الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية بين الديمقراطية العلمانية والمحافظة

جورج كتن

2004 / 11 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ضمن الهامش الضيق لحرية التعبير عن الرأي في سوريا، تعمل معارضة محدودة الفعالية أغلبها من بقايا الأحزاب القومية والماركسية والإسلامية التي خرجت محطمة بعد أربعة عقود من حجز الحريات. أزمة هذه المعارضة ليس في محدوديتها، ولكن في أن معظم أطرافها لم تستطع حتى الآن الخروج من شرنقة مفاهيمها وأيديولوجياتها التي عفا عليها الزمن، فالعالم تغير بصورة متسارعة بحيث حشر التيارات الثلاث في دور المعيق للتقدم، فهي رغم فشلها المتوالي وانهيار مشاريعها وبرامجها، تستمر في رفض الجديد ومعاداته، وحراسة العقائد والأصول والثوابت، التي إن كانت مناسبة في وقتها، فإنها أصبحت محافظة ومانعة لفهم الوقائع والحقائق الجديدة للقرن الحادي والعشرين، ولوضع البرامج الملائمة.
المحافظون الجدد في المعارضة السورية ينفون المتغيرات الدولية لتثبيت قناعاتهم القديمة، فإذا كانت وقائع لا يمكن نكرانها أرجعوها لنظرية المؤامرة، فهم محاصرون بثوابتهم يتعاملون مع الواقع على أنه أمر يمكن قبوله أو رفضه بناء على مرجعية أيديولوجية، بينما المنطق يقتضي اتخاذ المواقف بعيداً عن النصوص المسبقة. وهم يفضلون أن يعزوا فشل برامجهم للتدخل الخارجي، فيفسرون العولمة على أنها هيمنة عالمية، لذلك تحول بعض اليساريين المعارضين للتجمع ل"مناهضة العولمة" كعدو إمبريالي حسب مفاهيم الحرب الباردة لتحالف "البلدان الاشتراكية وحركات التحرر الوطني والحركة العمالية الدولية"، الذي أصبح في خبر كان، فهم يرفضون الفكر الإنساني الغربي الداعي لاحترام حقوق الإنسان والجماعات، وللديمقراطية والعلمانية وإنهاء الحروب وحل الصراعات بالطرق السلمية ولاقتصاد السوق والضمانات الاجتماعية...انتشار هذه الحقائق يعتبرونه غزواً ثقافياً، والعولمة "ليبرالية جديدة"، أي كارثة حسب مذاهبهم، وهم آخر من يعلم أنها معطى واقعي وتحول تاريخي غير مسبوق سيغير الكون والبشرية، فالتسلح بأيديولوجياتهم لن يوقف غزو العولمة الحضاري بل سيؤدي لمزيد من عجزهم أمامها.
أحزاب يسارية أخرى احتفلت بمرور 80 عاماً على تأسيسها، أي بتراكم السنين مع التغاضي عن تراكم الفشل، ففي كلمة لأحد قيادييها، الذي يقف بين المعارضة والنظام، يستمر إنتاج خطاب الخمسينات عن "الأزمة المستعصية للإمبريالية " مما يذكر ب"الأزمة الرأسمالية الشاملة في عهد انتصار الاشتراكية الناجز"، مع رفض "تغيير بنية الدول وذهنية الشعوب" –حسب الكلمة-، ورفض اقتصاد السوق، والتمسك بهيمنة الدولة على الاقتصاد الذي ثبت فشله واعترف الجميع بفساده، بعد أن أدى لانتفاضات شعوب الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية للتخلص من "فردوس" رأسمالية الدولة المسماة اشتراكية. اقتصاد السوق الحر حسب القيادي الذي يدعو "لوحدة الشيوعيين السوريين"، يؤدي للدمار الشامل، وهو إغلاق لعين عن التقدم الشامل للغرب في ظل اقتصاد السوق، وإغلاق للعين الأخرى عن الدمار الشامل الذي أدى إليه اقتصاد القطاع العام.
أما الحريات التي يدعو إليها القيادي فهي حصراً "التي تدمج حركة المجتمع في تيار حل المسائل المعقدة والمصيرية التي لها علاقة بالوحدة الوطنية" وليس بشيء أخر، فالأولوية لمواجهة الإمبريالية كما في الخمسينات، وليس لضرورة الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي يضع كل القضايا في يد أصحابها. والقيادي يرى أن قوة البلد ليس في مواطنيه الأحرار، بل في "تاريخه وتراثه وفي عدم التنازل عن ثوابته"، أي في ماضيه وليس في حاضره ومستقبله، ففي التاريخ القديم صنع العرب حضارتهم باستيعاب الحضارات الناجحة المعاصرة لهم، وراكموا فوقها إبداعاتهم، فانتشرت في أرجاء العالم لنجاحها، ومن البديهي أنها لم تعد صالحة لزمننا.أما "عين العقل" حالياً فهو أخذ الحضارة الغربية الناجحة للنهوض بمجتمعاتنا المتخلفة،.بينما القيادي يحرض ضد كل من يطرح أفكاراً جديدة، خاصة الليبراليين منهم "لخطرهم على الأمن والسلامة الوطنية" حسب أيديولوجيته القديمة.
ويتمسك تيار آخر في المعارضة السورية بالأفكار القومية ويستمر في الدعاية للوحدة العربية "والناس راجعة"، وهو الشعار الملازم منذ قرن للفشل والهزائم، فالخطاب الناصري في سوريا " يلتزم بالمنظور الفكري والسياسي وبالنهج الاستراتيجي لثورة عبد الناصر".مع ممارسة النقد "للقصور الديمقراطي في الناصرية". يفهم من هذا تحسين أداء صيغة الحزب الواحد التي هي جوهر النهج الاستراتيجي للناصرية، وإلا كيف يمكن التوفيق بين الالتزام بالنهج الناصري في برنامج "الاتحاد الاشتراكي" ورفض الحزب الواحد دون إثارة الشك في أن البرنامج الحالي ليس أكثر من دعوة لتغييرات شكلية في النظام، أي لتبديل وجوه وليس سياسات.
كما تجاهل "الاتحاد الاشتراكي" في برنامجه العلمانية رغم إنها من المكونات الأساسية للديمقراطية، فجعل الفكر الديني –بعد إصلاحه-، "من أهم عوامل النهوض والتقدم" بحيث تتحول القومية العلمانية، إلى عروبة محافظة موشحة بالإسلامية. وتظهر هذه السياسة بشكل خاص في دعم المسلحين الأصوليين في العراق وتسمية أعمالهم "مقاومة" وخاصة في البيان الأخير "للتجمع الوطني الديمقراطي" المعارض الذي أشاد ببيان لدعاة إسلاميين سعوديين حللوا خطف وقتل المدنيين من دول تشارك في القوة المتعددة الجنسية البالغة حوالي ثلاثين دولة. رغم أن بيان سابق للتجمع في آب يدين الاعتداء على الكنائس والمساجد والحسينيات وخطف وقتل المواطنين والمدنيين العزل وأفراد الشرطة وتدمير الأماكن العامة.. ويعتبر ذلك مساراً دموياً عدمياً وتشويهاً لسمعة مقاومة "حقيقية"، رغم أنه مسار ينطبق على مجمل أعمال المسلحين.
لا نعلم إن كان التناقض بين البيانين هو بسبب وجود أطراف وآراء مختلفة في التجمع، أم أن البيان الأخير حسم الخلاف بمؤازرة الإرهاب السلفي؟. إن عدم الوقوف وراء دعم العملية السياسية الديمقراطية في العراق وخاصة استحقاقها الانتخابي في كانون الثاني القادم يضع ظلالاً من الشك حول مدى صدقية التوجه الديمقراطي للناصرية السورية، ونأمل إلا تصدر بيانات جديدة تشيد ببيان " جيش أنصار السنة" الذي كفر ودعا لقتل من سيترشح أو سيقترع في انتخابات تقررها "قوانين وضعية!"، أي أنه هدد بقتل غالبية الشعب العراقي.
وإذا كان صحيحاً أن الإصلاح السياسي والانتقال للديمقراطية وإنهاء هيمنة الحزب الواحد الذي يطرحه الناصريون هو ضمانة لمواجهة التدخل الخارجي، فأن السياسات المعتدلة والدعوة للحوار والتسويات مع القوى العالمية التي يتبعها النظام، هي الأكثر عقلانية، علماً بأنها وحدها لاتكفي إن لم تعززها المشاركة الشعبية التي تتحقق بأوسع الحريات، بينما الناصريون يزاودون –في كلمة الأمين العام للاتحاد الاشتراكي في ذكرى 23 تموز-: على النظام بدعوته لتحرير العراق وفلسطين، مع نسيان الجولان، وعلى المصريين والأردنيين والفلسطينيين والعرب إجمالاً، في رفض أية تسويات أو معاهدات حصلت أو ستحصل تنهي الصراع العربي- الإسرائيلي باعتباره صراع وجود –من برنامج التجمع-. كما تعالت الهتافات في الاحتفال بالذكرى لفك أسر الرئيس العراقي البطل القومي السابق، كما دعا الأمين العام في كلمته لامتلاك العرب لأسلحة الدمار الشامل واعتبر تخلي ليبيا عنها استسلاماً، وهي دعوة إلى جانب تجاهلها للمتغيرات العالمية، لا تكلف شيئاً طالما أنها مجرد كلام من وراء المنصة.
الطيف السياسي للمعارضة السورية لا يقتصر على من ذكر، فهناك مشروع "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" الذي طرح موضوعاته التي تسعى لمواكبة العصر، إلا أن العملية لم تنجز بعد داخل الحزب بانتظار ما سيسفر عنه مؤتمره المأمول. بالإضافة إلى"لجان إحياء المجتمع المدني" التي أصدرت ثلاث وثائق تأسيسية، والإسلام السياسي، والأحزاب الكردية وغيرها...
سنكتفي حالياً، علماً بأن ما نقصده من نقد مواقف المعارضة السورية دفعها لإعادة النظر في سياساتها التي لا تلائم الواقع، ليكون لها دوراً في الإصلاح والتغيير الديمقراطي القادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرة إيرانية تفشل في الهبوط في مطار بيروت بعد مقتل نصر الله


.. كيف يتلقى أطفال غزة التعليم في مصر؟




.. مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله : بطولات و انتكاسات و مصير م


.. من هو حسن نصر الله ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اغتيال نصر الله: نحو مشهد إقليمي جديد؟ • فرانس 24 / FRANCE 2