الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلد السعادين(*)

كازيوه صالح

2004 / 11 / 24
الادب والفن


عند بلوغ المرء هذا البلد لأول وهلة، يملأ رئيته من هوائه… ولايدري أهي دموع الفرح أم تراكمات الماضي عندما يبكي بحدة بدل الضحك بعد غياب طويل عن الوطن.
كنت تريدين تعويض ما أسميته »العمر الضائع في الغربة« في ارض وطنك المحروق… للمرة الأولى تحملك خطاك صوب المبنى حيث عدد من النسوة في الزقاق التالي للمبنى الابيض يتصاعد صياحهن على أنهن يتحاورن ويرفعن قضية شيماءات الكورد لتسمعها آذان العالم ويطلقن على تجمعهن نقابة الشيماءات، في البدء ينتابك شيء من التردد، فترغبين في العودة اذ لا يعقل ان تمتهن نسوة يزعمن انهن قادة النساء الصياح والعويل، لكن سرعان ما تقولين في سرك لابد ان امراً منكراً حدث ضد امرأة ما وان هذا الصياح والعويل تعبير عن غضب ناشطات حقوقنا، وتقودك خطاك الى غرفة صغيرة تحتل سيدة بدنية قصيرة الشعر كرسي مكتبها، وفور دخولك وإلقائك التحية شعرت بارتياح لرد التحية، فرغم كون الرد بارداً قلت لابد ان السبب هو العمر فأنت في ربيعك العشرين وهي قد تجاوزت الخامسة والثلاثين اذ كيف سيكون الرد، مع هذا فقد اسعدتك لكنتها ال?رميانية.
كان في الغرفة نساء ثلاث كل واحدة تتكلم في موضوع مختلف دون ان تسمخ احداهن للاخرى باكمال حديثها لتبدأ هي بالكلام. اما السيدة الجالسة الى المكتب فانها تجول بناظريها ارجاء الغرفة وتنثر رماد سيكارتها على ارضية الغرفة، الا انك لاتبالين وتعتبرين ذلك من غرور السفر والاخبار الملفقة التي ينشرها لها حزبها. فتتوجهين اليها وتشرحين لها موضوعك، وبينما كنت تقولين انه ينبغي عليهم تنفيذ مطالبك ومساندتك، مساندتك في البلد الذي لم تزرعي فيه احلام طفولتك كي لا ينطحك اللصوص من الحيوانات البشرية. زادت السيدة المتعجرفة عبوساً وغادرت الغرفة لتتركك مع السيدات الثلاث. لم تقطع شيماء المعروفة بالشيماء المشردة كلامها. كما واصلت انت حديثك لكنها عندما انتصبت قائمة علق بذهنك منظر تنورتها القصيرة المنفوشة الامر الذي كان محظوراً في بلد العمائم الذي جئت منه، فتذكرت كلام الشيماء الممثلة التي قالت لك ان السيدة الجالسة على الكرسي ارادت ترشيح نفسها لدخول معترك السياسة نائبة عن الشيماءات، اما الام حبيبة صاحبة الدار البيضاء فكانت تردد على الدوام القول: ان الفائدة الوحيدة التي عاد بها جلوسك على ذلك الكرسي هو انك بعدما كنت غاية في النحافة اكتسى جسمك شحماً ولحماً فزيدي من قصر تنورتك اذ تعلمين ثمن تصويت رجالنا الشهوانيين لصالح المرأة، فتجيب وهي مبتسمة »لا تحزني ايتها الام حبيبة سأضمن ذلك، لتسلم الرأس ولتكن المؤخرة ثمناً للسلطة«. لاتنغمسين في ذلك التفكير طويلاً وتواصلين الحديث الى النساء الاخريات اذ تتصورين انك وجدت متنفساً تعرضين من خلاله ما اضمرته عن لصوص الوطن طوال الشهور الاخيرة. ولدى عودة السيدة المتكبرة تزداد غضباً اذ تسمعك لدى دخولها تقولين:
لم لاتستطيعون مساعدتي، ولاتقولون للسيد (ش) ان يحترم سنيّ تشردنا ولايهزأ بنا، اذ اننا لم نعد لنضع شرفنا وأجسادنا تحت تصرف لصوص البلد، لقد عدنا ليرعانا الوطن.
تصيح بك السيدة المتكبرة:
اخبريني ماذا تريدين. من ارسلك لتلفقي التهم لاعضائنا، يبدو انه جهاز الاطلاعات الايراني او انك عميلة للجانب الآخر، لتتمادي على السيد (ش) بهذه الطريقة.
اني لا أفهم هذا بخلاف ما تفهمون، وأقول ما ان تدعونا نحيا بكرامتنا او ان تعينونا على العودة فلا يمكننا العيش مع لصوص الوطن.
لم لا يمكنك العيش، لم يأت أحد الى اليوم يشكو مما تشكين وهذا دليل على كذبك، وبامكان كل انسان الحفاظ على كرامته، وانت اذهبي واحمي نفسك.
اذن لماذا انتم هنا ولماذا تسمون انفسكم حماة كرامة الشيماءات، اننا نستطيع حماية انفسنا من الناس العاديين لكننا لانستطيع الدفاع عن انفسنا في وجه لصوصنا المتسلطين.
لقد اطلت لسانك على السيد (ش) ولن نقبل ان تفعلي ذلك معنا.
اذن لدي رسالة اريد أن تبلغوها لامير البلاد.
هذا ليس عملنا، ثم الا تستحين وتريدين اشغال وقته الذهبي وذهنه المبدع بترهاتك، أليس لديه ما يشغله سواك؟
تغادرين ذلك الزقاق الكرتوني مكسورة الخاطر وتعودين الى مسكنك الخاوي لتفكري في سؤال الناس عن أخريات تعرضن للمأساة نفسها، لتتحدثن جميعاً وترفعن اصواتكن الى اسماع اتباع امير المدينة الاقزام، عسى ان تجدون حلاً للتصرفات اللاأخلاقية التي انتشرت في البلاد.
ثم تقولين كلا، الافضل ان اتحرى لاجد اي النساء تلاحقها تهم هذه الجماعة وايتهن تتعرض للتشهير فأذهب اليهن لانني متأكدة من انهن مثلي طلب اليهن احد المسؤولين ان تستسلم له فأبين ففعلوا بهن مثلما فعلوا بي. فشهروا بهن في هذا المجتمع الغبي وأطلقوا عليهنّ عصابات الفساد تتهمهن بشتى التهم المشينة.
***
لم يكن البحث عن النساء اللائي تعرضت مثلك لحملات تشهير لصوص الوطن فالامر كڤايروس نشر على نساء المدينة والتي تذعن تكون اميرة الفروسية عندهم، اما التي ترفض مثلك ومثل بقية الشيماءات فتهان وتشرد.
وقد جئتموني اليوم انت وشيماء المغنية وشيماء الكاتبة وشيماء الممثلة والخالة شيماء ام شوان وشيماء الصحفية، اما أنا فاني شيماء الحقوقية لم اتمكن لا بالقانون ولا بالكتابة ولا بالصحافة من نيل حقوقي وقد جئنني يردن ان استعيد حقوقهن وابلغ امير البلاد رسائلهن.
ولئلا ازيدهن جزعاً في تلك الارض المحروقة امتنعت عن الكلام، لكن قلبي كان يغلي بسبب عدم ادراكهن الامور البسيطة فهن بكل قناعة يتصورن ان ما يجري انما هو من وراء ظهر امير البلاد ويتصورن انه في حال تلقيه رسائلهن فان نادي الشيماءات سيتحول من جحيم الى نعيم امير الكل ذلك النعيم الذي تعرضه خطبه على الساذجات من الشيماءات. انتن متلهفات لذلك فيما انا اعلم ان لهفتكن لتقويم منحرفي هذه الارض المحروقة ستذهب هباءً، لكني مضطرة للاستماع اليكن…
فالمرء لايدرك حقيقة أمر ما حتى يراه ويعايشه ولايعرف تأثيره على الناس، فلو لم تزعجكن آلامكن لما صدقتن آلامي. واليوم وانتن جريحات بدأتن تشعرن بجراحي ايضاً لذا سأخبركن كيف ان احلامكن هي اضعاث احلام مستحيلة التحقيق.
اعدتْ كل واحدة منكن ورقة لتكتب عليها رسالتها باختصار شديد لترسل الى امير المدينة فيتعرض خلال قراءتها لصدمة من جراء ما يرى من نذالة وخسة ممثليه، صدمة قد تفقده روحه الغالية وتترك المدينة دون امير، او على الاقل يقيم حمام دم في المدينة، من دماء ثوار الامس اصحاب ملفات اليوم والبعثيين والجشعين والجحوش السابقين كبار مسؤولي اليوم الذين يهينون امهات وأخوات ابناء حلبجة والانفال.
الخالة شيماء ام شوان وهي اكبرهن سناً جمعتهن ليكنّ صوتاً واحداً يتحدث عن مشاكلهن بادرت الى القول:
يا ابنتي لم انت ساكتة، نحن نتناقش منذ ساعة وأنت غير مهتمة؟ لم لاتردّين علينا؟ لقد تصورنا انك التي تبناها منذ فترة، اكثر قدرة على ابلاغه صوتنا لكنك منذ ان قربك اليه اصابك الغرور وشتت تفكيرك.
كلا يا خالة شيماء، هذا ليس غروراً، انها الصدمة، هذا الوضع اوضح لي امراً لا اريد الافصاح عنه الآن فانا اعطف على الناس ولا اريد ان افقدهم الامل في وضعنا الذي ارقنا دماءنا من اجله لسنوات. لقد ادركت ان عالمنا هو كذبة كبيرة لا غير.
يا ابنتي انت معروفة بالجرأة والشجاعة، فلم لاتبلغينه بتلك الاكاذيب وبمشاكلنا دون تلكؤ، اني واثقة انه لن يرضى منهم ذلك وسيشردهم في المدينة، اما كان نضاله الطويل في الجبال من اجل حياة هانئة لنا؟ يبدو انه لايعرف شيئاً والا كيف يسكت عما يجري.
ها ها ها، ماذا تقولين يا خالة شيماء؟
انارت ضحكتي استغرابهن واعتبرنه غروراً مني، لكني لن أرد وسألتزم الصمت لئلا اقودهن من يأسهن الى يأس آخر. لكن ماذا افعل للخالة شيماء فهي لاتكف عن الكلام ويبدو انها تريد حسم المسألة اليوم، لهذا بادرت تسأل:
يا ابنتي، من الذي يستطيع تقبل سجن ابني بسبب صراع حزبي، اذ قيل انه من الجبهة الاخرى، آه من عقلية الكرد التي لاتعرف غير التفرق، ولما ذهبت الى المسؤول الفلاني ليتوسط في اطلاق سراحه قال هذا العمل ليس سهلاً فجريمته خطيرة وعلي ان اتوسط له عند مسؤولين كبار.
فقلت ما الذي فعله انه ليس بعثياً والجبهة الاخرى ايضاً كردية، ثم انك مسؤول كبير، اتوسل اليك ان تفعل شيئاً يخرجه من السجن فليس عندي بعد الله غيره وليس في بيتنا زاد. فقال:
اعلم، سأحاول اخراجه من السجن لكن مثل هذا العمل يتطلب جهدك فقلت:
لم لا، سأذهب الآن لاقترض المال وسأجلب لك ديكاً رومياً او شاة جيدة هدية. قال:
وماذا ستكون مقبلات الديك الرومي. قلت:
انا لا اعلم لي بالمقبلات وما شابه. ساجلب لك الرومي وكله كما تشاء. قال:
كلا يا شيماء خانم، لا تتحامقي، ان المقبّل الذي اريده مع الرومي هو النوم معك.… وهذا شرط.
لم تتمالك الخالة شيماء نفسها وهي تروي الفقرة الاخيرة واجهشت في البكاء وقالت:
فلم أتردد وبصقت في وجهه وخرجت ومنذ ذلك اليوم لحقت بي أنواع التسميات السيئة في المجتمع، وكان الشخص ذاته قد ذهب الى السجن وقال لابني ان امه منذ ان سجن انطلقت لتصبح اسوأ المومسات، وكأنه هو وابني قد اتفقا على منعي من ذلك.
تزداد دموعك غزارة وتقولين:
لينتقم الله منهم، لقد جعلوا ابني يقول اطلقوا سراحي يوماً واحداً اقتلها وعندها حاكموني بتهمتين، فقام باطلاق سراحه لا ليوم واحد بل منذ اكثر من شهر، وقد انقذني الله اذ قيّض لي شرطياً سمع بذلك الظلم فابلغني، ومذ ذاك اليوم وانا متخفية، يا ابنتي يبدو ان لهؤلاء عصابة تصنع التهم وتختلق الاكاذيب ليلصقوها بالنساء اللاتي لايستسلمن لهم…
نعم يا خالة شيماء، لقد اصبت في هذه، ان لهم عصابة تشهّر بالنساء اللائي يقفن في وجه شهواتهم وافكارهم وسياساتهم وتشوّه صورهن في هذا المجتمع الغبي الذي ينتمي ٠٩٪ منه الى تلك العصابة. وهذا طبيعي، فعندما يموت الضمير تموت المباديء تجاه الوطن وينتشر الافلاس الخلقي.
لا تتمالك شيماء المشردة نفسها وتتدخل:
رجاء، هذا ليس وقت هذا الكلام وتلك الفلسفة، لقد سمعتهم ما قالت الخالة شيماء، لقد طمعوا فيها ايضاً ان هؤلاء لا حياء لهم. لابد ان نفعل شيئاً، ثم توجهت الي بالقول:
لم انت لا ابالية تجاهنا، لقد سمعت انك تعرضت لأسوأ مما تعرضنا له إلاّ ان فمك مغلق، حتى انك عندما تلتقين امير المدينة، وقد التقيته فلم تخبريه ولهذا فانهم مستمرون. أظن انك الوحيدة التي قاومتهم منذ فترة وكل اهل المدينة يعلمون ما يريدونه منك، لكنك لم تخبريه فينتهي امرهم.
لم اتمالك نفسي وانفجرت ضاحكة ضحكاً حزيناً:
ماذا؟ من أخبِر؟ لابد ان امامكن الكثير لفهم هذا الامر…
عندها بادرت شيماء المغنية التي كانت صامتة حتى تلك اللحظة، فقالت:
حسن، عندما اكتب له عن مشكلتي هل اكتب له عن السيدة التي ارادت توريطي واياها مع الجنرال ام اجعلها ضحية ما يسمى المرأة.
تقول الخالة شيماء:
اي جنرال؟ واية سيدة؟ عم تتحدثين يا ابنتي، ما علاقتك ببنات الناس؟ لقد قلنا اننا جميعاً شهّر بنا من قبل لصوص الوطن الذين يجب ان نرد لهم ما فعلوا بنا ونفضحهم.
شيماء المغنية: نعم، وهذا هو ما اعني يا خالة شيماء، لقد كانت في قضيتي سيدة ايضاً.
الخالة شيماء: كيف؟
شيماء المغنية: تعلمون اني في مبتدأ طريقي في الغناء،لكن الجميع يشهدون ان لي صوتاً جيداً. الا انهم يعترضون طريقي ولايردونني ان اعمل من أجل الفن، فجنرالات امير المدينة يبعثون كل يوم بأحد القوادين الذين يمنحونهم المناصب لممارسة القوادة اليّ ليخبرني بان عليّ الذهاب في الليل الى دار الجنرال الفلاني واغني له حتى الصباح، وفي ليلة ذهبت ترضيه لسيدة جاءتني طالبة مني احياء حفل خاص بها وبالجنرال في دار الجنرال، فقلت مادامت هذه السيدة هناك فلأذهب وأتلافى شرهم… لكن حصل ما اخجل من الحديث عنه، لقد فعلا أمامي كل شيء وارغماني على الغناء لهما حتى الصباح وهما يفعلان ما يفعلان. وبطلوع النهار اعادوني مع التهديد باني لو ذكرت ما احدثكم به الآن فسيقتلونني. ما أقل حياءهم، لو ابلغت امير المدينة فانه لن يغفر لهم استهانتهم بالانسان وبالفن.
ورغم لهجة الاستهزاء في سؤالي لعلمي بان كل الاسئلة ستذهب الى الامير، سألت:
وأنت يا شيماء المشردة الم تذهبي الى مركز الشيماءات ليدافعوا عنك؟
وقبل ان تجيب، بادرت شيماء الكاتبة الى القول:
ماذا تقولون، لقد كنت اعمل لهم وحاول أحد جواسيسهم، الذي كان يتظاهر امام الناس انه يساري وفي السر كان عميلاً لهم، الاعتداء علي فأبلغتهم…
هنا حجز البكاء كلماتها فقطعت حديثها وتوجهت الي لتقول انت تعلمين ما فعلوا بي لقد أخبرتك بذلك.
»نعم اذكر اليوم الذي دخلت فيه عليه مسرعة لتقولي انا فتاة كردية ليس ثم من لم اطرق بابه طالبة العون، لكنهم ضربوني علي رأسي، جئت أعرفك بنفسي وأبلغك بمحنتي.
لكن قضيتك كانت مختلفة عن قضايا الأخريات، فلم تكوني كبقية الشيماءات اللائي يغنين لانفسهن بعيداً، فقد بلغتك يد قذارتهم وخستهم.«
شيماء الكاتبة: الآن تعلمن لم انا حاقدة، لقد كنت أعمل في مركز الشيماءات. وعندما أخبرتهم بما جرى قالوا لم نعد بحاجة اليك فأنت ذات مشكلة وطردوني، وقالوا ان الذي اعتدى عليك هو من المطيعين المخلصين لنا ولن نفرط فيه من أجلك، وكان الأمر كذلك فعلاً فغالبية الكتابات التي كانت تنشر حاملة اسماءهن كان هو كاتبها وكان ينبغي التضحية بي دون شخصياتهن الكرتونية.
الخالة شيماء: اذن من الذين ستشكين الى الأمير؟
شيماء الكاتبة: سأشكو اليه الجميع.
كانت شيماء الصحافية صامتة حتى تلك اللحظة، تراقب الجميع بحزن ودون اي تعبير، كانت الأمور كلها متشابهة في نظرها، كانت تعمل في مجلة، ثم تبين ان من يصدر المجلة هو جهاز استخباراتهم، ولأنها كانت تنتمي اليهم لم تبال بذلك وواصلت العمل معهم، الى ان وجدت المجلة ذات يوم وقد نشرت مقابلة باسمها لم تجرها هي ولا علم لها بها، ولما سألت رئيس التحرير اجابها: هذا ليس بشيء اردت فقط ان ينشر باسمك كتشجيع لمساهمة المرأة وتقدمها في العمل، وهذا تشجيع لك كمبتدئة فكما تعلمين نحن مهتمون جداً بهذا الجانب، ولكنها بعد يومين فقط وعندما دخلت سمعت تسجيلاً بصوت رئيس التحرير وهو يجري المقابلة وقال لي باسماً: لدي الدليل فكفّي عن التمنع، اما ان تستسلمي أو انشر آلاف النسخ من هذا الدليل.
شيماء الصحفية: هذه ليست مشكلتي فأنا لم أطلب نشر المقابلة باسمي.
اذن لنر من منا سيصدقه الناس، وأمامك خياران فقط إما الاستسلام لي أو الفضيحة الأبدية… وأعلمي أنك لو استسلمت فسأنفذ لك كل ما تريدين وإنْ اخترت العكس أعدك بأنك ستظلين نكرة الى الابد…
بعد ذلك اضطرت شيماء الصحفية الى التخلي حتى عن وظيفتها كمعلمة اضافة الى الصحافة ولزمت منزلها لكن مؤسسة التشهير بالجماهير لازالت الى اليوم تكيل لها التهم وتذكر الناس باستمرار بفضائحها المختلفة.
عندما تسمع شيماء المشردة ذلك يزداد بكاؤها حدة وتقول: يبدو اني ايضاً سأنضم الى شيماء الحقوقية في جزعها وأقول لاينبغي التفكير أكثر من هذا في ايصال اصواتنا الى أمير المدينة، فبقية النساء يتنظرن ان تنقذوهن وهذا هو وضعكن، ومن الذي سينقذكن بينما القلم والحقوق والثقافة والحكمة تعتبر مصائب كبرى، عندما طلبت حقوقي وحقوق خمس من أخواتي ووالدي الكهل طلبوا مني المناصفة، ان أعطيهم بقدر ما آخذ فهم بحاجة اليكم لا اليهم.
شيماء الحقوقية: انهم بحاجة الى الجشعين واللصوص لا الينا، تصوري انك عندما طلبت حقوقك طلبوا منك الثمن، فيكف اذا طالبنا بحقوق امة دون ان نستطيع تقديم ما يريدون. فسيلجأون حتماً الى عصابات الشرف وسيقتلوننا غسلاً للعار ويمنحهم المجتمع الحق في ذلك.
الخالة شيماء: لم تخبرنني يا فتيات لماذا شيماء الممثلة غائبة.
تأثّرتُ بهمومهن وبدأت اشعر بالضيق فقلت:
لقد باتت ضحية… غادرت البلاد…
الخالة شيماء: آه من هؤلاء كلما رحلت إحداهنّ تركت لنا همومها.
لا يا خالة، الهموم لم تكن لتغادرها، فانت تعلمين ان واحدة عملت في تلك المؤسسات، وطالبها مسؤول المؤسسة بما طولبنا به جميعاً فتترك العمل وتقول هذه المؤسسات لاتليق لغيركم وهذه الكراسي تناسبكم وحدكم… لكنها عندما تغادر يكتبون في لوحة الاعلانات اعلاناً ليراه الضيوف والمراجعون ايضاً يقول لقد طردنا اليوم واحدة من مؤسستنا لسوء خلقها… ثم باشرت العصابة عملها لذا فانها لم تكتف بترك وظيفتها بل تركت البلاد ايضاً.
تتوجه شيماء الصحفية الي وتقول: شيماء الحقوقية، يبدو ان اليوم هو يوم فرار النساء، منذ شهرين وامير المدينة تبنّاك لذا لن نجد من هو أقرب منك اليه لتبليغه بكل ذلك دون ان تكون له مصلحة.
ماذا تردن ان اقول له، انتن متوهمات، اني واثقة ان شيئاً لصالحكم لن يحصل.
الخالة شيماء: يا شيماء الحقوقية قولي لنا انك لن تفعلي شيئاً من أجلنا.
آه… يبدو انكم لن تصدقوني، لذا أجد نفسي مضطرة لاخبركن ما كتمته عنكن لئلا يقرر الجميع الرحيل عن هذا البلد وعن هؤلاء الناس الذين أحبهم.
شيماء المغنية: ماذا؟ اتقولين انك سترحلين عن هذه الخرابة.
كلا، هذه الخرابة هي التي رحلت عني.
الخالة شيماء: ماذا تقولين يا ابنتي، اننا نعتمد على دفاعك عنا.
ايتها الخالة شيماء، انا نفسي بحاجة الى من يدافع عني. في بداية ظهوري جاءني (س) يبلغني بأن مسؤولهم (ف) يريد التقرب الي وعندما جاء ردي بخلاف ما يرومون، فانهم بخلاف كل الاهانات التي تشهدونها في هذه المدينة اشتكوني عدة مرات. وبلغت قلة الحياء بهم ان ارسلوا يبلغونني بان »ف« يقول ان لم تكوني تقبلين بنا فاجمعي لنا المعلومات وساعدينا، ولقلة خبرتي قلت: انا لا استطيع الكتابة من أجلكم والدفاع عنكم.
ولما أدرك اني لم أفهم مراده الخبيث قال لا، لانريد الكتابة فلدينا الآلاف من الرجال المستعدين لكتابة ما نطلب لقاء قنينة من العرق الرديء، انك جميلة وجمالك يؤهلك للحصول على المعلومة بابتسامة واحدة عندها ادركت انهم يريدونني العوبة بيدهم، فرأيت ان اتعامل مع الوضع بتعقل وكنت اقول في سري إنّ هؤلاء اخطأوا فهم المرأة، خصوصاً وان (س) كان قد قال سابقاً انظري الى فلانة وعلانة يفعلن ما نريد ونحن نلبي رغباتهن جميعاً، فقلت بهدوء ان الانسان الحقيقي يرفض مطالبكم واللاتي ذكرتهن لسن بانسانات ثم اني:
أولاً: لو اردت التقرب الى رجل فاني سأعيش معه بطريقة مشروعة فلم ألجأ الى الطرق اللامشروعة.
