الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجلي السياسي للفكر الديني في العراق حالياً

جاسم العايف

2011 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يأخذ التطرق للمسألة الدينية وللإسلام السياسي في العراق خلال المرحلة الراهنة أهميته القصوى ، فالتيارات الإسلامية السياسية بكل أنواعها واتجاهاتها ذات حضور مؤثر في الحياة الاجتماعية- السياسية العراقية ، خاصة بعد سقوط النظام البربري الصدامي. الذي مارس ، ببشاعة لا مثيل لها ، كل أنواع الانتهاكات، ضد شعبه ، وقواه الوطنية ، وجميع مكوناته الاجتماعية ، وهو أول نظام في التاريخ، استخدم الأسلحة المحرمة دولياً ضد أبناء بلده ، خاصة في كردستان ولمرات عدة وكذلك في جنوب العراق. ولتوازنات سياسية دولية (قذرة) ، ومصالح كانت خفية ،صمتت كل القوى الكبرى عالمياً،عن تلك الجرائم أكثر من عقد ، لا بل بعضها ساعده لوجستياً في حصوله عليها وحتى تطويرها, وظل يرعب بها دول الجوار، وشعوب المنطقة . و القوى، الإسلامية- السياسية عامة ، بطبيعة مكوناتها ومرجعياتها الفقهية والفكرية ، فإنها تختص بطائفة واحدة ، من الطوائف التي لا حصر لها في الدين الإسلامي. وهي في العراق حالياً تعلن عن توجهاتها وبرامجها وخطاباتها ، من خلال الدمج بين الإسلام كعقيدة وعبادات وقيم إيمانية أخلاقية وجدانية، وتعمل على الربط بين مشروعها الإسلامي- السياسي والدين وعلى وفق تصورها المتمثل بـ"الدولة الدينية" والتي تعتمد ( أسس الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع)، و مشروعها السياسي- الاجتماعي ينحو لخلق هوية (أسلامية للدولة وأسلمت المجتمع فعلياً) من خلال فرض أنماط معينة للسلوك الاجتماعي ، و طرق الحياة المعيشية الفردية و اليومية الخاصة بالناس . مستندة في رؤاها هذه على الهوية الإسلامية للأغلبية السكانية في العراق ، والتي في حقيقتها ومراميها هوية شعبية متدينة فطرياً ، و وطنية ايجابية وجدانياً ، لا كونها هوية سياسية- دينية ، وذلك لأن الوعي الديني الشعبي وتجلياته في الممارسة الدينية اليومية و الطقوسية ، لا يمكن أن يُفسر بعوامل الإيمان فقط ، بل يميل إلى عوامل ومصالح اجتماعية- سياسية متغيرة دائماً ، وان المسار المعقد والملتبس للعلاقات الاجتماعية ، المتشابكة بعوامل شتى مع المصالح الفئوية والتي تقود بالضرورة للبحث في العوامل الظاهرة ، وهي في حقيقتها خفية وكامنة ، تحت سطح العلاقات الاجتماعية، كون عوامل الصراع المتواصل عبر التاريخ هي على المصالح الاجتماعية ومنافعها ، ولا تنحصر في الهويات- الدينية والفرعية والقناعات الإيمانية فقط ، بل هو صراع اجتماعي يتجلى مظهره الفعلي في الانحياز من أجل مشاريع سياسية-دينية ، مختلفة في الغالب،والصراع هذا، كما يبدو أن مادته (الماضي) إلا انه في واقع الأمر يتعلق بالحاضر لغرض الإمساك به و بـ(المستقبل) أيضاً، ويمكن الاستدلال تاريخياً،على إن المصالح المتغيرة(زمكانياً)، تؤدي إلى البحث في النص الديني (المقدس) ذاته، للي (عنقه بشرياً) لغرض تلبية الإرادات العارمة ،والمصالح البشعة والتي لا حدود لها، لرجال السلطة السياسية وطموحاتهم الدائمة في فرض ذلك (النص)، على الناس ، واستنباط الأحكام منه ، وخضوع بعض رجال الدين لتأسيس أنظمة من الرؤى والأحكام الفقهية البشرية، وبما يلبي وينسجم مع طموحات الحكام في السيطرة على رقاب (الرعية). وأدى ذلك إلى وقوع بعض رجال الدين تحت ضغوط دائمة سلطوية قهرية ونفعية تُطالب وتَسعى من اجل وضع الفقه وتفسيره واستنباط الأحكام ، بشرياً ، منه لخدمة الحكام ورغباتهم وشراهتهم الدائمتين للتحكم في رقاب الناس وإخضاعهم الدائم للسلطة السياسية القائمة أو المتوارثة . ولا يمنع ذلك من وجود بعض علماء الدين ، ممن تمسكوا بإراداتهم الحرة ومفاهيمهم الإنسانية ساعين بجد وإخلاص نادرين ، لتأسيس فقه ديني بشري ، يتفق مع (الإرادة المتعالية)التي خلف (النص المقدس) ذاته ، لغرض الحياة اللائقة على الأرض ولجميع البشر، دون تمييز، باعتبارهم ، وحسب المفهوم الديني ذاته ، (ظلاً) أو (خليفة) على الأرض لتلك الإرادة (المتعالية - المقدسة). ونعتقد انه ، من خلال تجنب النظرة الاستعلائية و العدمية ، للتراث الديني ، ولغرض دفع الأمور باتجاه عقلاني منفتح على منجزات الفكر البشري المتنور، أن لا يصبح الدين ومفاهيمه الإنسانية في دوافعها ومراميها الأساسية، إلى عقائد صورية تقع خارج الزمان والمكان. كما يجب أن لا تتحول الأفكار السياسية- الدينية إلى تبرير دائم، لتوجهات السلطة السياسية ، مهما كان شكلها،أو الجهات التي تقودها، لأنها في الغالب سلطة قامعة، ولمواجهة ذلك ، يجب استيعاب وترسيخ الديمقراطية كقيم وأسلوب حضاري في الحياة اليومية للبشر، وعدم التعامل مع مفهوم الديمقراطية كآليات أو اختزالها في مفهوم الأكثرية والأقلية. إن ضرورة الفهم المتجدد للظاهرة الدينية في مجتمعنا لابد أن تجعلنا ننأى عما هو معروف عن مواقف البعض السلبية تجاهها وخاصة تجلياتها السياسية الراهنة عراقياً. بعد أحداث 11 أيلول الإجرامية ومن خلال أجهزة الإعلام الغربية ، وبعض المفكرين الغربيين، الذين هم وأفكارهم امتداد للتوجهات الاستشراقية- الكولنيالية والمعبرين ، حالياً،عن المصالح الواضحة للفئات المتنفذة في مصادر القرار العليا في تلك الدول، و ذهنيتهم المبنية على (صدام الحضارات) باتوا يؤكدون في أن الإرهاب ملتصقاً بالإسلام والعرب والمسلمين وغدا ذلك يترادف بشكل دائم بأن (الإسلام مساويا ودافعا للعنف) من خلال تأكيد مفهوم ( الإسلام فوبيا) إعلاميا، وأن (العرب والمسلمين مصدراً دائماً للإرهاب) من خلال تعاملهم مع بعض النصوص الإسلامية بقصديه ، وضمن سياق يجرد النص الديني الإسلامي من الواقعة التاريخية المترافقة معه، والباعثة إليه لإضفاء المشروعية المتواصلة على حوادث وسير وسلوكيات دفعت إليها الأوضاع الاجتماعية السائدة قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، ووصلت إلينا عبر موروث شفاهي خاضع للاجتهادات البشرية ومصالحها الآنية . ومن النادر اتفاق اغلب الفرق الإسلامية المتعددة، و العاملين في الحقول الإسلامية عليه في حينه، والآن كذلك، ومحاكمة تلك النصوص بعد تجريدها من عواملها التاريخية ودوافعها الآنية كأجندة متلازمة بمعايير العصر الراهن، والدمج بين الأفعال الإجرامية لبعض القوى (المتطرفة الإسلامية، السلفية بالذات)، وممارساتها التي تعتمد الفهم البشري المتزمت للفكر الديني، وربط ذلك مع كل النتاج الفكري العربي – الإسلامي عبر التاريخ ، إذ يتناغم هذا النهج والمنهج بسوء النوايا في تحليل التاريخ والتراث والمعتقد الإسلاميين، على أسس ذرائعية وتبسيطات وخرافات تعكس النكوص اللاعقلي في فهم التاريخ وسير حوادثه ،خاصة حينما تعتمد بعض القنوات الإعلامية الغربية المؤثرة في توجهات الرأي العام العالمي- الغربي خاصة- وكذلك دراسات و أطروحات بعض المفكرين الغربيين ، الموالين لتيار المحافظين الجدد والذين هم أساساً من غلاة المتصهينين ، والغريب انهم من المنحدرين من أقصى التيارات اليسارية في العالم الغربي، وجهة نظر بعض القوى الإرهابية-السلفية ، حلفاء الأمس، زمن المعسكر الاشتراكي المنهار والاتحاد السوفيتي السابق تحديداً، وخاصة مأزقه المدمر في احتلال أفغانستان. إذ تم التغاضي ،حينها، عن نشاطاتهم الفكرية وصلاتهم التنظيمية وقدراتهم المادية وتبيض أموالهم معروفة المصادر، واعتماد اغلب الأنظمة العربية على ذلك ، ما نحينهم المنابر العلنية للحديث باسم الإسلام دون أن يكونوا مؤهلين فكريا و شرعيا أو مخولين من قبل ملايين المسلمين ومفكريهم المتنورين الذين يؤكدون بأن الأصل في الإسلام الإباحة والحرية في العقيدة وفي أمور الدين، وان الإسلام يخلو في حقيقته وجوهره من الدعوة إلى إلغاء الآخر، أو إلى فرض الأمر الواقع عليه، وبدلالة النصوص القرآنية والسيرة النبوية التي تذهب في هذا المنحى. ومن المعروف ، أن الإرهاب والعنف ظاهرة بشرية تاريخية قديمة مرتبطة باستخدام العسف والإكراه في التعامل مع الآخر ، و سمة من سمات الإمبراطوريات المتعاقبة عبر التاريخ البشري وفي جميع أنحاء العالم وليس حكراً على دين أو مذهب واحد فقط ، لكن الأمر يتعلق بالكيفية التي يجري فيها استخدام الدين والفهم البشري له، وتوظيف ذلك في المجتمع. وتظل إشكالية الأنا والآخر في القضية الدينية- الطائفية قائمة ، و هذه المسألة تخضع في مراميها ومجالاتها التداولية في الطائفة الواحدة ووهم وحدتها المزعومة أو تمثيلها الأحادي من قبل جماعة معينة انتدبت نفسها لذلك، دون تفويض من احد،أو إجماع ما من الطائفة ذاتها ، وهذا من المستحيلات،وسيكرس ذلك الوهم التقوقع داخل الهوية الطائفية ،عبر منطق التماثل والمطابقة والثبات ومحاولة تكريس الجوهر الواحد والممثل المرجعي الوحيد للطائفة والمذهب،والذي سيحول الدين واجتهادات المذهب الواحد مجرد وقود في الفضاء السياسي- النفعي الراهن ، بينما يكشف الواقع الإشكالات والمصالح الدنيوية المتعارضة ، بين الفئات والأحزاب والتيارات السياسية الدينية المتنوعة والمتنازعة وحتى المتقاتلة ، على الاستئثار بالنفوذ داخل الطائفة الواحدة من جهة ، وإقصاء الطوائف الأخرى من جهة ثانية ، ولحل تلك الإشكالات والتنازعات، لابد من فسحة الوطن المشترك المتسع للجميع ، والسلام الاجتماعي ضمن أُسس الحوار الديمقراطي العقلاني، وإعلاء مفهوم المواطنة أولاً والتعامل مع مفهوم الهوية بابعدادها المتنوعة المتغايرة المنفتحة كهوية مغايرة-متواصلة وغير منقطعة . فالعراق كما يؤكد الدكتور" عبد الله إبراهيم" في مقالته الموسومة (العراق..إعادة تعريف الهوية- نموذج كركوك) يحتوي على نحو" ست وستين جماعة عرقية ودينية ومذهبية ولغوية". وكل منها يريد ، ويؤكد ويسعى بشتى الوسائل ، على أن يعيد تعريف نفسه، ويجد له حيزاً معترفاً به في الفضاء الاجتماعي – السياسي العراقي ، بعد سقوط النظام الشمولي (القوموي) المنغلق فكرياً وحضارياً، وفي ظل الفوضى الضاربة في العراق الآن . وهذا يدفع بالرغبات والآمال المتطرفة للظهور أكثر من التفكير بالحقائق وقبول الآخر . لذا فأن عملية الفهم المتجدد الايجابي لجوانب الظاهرة السياسية- الدينية وتجلياتها اجتماعياً في مجتمعنا حالياً، يجب أن تتجوهر في كسب الجماهير واحترام قناعاتها واجتهاداتها المتنوعة ، والاستفادة من حسها الشعبي وتوقها للعدالة الاجتماعية- الإنسانية ، لغرض مشاركتها المؤثرة في تكريس حاجاتها المتزايدة إلى الحريات المدنية، المرتبطة بأوضاعها الاجتماعية- الاقتصادية، و هويتها الوطنية العراقية والسعي، دون كلل، لدمقرطتها ، لان ساحة الصراع الفعلية هي الأرض التي يحيون عليها والذين يسعون بدأبٍ وتفانٍ لتغير شروط حياتهم ومجتمعهم عليها أولاً، ولتصبح تلك الحشود البشرية ، التي تسعى القوى السياسية- الدينية في العراق للاستحواذ عليها وتجير مشاعرها، من خلال التأكيد المتواصل على المظلومة التاريخية التي آن أوان استردادها من العراقيين بالذات ، بأي شكل وغطاء كان، لصالح مشروعها السياسي وبشتى الوسائل المتاحة والممكنة ، ولابد لنا من العمل بعقلانية من اجل تحويل تلك الحشود كقوة إيجابية دافعة للتقدم والعدل الاجتماعي-الإنساني والحرية والمساواة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تسيس المظلومية
علي الشمري ( 2011 / 8 / 9 - 20:13 )
الاخ الفاضل الاستاذ جاسم العايف المحترم
أن من يحاول ان يرفع عن الاكثرية مظلوميتهم ,عليه ان لا يفكر في ظلم الاخرين ,لانهم سوف تتولد عندهم ردة فعل كما حدثت للاكثريةوبالتالي سوف يبقى الصراع محتدما بين كل الاطراف التي تحاول كل منها ان تقع بالاخر,,أن تجيير الجماهير بالطائفة والمذهب من الاخطاء القاتلة والتي سوف تبقي الشعب العراق يدفع ثمنها باهضا ولسنوات طويلة,
يجب ان يتولد الوعي لدى النخب السياسية الماسكة بالسلطة ان تتجه نحو التثقيف بالمساواة والعدالة الاجتماعية للجميع دون تمييز ,طالماالجميع يستظلون بعراقيتهم ووطنيتهم .
تقبل تحياتي م


2 - تحليل رائع
شمران الحيران ( 2011 / 8 / 10 - 22:20 )
الاخ الفاضل الاستاذ جاسم العايف,,,الحقيقه استاذ تحليل رائع لطبيعة واقع الشعوب العربيه والهيمنه الفكريه الاسلامويه على عواطف هذه الشعوب وتسيس عقائدها واستخدامها كطاقه فاعله تديم البقاءلهذه الاحزاب ..وهذا يعكس بدون اي شك مقدار الجهل والاميه السياسيه لهذه الشعوب الغير راغبه للتطور والرقي مما يجعلها ماده سهله للهضم تنتعش من خلالها الافكارالمتطرفه الشوفينيه بعد سبات واختفاء الطليعه المثقفه قد ينذر ذلك بكوارث قد تعصف بعموم المنطقه باكملها....مع فائق تقديري

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر