الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث أوسلو والثورات الشعبية الجديدة

نوال السعداوى

2011 / 8 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


كنت فى مدينة «أوسلو» ٢٦ يوليو ٢٠١١ بعد المذبحة التى قام بها الرجل النرويجى (لا أرغب فى كتابة اسمه)، عضو الحزب اليمينى النرويجى الذى ترأسه امرأة شديدة الأنوثة والماكياج والصوت الناعم، الإيمان بالنازية الرأسمالية الأبوية ليس له علاقة بالهرمونات فى الجسد مذكرة أو مؤنثة، بل بالأفكار التى تدور فى رأس الحزب السياسى الذى يحمل اسم الحزب التقدمى المسيحى، يتستر وراء المسيح والتقدم والمحبة ليزرع الكراهية والتخلف والعنصرية والإرهاب فى عقول أعضائه (منهم هذا القاتل) يحقنهم من الصغر بأفكار تحض على كراهية المهاجرين من ذوى البشرة غير البيضاء، من ذوى الهويات والثقافات والعقائد غير النرويجية، هذا التيار السياسى الدينى النازى الذى أصبح ظاهرة فى بلاد أوروبا وأمريكا وليس النرويج فقط، يضم التيار رجالاً ونساء وشباباً وأطفالاً تربوا فى الأحزاب اليمينية الصاعدة على الكراهية لكل من يختلف عنهم، فى الشكل أو اللون أو العقيدة أو الجنس أو الدين أو الجنسية أو غيرها.

رافقتنى صديقتى النرويجية «ماريان» وهى بيضاء تجرى فى عروقها دماء نرويجية وأوروبية، لكن أفكارها تختلف عن هذا التيار النازى المتصاعد الداعى إلى إبادة الشعوب الفقيرة فيما يسمونه العالم الثالث، بل إبادة الفقراء فى أوروبا الشرقية النازحين إلى النرويج، فى أغنى شوارع أوسلو اللامعة بالنظافة والزهور والعطور رأيت امرأة بيضاء من رومانيا جالسة على الرصيف تشحذ بضع كرونات من المارة، تكررت الظاهرة فى شوارع أوسلو بل فى أكبر ميدان أمام البرلمان، قالت ماريان: التيار النازى اليمينى يكره هؤلاء المهاجرين من أوروبا الشرقية الذين يدخلون النرويج دون فيزا أو تأشيرة دخول، إنهم ضمن الاتحاد الأوروبى،

هل لاحظت أن بعض المارة ينظرون إلى هؤلاء الشحاذين البيض البشرة شذرا، فمابال لو كانوا من السود أو الصفر أو الحمر أو غيرهم، هؤلاء النازيون الجدد يناضلون ضد التعددية الثقافية وضد تعدد الهويات والعقائد والأديان، يناضلون لطرد كل المهاجرين من النرويج، ووضع قوانين جديدة تحرمهم من الحقوق القليلة التى يحظون بها فى ظل الحكومة الحالية، يتضامن الإعلام العالمى الرأسمالى الأوروبى الأمريكى مع هذه التيارات المحلية اليمينية الدينية، مسيحية أو يهودية أو إسلامية أو غيرها، لا فرق بين أشكال وأنواع التعصب الدينى اليمينى، أهدافهم واحدة متشابهة، يكرهون النساء المستقلات ذوات الكرامة والعزة، يريدون إخضاع المرأة النرويجية لتعاليم كنيسة العصور الوسطى، يريدون عصر الجوارى والعبيد والسيطرة الأبوية المطلقة، أفكارهم لا تختلف عن أفكار التيارات اليمينية اليهودية فى إسرائيل، أو السلفية الوهابية فى بعض البلاد الإسلامية أو أفكار بن لادن وتنظيم القاعدة، إنهم جماعات منظمة وليسوا أفرادا، يخططون لضربنا نحن التيارات الإنسانية فى النرويج وفى أوروبا وغيرها من بلاد العالم، نحن الداعين للمساواة والعدالة والحرية للجميع داخل النرويج وخارجه.

قلت لماريان: هذه خطة عالمية محلية تحدث فى كل البلاد بما فيها بلادنا العربية، انظرى إلى المحاولات اللانهائية لإجهاض ثورتنا المصرية وثورات الشعوب الأخرى، انظرى كيف تتحول شعارات العدالة الاجتماعية الاقتصادية إلى شعارات دينية سلفية تصرف الأنظار عن الاستعمار الخارجى والاستبداد الداخلى إلى قشور.

قالت ماريان: الاتحاد الأوروبى يقف فى الخفاء وراء التيارات النازية الصاعدة ضد وحدة الشعوب فى أوروبا، بل إن القوى النرويجية الحاكمة هنا أصبحت تمول التيارات الدينية اليمينية إسلامية ومسيحية ويهودية، ولا تريد تمويل الحركة النسائية فى النرويج، تصورى الردة التى تحدث عندنا، لكن رغم كل هذا فالمستقبل لنا لأننا مع الإنسانية والعدالة والحرية، تربت ماريان فى بيت نرويجى يؤمن بالمساواة والحرية والكرامة لكل البشر بصرف النظر عن الاختلافات، أبوها وأمها من المناضلين ضد التفرقة بين المهاجرين والنرويجيين، أسرتها وزوجها وأبناؤها وبناتها من المناضلين من أجل حقوق الشعب الفلسطينى والشعب العراقى وكل الشعوب المقهورة عسكريا واقتصاديا.

رافقتنى ماريان إلى حيث كانت المجزرة البشرية، رأيت أعداداً كبيرة من الشعب النرويجى رجالاً ونساء وأطفالاً يسيرون فى صمت وحزن بالغ، يحملون الزهور، يضعونها فى كل مكان من النرويج، الميدان الكبير أمام البرلمان فى أوسلو أصبح مغطى بالزهور بكل الألوان، رغم الحزن تبدو الأزهار متفتحة زاهية الألوان والشمس ساطعة دافئة، تبدو الطبيعة جميلة متألقة رغم الحزن، لعل الحزن يزيدها جمالا، يشتد الحزن إلى جوار الفرح، كالأسود إلى جوار الأبيض، يبتسم الأطفال البنات والأولاد، لا فرق بين ولد أو بنت، يضحكون، يتسابقون فى الجرى فوق الخضرة الممدودة إلى الأفق، بلاد جميلة وشعب جميل لن ينهزم أمام البطش الطبقى الأبوى تحت اسم أى عقيدة أو دين أو غيرها من الكلمات البراقة، على شاشة الإعلام المأجور، لأصحاب المليارات، مثل روبرت ميردوك، الإمبراطور البريطانى الإعلامى الفاسد الذى سقط مؤخراً، وسوف يعقبه سقوط الثقافة الرأسمالية الأبوية وإعلامها الكاذب فى العالم كله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحت اسم الدين
أكرم رشاد هواش ( 2011 / 8 / 5 - 16:54 )
باسم الدين وعبر التاريخ القديم والجديد تمارس الجرائم ، هنا وفي النرويج يمارس واحد متطرف مجزرة دموية ضد ناس بريئين من شعبة وضد شباب في غضون ومطلع أعمارهم تحت اسم الدفاع عن الوطن والعنصر النرويجي الابيض، هذه النوعية من الاوروبيين في حالة صعود ليس فقط في النرويج وحسب بل في كل اوروبا وأمريكا الشمالية، تصاعدت افكار العنصريين منذ حرب جورج بوش على العراق وافغانستان والحملة العنصرية التي قادتها أمريكا ضد العرب والمسلمين حملة اعلامية واسعة غيرت ودعمت أفكار العنصريين في كل مكان في العالم وخاصة أوروبا. الاسلاميين العرب الذين كانو سبب 11 -9 ضد أمريكا كانت بداية النعرة لكل عربي وما يشبه العرب.


2 - وبعد ذلك ؟
Hany Shaker ( 2011 / 8 / 5 - 21:50 )

-مثل روبرت ميردوك، الإمبراطور البريطانى الإعلامى الفاسد الذى سقط مؤخراً، وسوف يعقبه سقوط الثقافة الرأسمالية الأبوية وإعلامها الكاذب فى العالم كله.-

هذا كلام استاذتنا الفاضلة ... حلو قوى ... مردوخ كخة وابن ستين فى سبعين ... و بعد ما يغور فى ستين داهية ستتحول الصومال الى سويسرا ... ونتمشى مع ماريان و جلفدان فى زيورخ و حلوان و ناكل بذنجان .. و حلينا مشاكل الفقر و التخلف بكل البلدان ...

هذا التسطيح وهذه البهلوانيه ضارة جداً ... ان اخذ القارئ الى منتصف المبنى و ارميه من الشباك لعبة مش لطيفة ابداً

ساكون ساذج اذا اتهمتك بالجهل ... جريمتك هى التحريض ضد سكان العالم المتقدم ... تماما مثل بن لادن و القرضاوى ...

الاجدر ان تستخدمى عِلمك وتاثيرك فى تحليل اسباب تخلف عالمنا الرابع و كيف نخرج من المطب الذى صنعناه بايدينا على يد عباقره من امثال معمر و صدام و البشير ... و مافيش مانع نبعتهم فى طرد واحد الى الجحيم على عنوان الاخ مردوخ و الزفت النرويجى اللى مايتسماش


3 - أسباب تخلفنا ليس منا
مريد نادر ( 2011 / 8 / 6 - 06:18 )
المعلق 2 لم يهن عليه تعرية الدكتورة نوال للتيار السياسي الديني النازي الذي يزرع الكراهية والعنصرية لكل من يختلف عنهم في الشكل واللون والعقيدة ويسخرالإعلام الكاذب لتكريس الفكر المتطرف المتشدد.
يريد المعلق من الدكتورة السعداوي أن تعري القذافي وصدام والبشير وبن لادن وحزب الله وحماس وايران الذين عراهم إعلام الإمبراطور الصهيوني روبرت مردوخ على أنهم فاسدون وأسباب تخلفنا. يريد من الدكتورة أن تصدق مايعلنه إعلام روبرت مردوخ على أن رؤساؤنا وبلادنا الفاسدون بينما نترك جورج بوش ونتنياهو على أنهم المصلحون الوطنيون وغير المؤثرين في سياسة بلادنا
طالما أننا ضد أنفسنا فلن يصلح حالنا بل سنبقى نلعق من إعلامهم ونصدق فتاواهم بأننا الإرهابيين وأنهم الإنسانيين المصلحين


4 - الغضب الساطع آتٍ
سلام صادق ( 2011 / 8 / 6 - 07:50 )
الاستاذه نوال الفاضله ربما ذهبت بعيدا في تحليلك للكارثه من حيث الدوافع والمسببات ;قالت ماريان: الاتحاد الأوروبى يقف فى الخفاء وراء التيارات النازية الصاعدة ضد وحدة الشعوب فى أوروبا، فهذه كلها مهاترات ولا اعتراض على الوحده الاوربيه من قبل الاوربيين .وانا في راي الشخصي انها بداية مرحلة ومقدمه لاعمال ارهابيه مقبله وبصوره اعنف وضد المسلمين خاصه الذين ينصاعون كالبهالين لما يقوله اصحاب الذقون العفنه في المضي قدما لاسلمة اوربا وخاصه في الفتره الاخيره وبصوره مسعوره ومن على منابر هذه الدول دون خجل او وجل. مما سيؤدي الى تنامي الشعور بالخطرليس لدى بعض الفئات العنصريه المتطرفه فحسب بل ومن قبل الحكومات الاوربيه والتي ستتزايد في الايام المقبله وتنحو منحاً اخر تحت غطاء الحفاظ على القوميه والدين.فمتى يصحوا دعاة الارهاب عندنا ويراجعوا خطاباتهم الدينيه قبل الادلاء بهالانني متاكد ان الكيل سيطفح يوما ما لدى الاوربيين وسيقول متخلفوا الاسلام ليت الذي جرى ما كان .ولات ساعة مندم وشكرا

اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس