الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيادات الشابة وسط الاحزاب السياسية..

ماجد القوني

2011 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


إقصاء .. أم أزمنة قادمة؟
* محمد أشّول: القيادات التقليدية تمارس السياسة كمهنة، ولا مجال للأعتزال أو التقاعد !!
* قيادي شاب: السودان سيُواجه مستقبلاً بأزمة قيادات على كافة المستويات..
* وائل طه: أنا ضد تولي الشباب مسؤوليات قيادية في الحزب بعد التخرج مباشرة !!
تحقيق: ماجد القوني
(محسن) من الطلاب المتميزين على المستوى الأكاديمي والسياسي، بإحدى الجامعات السودانية، حيث كان أحد الكوادر الخطابية النشطة لتنظيم سياسي عريق، تعرض لكثير من الأعتقالات والمضايقات من الأجهزة الأمنية. رغبته في الحصول على مقعد استاذ جامعي للمساعدة في تربية أخوته ومساعدة أسرته، لم تقف حجر عثرة أمامه للتفوق أكاديمياً أو ممارسة السياسة، حيث أن البعض نصحه بعدم ممارسة السياسة حفاظاً على مستقبله المهني إلا انه أصرّ على مواصلة حلم التغيير. تخرج من الجامعة بتقدير يؤهله للمنافسة على مقعد مساعد تدريس بالجامعة، إلا أن إدارة الجامعة رفضت تعيينه بسبب نشاطه السياسي الظاهر، امتهن أعمال البناء نهاراً، وظل وفياً لمبادئ حزبه متطلعاً للوصول لمركز متقدم في القيادة الحزبية. وبالرغم من ابتعاده من العمل الجماهيري، إلا أنه آثر الانصياع لتوجيهات قيادة حزبه. فجأة أكتشف أنه يقوم بتوزيع المنشورات والبيانات الحزبية لأكثر من عشرين عاماً، في داخل الحزب ولم تتغيّر وظيفته، ولم يشفع له في ذلك تأهيله الأكاديمي والفكري والسياسي..
قيادات سياسية إعتلت كراسي القيادة في أحزابها منذ ستينات القرن الماضي، عن طريق الوراثة، أو قيادات أنتجتها قواعدها ومازال يتم إنتاجها لعشرات السنين عبر ذات القواعد، بينما قيادات أخرى أنتجتها الصدفة المجردة، أو فراغات في الصف الأول في الحزب.. ومع أختلاف الطرق إلا أنها تقود مجتمعة إلى (روما) مركز القيادة السياسية في الحزب. . تُرى هل هو إقصاء وحرمان للشباب من الوصول إلى الصفوف الأولى ؟ أم أن مواسم هجرة الشباب إلى مواقع القيادة لم تحن بعد؟
العشرون عاماً الماضية، رفدت الجامعات السودانية الأحزاب السياسية بعدد من الكوادر النشطة والمؤثرة، مارست العمل السياسي في ظروف تعتبر الأكثر قمعاً وتسلطاً كما يري الكثير من السياسيين والمهتمين بالشأن السياسي، في وقت غابت فيه القيادات السياسية التقليدية ،في منافي الغربة ومدن الجوار. شباب مارس العمل السياسي القيادي في الجامعات، التي إلى وقت قريب كانت تضج بالحراك السياسي والحزبي. مع ذلك ضاعت آثارهم بعد التخرج من الجامعات وظلوا بعيداً عن دائرة التأثير السياسي والمشاركة القيادية، مما طرح تساؤولات كثيرة أفرزها هذا الواقع، حيث أصبح الحديث حولها الآن جهراُ بعد أن كانت همساً يدور في أروقة الأحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها يميناً ويساراً. كيف يرى الشباب القيادات الحزبية؟
الطلبة شريحة غير منتجة:
وائل طه القيادي الطلابي بجامعة الخرطوم: اولاً قد لا اتفق معك حول قضية إقصاء شريحة الشباب من قيادة الحزب، أو قد لا ينطبق هذا الأمر على كل الأحزاب السياسية. حيث تلعب الهيكلة الحزبية والمصلحة الطبقية دوراً كبيراً في تشكيل هذه الرؤية. هنالك احزاب تقليدية، تدعم خط المحافظة على الاوضاع الاجتماعية، بالتالي تتطلب قيادة محافظة، وإن وُجد شباب في داخل هذه الأحزاب يجب ان يلتزموا بذات العقلية المحافظة. احزاب أخرى أكثر رجعية تدعو للعودة للماضي السلفي، والعقل المدير للمؤسسة السياسية عبارة عن عقل رجعي يتسق مع القيادة الراسخة. أحزاب تقدمية أخرى تدعو لتغيير الأوضاع بعقل نقدي، بالتالي العقل القائد لا علاقة له بالسن، بل ينقسم لأثنين عقل منفتح، أو عقل جامد.
لذلك وجود الشباب أو الكهول في القيادة الحزبية لا يعتبر معياراً للمقايسة. وتقييم الأحزاب على حسب الأعمار قاصر، كذلك أعتبر وجود قطاعات داخل الحزب السياسي تخص الشباب أو فئآت أخرى هو حالة قصور، باعتبار أن الحزب فصل المكونات التنظيمية عن بعضها.
وأضاف: الأحزاب السياسية تشترك في قطاع الطلاب، وجود هذه الشريحة من الطلاب المنتميين لأحزاب سياسية داخل الجامعات أو الثانويات – إن وجدت – يرفد الأحزاب السياسية بكوادر نشطة وفاعلة. الشباب شريحة مستمرة ومجددة لنشاط الحزب. وافتكر أن التجربة السياسية للطلبة في الجامعات السودانية ناقصة، وانا ضد أن يتولوا مراكز قيادية في الأحزاب السياسة، لأن الطلبة شريحة برجوازية غير منتجة، وغير مشاركة في العملية الاقتصادية. وتعتبر فئة مستهلكة حتى بعد التخرج لحين انتظامها في الحياة العملية بعد صعوبة، واحساسها بالمفارقة بعد ذلك بين واقع الطلاب والشارع السوداني الذي يحتاج لخبرات أكثر وصقل للكادر، وتحتاج لفترة طويلة للموازنة بين مثالية واقع الطلبة، والحياة العملية.. لفترة تمتد احياناً لأكثر من ست سنوات، ليكون قياديا في حزب سياسي.
نمتلك كل مقومات النضال:
محمد أشّول عضو حزب التحالف الوطني السوداني، أبتدر حيثه قائلاً: نحن ننتمي إلى جيل دخل الجامعات مع بداية وصول هذا النظام للسلطة ، وكانت واحدة من الأشياء الظاهرة في ذلك الوقت علاقتنا بالجامعات من خلال النشاط في المرحلة الثانوية، واحتكاكنا بطلاب مدارس ثانوية وجامعات قوية في ذلك الوقت، كان لهم دور أساسي في السياسة السودانية حتى نهاية التسعينات، من خلال مظاهرات الطلبة في جامعة الجزيرة والخرطوم.
عند دخولنا الجامعة وممارستنا للعمل السياسي، حيث كان الدور الظاهر في ذلك الوقت هو الدور القوي للقيادات الطلابية، وغياب القيادات والأحزاب المعارضة بنسبة90%، حيث كانت تدير العمل المعارض من خارج البلاد، مع وجود بعض القيادات الوسيطة في الداخل، لكنها عجزت عن الوصول للجماهير وقيادة حركة معارضة حقيقية .
افتكر أننا جيل كنا نصارع في دولة كاملة، تمتلك كل المقومات: الوزارات، صندوق دعم الطلاب، العمادة، الاتحادات الطلابية، الشرطة وكل الأجهزة القمعية. حيث كنا لا نملك سوى إرادة التغيير وأركان النقاش. هذه المرحلة خلقت قيادات طلابية قوية، وكانت في ذلك الوقت أفضل من يقود صراعاً ضد النظام. واكتسبوا خبرة طويلة من مواجهتم للسلطة القائمة، أكثر من قيادات الأحزاب السياسية الممثلة الآن في (أحزاب جوبا).
القيادات السياسية الحالية هي قيادات تاريخية نحترمها وكان لها دور كبير في الانتفاضات والتحولات السياسية، لكن من خلال معايشتي لهذه القيادات اتضح لي أنهم مازالوا رهن لعقلية الثمانينات، مستخدمين في نضالهم ذات الأدوات القديمة في الصراع، وبالرغم من ان الواقع يتطلب تجديداً على مستوى الأدوات، لأن النظام الحالي ليس هو النظام الذي كان قبل خمس أو عشر سنوات، وتحول النظام من ديني إلى عسكري وسياسي أفرز الكثير من الاتفاقيات. ويبقى النظام واحد لكن تغيّرت الأدوات والقيادات التقليدية. مع ذلك نجد ان الأحزاب السياسية مازالت تناضل وفق رؤى الخمسينات والستينات.
في داخل الجامعات كانت هنالك تحالفات طلابية ، استطاعت أن تنتصرعلى النظام في أكثر من موقع في داخل الاتحادات واالنقابات الطلابية، وكان من الممكن ان يحدث ذلك في الانتخابات الماضية، لولا التجاوزات التي قامت بها هذه القيادات. العشرين سنة الماضية أفرزت قيادات بحجم التحدي لم تكن هنالك جهة لدعمها، قائمون بالصراع ضد دولة حشدت في مواجهتهم كل أساليب القمع والقهر.
خرج من هذه الجامعات قيادات من كل الأحزاب، كان لها بقدر تضحياتها الكبيرة إيمان بمبادئ احزابها، وكانت تعتقد بضرورة أن يكون هناك مقابل لنضالاتها ولو على مستوى تغيير الأوضاع السياسية، وأن تكون هناك احزاب موجودة على مستوى الشارع السوداني، مثل أرتباطهم الذي كان بقواعدهم الطلابية في الجامعات، حيث كانت الأحزاب في الجامعات تتمتع . لكن أصابهم الأحباط أوان خروجهم من الجامعات التي تمتعت في ذلك الوقت بحس ديمقراطي وتصعيد وتجديد للعضوية والقيادة، وكنا نتمنى عند خروجنا للحياة العملية أن نجد هذه الممارسة على مستوى الأحزاب السياسية.
هذا الوضع خلق حالة من الأحباط وسط الشباب، وقاد بعد ذلك للكثير من الانشقاقات في الأحزاب، غياب الأستراتيجية كذلك يعتبر ميزة أساسية للعمل التنظيمي في السودان، بل في كافة مؤسسات الدولة، وهذه إحدى مشاكل السودان، أجيال مسيطرة على الأحزاب السياسية ليس لها أفق أنها ستغادر ويجب أن تتسلم أجيال جديدة دفة القيادة، ويمكنها مواصلة مسيرة النضال.
لا تجديد على مستوى الأحزاب السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني، العقلية السودانية تعتقد أن السياسة مهنة، يصعب على المرء الوصول فيها لسن المعاش، السياسة مهنة استراتيجية لأنتاج القيادات، عدم إيمان البعض بهذه الرؤية ساهم في الانقسامات التي حدثت، وإتهام قيادات الأحزاب بمحاولة السيطرة على الحزب. وتغييب وعي القيادات الوسيطة والقواعد، وتستخدم البعض كأدوات لتمرير أجندة الحزب.
يجب تقييم تجربة الأحزاب السياسية منذ الخمسينات وحتى الآن، بعد فترة من الآن السودان سيواجه بأزمة قيادات على كافة المستويات. نسبة لعدم توريث تجارب النقابات والقيادات (مهندس لديك اعباء قيادية وإدارية ونقابية )
الأحزاب ليست بقدر المرحلة، كيفية بناء مؤسسات بالنسبة للقوى السياسية المعارضة، قوية منتخبة، نوع من الشفافية والديمقراطية، وفي ذات الوقت تكون هنالك خطط واستراتيجية لقيادات الأحزاب ودور في قيادة هذا البلد، احد التحديات تثبيت انتقال السلطة بالأنتخاب واحدة من مطالبات الاحزاب.
هنالك حسرة في أوساط الشباب تجاه المشاريع الحلم التي كانوا يؤمنون بها في وقت مضى، الصاعدون الآن والوجوه الجديدة في الحزاب ضعيفين فكرياً ، وهم من ترغب القيادات في وجودهم، المعالجات تتم بصورة اجتماعية والتقرب للقيادات العليا للحزب، إنعدام المؤسسية داخل الحزاب، التقليدية والتقديمية، هناك أسر وطوائف و(شلليات) ومجموعات، تعاني مشاكل تنظيمية مؤسسية، تصنيف الكادر في كل الشرائح مفقودة.
قصور الممارسة السياسية:
خالد آدم أسحق قيادي بالمؤتمر الشعبي: تراجع مستوى الفهم للممارسة السياسية، تشبث القيادات (الكاريزمية) في الأحزاب السياسية، إذا كان من الأحزاب الطائفية أو الأحزاب اليسارية، والواضح أن هذه القيادات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتنازل لأحد قيادات الصف الأول، بالرغم من وجودها على سدة الأحزاب ما يقارب نصف قرن.
وبالرغم من أن النفس البشرية يغلب عليها التطور والحراك والاستفادة من من التقدم التكنولوجي عبر ما تفروه الوسائط التكنولوجية، وتلاقح الأفكار مع الشعوب الأخرى، يصعب على هذه القيادات المواكبة واستيعاب أن للأجيال القادمة أفكار تختلف عن الأفكار التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ومختلفة عن المفاهيم التي تكون العقل السياسي الآن.
هذا الداء استشرى في كل دول العالم الثالث، وليس السودان فقط، وإذا ألقينا نظرة على كل دول الجوار من دول وممالك، نجد فئآت وأفراد محددين يتحكمون في مفاصل الحزب والدولة، دون الإلتفات للعناصر الشبابية التي أرتضت أن تخوض غمار العمل السياسي، بكل مخاطره المتعلقة بأبدأ الرأي والوقوف ضد قرارات الصف الأول.
الأنتخابات الأخيرة في 2010 قد أحدثت واقعاً لم يكن مسموحاً به في العهود الفائتة، حيث أن كل الأحزاب التي شاركت أو قاطعت، وجدت نفسها مرغمة على أن تأتي بمن يمثلها في الدوائر الانتخابية من سكان المنطقة وبالتحديد من الشباب. حيث كان في السابق، يتم ترشيح قيادات من خارج المنطقة عبر آلية الحزب، دون مشاورة القواعد. في المعركة الأنتخابية الأخيرة أثبتت أن العنصر الشبابي في الأحزاب السياسية يمتلك فهماً سياسياً متطوراً، مما أربك قيادات الأحزاب السياسية.
هذا الحراك أحدث عدة تساؤلات ، خاصة في عدم ثقة قيادات الصف الأول في قيادة الحزب، وإصرارها على الجلوس في مواقع القيادة لعشرات السنين وتشبثها بالمقاعد، وعدم إتاحة الفرصة للآخرين. عدم الثقة يعود لطبيعة الشعب السوداني ، بالرغم من إنه سبقت المطالبات لأعطاء الفرصة للشباب، بالرغم من إمتلاكهم كل مقومات القيادة. عدم مشاركة الشباب في قيادة الأحزاب يُعتبر قصور في الممارسة السياسية، وإذا لم نقدم الديمقراطية لعضوية الأحزاب، لا يمكن أن نقدمها للشعب السوداني.
دكتاتورية القيادة:
محمد حسن التعايشي: رئيس سابق لأتحاد طلاب جامعة الخرطوم، عضو المكتب السياسي لحزب الأمة. فيما يتعلق بتمكين الشباب من إتخاذ القرار وصناعة الرأي داخل الأحزاب السياسية حلم صعب التحقيق في الواقع السوداني، لأسباب سياسية متعلقة بالمناخ السياسي العام، وضعف الحراك السياسي، وإنعدام آليات التداول السلمي للسلطة، وعدم وجود استقرار سياسي. كل ذلك أدى تحنط جيل الستينات في الكراسي القيادية للأحزاب السياسية حتى يومنا هذا.
هنالك أسباب بنيوية متعلقة بطبيعة المنظومة السياسية في السودان. مثلاً الأحزاب الطائفية ذات القيادة الأبوية والروحية، حرمت القوى الشبابية الصاعدة من المشاركة الفعلية في صناعة القرار. ليس فقط لعدم وجود الرغبة من القيادات لأشراك هذه القوى فحسب، بل لأن هذا الأتجاه أصبح سمة بارزة في طبيعة الطائفية الحزبية وتمدد النزعة الأبوية. التي أصبحت عامل طرد وإختفاء عوامل الجذب في داخل هذه الأحزاب التي جذبت يوماً قوى الشباب للأنضمام لصفوفها.
السياق الطبيعي لطرح هذه القضية هو أن هنالك أعداداً هائلة من الشباب المثقف، الواعي، الذي تلقى تعليماً جيداً، لا تنتمي لأيّ من الأحزاب السياسية. وهذا هو البعد الأخطر في قضية إقصاء الشباب من الممارسة السياسية، وهي حالة غير طبيعية في المجتمع أن تجد كل هذا العدد غير مهتم بواقعه السياسي بالرغم من وعيه بما يحدث، لكنه يرى أنه لاجدوى من المشاركة في ظل وجود قيادات خالدة.
أحزاب عقائدية أخرى مسألة التدرج التنظيمي فيها عقيمة جداً، وتخضع لمعايير خيالية، لذلك لم تستطع هذه الأحزاب تمكين الشباب من الوصول للمراكز القيادية في الحزب (يميناً ويساراً). عامل آخر يتمثل في ارتباط الحزب بالسلطة (المؤتمر الوطني نموذجاً) وتضييق مساحة إتخاذ القرار وحصره في (5-6) أشخاص، يمتلكون حق صناعة القرار وقيادة الحزب، حيث تتم معالجة هذه الأزمة عبر مشاركة واسعة للشباب في السلطة (وزراء، ولاة، معتمدين) ولا أعتبر أن هذه مشاركة سياسية بل تنفيذية، وحرمانهم من إتخاذ القرار القيادي في الحزب وفي داخل المنظومة السياسية التي تحرّك الدولة. إضافة لضعف الأحزاب السياسية، وضعف ممارستها للديمقراطية، والأستفادة من الأخطاء التي صاحبت مسيرة هذه الأحزاب.
هذه الحالة ليست جديدة على الواقع السوداني، بل ظلت ملازمة للحركة السياسية في السودان، وأصبحت واحدة من الأزمات الرئيسية التي أنتجت الكثير الأنشقاقات على مستوى الأحزاب بما فيها المؤتمر الوطني، وظهور الحركات المسلحة، والحركات الأحتجاجية، والتي جاءت ننتيجة لضيق مواعين مشاركة القوى الصاعدة. وأصبح التعبير خارج المنظومة القانونية، السياسية، الاجتماعية هو السمة المميزة للواقع السوداني. ومعظم الشباب في داخل الحركات المسلحة لهم إنتماءاتهم التنظيمية.
القيادات السياسية الموجودة الآن، حرمت تسعة أجيال من حق التداول الديمقراطي لقيادة الأحزاب، وأخذت حق ديمقراطي أصيل في الممارسة السياسية، وظلت تسيطر منذ الستينات وحتى الآن. لكن يجب عليها ان تنتبه إلى أن هناك الكثير من المتغيرات على مستوى السودان الذي يعتبر دولة (شابة) حيث أن 55% من سكانها شباب، مما يعني أن خسارة الأحزاب السياسية لهذه الفئة قد يؤثر على مستقبل السودان السياسي، وترسيخ لدكتاتوريات مدنية في داخل الأحزاب السياسية والمجتمع السوداني. مع ضرورة الأعتراف بأن السياسة هي صناعة المستقبل، والشباب هم مستقبل هذا البلد، لذا يجب أن يقفوا على مستقبلهم والمشاركة في صناعته بأنفسهم.
ومن رأيي أن المعالجات الروتينية لا تقود للخروج من هذه الأزمة، بل نحتاج لترتيبات أكبر، ومعرفة استحقاقات هذه الأجيال، ومعرفة طرق تفكيرهم. ولا معني لأن يضم مكتب سياسي لحزب شاب في عمر الـ(25) سنة مع شيخ عمره أكثر من (55) سنة، حيث لا يمكن أن يصل الأثنان لقرار سياسي واحد بل سيكون التناقض بنسبة 100%.
المؤتمر الوطني حزب للشباب:
آدم مدير القيادي الشاب بالمؤتمر الوطني، أوضح أن المؤتمر الوطني كحزب لا يعاني قطاع الشباب فيه من ازمة وصول إلى القيادة، وأضاف قائلاً: أنا الآن ممثل ومستشار على مستوى قيادة الحزب، ونائب للدائرة. الشباب يمثل على أعلى مستويات الحكم في الدولة، حيث مثلّ في التشكيل الوزاري الأخير وفي الحكومة الأخيرة عدد كبير من الشباب منهم الوزراء والولاة والمعتمدين. وعلى مستوى أعلى هرم في التنظيم.
قطيعية الوعي السياسي:
جعفر حسن عضو بالاتحادي الديمقراطي: لا يمكن تفسير هذه الظاهرة إلا من خلال طبيعة تركيبة المجتمع السوداني (الزراعي الرعوي).. حيث يمثل سلوك القطيع السمة المميزة والبارزة لتفسير الواقع السياسي، وحيث اتجه كبير القطيع يتجه الآخرون.
هذا التفسير (القطيعي) ينعكس على الأحزاب السودانية من اليمين إلى اليسار، التي تصل إلى درجة تأليه وتقديس القيادات الحزبية، وإسباغها بعدد من الصفات الخارقة وتصويره بأعتباره المُلهم. وبمجرد وصول الوعي الحزبي إلى هذه الدرجة، تتحول المؤسسة إلى القائد، حيث الخروج أو إبداء الرأي المعارض للقائد يعني خروج بصورة عامة على المؤسسة الحزبية. لذلك أكثر الأحزاب السياسية رسوخاً في الواقع السياسي، لم يتعاقب على قيادتها أكثر من شخصين فقط، منذ تأسيسها وحتى الآن.
الحلقة الشريرة لشكل السلطة في السودان، والانتقال من دكتاتورية إلى ديمقراطية والعكس. هذا الوضع ساهم في تحول قائد الحزب إلى مناضل، ومن ثم إعلان حالة الطوارئ داخل الحزب، وتبقى محاولة الأعتراض أو الخروج عن هذا الشكل الأداري يُعتبر شكل من أشكال العمالة والخيانة و(التغويص)، فيتم قمع كل الأصوات المتعالية داخل التنظيم. ومعظم الأحزاب السياسية لا تُستثنى من هذه الرؤية.
هناك كثير من العوامل التي أخرت المشاركة السياسية للشباب على مستوى قيادات أحزابهم، أهمها: عدم قدرة المُقدس على قبول النقد وهي أخطر جزئية في هذه القضية، وهي التي تؤثر على مسيرة الشباب السياسية، إضافة للوضع السياسي السوداني المتوتر، وعدم وجود استقرار سياسي. وغياب المؤسسية الحقيقية داخل الأحزاب.
من القضايا المهمة كذلك أن الشباب لم تتم تجربتهم على مستوى الدولة السودانية، ليس في السياسة فقط، بل على كافة مستويات النشاط الأنساني. والشباب كذلك يتحمل جزء من هذا الأخفاق والمسؤولية، حيث أن الغالب الأعم لهؤلاء الشباب في قطاع الطلاب، وهو مجتمع صفوي، يحاول تطبيق ما درسه وقرأه في الكتب، على الشارع السوداني، ليحدث التصادم بينهم والواقع، ومجرد التصادم يفقد المجتمع الثقة في الشباب، إضافة إلى استعجال الشباب للنتائج، لذلك عادة ما يتم وصفهم بالتسرع. طريقة تفكير القيادات التقليدية جعلت الشباب تعيش حالة من الأحباط. الكثير منهم توقف عن ممارسة النشاط السياسي، وآخرون واصلوا على أمل تغيير مرتقب، والبعض منهم استطاع أن يتكيّف مع هذه الأوضاع وأصبح جزء من العملية السياسية التقليدية، حيث أن من الخطورة محاولة تكييف الحزب لصالح تفكيرهم.
كما يجب علينا ملاحظة أن الصدفة أحياناُ تلعب دورا كبيراً في الوصول للقيادة، حيث لا يكون دائماً بالعطاء والمعايير الأخرى، إضافة إلى أن رؤية قيادات الحزب حول صعود بعض الأفراد تخضع لموازنات قبليّة واثنية.
عقلية ناظر حنتوب:
أيهاب محمد (بلنجة) حزب البعث العربي الاشتراكي: أبتدر حديث قائلاً: ليست هي أزمة عمر، بل هي أزمة معرفة وخلل في التجربة السياسية السودانية التي اتسمت بالمرونة والعلاقات الشخصية، لخريجي مدرسة (حنتوب)، لذلك كانت الأمور والعلاقات السياسية تتم بسلاسة، حتي الاعتقالات لم تكن بمثل شراسة الانقاذ خلال ممارستها للحكم. الفشل هو العنوان الكبير للسياسة السودانية منذ 1956 وحتى الآن. لأن الدولة السودانية يتم ادارتها بعقلية الناظر بمدرسة حنتوب التي تخرج منها قادة الأحزاب السياسية. قيادة الجبهة الاسلامية تخرجت من ذات المدرسة، مع ذلك اتسمت بالشراسة والعنف، فقط لأن كوادرها الشابة تلقت تعليمها وتدريبها في خارج السودان، وأتت بأساليب قمع رهيبة جدا ،لذلك اختلفت التجربة، التي انتجت أجيال معارضة شابة أصبحوا أكثر شراسة من النظام نفسه، وقادرين على مواجهته في كثير من المعارك. لكن الأحزاب السياسية لم تمنح الشباب الفرصة لمواجهة النظام، واعتبار أن مواجهة الطلاب للنظام لا علاقة لها بنضال الأحزاب السياسية، التي تؤمن بالنضال السلمي، رؤية هذه القيادات كانت مقبولة في وقت مضى، حيث كانت تواجه أنظمة تؤمن بالعمل السلمي، وحتى الآن مازالت تعتقد أن النظام الحالي يمكن الانتصار عليه بالوسائل السلمية. وتعتقد أن مواجهة نظام قمعي بالقوة هي محاولة للإنتحار.
هنالك الآن قيادات شبابية أصبحت أكثر تطوراً وفهما للنضال من تلك العقليات النظرية القديمة، لذلك نلاحظ أن كل الحركات الثورية التي تسعى للتغيير الآن ليست من جيل هذه القيادات، ولديها الطاقة التي يمكن أن تتحرك بها، ومستعدة لتبني الفعل المصادم، فليس هناك ما تخاف عليه، تخرجت من الجامعات منذ أكثر من عشر سنوات لا فرص عمل، ولا واقع اجتماعي سليم، لذلك عادة ما يتم وصفهم بالطيش والتهور.
تجربة اعتقال سكرتارية التجمع لأكثر من تسعة شهور، منحت الشباب فرصة لأختبار قدراتهم التنظيمية والتكتيكية، ونجحت في تحريك الشارع السوداني، وجعلت من محاكمات قادة التجمع نواة للعمل الثوريي، وأجبرت النظام على إطلاق سراح القيادة. الذين قاموا بهذا العمل كانوا شباب مؤمنين بالتغيير، وقادرين على هزيمة الدكتاتوريات.
الانتخابات الماضية خاضها المؤتمر الوطني بجيلنا من الشباب، الذي انتصرنا عليه في الجامعات السودانية وإعتدنا على طرق تفكيره، وأشرنا للأحزاب السياسية بضرورة خوض الانتخابات، مع رفض الاحزاب للفكرة، تولدّ الاحباط السياسي في داخل الكثير من الشباب، الذ كان يعتقد أنه يمتلك القدرة على هزيمة النظام، كما فقدت بعض الأحزاب السياسية كوادرها الشابة نتيجة لعدم قدرة الأحزاب على إدارة الصراع الداخلي، والانتصار لأرادة التغيير.
للخروج من هذه الأزمة أرى أن يكون متوسط أعمار سكرتارية الحزب في أربعينات العمر، ويكون هنالك مجلس للحكماء أو مجلس قيادي، شورى. فقط من أجل تصدير الخبرات في العمل السياسي. وترك الممارسة السياسية والحراك الحزبي والمواجهة للشباب.
إنقلاب سياسي:
د/ صفوت فانوس استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، أشار إلى أن ظاهرة إقصاء الشباب من القيادة الحزبية في المجتمع السوداني اصبحت ثقافة عامة في المجتمع السوداني، حيث أصبح تخليد القيادات الحزبية في مواقعها حتي تصل مرحلة العجز الكامل أو الموت.. وليس على الشباب سوى القيام بإنقلاب سياسي كما فعل تلاميذ الترابي..
رؤية علم النفس السياسي:
الاستاذ نصر الدين الدومة رئيس قسم علم النفس بجامعة أفريقا العالمية في رؤيته للقضية من وجهة نظر علم النفس أفاد: إنه من المهم بداية تناول مفهوم الأنتماء السياسي بشكل عام، حيث أن إنتماء الشباب او الأفراد لمفاهيم وآراء ومعتقدات سياسية، يمكن أن تكون في شكل تنظيمات سياسية ، أو رأياً فردياً. ويرتبط مفهوم الإنتماء السياسي، بعوامل نفسية تجعل التعبير عنه قوياً نسبة للحماس العالي وسط الشباب، وسعيهم الدائم لتحقيق الأفكار التي يؤمنوا بها. وقد أشارت الكثير من الدراسات النفسية، وسط طلاب الجامعات من خلال دراسة بعض المتغيرات النفسية مثل الثقة بالنفس والمسؤولية الأجتماعية وغيرها، حيث تم إجراء مقاربة بين الطلاب المنتميين وغير المنتميين سياسياً، ووُجد أن الطلاب المنتميين يتميزون إيجابياً على غيرهم. لذلك نجد أن ممارسة العمل السياسي للشباب تدفعهم لتحمل المسؤولية والتفاعل مع قضايا الوطن وهموم المجتمع.
لكن هنالك بعض المشكلات التي تعترض نشاط الشباب السياسي، التي تتمثل في التدخلات والتوجيهات من الأحزاب السياسية والقيادات، والتي تصل أحياناً إلى درجة إلغاء خصوصية الطلاب والشباب في ممارسة الكثير من حقوقهم، ليكون الشاب قد تهيأ لأداء دوره في المستقبل، وهذا يدخل في باب التربية السياسية.
واقع أزمة الأحزاب السودانية، هو إنعدام الحريات السياسية داخل الأحزاب - دون تمييز- مما يؤثر على قضية تدرج الشباب واستيعابه بكل خصائصه النفسية واستعدادها لأداء أكبر وأهم الأعباء الحزبية. عدم وجود هذا الشكل من الممارسة السياسية الديمقراطية، يساعد على وجود صراع الأجيال، الذي ينتج عن وجود فئة عمرية أو جيل يسيطر على الحزب، ولا يتيح مواعين لأستيعاب أجيال أخرى، بالرغم من أن وظيفة الحزب هي وظيفة استيعابية. وتكمن المشكلة هنا في العقلية التي تأسست في فترات زمنية صاحبتها أحداث ومواقف أثرت في نشاط الحزب، وخلقت عقلية جمعية يصعب الخروج منها. بالتالي إقصاء فئة نشطة من الفعل السياسي، ومن ثم توقف عملية التطور والتقدم وضخ دماء جديدة في الحزب.
من خصائص العقل الجمعي التي تتكون من الأحداث التاريخية، تجعل القيادة السياسية ترى أن ما تقوم به هو المطلق. إضافة إلى أن التفكير الفردي يصعب من حل المشاكل الاساسية. وهناك عادة قاسم مشترك عمري، مستوى مفاهيمي، زمالة دراسة تحكم العقل القيادي الجمعي. فمثلاً معظم القيادات السياسية الموجودة الآن كانت (دفعة) في مدرسة واحدة، وقيادة الحركة الأسلامية في السودان يجمع بينهم أنهم اساتذة في جامعة الخرطوم.
والأصل في مرحلة الشباب أن يتم أستيعابهم، وأن يواصوا أداء أدوارهم، لكن عدم الاستيعاب يؤدي بهم لكثير من المشكلات النفسية التي تنعكس في أشكال متعددة منها: الأكتئاب السياسي، وهي حالة يُنتج عنها عدم الرغبة في ممارسة أي نشاط سياسي، نتيجة للأحباطات التي حدثت له داخل الحزب مع عدم وجود حرية، وتجاوزه والتقليل من شأنه، وعدم الأستماع لرأيه. الأحباط السياسي يتحول لناحية سلوكية في عدة أشكال،: انسلاخ من الحزب، تجميد عضوية، عدم أهتمام أو لا مبالة. وهناك جانب آخرا من السلوك، حيث يتحول الشاب إلى شخص داخل التنظيم ليس لديه فاعلية ويصبح مجرد آلة لتنفيذ التوجيهات.
الخطير في الأمر ان فئة الشباب تعتبر مستقبل العمل السياسي والحزبي في البلاد، إذا لم يتم تفعيلهم، وإتاحة فرص حقيقية لهم، ذلك يعني أن البلاد في خطر. كما يجب على الأحزاب السياسية أن تعيد قراءة أوضاعها السياسية والتنظيمية، لأن طبيعة الحياة تفترض أن يكون فيها انتقال إلى الأمام. وعلى الشباب الاهتمات بأنفسهم وتقوية البناء النفسي، بحيث يكون لهم القدرة على على التعبير عن أراءهم والنضال من أجل أكتساب الحقوق.
أخيراً مسألة الجو السياسي العام في البلاد، تشجع ايجاباً وسلبا، فكلما كانت هناك حرية سياسية ، ومنابر للتعبير عن الرأي، والايمان بمبدأ الاختلاف، كلما كانت البيئة أصلح لأن يبدع الشباب ويسعون لتحقيق طموحهم.
المحرر:
بينما يرى البعض تطوّرأ على مستوى الفعل السياسي السوداني، يعتقد آخرون أن السياسة السودانية لم تبرح مكانها، وتظل أسيرة لقرارات وإنفعالات أربعة أو خمسة كبار، تتحدد الخارطة السياسية وفقاً لتحالفاتهم المرحلية والتكتيكية والاستراتيجية التي تشكلّ الأطار الفكري للمعارضة والأحزاب التي حكمت السودان منذ إستقلاله وحتى الآن، وفقاً لفلسفة الثابت (السلطة) والمتحول (الحزب السياسي).
وإن أطلق عليهم البعض القيادات السياسية أو ديناصورات العمل السياسي، أو الزعماء الخالدون، أو الأربعة الكبار، يبقى التساؤل قائماً.. متى يحين وقت القيادات الشابة للوصول لمراكز القيادة؟ والوصول للصف الأول؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران