الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول الحراك السياسي في الأردن في ظل الربيع العربي

خالد حميد حسين البطاينة

2011 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
منذ انطلاقة الربيع العربي في 17/12/2010 وهو اليوم الذي شهد حادثة قيام محمد البوعزيزي باشعال النار في جسده ، شهدت العديد من الدول العربية حراكا وطنيا غير مسبوق في التاريخ الحديث لمرحلة ما بعد الاستعمار الغربي وحلول مرحلة الاستعباد والقمع المحلي الذي مارسته أنظمة الحكم العربية في مرحلة الخراب والسقوط التي أعقبت مرحلة الاستعمار وحرمت الشعوب العربية من التمتع بالحريات ودولة القانون والحقوق المدنية في مرحلة ما بعد الاستقلال . ويمكن التمييز هنا بين ما يمكن أن نطلق عليه وصف الحراك الحزبي والنخبوي ،وهوما تشهده الساحة الأردنية من جانب ،وبين الحراك الشعبي من جانب اخر.

الشعوب التي تمكنت من خلع حكامها وتغيير أنظمة الحكم في تونس ومصر إنخرطت في حراك شعبي لم تشهده العديد من الدول العربية الأخرى التي شهد بعضها حراكا حزبيا ونخبويا حاول القائمون عليه إضفاء الطابع الشعبي عليه عبر تغييب الرايات الحزبية في الفعاليات التي يتم تنظيمها ولكن ذلك الحراك يفتقر الى أهم خصائص الحراك الشعبي الحقيقي.من تلك الخصائص الأساسية في الحراك الشعبي تلك الخاصية التي برزت في ميدان التحرير في القاهرة حيث كانت الأسر المصرية تشارك في في الإعتصام بكافة أفرادها من أطفال ونساء وشيوخ وشباب، وهذه المشاركة ما تزال مفقودة في الحراك الذي تشهده العديد من الدول العربية ومنها المملكة الاردنية.
منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني بدأت كافة فئات الشعب المصري المشاركة في الحراك الشعبي الذي شكل إعتصام ميدان التحرير ذروته ، وكما يشير الشهود على تلك الثورة " فإن من كانوا يتابعون الفعاليات الوطنية والمظاهرات عبر شاشات التلفاز ومن نوافذ منازلهم في الماضي كانوا من المشاركين في الحراك في ذلك اليوم ". كما حضر هؤلاء الى ميدان التحرير مجهزين بالوسائل التي تمكنهم من مقاومة اثار قنابل الغاز من "بصل وخل وكولا" حيث يستخدم الخل لتجنب اثار تلك القنابل على الجهاز التنفسي والبصل لحماية العينين والكولا للجلد المكشوف في الوجه والعنق والذراعين.
كما برزت خاصية أخرى للحراك الشعبي الذي شهدته مصر يمكن وصفها بالذكاء والحكمة الشعبية حيث عمل المشاركون في الحراك على انهاك قوى القمع والاجهزة الامنية ، فكلما تم تفريقهم وإجبارهم على مغادرة إحدى الساحات أو الميادين كانوا يجتمعون في أماكن اخرى تم الاتفاق عليها ليعودوا بعد ذلك الى ميدان التحريرمن جديد...
الانتقال من مرحلة الحراك النخبوي والحزبي الى مرحلة الحراك الشعبي لا تعني غياب النخب والقوى الوطنية التي تلعب دورا هاما في عدم انحراف الحراك عن مساره وعدم حلول الفوضى ، ومن الأمثلة على ذلك الدور ما قامت به النخب الوطنية المصرية لحماية المتحف الوطني أثناء الثورة.
نستطيع القول بأن التحول من الحراك النخبوي والحزبي الى الحراك الشعبي ضرورة ، ولا يعني ذلك غياب النخب والقوى الوطنية والحزبية ، بل أن تتحول تلك النخب الى جهات مؤثرة وفاعلة في ذلك الحراك دون العمل على توجيه ذلك الحراك أو قيادته ، بحيث يحافظ الحراك على طابعه الشعبي الضروري لتحقبق غاياته .

(2)
تم إطلاق العديد من الأسماء كجمعة الحشد وجمعة الاصرار وجمعة الحرية وسواها من الأسماء كوصف جامع للفعاليات التي نظمتها القوى الوطنية في الاردن ضمن حراكها المطالب بالاصلاح . التسميات السابقة وسواها من التسميات التي تم إطلاقها سابقا كانت محاولة لاستنساخ وتبني التقليد الذي أطلقته القوى المشاركة في الثورة المصرية ، ولكن وللأسف لا يبدو أن التسميات المستخدمة في الأردن مرتبطة بالسياق اللحظي الواقعي للحراك وطبيعة المرحلة التي وصل إليها كما كان الحال بالنسبة إلى فعاليات الشارع المصري الذي أطلق ذلك التقليد.

كما يبدو حراك العديد من القوى الوطنية في الأردن مفتعلا في العديد من جوانبه ولا يعكس تطلعات ونبض الشارع وتطلعات المواطن الأردني البسيط ، بحيث يتم تبني شعارات جديدة أو التخلي عن شعارات سابقة عبر قرارات يتم اتخاذها في اجتماعات مغلقة ولا يمكن هنا تجاهل التأثير الكبير الذي تخضع له تلك التحولات من قبل الأحزاب التقليدية التي يعتبرها الشارع جزءا من الخلل القائم ولا يؤمن بقدرتها على تقديم الحلول للمشكلات التي تعاني منها البلاد بالإضافة إلى أثر من يطلق عليهم " مصطلح الحرس القديم" وهم رواد عمليات الخصخصة والالتزام بإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعرابي اتفاقية وادي عربة وأزمات عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وينصب اعتراضهم الأساسي على تحييدهم وإبراز جيل جديد من صناع القرار أطلقوا عليهم وصف "الليبراليون الجدد" ، وهم من يلقي الحرس القديم والأحزاب اللوم عليهم في استكمال عمليات الخصخصة التي انطلقت في عهدهم .
لا أعلم ماهية الأسباب التي دفعت من أطلقوا شعار إصلاح النظام قبل بضعة أسابيع إلى تحييده والتركيز على شعارات جديدة ، ولكن ما أراه هو أن هناك فجوة بين حراك النخب السياسية وشعاراتها وتطلعاتها من جانب وبين تطلعات الشارع الأردني الذي قد لا تكون الجمعة التي تشهد الحراك أيا كانت التسمية التي ستوصف بها بالنسبة إليه مختلفة عن أي نهاية أسبوع اعتيادية
.
ليس المطلوب هنا توقف الحراك الذي تنظمه القوى الوطنية ، ولكن نأمل أن يكون موجها عبر تطلعات المواطن لا موجها لتلك التطلعات ومحاولة اختزالها في عودة شخصيات أو مجموعات لا يرى المواطن أن تغييبها عن مواقع صنع القرار هو المشكلة التي تعاني منها البلاد وتؤثر على حياته ومعيشته . وأتمنى أن يتم أخذ السياق الأردني وتلك التطلعات بعين الاعتبار عند إطلاق التسميات على الفعاليات وإطلاق الشعارات . كما يجب تجاوز التغييب المنهجي لفئات كبيرة من المواطنين كما هو الحال حاليا بحيث لا تقتصر القيادات التي تفرزها القوى الوطنية بشكل مقصود لقيادة حراك الشارع الأردني على المواطنين من أصول محددة ولا أعتقد بأن المبررات التي يتم تقديمها في هذا السياق مقنعة .

(3)
لاحظنا أن محاربة الفساد والدعوة الى الاصلاح كانت من المطالب المتكررة ضمن شعارات القوى الوطنية منذ اعلان مشاركتها في الاعتصامات والمسيرات التي انطلقت في الجمعة التالية لمسيرة ذيبان الاولى (كانت مسيرة ذيبان الاولى في 14/1/2011 وبدأت القوى الوطنية والحزبية تنظيم فعالياتها في الجمعة التالية 21/1/2011 ) . وكانت عمليات الخصخصة أحد أهم الموضوعات التي أثارتها تلك القوى كأمثلة على حالات الفساد ، وشكلت الورقة التي أصدرتها اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين نقطة بارزة في هذا المجال.

من المرجح أن تكون عمليات الخصخصة قد شهدت العديد من حالات الفساد بحيث كانت أسعار بيع بعض المؤسسات التي تمت خصخصتها أدنى من الارباح التي حققتها تلك المؤسسات خلال عام واحد بعد نقل ملكيتها ، ولكن قد يكون من الصعب جدا إثبات حالات الفساد تلك والتي قد تكون قد تمت بالاساس عن طريق تقديم الرشاوى ، مما يصعب اثباته بالوسائل القانونية دون الحصول على إقرار الاطراف المشاركة بحالات الرشاوى بتقديمهم أو حصولهم على الرشاوى وهو أمر مستبعد كما يعلم العاملين في مجال القضاء والقانون. وقد طالبت بعض القوى الوطنية بإعادة تأميم تلك المؤسسات واستعادتها وهذه المطالبات قد لا تكون واقعية في ضوء الالتزامات التعاقدية التي منحت عمليات الخصخصة الصفة القانونية.

قد تكون مطالبات القوى الوطنية المشار اليها قائمة على غايات نبيلة تتمثل بالرغبة باستعادة مقدرات ومؤسسات الوطن ولكن قد يكون التعامل مع الواقع القانوني أمرا حتميا لا يمكن تجاهله مما قد يجعل من الافضل لو يتم توجيه المطالبات نحو قنوات واقعية كإعادة النظربالضرائب المفروضة على تلك المؤسسات والمطالبة بإصدار قائمة تتضمن ما تبقى من مقدرات الوطن بما يتضمن الأراضي الاميرية ووقف التصرف بها وإعادة النظر بقانون الدين العام بحيث يتم الحد من قدرة الحكومات على التوسع في الاقتراض وتلك الامور قد تشكل وسيلة أفضل لحماية مصالح أجيال المستقبل .
أما رفع المطالب التعجيزية غير الواقعية فقد تكون وسيلة يستخدمها البعض لمجرد تحقيق ضغط لاجبار صناع القرار على تقديم تنازلات غير معلنة لهم لأنهم يعلمون ان تلك المطالب قد لا يكون من الممكن تحقيقها . أما العمل لمصلحة الوطن وأجيال المستقبل فقد يتطلب السعي للمحافظة على ما تبقى من مقدرات الوطن الى جانب السعي لاسترداد ما قد تم فقدانه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس