الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القانون المانع للأحزاب في سوريا

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2011 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لم تعرف سوريا في تاريخها الحديث قانوناً للأحزاب السياسية ينظم المشاركة السياسية في البلاد ويعبِّر عن التعددية السياسية الطبيعية المفترض وجودها في كل مجتمع إنساني, وكان طبيعياً وفاقاً لذلك رؤية العشرات لا بل المئات من السوريين يُصَار إلى اعتقالهم ومن ثم محاكمتهم لاحقاً أمام قضاء الاستثناء السوري والمحاكم الأخرى غير المستقلة بتهمة الانتساب إلى تنظيم سياسي محظور وغيرَ مُرخص, تنفيذاً لمضمون المادة 288 من قانون العقوبات السوري النافذ منذ 1949.

مؤخراً فقط, بعد قرابة خمسة أشهر من انطلاق ربيع سوريا أقرَّت حكومة عادل سفر قانون الأحزاب في صيغته النهائية, وصدر بموجب مرسوم تشريعي في الخميس 4 يوليو, وكان لافتاً أن السلطة السورية هي التي شكلت لجنة صياغة قانون الأحزاب, وكان أعضاء اللجنة عبارة عن خلطة سحرية من الموالين للسلطة والمحسوبين عليها والمنتفعين منها, ولم تشرك تلكم اللجنة في إعدادها لمشروع القانون وجوهاً معارضة لخطاب السلطة, بل مارست عملها انطلاقاً من البداهة المعروفة في سوريا البوليسية : " الكلمة الفصل للنظام الحاكم". كان يمكن مثلاً إشراك المنظمات الحقوقية السورية العديدة في عملية صياغة قانون الأحزاب, وكذلك قيادات حزبية سورية من الوسط المعارض, كونها معنية بالقانون الذي سينظم الحراك السياسي بشكل قانوني في سوريا, وقد لمحت السلطة بداية إلى ذلك ( قبل تشكيل لجنة صياغة قانون الأحزاب ) ولكنها لم تفعل, بل أصرَّت فيما يتعلق بصياغة قانون الأحزاب وجملة القوانين الأخرى التي صدرت في الآونة الأخيرة من عمر الأزمة السورية على المًضيِّ قُدماً في نهجها الأحادي وتقديم الحلول الأحادية للسوريين, وكأن السلطة هي البالغُ الراشدُ الوحيد على الأرض السورية, وما عداها مجموعة من القاصرين سياسياً وثقافياً وقانونياً, بناءً على ذلك فإن قانون الأحزاب صادرٌ عن الفهم الأبوي السلطوي للمسائل, وهو فهمٌ ابتساري واختزالي لا يراعي سوى مصلحة مكونات السلطة.

قانون الأحزاب بصيغته النهائية, المقر من الحكومة السورية, والصادر بالمرسوم التشريعي رقم / 100 / لعام 2011 سيكون الأرضية القانونية الناظمة لولادة الأحزاب والتنظيمات السياسية في سوريا, ولكن بقراءة دقيقة لنصوص مواده نلاحظ أنه يمنع فعلياً الأحزاب من الظهور, وفي حال ظهورها هنالك العديد من المواد التي تضع العصي في عجلاتها, وفي سوريا اليوم فإن الحزب الوحيد المستفيد من نصوص مواد القانون هو حزب البعث الحاكم, إذ أن القانون مُفصَّلٌ على مقاسه, وتحتاج نُويّات الأحزاب الأخرى التي ستبحث عن الترخيص إلى المزيد من اللهاث والسنوات الضوئية حتى الوصول إليه. إذ ينبغي على أي حزب يوَّدُ نيل الترخيص ( الالتزام بأحكام الدستور وسيادة القانون واحترام الحريات والحقوق الأساسية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان والاتفاقيات المصادق عليها من الجمهورية العربية السورية ), وهذا يعني أن أي حزب قادم بموجب قانون الأحزاب ليس له غير الإذعان لحاكمية حزب البعث, والتنفس في قاع المشاركة السياسية, أي أن ذلكم الشرط سيجعل من الأحزاب السورية رهينة بيد حزب البعث, ولن تملكَ المناورة إلا في هامش متقلص ومحدود خاضعةً لوصاية الآمر والناهي ( حزب البعث ) تماماً كأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية, وهذا الالتزام بأحكام الدستور السوري النافذ سيجعل الأحزاب مُسلمةً بعدم ترشيح أحد من أعضائها لمنصب رئيس الجمهورية, إذ أن ذلك محصورٌ بحزب البعث فقط.

وإذا كان أحد الشروط يمنع تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو قبلية أو مناطقية أو فئوية أو مهنية أو عرقية, فهل سيتقيد حزب البعث نفسه بهذا الشرط ويحذف كلمة ( العربي ) من اسمه ليصبح ( حزب البعث الاشتراكي ), أم أنه سيستمر ممارساً فوقيته ( فوق القانون, فوق المجتمع ), مع ضرورة التنويه إلى أن الهدف من إدراج هذا الشرط هو الحيلولة دونَ ظهور أحزاب وتنظيمات كوردية تحمل طابعها القومي, ومنع الإخوان المسلمين من الظهور بالتسمية الحالية أو ببرنامج إسلامي النزعة والهوى.
أما المادة السادسة من القانون فتؤجل ولادة الحزب السياسي إلى ما بعد ( استكمال شروط تأسيسه وإجراءاته ), فإذا ما منعت الفكرة المؤسسة للحزب السياسي من الظهور العياني والإشهاري والترويجي في المجتمع السوري ( نصف محافظاته ), فإن ذلك يُعتبرُ بمثابة قص أجنحة للمؤسسين وفكرتهم ومنعهم عملياً من استكمال شروط التأسيس, فلا يُعقل أن يجمع فكر مؤسس لحزب ما مئات الأشخاص في نصف محافظات البلاد وسط ثقافة اللا مبالاة بالشأن العام التي انتشرت في ربوع سوريا لأربعة عقود ونيف, بنتيجة ضغوطات أجهزة السلطة وعقم الأحزاب خارجها, فأي مسعى في هذا الاتجاه هو أشبهُ بإحياء ميت, ولن ينتج الحراك الشعبي الراهن ثقافة الانخراط في الشأن العام إلا في مراحل لاحقة وليس بشكل فوري وآني.

المادة / 12/ من القانون في فقرتها / ب/ هيَ قاصمة الظهر لمشروع تأسيس وترخيص أيما حزب سياسي على الأراضي السورية, لتضمنها شروطاً بروكستية تعجيزية, فهي تشترط أن تكون نسبة الأعضاء المؤسسين في كل محافظة من المحافظات السبع ( نصف محافظات البلاد ) هي 5 بالمئة من تعداد الأعضاء المطلوبين للتأسيس, ويشترط فيهم أن يكونوا مسجلين في سجلات الأحوال المدنية في تلكم المحافظات ( سند الإقامة من المخاتير لن ينفع ), وألا يكونوا منحدرين من مكون سوري واحد, بل من المكونات كافة, بخلاف الوضعية الحالية للأحزاب في سوريا التي تبدو أحزاباً كانتونية منغلقة بإمتياز, وبالتالي فإن أحد الشروط لتأسيس حزب سياسي في سوريا هو أن يكون عابراً للقوميات والطوائف والأقليات, وهذا الشرط يعد أهم شرط مانع لولادة الأحزاب في سوريا.

أيضاً, فإن غالبية من النشطاء السياسيين ونشطاء الشأن العام سيُمنعونَ من تأسيس الأحزاب أو المشاركة في تأسيسها, تنفيذاً لأحد شروط ( قانون حزب البعث للأحزاب ) الذي يقضي في مادته الثامنة – الفقرتان: دال وهاء أن يكون العضو المؤسس المتقدم بطلب الترخيص (متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية وغير محكوم عليه بجناية أو جرم شائن ), وبالتالي فإن غالبية المعتقلين السياسين وسجناء الرأي سابقاً ليسَ بإمكانهم مجرد التفكير بتأسيس حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه.

ولد قانون الأحزاب ميتاً إذن, ورغم التشدق المتكرر من قبل أطراف في السلطة ومحسوبين عليها بعصرية القانون, إلا أنه جاء متخلفاً وبنوايا سيئة مبيتة, وغير استيعابي للمشهد السوري والخصوصية السورية التي تختلف عن مصر وغيرها من البلدان التي نسج القانون السوري للأحزاب على منوال قوانينها, وفاقاً لذلك فإن الرفض الحزبي الكردي والآشوري لمشروع القانون كان متوقعاً وطبيعياً, لاستشعارهم مخاطره على مستقبل حراكهم السياسي الديمقراطي في القادم السوري.

خلاصة, فإن قانون الأحزاب الذي أقر حكومياً وصدر بمرسوم تشريعي رئاسي تمت صياغته وفقاً للمنطق الشهير في الأغنية الشهيرة : ( تعا ولا تجي ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-