الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية أيام قرية المُحسنة

سميح مسعود

2011 / 8 / 5
الادب والفن



قراءة .. الدكتور سميح مسعود *
مؤلف هذه الرواية هو الشاعر العراقي المعروف عيسى حسن الياسري ...شاعر ظهرت موهبته الشعرية مبكرا في صباه ، واصدر حتى الان في اطار مشروعه الإبداعي سبع مجموعات شعرية توالى ظهورها طيلة العقود الاربعة الماضية ، وها هو في روايته " أيام قرية المحسنة " يمد خيوطه الابداعية للفضاء الروائي ايضا .
صدرت الروايه مؤخرا عن دار فضاءات الاردنية والصالون الثقافي الاندلسي في مونتريال ، وهي تحمل اسم "أيام قرية المحُسنة " مسقط رأس الشاعر الياسري الواقعة على الضفة الغربية لنهر " أبو أبشوت " ، المتفرع من نهر دجلة ، على مقربة من منطقة الاهوارالمعروفة في جنوب العراق .
يتطلع الكاتب في روايته من كوة صغيرة يلتقط منها صورا قديمة لقريته يسجلها بقدرة سردية ممتعة ، بعيدة عن العقد المصطنعة ... تلامس اسلوب كتابة السير الذاتية بتراكيب نصية روائية جميلة من حيث اللغة والبناء ، وذات خصوصية واقعية تبين شدة تعلقه بالامكنة و بأهله وناسه وتفاصيل حياتهم الريفية أفرادا وجماعات، حتى وتفاصيل أحاسيسهم وعواطفهم الداخلية .
يستند الكاتب في روايته على بصمات انسانية النبض ، تتجلى في سياق مشاهد سردية ، تجسد أطياف نماذج انسانية منتقاة ، خيمت عليها صور كاشفة لجده الاكبر ولوالده ولأهله وله وللكثيرين من أبناء قريته وقرى اخرى مجاورة لها، بفيض تفاصيل تجاربهم الحياتية ، بكل مافيها من تفاعلات انسانية متالقة صاغها في مشاهد تناثرت على صفحات الرواية ، وضح فيها بمقدرة فائقة خفايا مرحلة مهمة من تاريخ الريف العراقي ، لها دلالات كثيرة في الذاكرتين الفردية والجماعية .
تمكن المؤلف في روايته من إيقاظ الكثيرين من أهله وارجاعهم الى الحياة من جديد ، ويمكن للقارئ ان يتعرف دون عناء على والده وجده الأكبر سيد علي الياسري ... واللافت أن جده الاكبر ، صاحب فكر تنويري مميز جاد أودعه في مخطوطات عديدة ، عكست سلوكه ومواقفه وتوجهاته ، واهتمامه بنشر المحبة والعلاقات الانسانية بين الناس ، وانحيازه الى ثقافة التجديد والتسامح ورفض التطرف والتحجر الفكري ، وقد بشر بفكره هذا من خلال سلوكه اليومي مما زاد من تمسكه بقناعاته وافكاره وطموحه الى التجديد، ومن الاستمرار طيلة حياته بفتح بيته وقلبه لكل طارق، مما جعل اسمه على كل لسان ، كما أصبح قبره بعد رحيله مزارا يقصده الناس من قريته ، ومن قرى ومدن عراقية اخرى كثيرة .
ولا يفوتني هنا القول ، باننا بأشد الحاجة الى مثل هذه الافكار في زمننا الحالي الذي يشتد فيه التطرف وإقصاء الاخر والاستعلاء عليه ، وتقطع فيه أوصال الوطن الواحد، ويقسم الى أوطان ضيقة في أفاقها ومداها .
ذاكرة الياسري لا تعرف الوهن ، تمكن بها من فتح أبواب قرية " المُحسنة " ، وإعادة رسم وجوه أهلها من جديد ، الكبار منهم والصغار ، سجل أسمائهم ، وأسماء زوجاتهم واطفالهم ، وتحدث عن الوان أمزجتهم ، و خفايا اسرارهم ، ولم ينس ذكر بيوتهم وكهوفهم و خيولهم وأغنامهم ونخيلهم وقواربهم وتراب ارضهم وقوافل جمالهم ، ومواسم الجفاف التي أدت بهم الى هجرة الارض ، والرحيل من قرية "المُحسنة " الى المدن العراقية الاخرى .
استمتعت بقراءة الرواية ووجدتها تتدفق عل امتداد صفحاتها بكلمات أنيقة معبرة باكبر قدر من الموضوعية ، يعيد فيها مؤلفها تكوين قريته "المحسنة " من جديد كما كانت في زمن مضى ... يمضي فيها متنقلا من بيت الى بيت ، ومن مزرعة الى أخرى على ضفاف نهر "أبو أبشوت " ، وفي كل الاتجاهات ... يرسم كل ما يمكن رسمه من بشر وموجودات عالم قريته من ايام مضت " يصغي الى نبض تلك الايام ، يتحسس نعومتها ، يتذوق شهد صوتها الذي يأتيه مخترقا جدار السنين الطويلة ."
رواية قرية " المُحسنة " مؤئرة وملهمة ، تعطي للمبدعين أنموذجا جيدا للبحث عن الذات او للسفر اليها ، على حد تعبير جلال الدين الرومي : " سافر من نفسك الى نفسك ... من سفرك صار التراب منجما للذهب "

* كاتب وشاعر فلسطيني يقيم في مونتريال- كندا










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
طارق قديس ( 2011 / 8 / 8 - 06:51 )
تعليق جميل دكتور سميح وشرحٌ وافٍ
مع جزيل الشكر
سلامي للمؤلف

اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال