الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفيّون العرب وتحدّي الدولة المدنية الحديثة.

رائد الدبس

2011 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


السلفيّون العرب وتحدّي الدولة المدنية الحديثة./ رائد الدبس.

شهدت مصر العظيمة خلال هذا الاسبوع المنصرم حدثين كبيرين: انطلاق المحاكمة العلنية لحسني مبارك ونجليه وباقي رموز النظام المخلوع. هذا الحدث الذي يشكل إنجازاً تاريخياً لمصر وثورتها، سيفتح آفاقاً رحبة أمام ولادة حقيقية لدولة سيادة القانون والعدالة في مصر والعالم العربي. قبل هذا الحدث بأيام، أعاد سلوك السلفيين المصريين في الجمعة السابقة في ميدان التحرير التي أطلق عليها "جمعة الوحدة الشعبية" ورفهم لشعار :" إسلامية إسلامية..لا مدنيــة"، إلى الأذهان مجددا مجموعة من التساؤلات الكبرى.

أولاً: ما المقصود بشعار " إسلامية إسلامية..لا مدنية" ؟ دولة غير مدنية أي غير حديثة بل منتمية للسلفية وللماضي؟

ثانياً : ما علاقة هذا الشعار والجماعات التي ترفعه بالثورة المصرية وأهدافها والجماهير التي صنعتها ؟

ثالثاً : ألا يمكن لتيارات الإسلام السياسي في العلام العربي -على اختلافها وتنوعها – أن تتوصل إلى صيغة توافقية بين الإسلام كدين وعقيدة لغالبية المواطنين في مجتمعاتنا العربية، وبين الدولة المدنية الحديثة كدولة لكل مواطنيها على اختلاف أديانهم وهوياتهم العرقية؟

يمكن أن يأتي الجواب على هذه الأسئلة من أمرين اثنين:
أولهما، تاريخ الجماعات السلفية العربية، القائم على رفض فكرة الدولة المدنية، وعدم إيمان تلك الجماعات بالحراك الشعبي الذي أسقط نظام مبارك وغيره، بل سعيها لاختطاف هذا الحراك وفرض استبدادها السلفي على الجميع، بمن فيهم باقي القوى الإسلامية وغير الإسلامية. وفي فهمهم وتفسيرهم الأيديولوجي المنغلق والملتبس للدين ضمن مقولاتهم الشائعة : الإسلام دين ودولة، والإسلام هو الحل، وأخيراً، إسلامية إسلامية ، لا مدنية .

الأمر الثاني، نموذج الإسلام السياسي التركي مُجسّدا بحزب العدالة والتنمية، حيث يستحق هذا النموذج مزيدا من الاهتمام والتأمل والدراسة.

لقد نجح هذا النموذج التركي بتقديم صيغة تصالحية بين الإسلام كدين وعقيدة، وبين الديمقراطية والعلمانية كمنهج ونظام سياسي للدولة المدنية الحديثة، ولقد نجح بذلك، لأنه تصرف كحزب إسلامي بإعادته الاعتبار للدين في المجتمع التركي بعد أن حاولت العلمانية الآتاتوركية المتطرفة استبعاده من المجتمع لعقود طويلة.

غير أن استعادته للدين في المجتمع تمّ بصورة منفصلة تماما عن السياسة والدولة، وهو بذلك قدم مشروعا إصلاحيا كبيراً لتركيا، فالمجتمع التركي تصالح مع هويته، والإسلام السياسي التركي قدم نموذجا للتعايش مع روح العصر والانفتاح على الحداثة بما في ذلك الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

إن من يتابع الأدبيات السياسية والحملات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية التركي، يكاد لا يجد فيها أي شعار ديني، فهو لا يستخدم الدين أبداً في نشاطه السياسي وبرامجه الانتخابية، بل يذهب أبعد من ذلك إذ يكرر الإعلان عن التزامه الكامل بالعلمانية، وبفصل الدين عن الدولة. ويرفض الخلط بين الدين
والسياسية، كما يرفض فكرة الدعوة لدستور إسلامي للدولة يعتمد على الشريعة، بل يطرح منهجا سياسيا ديمقراطيا علمانيا لا يعادي الدين ولا يتصادم مع العقيدة، بل يستلهم من الدين والعقيدة كل قيم الخير والحق والعدالة . لقد أتاح هذا المنهج السسياسي لحزب العدالة والتنمية الابتعاد عن الانشغال بكل أنواع الجدل العقيم، وتركيز الجهود على الهموم والتحديات الاقتصادية – الاجتماعية في السياسة الداخلية التي تلامس حياة المجتمع بصورة مباشرة، ناهيك عن تحقيق دور إقليمي متزايد الأهمية والطموح في السياسة الخارجية .

فعلى الصعيد الاقتصادي، كان الاقتصاد التركي لسنوات طويلة قبل وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002 ، يعاني من حالة إنهيار وكساد كبير، لكنه بدأ ينمو بشكل مستمر ومتصاعد حتى وصل معدل نموه في الفصل الأول من هذا العام 2011 نسبة 11% . كما حقق قفزات هائلة على مستوى الدخل القومي، وتضاعف حجم التجارة الخارجية، والناتج القومي الإجمالي، ومعدل دخل الفرد وأصبح الاقتصاد التركي يحتل المرتبة السابعة عشرة في العالم، وسادس أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. وتجاوز مشكلاته السابقة مثل العجز والتضخم وحقق تزايدا كبيرا في جلب الاستثمارات الأجنبية ونجح في تضييق الفجوة بين معدلات التنمية التركية، ونظيرتها الأوروبية. فأين حركات وأحزاب الاسلام السياسي في العالم العربي من هذا النموذج؟

باستثناء بعض المواقف المتبنّية لفكرة الدولة المدنية الحديثة، التي يعبر عنها قادة تنظيم الإخوان المسلمين السوريين بوضوح، وكذلك البعض من قيادات وكوادر الإخوان المسلمين في مصر، لا تزال حركات وأحزاب الإسلام السياسي على امتداد عالمنا العربي بعيدة بدرجات متفاوتة عن حسم هذه المسألة على طريقة حزب العدالة والتنمية التركي. فالسلفيون العرب لا يُغرّدون خارج سرب حركات الإسلام السياسي، حيث يجاهرون برفضهم للدولة المدنية الحديثة، وبعدائهم للعلمانية، وبرفضهم للديمقراطية باعتبارها "بدعة غربيّة " وطرحهم للشورى كبديل عنها، إنهم يغردون ضمن السرب أو على أطرافه. لنتذكر مقابلة للدكتور أحمد بديع، المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين في مصر، أجرتها معه صحيفة الدستور بتاريخ 5 - مايو أيار - 2011 ، يقول فيها: لن نسمح بأن يعلو صوت المواطنَة والديمقراطية فوق صوت العقيدة والدين ، فما دام الأمر يُنظر له بهذه الطريقة داخل أكبر وأهم جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي( جماعة الإخوان المسلمين في مصر)، فإن ذلك يعني أن أمام الثورة المصرية، والثورات والشعوب العربية تحديات استبدادية من نوع جديد، خصوصا وأن نبرة خطاب هذه الجماعة، وكذلك توقعات بعض المراقبين والمحللين، تشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر خصوصا، والعالم العربي عموما، تعتبر أن الثورات العربية قد هيأت لها فرصتها التاريخية التي انتظرتها عقوداً من الزمن، للوصول إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية.. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه حركات الإسلام السياسي قد تغيرت كثيراً، وباتت تتحدث بوضوح عن ضرورة إشراك الإسلاميين في السلطة في مصر والعالم والعربي.

لنتذكر التقرير الشهير عن الإسلاميين والسلطة في العالم العربي، الذي أصدرته عام 2007 مؤسسة راند المدعومة من المجمع الصناعي - العسكري الأمريكي، تلك المؤسسة التي تساهم بصنع القرار الأمريكي بشكل كبير. لقد تحدث ذلك التقرير عن هذه المسألة مطولاً، كما أنه مهّد للرؤية التي عبّر عنها أوباما في الخطاب الذي وجهه للعالم الإسلامي من القاهرة عام 2009، وكذلك لمجمل التحول في الموقف والعلاقة مع حركات الإسلام السياسي في العالم العربي. لكن ماذا بعد؟ ما هي البرامج وتصورات الحلول التي يطرحها الإسلاميون لمعالجة مشاكل الاقتصاد ومؤشرات العجز والمديونية والفقر والبطالة والأميّة ؟ ماذا عن كل تحديات السياسة الداخلية والخارجية ابتداءاً من الاقتصاد، مروراً بقضايا المواطَنَة والمواطنين، وانتهاءاً بتحديات السياسة الخارجية مثل اتفاقيات بيع الغاز لإسرائيل، وكامب ديفيد وغير ذلك من تحديات؟ هل سيكون الحل السحري بشعارات مثل الإسلام هو الحل، وإسلاميّة لا مدنيّة ؟؟ أم أن تجربة وصول الإسلاميين للسلطة في مصر أو غيرها، كاحتمال وارد ومتوقَّع الحدوث عبر الانتخابات القادمة، سوف تفرض عليهم تشغيل محرك البحث عن بدائل وحلول سياسية واقعية، تبتعد تماما عن شعارات السلفيين وفكرهم المنغلق؟ ذلك هو التحدي الذي ستجيب عنه السنوات القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل