الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاظم الحجاج.. مرثية توماس اديسون

عبدالمنعم الاعسم

2011 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


كاظم الحجاج..
مرثية توماس اديسون

اعرف ان حياة كاظم الحجاج لا تعني شيئا بالنسبة لاولئك الذين يمعنون في معاقبة الملايين بحرمانها من الكهرباء، وربما، صاروا يتسلون بإقدام شاعر رائد، عميق الاحساس بمحنة اهله ومواطنيه، على قتل نفسه جوعا اذا لم يفرج "اولي الامر"عن حق الملايين في الحصول على "نعمة" الكهرباء التي يتصرفون بها، ويتعسفون في ادارة خدماتها، ويتقاذفون التهم والشتائم والصفقات من على الشاشات الملونة متجاهلين مكابدة بشر يعيشون في افران خانقة، فيما يعربد في المدينة، وفي كل العراق، صيف لهّاب لا سابق لقسوته.
واعرف ان توماس اديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي قبل مائة واربع وعشرين سنة، ويسّره الى كل منزل ومشغل ومشفى، لم يكن ليعتقد ان مدينة مثل البصرة التي تملك ثروات تؤمن انارة قارة كاملة، تنام على ظلام دامس عاما بعد عام، ووعودا بعد وعود، وعقودا زائفة مع شركات موهومة بعد عقود، فيما صيف هذا العام يعربد في منازلها، ويموت فيها اطفال وشيوخ كثيرون، وعلى مدار الساعة.
لم يكن كاظم الحجاج يملك غير حياته وفضلة العمر التي بين يديه لكي يهدد بها المتغافلين عن محنة ابناء شعبه من ابسط لوازم الحياة، المستهترين بمصائر سكان الصرايف والعائلات الفقيرة، الواهمين باننا نصدق رواياتهم عن الاحتباس الحراري واعتلال شبكات الكهراباء، وهو لا يجهل المهمة الشاقة التي اخذها على نفسه، ومن يعرف كاظم الحجاج يتذكر انه لا يعبث بمواقفه، وانه ابن بار لقضية الشعر والانسان، لا يعرضهما للبيع او الدعاية، ولا يزجهما في معارك صوفية، وقد جربته الحياة والقصيدة فكان صادقا ومرهفا ونبيلا وفارسا بكل المعايير.
كاظم الحجاج يعرف لعبة السياسة التي انتجت مهربين محترفين كما يعرف ان موازين القوى لا تسمح باشعال عود ثقاب في منطقة مزحمة بحقول النفط، لكنه يغامر ان يلوح لهم بخزين الغضب الذي يهدد بالاشتعال.
لقد اضرب الشاعر البصري الرائد كاظم الحجاج عن الطعام في منزله بمدينة البصرة، حتى الموت، احتجاجا على عدم توفير الكهرباء لملايين من العائلات في البصرة وفي كل مدن العراق التي تعيش تحت رحمة حر يتجاوز حدود الاحتمال، ورسالته فصيحة ومدوية بكل المعاني: انهم يعاقبونا، ويحوّلون سكوتنا الى صفقات واموال طائلة يهربونها الى خارج الحدود باكياس الزبالة، ونداؤه بليغ بوجوب التخلي عن الصمت والتفرج على هذه المهزلة التي تنفذ على مسرح العراق، وحين يقتدر على الامتناع عن تناول الطعام حتى الموت فانه وصل الى تلك النقطة التي فاض فيها صبره وانتظاره، وترك القضية لنا لكي نجبر اصحاب المهزلة على الكف عن اهانتنا، وليوفروا لاهلنا الكهرباء من بعض ما يسرقون..
ولكي ننقذ حياته.
*
"مراقبة الالم من وراء الزجاج شئ مضحك، كالاطرش الذي يسمع الموسيقى".
محمد الماغوط
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفساد والحر
رعد الحافظ ( 2011 / 8 / 7 - 13:42 )
مع أنّ كثير من الناس يموتون بسبب وصول حرارة الجو الى 35 مئوي في أوربا خصوصاً في إسبانيا وإيطاليا , بينما يموت بعض الروس عند درجة أقل
ومع أنّ الإنسان العراقي الواقع تحت رحمة مدار السرطان الأسخن صيفاً في كل بقاع العالم وتصل حرارته الى 55 مئوي بينما حتى في خط الاستواء لاتتجاوز ال 40 نظراً للرطوبة والأمطار
مع كل تلك الطبيعة القاسية , والتي عوّضت بثروات نفطية كان يجب إستغلالها بتحويل البلد الى غابات طبيعية وجنّات تجري من تحتها الأنهار الطبيعية والصناعية
لكن نجد الفساد السياسي إستهلك على الأقل 27 مليار دولار في الكهرباء حسب الارقام الحكوميّة بلا أدنى أثر أو نتيجة على الأرض , وآخر تلك الفسادات
وزير العراقية رعد شلال قبل يومين
للعلم أيضاً بتقسيم مبلغ 27 مليار على 600 مليون دولار وهو كامل ثمن بناء مدينة البصرة الرياضية لأجل خليجي القادم عام 2013 فسينتج الرقم 45 الذي يعني
نستطيع فقط بالأموال المسروقة في مجال الكهرباء بناء 45 مدينة رياضية عملاقة مع كامل ملحقاتها وتوزيعها على جميع العراق حسب النفوس
تصوروا مثلاً في مدينة الثورة فقط ستنشيء 4 مدن أو خمسة ربّما ؟
فمتى سنتخلص من الفساد والحرّ ؟

اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا: المتظاهرون في تحدٍّ للموعد النهائي لمغادرة ا


.. بعد ارتفاع أسعار الأسماك.. حملات مقاطعة بمدينة بورسعيد | بي




.. هل تنخفض أسعار السلع الغذائية في مصر بعد تراجع سعر الصرف| بي


.. آخر مستجدات العلاقات المصرية التركية | بي بي سي نيوز عربي




.. كيف يمكن أن تستفيد مصر من الذكاء الاصطناعي في القطاعات الخدم