الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصومال والموت البطيء

وديان حمداش

2011 / 8 / 5
حقوق الانسان


صرح مسؤولون بالأمم المتحدة بأن أكثر من 350 ألف شخص معرضون للموت بسبب موجة الجفاف التي عصفت بمناطق جنوب الصومال -- خاصة منطقتي باكول ولوير شابل اللتين يسيطر عليهما متمردو حركة الشباب الإسلامية. وقد وصفت الأمم المتحدة هذه الكارثة الإنسانية، بأنها الأخطر في إفريقيا منذ 20 عاما (أي منذ الأزمة الغذائية التي شهدها الصومال1991/1992) والتي قضى فيها حوالي 220 ألف شخص حتفهم. أما اليوم فالمشهد أكثر فظاعة، فالجفاف والنزاعات المسلحة دفعت الآلاف من الصوماليين للرحيل والسيرعلى الأقدام لأسابيع في ظروف قاسية، متجهين إلى مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة أهمها إثيوبيا وكينيا بحثا عن الطعام والدواء. وقد أشارت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة بأن عددا كبيرا من هؤلاء النازحون يموتون في الطريق بسبب سوء التغذية، وهناك أمهات تركن فلذات أكبادهن في الطريق أملا منهم في إنقاذ آخرين من شبح الموت في رحلة مجهولة المعالم. إنه وضع مأزوم ومخجل، جعل الكثير من المراقبين يجمعوا بأن الأزمة الراهنة هي الأكثر خطورة مقارنة بالأزمات السابقة التي ضربت النيجر في 2005، اثيوبيا في 2001، والسودان في 1998.


من المسؤول؟ المجتمع الدولي أم أبناء الوطن

إن هذه المأساة لم تولد صدفة، فقد عاش هذا البلد الفقير فترة حمل عصيبة --عقدين كاملين من فوضى خلاقة يزيد من حدتها النزاعات المسلحة والفساد الإداري/السياسي، والأمراض الفتاكة التي تحصد الأخضر واليابس من أبناء الشعب الصومالي. أما مخيمات الدول المجاورة فلم تعد تحتمل المزيد من اللاجئين الهاربين من جحيم البلاد، فمخيم داداب (شرق كينيا) والذي يعد الأكبر في العالم، يضم اليوم عددا أكبر من قدرته ( 90 ألف العدد الأقصى لكنه يؤوي أكثر من 400 ألف شخص). الواقع أن فترة الإجهاض ولت والمولود هو كارثة إنسانية تهدد حياة الملايين من الصوماليين، والمحزن في الأمر هو عدم وجود سلطة فعلية على الأرض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح. هناك من يتهم المجتمع الدولي ومنظماته بالتباطئ حيث تبدأ بالتحرك في الوقت الضائع بعد حلول الكارثة ودفن الأطفال على جنبات الطرق. هذا ما أكدته أكثر من هيئة دولية كمنظمة ( أوكسفام ) ومنظمة الفاو، حيث قالت المسؤولة عن العمليات الطارئة في منظمة الفاو في أفريقيا «كريستينا أمارال» : " إننا نطلق تحذيرات منذ أكتوبر الماضي، لكن الرد لم يكن بمستوى الإحتياجات." وهناك من يتساءل عن مصير الملايين من الدولارات التي يتم التبرع بها كل عام بإسم الصومال ولا يصل منها إلا الفتات!! وما دام الصوماليون لازالوا يعبرون حفاة الأقدام لأسابيع ليموتوا ببطئ من شدة العطش والجوع، فمن الواضح بأن الملايين تبدد في فنادق نيروبي الفخمة (حيث تقيم أغلب المنظمات الدولية) وفي استأجار الطائرات الخاصة بمبالغ طائلة منحت في الأساس للطفل الصومالي. إن جزء بسيطا من هذه المبالغ قد يخفف من حدة هذه الأزمة الغذائية، فمن المعروف بأن حفر آبار أورتوازية غير مكلف لأن المياه الجوفية متوافرة في العديد من المناطق الصومالية ولكنها تحتاج الى أيادي أمينة تستخرجها، وتمنح الشعب الصومالي الحق الطبيعي في الحياة.
للأسف الشديد فإن سمعة منظمات الإغاثة الغربية لدى الكثير من الصوماليين سيئة ومقترنة بالهيمنة والفساد وتوزيع المواد المنتهية الصلاحية. لكن الحق يقال، ليست المنظمات الدولية المسؤول الأول أمام الشعب الصومالي عن هذه الكارثة الإنسانية، بل إن الصوماليين بكل أطيافهم ونخبهم السياسية والفكرية، شاركوا في تقويض الوضع الراهن. فالمؤسسات الوطنية والتي من شأنها مواجهة مثل هذه الكارثة، قد ضاعفت من حجمها، مما يدل على أن الأزمة ليست أزمة رغيف بل أزمة بناء دولة مستقلة ومستقرة ذات سيادة بعد عقدين من الشلل. فقد جاء في مقال نشر في الجزيرة/المعرفة بأن "رئيس الدولة شريف شيخ أحمد و رئيس البرلمان شريف شيخ حسن كانا منذ أسابيع منهمكين في صراع مرير حول من يعين هذه الوزارة السيادية أو تلك لحليفه دون إكتراث بمحنة نصف سكان بلادهم المهددين بالموت جوعا". ولا يخفى على أحد فساد بعض المنظمات الحكومية التي تبيع مواد غذائية تحمل شعار الأمم المتحدة في الأسواق العامة في الصومال المنكوب. وما يزيد الأمر تعقيدا هو تحريم حركة «الشباب المجاهدين» لدخول المنظمات الإنسانية لهذه المناطق باعتبارهم كفرة، صليبيين وجواسيس، فالشيخ علي محمود راجي( المتحدث باسم الحركة) يرى بأن "بعض المنظمات تتخذ العمل الإغاثي ستارا لممارسة أنشطة مشبوهة". بل إتهم الأمم المتحدة بالمبالغة في وصف المدى الذي وصلت إليه حال الجفاف في جنوب الصومال. إن مثل هذه التصريحات النارية ليست بجديدة، فقد سبق للحركة وأن أعلنت حظر توزيع مساعدات برنامج الأغذية العالمي في الصومال قبل عامين، ونست أو تناست بأن الشعب الصومالي يعتمد على هذه المساعدات الانسانية كمصدر أساسي للعيش، وموقفهم هذا يدل على عدم المسؤولية والمقامرة بأرواح البسطاء. فالأجدر بالحركة أن تتحمل مسؤولية إغاثة أهلها بالجنوب، والتعامل مع العالم الخارجي بدبلوماسية بدلا من السياسات الارتجالية التي تضر بالصالح العام. فالحركة لها باع طويل في التحريم بدءاً من منع المدارس في مدينة جوهر من إستخدام الأجراس اليدوية لأن صوتها يشبه أجراس الكنائس، إلى منع المصافحة بين الرجال والنساء وعدم السماح للمراة بالعمل( فقد تم اغلاق مكاتب ثلاث منظمات نسائية 2009)، والغاء يومي السبت والأحد كعطلة نهاية الأسبوع، ومنع الإحتفال بالأعياد الأجنبية كعيد الميلاد ورأس السنة والإحتفال باليوم العالمي! فالكل محرم حتى الفتات والرغيف الحاف.

وخلاصة القول، ليس الجفاف وحده من أدى الى هذه الكارثة الإنسانية، بل إنها الإختلافات والصراعات الداخلية المستمرة في الصومال بين أبناء الوطن الواحد، إنَّه مزيجًا مميتًا من كارثة طبيعية وصراع إقليمي يحصد أرواح الملايين في صمت. إن الصومال بحاجة إلى حلول جدية للأزمة الراهنة ولن يتحقق هذا إلا بدراسة شاملة وجذرية للمشكل الصومالي بكل أشكاله السياسية، الإقتصادية، والإجتماعية. إن المطلوب هو تمكين الصومال من الوقوف على قدميه لكي يتمكن من إدارة شؤونه بنفسه بدلا من إنتظار أكياس المواد الغذائية تمطر من سماء مقديشو. إن المطلوب هو حب الصومال الوطن والتوقف عن تجويع أبناءه، فالحياة حق طبيعي لكل انسان ويجب على القانون حمايته. لكن هل يعقل أن تتمكن دولة تدفع منظمات أجنبية رواتبها من أن تبني دولة ديمقراطية مستقلة وحماية شعبها من لعنة الموت البطئ؟ وهل ستصل أموال المنظمات الدولية والمساعدات القطرية/الكويتية إلى جيوب أمينة تتقي الله في هذا الشعب الأعزل؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟


.. لغياب الأدلة.. الأمم المتحدة تغلق قضايا ضد موظفي أونروا




.. اعتقال حاخامات وناشطين في احتجاجات على حدود غزة


.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل




.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة