الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة

ليث العبدويس

2011 / 8 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


شَغَلَ الحدثُ اللُبنانيُّ حيزاً واسِعاً من مَساحات الأنباء لِردحٍ من الزمن، وكان في يومٍ ما يتصدّرُ نشراتِ الأخبار وواجهات الصُحُفِ وعناوينَ الجرائِد، رمزاً لِمُتناقِضات الجمال والقُبح، الحَضارة والبِدائية، التراجُع والتَقدُميّة، بلدٌ تتكاثَرُ فيهِ عُلَبُ الليل واحياءُ الفُسق ومواخيرُ الدَعارة تماماً كانتشارِ المعابِدِ والكنائِسِ والمساجِد، أضدادُ هذا البلد كثيرة، لكنها لم تؤسس لتنوّعٍ ثقافيٍ او اجتماعيٍ دائم، بل ساهمتْ في زرعِ بُذورِ الشِقاق والضغينة، وتعميق الشُروخ والتكسّرات، وبدلَ رسم لوحةٍ مُتناسِقة، تحول الفُسيفِساء اللبنانيُّ الى مُعضِلةٍ جَسيمة، تنهضَ في بيروت أرقى الأحياء المشيدة على الطُرز الغربية الى جانب أحزمة الفُقر المُدقَع، ويتجاورُ في المسكن عينهِ يمينيٌّ مُتشدّد مع ماركسيٍ مُتطرّف، الترفُ مَعَ العَوَز، والسِعةُ مع الضيق، والانفتاحُ مع الراديكالية، مَرَّ عَقدانِ ونيّفٍ من أعوامِ الحرب الأهلية الطويلة غَرقتْ خِلالها طوائِفُ لُبنانَ المُتنازِعة في سُعار القتل المُتبادل والتباري المحموم حولَ من "يكشِطُ" الآخر سريعاً عن وجه البسيطة ويزيلُهُ مَعَ مُلحقاتِهِ في غارةٍ عجلى، ثُمَّ يعود لإكمال جولة "البوكر"، لُعبةُ موتٍ مجاني وحمّاماتُ دَمٍ ومجازِرَ وفظاعاتٍ تورطَتْ فيها الأطرافُ المحلية والمُحيط الإقليمي واللاعِبونَ الدوليون شوّهتْ وجهَ الشرق الحالم وكوّنتْ عنهُ انطباعاً بالغَ السوء، ثُمَّ لمْ تلبث هُدنةٌ قَلِقَةٌ فرضتها إراداتُ الأقوياء ان استتبَّتْ لتكونَ أقربَ الى وقفٍ مؤقتٍ لإطلاقِ النار او استراحةٌ لالتقاط الأنفاس مِنهُا الى سلامٍ دائم، تارِكةً اسبابَ الصِراعَ حُرّةً مَرخيّة، مُلقيةً بِفتيلِ الأزمة المنزوعِ قُربَ جَمرِ الواقِعِ اللُبنانيّ المُتّقِد، فالسِلاحُ – خَفيفهُ وثَقيلُه - سائبٌ مبذول، وتِرساناتهُ مُكدّسةٌ بوفرة، بضعةُ مشاجبَ مِنهُ تكفي لتسليحِ جيشٍ صغير، وهو كُلُّ ما يحتاجهُ المرءُ في لبنان لِشَنّ حملةِ تطهيرٍ عِرقيٍ او مَذهَبيٍ مَحدودة، ويُفاقِمُ اخطار الأسلحة اليتيمة شَبحُ الميليشيات الإجرامية التي لا تزالُ تسرحُ وتمرحُ مُحتفظة بأسمائِها القديمة المُخيفة، بعضُها ينشَطُ باسم المُقاومة، ويرى المّسَّ ببنادِقِه خيانةً وغدراً وتخذيلاً، حتى وان عنى ذلكَ إذلالاً لمركزية الدولة وانتقاصاً من هيبتها، او استمراراً لِدويلات المُدن اللبنانية، وأخرى تستمد شرعية وجودِها من غياب المشروع الوطني وثغرات اتفاق الطائف الذي ضمّدَ الجُرح الطائِفيَّ الغائِر تاركاً اياهُ ينزفُ بغزارةٍ تحتَ الشاش الكثيف، وثالثةٌ ترفِضُ الحَلَّ او نزع السلاح او الاندماج كونها لم تَعُد تفقهُ شيئاً من مفردات الحياة المدنيّة السويّة بعد ان دَرَجتْ على البلطجة والاتاوات والمُكوس التي تجبيها من الضُعفاء المسحوقين او من الأثرياء المُتخمين في بلدٍ اعتاد التسويات المكتوبة على وَهَج القنابل وأزيز الرصاص تحتَ شِعار "أقتلوهم جميعاً ثم سَيميزُ الله الخبيثَ من الطيب"، ناهيكَ عن لوردات الحرب الغابرة وامراءُ الموتْ وزُعماء المافيات المُنظّمة الذين أثروا من تجارة الدمار وأسواقُ الكوارث السوداء، أما مؤشِرُ الاحتِقانُ الطائِفي المُضللُ بالدَعاية الدينية فهوَ في تَصاعُدٍ مُضطرد، تكفي كلمةٌ مُلتوية او نبأٌ يحمِلُهُ مُغرض او تصرفٌ صغيرٌ أُسيءَ فَهمُهُ لِتندلعَ معركةٌ حاميةُ الوطيس على غِرار اشتباكات "بعل مُحسن والتبانة"، الناسُ هُنا ضيقوا الأُفُق قدر تعلّق الأمر بِفئويتهمُ التي تَصِلُ حدَّ القداسة رُغم أنهم أقلُّ شعوبِ العالم تَمسّكاً بالدين، غير ان الالتفاف حول الدين صار تعبيراً عن الهوية وتجسيداً لها بوجه التهديد المُفترض الذي يُمثّلهُ الآخر، وأغلبُ الشنائِع التي أُقتُرِفت إبّان الحرب نفّذها عَناصِرُ ميليشيات كانوا تحتَ تأثير الخُمورِ او المُخدّرات، بيدَ أنها غالباً ما كانتْ تحظى بمباركة رِجال الدين باختلاف عمائِمهم ومعابِدِهم، وهؤلاء غادروا محاريبهم ليرتدوا بزّة الحرب كمرشدين روحيين لِزُمر القتل والذبح والإغتصاب والتهجير، ركبوا موجة الجُنون التي تهتّكَ بسببها بلدٌ جميل وتنكروا لتعاليمهم ورفضوا إدارة خَدّهمُ الأيسر وفضلوا عالمَ المِخلب والناب وروحيّة القراصِنة ومنطِقَ العِصابة، فليسَ مُستغرباً ان يكونَ دهاقِنةُ التطهير الفئوي اللبناني - في سوادِهِمُ الأعظم - ذوي خلفياتٍ دينية مُتزمّتة تركوا الوعظ واحترفوا التبشيرَ بالنقاء العرقي او الديني او المذهبي في مناطِقِهم المنكوبة وأضفوا بتعاليمهم المأزومة مشهداً أُخروياً على أنقاض وطنٍ مُمزّق حتى أصبح الاحتكامُ للبُندُقية شائِعاً في ثقافةِ هذا البلد المُتعدد الوجوه والجماعاتْ، والتعسكرُ سمةٌ يصعُبُ طَمسُها، والإستقواءُ بالأجنبي ظاهرةٌ لصيقةُ دائِمة، وعلى عواهِن الأتفاق الهَزيل الذي هُندِسَ خارج الخرائب اللبنانية، ورُغمَ إدراكِهم هَشاشةَ السِلمِ الأهلي المُصطنع، تَنفّسَ اللُبنانيونَ الصَعداء، فلقد كانوا توّاقينَ لِتَنسّمِ هواءٍ طَلِقٍ خالٍ من دُخانِ الحرائِقِ الخانِقِ وروائِحِ الجُثث المُتحللة، وبأمسّ الحاجة الى مُجرّد الشعورِ بأنهم لا زالوا على قيد الحياة، فهل استوعبَ اللبنانيونَ الدرس؟ وَهل تفقدوا ثَمرةَ حصادِهُمُ المُرْ؟ وهل أدركوا أن حكايَتهم الأليمة مع الطائِفية السياسية بقناعِها الديني المُتعصّب اضحتْ مرجعية أكاديمية وَفصلاً إجبارياً في التاريخ المُعاصِر؟ وَلَئن طُمِرَ الفينيقُ اللُبناني في رمادِ الحرب، فهل سينجح في الانبعاث منهُ مُجدداً ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد