الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين الحقيقة في ما يكتب و يقال عن كركوك ؟ قراءة في وثائق حكومية رسمية

جبار قادر

2004 / 11 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كثيرا ما تردد صفحات الأنترنيت و بعض الصحف العربية و التركية فضلا عن القنوات الفضائية العربية أخبارا و معلومات و تقارير صحفية مشوهة و بعيدة عن الواقع عن كركوك المدينة و المحافظة . و كثيرا ما تتجاوز هذه التقارير الأوضاع الحالية التي تعيش في ظلها المحافظة لتتناول الجوانب التاريخية و السكانية و الثقافية المتعلقة بهذه المنطقة .
يبدو أن قدر سكان هذه المحافظة الذين عانوا الأمرين على أيدي البعث خلال العقود الأربعة الماضية ، يأبى أن يتركهم لشأنهم دون أن يريهم شيئا من ( نعم !) فلول البعث ورفاقهم من الجزارين القادمين من أشد زوايا التاريخ عتمة . لعل من أغرب الأمور أن يحيط بهؤلاء الكائنات الخرافية شلة من الأفاقين و المغامرين السياسيين ممن يزعمون أنهم ( يناضلون !) من أجل حقوق هذه الفئة أو تلك من المكونات الرئيسية لسكان كركوك .
يقوم هؤلاء الى جانب قيامهم بتوفير الدعم اللوجستي للأرهابيين بالعمل على صعيد آخر و هو نشر الأخبار الملفقة و التحليلات الساذجة في وسائل الأعلام العربية المستعدة دوما لنشر كل ماهو غير عقلاني و واقعي عن العراق و الكرد على وجه الخصوص .
لقد حاولت جهات عديدة داخلية و خارجية زرع بذور الفتنة بين سكان هذه المحافظة . ولعبت القنوات الفضائية الشوفينية و الطائفية دورا تحريضيا كبيرا في تعقيد أوضاع المدينة و بث الأخبار الملفقة و التقارير الصحفية البعيدة عن الواقع . من المفرح حقا أن هذه المخططات الشريرة إصطدمت بجدار متين من روح التسامح و التسامي التي تطبع بها و تربى عليها سكان كركوك الأصليين .
ولعل من أكثر القضايا التي أثيرت حولها الكثير من المزاعم و نشرت بصددها الأخبار و التقارير الملفقة هي مأساة الكرد المرحلين من المدينة أو المحافظة على أيدي سلطات البعث و عودة بعضهم إليها بعد سقوط النظام البعث . فمن مزاعم عن تكريد المدينة و التحكم بالأدارة فيها الى الحديث عن وجود مخططات لدى القيادات الكردية لدفع عشرات الآلاف من الكرد من غير أبناء المدينة و المحافظة إليها و شراء الأراضي و العقارات ، بل وصلت الفنظازيا بالبعض الى الحديث عن جلب عدد كبير من الكرد من البلدان المجاورة للسكن في كركوك .
لقد أثبتت التجربة بأن حبل الكذب قصير و أظهرت الحقائق على الأرض بأن عدد صغير جدا من المرحلين الكرد عادوا الى كركوك و يعيشون حياة بائسة تحت الخيام لا يحسدهم عليها أحد . كما أظهرت الأحصائيات المنشورة في أكثر من موقع بأن الموظفين الكرد لا زالوا يشكلون نسبة صغيرة جدا في الدوائر و المؤسسات الرسمية في كركوك. و الأنكى من ذلك أن التعيينات متوقفة في كركوك نفسها ، في حين ترسل الوزارات العراقية بصورة مستمرة قوائم بالموظفين الجدد من غير أبناء المحافظة للعمل في دوائرها . يحق للمرء أن يشكك بنوايا بعض الدوائر الحكومية التي تتبنى مثل هذه السياسات . لقد دشن البريطانيون أسس هذه السياسة في العشرينات و سارت عليها الحكومات العراقية المتعاقبة لترتقي على أيدي البعثيين الى مستوى التطهير العرقي . أيعني هذا بأن حكامنا الجدد يمارسون نفس السياسة بأسلوب حضاري و بعيدا عن العنف والأساليب القسرية ؟.
و تبقى ردود فعل القيادات الكردية على التصرفات الحكومية هذه في إطار التصريحات الصحفية الرنانة الهادفة الى إمتصاص النقمة الشعبية المتصاعدة بين المواطنين الكرد على سياساتها خلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام . وصل الأمر بالقيادات الكردية أن تجامل القوى القومية الغير ديموقراطية في العراق و تتخلى حتى عن تسمية السياسات البعثية بأسمائها الحقيقة . فبدلا من التمسك بمبدأ إزالة آثار سياسات التطهير العرقي و التعريب في قانون إدارة الدولة و في الخطاب السياسي إرتضت بعبارة ( تطبيع الأوضاع ) المطاطية التي لا تعبر أبدا عن كارثية سياسات البعث بحق الكرد .
عود الى موضوع المرحلين الكرد من كركوك . هناك أطنان من الوثائق الحكومية التي تظهر حقيقة هذه المأساة الأنسانية . و هناك المئات من القوانين و القرارات الصادرة من ما كان يسمى ب( مجلس قيادة الثورة ) منشورة في جريدة الوقائع العراقية الرسمية و التي توضح بشكل لا لبس فيها حجم هذه الكارثة . ويعني هذا أن لجوء البعض الى نشر المزاعم و الأكاذيب بصدد المرحلين الكرد هنا و هناك لن يستطيع أن يغير من الحقيقة . تظهر هذه التصرفات قصر نظر هذا البعض و فقره الثقافي و مراهقته السياسية.
و هنا أيضا يجب توجيه النقد الشديد للقيادات الكردية لأهمالها لهذا الأمر و عدم دعمها لفكرة فتح مراكز متخصصة لجمع و أرشفة و دراسة الوثائق المتعلقة بسياسات البعث الخاصة بعمليات التعريب و التطهير العرقي و الأبادة الجماعية. لقد إنشغلت هذه القيادات بدلا من ذلك وكما هو ديدن القيادات السياسية في الشرق الأوسط بتنظيم المهرجانات و المؤتمرات الأعلامية الصاخبة التي لم تسفر عن شئ يذكر . لعلني أدرك جيدا بأن طرحي للأمور بهذه الطريقة قد يثير بعض كتبة الديوان من ( الأعلاميين و المثقفين !!) الكرد للرد علي و إتهامي بالأساءة الى ( الرموز الوطنية و القضية الكردية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا و تجربتنا الفتية !!) ، ولكنني أؤمن بحقيقة أهم و هي أن الشعب الذي لا يستطيع إنتقاد قادته السياسيين لا يمكن أن يكون شعبا حرا أبدا .
لقد آليت على نفسي أن لا أعقب على كتابات تفتقر الى الموضوعية في تناولها للقضايا المثيرة الجدل . ولكننا أمام هذا الأصرار الغريب على تشويه الحقائق نجد أنفسنا مرغمين على تناول الموضوع مرة أخرى لطرح الحقائق الدامغة المتعلقة بالأمر .
لقد وقعت عيناي مرات عديدة و تطرق الى سمعي أيضا بعض الأرقام عن المرحلين الكرد يبثها هنا و هناك أناس ينتمون الى بعض التجمعات السياسية الكاريكاتيرية التي ظهر منها الكثير بعد زوال حكم صدام حسين . فمنهم من يحدد الرقم بأكثر من عشرة آلاف شخص بقليل ومنهم من يتكرم علينا بعدة آلاف أخرى . وكالعادة لا يستند هؤلاء في مزاعمهم على أية معطيات إحصائية أو وثائق رسمية . ولابد أن هذا البعض يعرف جيدا بأن 779 قرية و قصبة كردية تابعة لمحافظة كركوك جرى تدميرها و إزالتها وفق الوثائق الرسمية الحكومية ، و أصبح سكانها بين مرحل الى خارج المحافظة أو مؤنفل سكن القبور الجماعية . كما أنهم يعرفون حتما بأن سياسات الترحيل البعثية للكرد من كركوك بدأت منذ عام 1963 و لم تتوقف إلا في نيسان من عام 2003 . و لا يمكنني حتى التصور بأن احدا من هؤلاء لا يعرف شخصيا عددا من الكرد الذين جرى ترحيلهم أمام عينيه . الغريب في الأمر أنهم لا يترددون ، عندما يتعلق بالأمر بغير الكرد ، في الحديث عن ترحيل عدة الآف مواطن من قرية واحدة فقط .
لست ممن يؤمنون بأن مثل هذا الكلام يمكن أن يعيد هؤلاء الى تحكيم عقولهم و ضمائرهم عندما يتحدثون عن مثل هذه الأمور . لأنهم يقومون بنشر هذه المزاعم وفق خطط سياسية لقوى أجنبية و يتلقون لقاء عملهم هذا دعما ماديا و معنويا منها . لذلك نعود الى الوثائق الحكومية لتتحدث عن نفسها و تدحض تلك المزاعم و تظهر الحقائق لمن يود حقا الأطلاع عليها . ومن المؤسف أن لا يدرك هذه الفئة الصغيرة بأنها بتعاملها بهذه الطريقة الظالمة مع مآسي و آلام المنكوبين لا يمكن إلا أن تثير نقمة و غضب الأخيرين و تتسبب في إحداث شروخ عميقة بين أبناء المدينة الواحدة ستحتاج الأجيال القادمة الى سنين طويلة لردمها و إزالة آثارها .
سنشير الى وثيقة واحدة تغطي فترة شهرين من عام 1998 و تظهر بأن عدد المرحلين من كرد كركوك خلال تلك الفترة القصيرة يتجاوز الرقم الذي يشير إليه هؤلاء . تشير الوثيقة الصادرة من ديوان محافظة ( التأميم ) تحت عدد : 301433 و بتاريخ 12 / 1 / 1998 الى كتاب ديوان الرئاسة الخاص بالتقسيمات الجغرافية وقطاعاتها و قوانين السكن . كما تشير الى الظروف الأمنية البالغة الأهمية و الموقع الجغرافي المهم لكركوك . و تطالب الوثيقة مؤسسات الدولة و الحزب في كركوك بالتطبيق الحرفي لفقرات كتاب ديوان الرئاسة . يبدو أن كتاب ديوان الرئاسة قد نص على التعليمات الواجب تنفيذها للتعامل مع المواطنيين الكرد من أبناء المحافظة مثل :حجز شخص من كل عائلة كردية مرحلة و حجز دورهم و بطاقاتهم التموينية و كذلك قسائم الأشتراكات في الدوائر الرسمية . ونصت الوثيقة على ضرورة إعلام مسؤولي أمن المنطقة و الحزب للقطاع المشمول و مختار المنطقة بكتب رسمية مع إتباع النظام المنصوص عليه في كتاب ديوان الرئاسة . وأرسلت نسخ من الكتاب الى المحافظة ، مسؤول أمن المنطقة ، مختار المنطقة و المسؤول الحزبي في المنطقة .
الأهم من هذا و ذاك تورد الوثيقة معلومات مفصلة عن هذه الوجبة من المرحلين الكرد من كركوك خلال الفترة من 15 / 4 / 1998 - 15 / 6 / 1998 البالغ عددهم ( 1468 ) عائلة مع ذكر عدد العوائل المرحلة من كل حي من أحياء المدينة . و بحسابات بسيطة لعدد أفراد هذه المجموعة مع أخذ حجم العائلة الكردية بنظر الأعتبار سنجد بأن عدد أفراد هذه الوجبة لوحدها تتجاوز الأرقام التي تتدوالها تلك الجهات المشبوهة .
تشير الوثيقة الى الأحياء التي جرى ترحيل هؤلاء منها و التي تسميها بالقواطع ، وهي تسمية نابعة من عسكرة المجتمع التي فرضها البعث على البلاد و حولت الأحياء الى قواطع عسكرية و المواطنين الى مجندين في صفوف القطعات العسكرية أو عناصر في صفوف القوى المعادية لها .
لقد جرى ترحيل هؤلاء الكرد من الأحياء ( القواطع ) التالية :
حي العسكري (2 )/ - 143 عائلة . طريق بغداد / 12 عائلة . حي الإسكان ( جرى بناء هذا الحي في عهد عبدالكريم قاسم لأسكان العمال و صغار الموظفين فيها و تحول الى حي كبير سكنه الكرد بالدرجة الأساسية ) / 150 عائلة . الحرية / 234 عائلة . المصلى / 3 عائلة ( كذا في الوثيقة ) . القورية / 32 عائلة . شورجة / 321 عائلة . الأندلس ( لقد تذكر البعث في كركوك فقدان العرب للأندلس و أراد أن يعوض ذلك بإطلاق إسم الأندلس على حي رحيم ئاوا الكردي ) / 401 عائلة . إمام قاسم (1 ) / 74 عائلة. إمام قاسم (2 ) / 66 عائلة . آخي حسين / 2 عائلة . صاري كهية / 22 عائلة . حي الخضراء / 2 عائلة . حي العسكري (1 ) / 6 عائلة .
وهكذا تظهر هذه الوثيقة و بجلاء المديات المرعبة لسياسات الترحيل البعثية بحق الكرد في كركوك و غيرها . و لايمكن للمزاعم التي تتداولها تلك التجمعات السياسية و وسائل الأعلام المعادية لتطلعات الكرد المشروعة أن تحجب هذه الحقائق عن الناس .
وكانت سياسات الترحيل و التطهير العراقي يومية تقريبا على مدى سنوات الحكم البعثي . فقد وردت في برقية سرية و فورية صادرة من وزارة الداخلية / الأستخبارات بعدد 18640 بتاريخ 22/ 6 /2001 الى محافظة التأميم / الأستخبارات ما نصه ( تنسب قيامكم بالأشراف المباشر على عمليات الترحيل في المحافظة و بالأخص العوائل الكردية التي عليها مؤشر أمني فقط و أرسال موقف يومي بكل حالة ترحيل ليتسنى لنا عرضها أمام السيد الوزير المحترم . للتنفيذ و بكل دقة و إعلامنا إجراءاتكم . إنتهت . المرسل هادي جوحي / الداخلية . المستلم / محمد عباس / التأميم. الوقت / 1650 . الوسيلة السايكروفون المجفر ) .
وهكذا تريد وزارة الداخلية أن تشرف الأستخبارات دون غيرها على ترحيل العوائل التي عليها مؤشرات أمنية و بإطلاع مباشر من وزير الداخلية شخصيا .
و تشير وثيقة أخرى ( عدد 589 بتاريخ 16 / 8 / 1997 ) ، مذيلة بتوقيع الفريق الأول الركن أياد فتيح خليف ( محافظ التأميم ) ، الى حصول موافقة نائب رئيس الجمهورية و رئيس لجنة شؤون الشمال على تسجيل الدور المبينة أرقامها و أسماء أصحابها المرحلين بأسماء المستفيدين ( العرب الوافدين الى كركوك ) . وتتضمن القائمة المرفقة بهذا الكتاب الرسمي أسماء 29 كرديا مرحلا مع أرقام الدور المسجلة بأسمائهم مع أسماء الوافدين العرب الذين وزعت هذه البيوت عليهم دون أي وجه حق (*).
من المؤسف أن نجد من بين العراقيين من يتطوع للدفاع عن هذا الظلم التأريخي من خلال الزعم بأن من حق المواطن أن يعيش و يسكن أينما يرغب في العراق . وهذا الكلام حق يراد بها باطل . لا يمكن أن تدعو الناس الى القبول بالظلم عبر الحديث عن الأخوة و المواطنة . العدالة تقضي بإعادة الحقوق الى أصحابها و من ثم دعوة الناس الى التصافي و المحبة .
(*) يمكن الأطلاع على الصور الأصلية لهذه الوثائق و عشرات غيرها في كتاب الباحث الكردي شورش حاجي ، تعريب كركوك في ثنايا ثمانين وثيقة ، دار الحكمة ، لندن 2004 ( باللغة الكردية ) . لقد نشر الباحث صورا مستنسخة عن هذه الوثائق بلغتها الأصلية أي العربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة