الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول مأزق التعددية الثقافية فى أوروبا

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


واقعة قيام شاب أبيض من أبناء النرويج الأصليين ( اندريس بيهرنج بريفيك ) بمجزرة فى معسكر شباب حزب العمال النرويجى الحاكم أدت لمقتل نحو 90 و أصابت مثلهم – تستوجب وقفة للنظر والتأمل .

الحادث وصف بأنه الأول من نوعه فى القارة الأوروبية منذ الحرب الثانية , وأنه " أوكلاهوما أوروبى " - نسبة إلى ما قام به " تيموثى ماكفاى " المتطرف اليمينى الأمريكى الذى قاد شاحنة ملغومة وفجر مجمع أوكلاهوما فى العام 1995 .

مجلة تايم الأمريكية عرضت نسخة مختصرة من لقاء لبريفيك - كان قد نشره على موقعه الإلكترونى - حيث يلقى أسئلة على نفسه تدفع نحو الإعجاب ثم يأخذ فى الرد عليها بإجابات تنم عن ثقة تثيرالقلق .

يقول " بريفيك " فى معرض رده على تساؤل بشأن دوافعه و حقيقة الكراهية التى يختزنها تجاه الإسلام : ( أنا لا أكره الإسلام مطلقآ , وأعرف أن هناك أفرادآ مسلمين رائعين فى أوروبا . وكان لى عبر السنين عدد من الأصدقاء المسلمين , ومازلت أكن للبعض منهم الإحترام و التقدير , لكن ذلك لا يعنى القبول بالتواجد الإسلامى فى أوروبا . وأذا لم يندمج المسلمون بالكلية فى مجتمعنا فسنقوم بترحيلهم بمجرد أستيلائنا على السلطة . ما يدفعنى لهذا هو حبى لأوروبا وللثقافة الأوروبية الخالصة و الموحدة . وهذا لا يعنى أننى ضد التنوع لكن تثمين التنوع لا يعنى تطهير ثقافتك وشعبك عرقيآ ) .

من الواضح أن " بريفيك " ينطلق من أسس ثقافية وأيديولوجية لتبرير منحنى أستخدام العنف وبهدف مواجهة ما أسماه " بالغزو الثقافى الإسلامى لأوروبا ", أذ يتصورأن " الماركسية الثقافية التى أنتشرت فى أوروبا أسفرت عن أنحطاط أخلاقى وقيمى , وأنه لا يمكن هزيمة التمدد الإسلامى للغرب الإ عبر التخلص من المبادىء السياسية التى تطرحها الماركسية وأفكارالتعددية الثقافية التى يعتبرها واحدة من أهم الدلائل على جنون عالمنا ".

ومما لاشك فيه أن نموذج " بريفيك " يتحرك على أرضية من العوامل السياسية و الإجتماعية الأوروبية التى أكسبت اليمين المتطرف نفوذآ متزايدآ بأوروبا خلال العقود الثلاثة الماضية .
فمع تنامى قوة منظمة الإتحاد الأوروبى طرح ( سؤال الهوية الأوروبية ) نفسه بأستمرار, وأتخذت البلدان الأوروبية أجراءات لعرقلة الهجرة المتسارعة من دول العالم النامى , وأرتفعت أسهم الأحزاب والإتجاهات اليمينية المحافظة التى حملت المهاجريين والطوائف الثقافية المغايرة مسئولية التدهور الإقتصادى وتراجع معدلات النمو والجريمة المنظمة .
فضلآ عن تزايد قوة و نفوذ الجاليات المسلمة داخل القارة البيضاء والذى طرح بدوره ( سؤال الديانة الأوروبية ) خاصة بعد أستماتة " تركيا " المسلمة فى الإنضمام للنادى الأوروبى ذو الطابع المسيحى – اللاهوتى , وتصاعد المخاوف من ظاهرة " الإسلام الزاحف " - الأمر الذى دفع حكومات يمين الوسط الحاكم للإنحياز نحو لرؤية اليمين المتطرف واصدار قوانيين مثل : حظر المآذن فى سويسرا , وحظر النقاب فى الأماكن العامة بفرنسا وبلجيكا .

ومن هنا فاذا جردت آراء " بريفيك " من سياقها وتم تحرير أنتقاداته حول التعددية الثقافية والهجرة فسنجد أنها ليست أطروحات اليمين الأوروبي المتطرف فحسب , وأنما أيضآ آراء زعماء محافظين ومعتدلين من أمثال كاميرون فى أنجلترا وميركل فى ألمانيا و ساركوزى فى فرنسا – وحيث تؤرق الجميع تساؤلات الذات و الهوية والديانة الأوروبية الجامعة والموحدة .

ومن هنا فأن واقعة " بريفيك " تلقى ظلالآ من الشك على الإتجاهات التى كانت تحمل تفاؤلآ بمستقبل التعددية الثقافية الليبرالية فى الغرب , بل وتهزالآمال شبه المثالية لهؤلاء الذين روجوا لتلك السياسات وخططوا لها منذ عقود .

أن تجربة التعددية الثقافية الليبرالية الغربية Multicultural هى قصة تدور فى الأساس حول التطبيع التقدمى للسياسات العرقية , ولكى يصبح الحراك السياسى العرقى مجرد شكل آخر من المناقشات اليومية والقانونية الديموقراطية المشروعة والمتداولة .

من وجهة نظر كاتب هذه السطور فأن العطب الأساسى لهذه التجربة أنها مازالت تحلق خارج دائرة صراع وجدل الواقع الإجتماعى و السياسى الأوروبى ,وأنها تنتج على نحو مجرد ولا تاريخى كمنظومات قانونية وحقوقية عالمية .

ففى مرحلة مابعد الكولونيالية , ومرحلة مابعد الشيوعية , ومرحلة العولمة الكوكبية - بدا أن أفكار " التعددية الثقافية " أكثر أتساقآ مع ضرورات هذه المراحل ومع الأداء السياسى لدولة الرفاه الديموقراطى الليبرالى . ومع مراعاة فشل النماذج القديمة للدولة المركزية ذات الموحدات القومية المتجانسة .

ومن هنا أصبحت فكرة التعددية الثقافية خيارآ دوليآ جذابآ ومطلوبآ بشكل واسع عبر منحى" تدويل علاقة الأقلية بالدولة " – ومن خلال مستويين :
الأول : خطاب سياسى كونى داعم للتعددية الثقافية من خلال مجموعات منتشرة من الأفكار تحرص على تأكيد أهمية التكيف و التوائم مع الإختلافات والتنوع – وتضم منظمات غير حكومية ومراكز بحثية وأكاديمية و دعاة لحقوق الإنسان .
الثانى : قوننة أفكار التعددية الثقافية فى صورة قواعد قانونية ( أو شبه قانونية ) تتجسد فى أعلانات تهدف لتنمية المعايير الدولية لحقوق الأقليات على الصعيدين المحلى و الكونى ( على سبيل المثال / أعلان الأمم المتحدة عام 1992 بشأن حقوق الأقليات - أتفاق المجلس الأوروبى فى العام 1995 بشأن حماية الأقليات – أعلان حقوق الشعوب الأصلية التى أعدتها منظمة الدول الأمريكية فى العام 1997 – معايير حقوق الأقليات التى تتبناها اليونسكو ومنظمة العمل الدولية .. و غيرها ) .

ومن البين أن نزعة تدويل هذه العلاقة تروم أنتشار المثل العليا لحقوق الأقليات وأفضل الممارسات التى يمكن أن نتطلع اليها فى هذا الخصوص , غير أن التساؤل الذى يتعين طرحه هنا يدور حول ماهية ( القوى الإجتماعية ) التى أنتجهت تلك الإتجاهات وحرصت على تقنين فوائدها ومخاطرها وبدائلها - وباعتبارها ترجمة لمصالحها الإجتماعية والحقوقية .

فالثابت أن مضامين وضوابط تلك المعايير مازالت خاضعة للمفاهيم الليبرالية المتعلقة بحقوق الإنسان والتى تنظر " للتسامح " و ليس " العدالة " كقيمة أساسية حاكمة فى هذا الإطار , كما تبحث عن حقوق العرق والطائفة ( أو الطبقة المغلقة Caste ) فى وقت تتجاهل فيه قواعد المساواة بين أبناء الأمة الواحدة .

ومن هنا تبدو مهمة تلك السياسات الحقوقية الأقلوية فى تكريس أخفاء الواقع المستمر للتراتبات الإجتماعية والهيراركيات الطبقية والعنصرية , ولم تدفع نحو ألغاء التهميش السياسى والتفاوت الإقتصادى و الإجتماعى الذى يفتك بالجميع وليس بالأقليات فقط .

أن النقد الماركسى الأصيل لمنحى التعددية الثقافية فى طرازه وتجربته الليبرالية / الطبقية المطروحة يبدوجد هام , حتى ولوانتهى انتهى الأمر بالوقوف هناك فى خانة بعض الإتجاهات اليمينية المناهضة للفكرة .

أن التخلى عن الفكرة الكلية العامة الداعية للعدالة والمساواة الإجتماعية لمصلحة " النسبية الثقافية الأقلوية " تبدو مرفوضة , تمامآ مثلما يجرى الآن التمويه على الإنقسام الطبقى الأساسى وصراع المنافسة السياسية بين اليمين واليسار من خلال صراع حول مسائل : الهوية والأقليات الثقافية والعرقية و الدينية .

كما لا يوجد ثمة ضامن بأن البنية التحية للتعددية الثقافية لن تستولى عليها القوى غير الليبرالية وتخلق من رحمها أشكالآ جديدة من الهيراركية والسيطرة , وقد أثبت الممارسة أن نزعة تدويل هذه التعددية بدت كحقول ألغام يكتنفها أضطراب المفاهيم والتناقضات القانونية والتلاعبات السياسية .

أخطر ما فى مشهد " بريفيك " هو أختزاله فى مجرد أنه "حالة أنسانية فاشلة " , وأن ما قام به هو مجرد عمل فردى يجب نسبته لشخص مجنون نشأ فى أسرة مفككة وعجز عن التواصل الإجتماعى . " فبريفيك " يظل نتاجآ أصيلآ للبيئة السياسية والإجتماعية والحقوقية بالنرويج حتى ولو عمد لقائها حزب العمال ذى الميول الإشتراكية الوسيطة.

ومن اللافت أن أنجلترا تجتاحها الآن أعمال عنف بدت عرقية -على خلفية مقتل شاب أسود بيد شرطة ستوكلانديارد – وهى ليست بعيدة عن مذبحة " بريفيك " . فكلاهما يتفقان ليس فقط فى طرح أزمة التعددية الثقافية الليبرالية داخل المجتمعات الأوروبية , وأنما أيضآ فى تعرية واقع التهميش والتفاوت الإجتماعى والطبقى العام - الذى يجرى التمويه عليه وجحده وأنكاره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية الى عماد السبع
مكارم ابراهيم ( 2011 / 8 / 10 - 11:34 )
تحية طيبة رفيق عماد وشكرا لك على هذه المقالة المهمة جدا وطرحت حقائق كثيرة خطيرة جدا .
ان اختيار شعار التعددية الثقافية واحرتامها اكيد كان من ضروريات العولمة لكن في جوهره لايعني شيئا فالحكومات في اوربا الغربية اسست وزارة مايسنى بالاندماجج والكنائس ولاحظ ربطها بالكنائس وليس وزارة اندماج لوحدها حقيقة هي تمثيل داعم للعنصرية واحتقار الثقافات المتنوعة هذه الوزارت هي من ساهم في اصدار كل القوانين المتشددة بحق الاجانب المغتربين في اوربا بحيث يضغط عليهم للهجرة الى بلاد اخرى وهذا مايحدث فعلا الكثير هاجر منهم حتى لبلاد فيها حروب للخلاص وبالمناسبة حتى منهم السكان الاصليين لم يتحملوا العنصرية بحق الاقليات
اما النرويجي بريفيك فهو صنيعة الليبرالية الحديثة لهذه الحكومات التي خلقت منذ عقود وقد تناولت دور مارغريت تاتشر في مايحدث اليوم في مقالة سانشرها فالصراع بين الطبقات قديم كان ينضج على نار هادئة منذ فترتها واحتقار الطبقة العاملة في الاعلام والسياسة واتقار النقابات العمالية افرز هذه الحرائق واتصور اذا اتحدت القوى المناصرة للاشتركية والماركسية مع هؤلاء الشباب فسوف تكون نهاية حكومات الراسمالية

اخر الافلام

.. هكذا دخلت شرطة نيويورك قاعة هاميلتون بجامعة كولومبيا حيث يت


.. وزير الدفاع الأمريكي يقول إن واشنطن ستعارض اقتحام رفح دون خط




.. وقفات احتجاجية في جامعات الكويت للتضامن مع غزة


.. وزير الخارجية الأمريكي: إسرائيل قدمت مقترحات قوية والكرة الآ




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد قال إنها لتجهيز فرقتين للقتال في