير المناخ للحظة حاسمة يكون الفاصل فيها بين القانون والعاطفة مهما وربما حاسما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل الجزيرة يرصد توافد حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر منى ل


.. مقترح لحظر بيع السجاي?ر للمولودين بعد عام 2009 في تركيا مدى




.. مناسك الحج.. الجزيرة ترصد توافد الحجاج لرمي جمرة العقبة في أ


.. تفاصيل عملية اغتيال القيادي في حزب الله -أبوطالب- في مدينة ج




.. تقرير استخباراتي أميركي يكشف حجم الخسائر المادية بالبحر الأح