ثانياً: لو اردت اقامة علاقة مع رجل فسأتزوج ولن اضيع وقتي، وانا لا أفكر الآن في اي من الحالتين اذ لدي مشاريع اسمى.
ثالثاً: ان المرأة الكاتبة والصحافية والفنانة والمفكرة والحقوقية تدخل هذه المجالات لشعورها بان ثم صورة مشوهة ينبغي تحسينها، وان ثم خطأ يجب اصلاحه، فكيف تبلغ بكم قلة الحياء ان تسعوا لجعل انسانة كهذه تبيع نفسها وتسقط في الحضيض.
رابعاً: ان ما تريده ليس من شيم الكرد، وقد سعى حزب البعث جاهداً لزرع هذه الصفة فينا، وانتم لستم اعداءً كالبعثيين لتنشروا بين صفوفنا هذه الصفات.
خامساً: لو ان امرأة مثقفة علمت بان نيتجة عملها ستكون هذه ورضيت بما تريدون للزمت دارها دون ان تكد وتعاني لاجتثاث ما تزرعونه في الجميع.
سادساً: انا لست محتاجة اليكم لتعاملوني هكذا، فأنا انتمي الى هذا المجتمع وهذه مدينتي، اما انتم فمشردون تتطفلون على هذه المدينة وان لم تحترموا أنفسكم فاحترموا المدينة التي آوتكم.
سابعاً: انني من اسرة عانت كثيراً واستشهد ابناؤها أليس مخجلاً ان لاتكتفوا بكل تلك التضحيات وتطالبوا بان نبيعكم شرفنا، أقلة الحياء هذه تعلمتموها من الثورة الجديدة.
كان ذلك كل ما كان يدركه عقلي في حينه، لكني اليوم أعلم الكثير عن مرضهم هذا، الا اني حينها كنت من السذاجة بحيث قلت لهم لاتحدثوني في هذا الأمر بعد اليوم لانني لن اتقرب من اي رجل الا بحب عظيم ومشروع زواج، وهذا لم يحن وقته بعد، فانا لن اتزوج الا بعد ان أنضج ليكفوا عن القول بان المرأة الكردية عاجزة ولن تنضج الا في ظل رجل.
الغريب انه قاطعني وقال انت غبية، لاتدركين مصلحتك فلو اذعنت لنا لنفذنا كل ما تريدين والا فلن ندعك تنجحين في شيء وسنضايقك في المدينة حتى تندمي على ما قلت وهذا هو قرار السيد (ف) النهائي.
والآن وكما تعلمن جميعاً وترين فانهم لم يدعوا سبيلاً الا وسلكوه… انني أظن ان القلم واللسان يعجزان عن وصف نذالة هؤلاء… لم يبق الا ان أقول لكنّ ان سبب تقربي الى الامير هو جعله ينهي حربه مع لصوصه ليس دفاعاً عن الوطن بل عن شرفنا ولكي لا ارحل عن هذا البلد… لكن وا اسفاه…
الخالة شيماء: لكن ماذا يا ابنتي، لاتقولي انه لم يفعل شيئاً.
ليته كان كذلك، ان كل ما يحصل كان يحصل بعلم منه.
شيماء المغنية: ماذا؟ ما هو الحل اذن؟
شيماء الحقوقية: في الواقع ان روحي غادرت منذ امد بعيد، فانا أشعر بغربة قاتلة في مدينتي لذا سأرحل بحثاً عن وطن.
شيماء المشردة: اما انا فأراني مضطرة للعودة الى بلد البعث تاركة بلد الكرد، لكني لن اسكت مثلكنّ وسأعلم العالم كله قبل ان أرحل.
شيماء المغنية: عاشت الكردايةتي التي خاضوها من أجلنا، اما انا فسأرحل غداً الى المنطقة الأخرى لعلي اجد شرفاء هناك وانجو من هذه الخرابة الملأى باللصوص.
شيماء الصحفية: اما انا فقد قررت ان اتزوج كفتاة تقليدية من اي رجل يعود من خارج البلاد وان كان يكبرني بخمسين سنة لأنجو بشرفي من هؤلاء اللصوص… لقد أدركت الآن ان لهفة الفتيات ليست من أجل المال والتغيير فقط.
شيماء الممثلة: وانا سأذهب الى تركيا، وأطلب الى الامم المتحدة تخليصي من براثن لصوص الوطن.
تبدأ الخالة شيماء بالبكاء وتقول:
ان ذهابكن يا بناتي لن يحل المشكلة، فان مغادرة المتمردين عليهم تكون في صالحهم، ومع رحيلكن ستزداد المشاكل.
شيماء الحقوقية: ان متجتمعاً غبياً كهذا يقوده هؤلاء كالقطيع لن نعود اليه الا عندما تصحو ضمائرهم لنحل معهم المشاكل، فربما عاد المجتمع يوماً الى رشده وطرد لصوص الوطن كما طرد البعثيين.
الخالة شيماء: وانا الى اين أذهب؟
شيماء الحقوقية: خذي بنصيحتي الى قرية نائية من قرى كردستان ليس فيها سوى السعادين وأعمريها، وحينها سترحلين عن بلد السعادين هذا وتتركين السعادين البشرية هذه لتعيشي مع سعادين حيوانية، وعندها قارني وفاءها بوفاء هذه الحيوانات البشرية وبعدها لن تعودي ولربما دعوتنا الى هناك.
***
لقد مر زمن على رحيلي عن بلد السعادين، وصلتي بالشيماءات هي عن طريق المراسلة فقط، تقول شيماء المشردة لقد جعلني الحزن أقرر انه لو تسلم ذوو العمائم واللحى السلطة ان أقسم بعلي وبعمر، وان تسلم البعثيون السلطة ان أهتف: بالروح بالدم…
اما الخالة شيماء والشيماءات الاخريات فيهزأن بعقول هذه السعادين البشرية وجميعهن يسألن عن أحوالي. لذا كتبت لهن في رسالتي الأخيرة ان السيدة البدنية التي كانت تجلس الى الكرسي هناك ترحل بأمر من امير المدينة الى كل بلد اسافر اليه، وليس ثم وسيلة تتحرج في التوسل بها لتحصل كما كانت في بلد السعادين على قلم يكتب باسمها، لكن للاسف فان آخر نشاطاتها كانت المشاركة في عملية القتل، وهي تطرد من بعض الدول، وانتن تابعن أخبارها الملفقة واضحكن على هذه التي كانت ملكة الشيماءات في بلد السعادين. فها هو السيد (ف) يساعده السيد (ع) كانا في بلد اغترابي يعملان على تحقيق مبتغاهم بعون البعث ففشلا. وها هو بريدي الاليكتروني يتسلم كل يوم مثالبهم ويقوم زر صغير بالضحك عليها ومحوها.
سأتحدث اليوم الى رفيقتي المتمردة، وهنا ايضاً ليس ثم حديث الا عن بلد السعادين.
شيماء المغنية: ما الجديد؟
شيماء الحقوقية: لا شيء، لقد كتب لصوص امير المدينة الى رفيقتي يقولون لو لم تكتبي في مديح حواجبنا الهلالية فسنلفق لك ملفاً وعندها انكري ما استطعت من انكار.
الخالة شيماء: ياللعار، انهم جميعاً لايسوون سعداناً من سعادين هذه البقعة المقفرة، فهذه السعادين تحميني حتى من الدببة، بينما أولئك

٤ آذار ٤٠٠٢
كندا*
* عنوان القصة بالكردية هو »مه يموونستان« أي بلد القرود أو السعادين لذا يمكن أن نسميها هنا »سعدانستان« ايضاً.
* * ترجمة: شاخوان كركوكي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطلة فيلم -سنو وايت- تخطف الأنظار.. وكريم فهمى يقبل يدها


.. شبكات| الفنانون السوريون يغيرون مواقفهم من بشار الأسد.. كيف




.. رئيس قطاع الهندسة بمدينة الإنتاج الاعلامي من مهرجان البحر ال


.. «نجم المسرح» منصة اكتشاف المواهب الفنية بقيادة «قروب مافيا س




.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم