الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين النضال الثوري لنيل الحقوق وبين النضال الحزبي بون شاسع، بين الذاكرة وبين العقيدة بون شاسع!

منهل السراج

2011 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لاحظنا الغزارة السياسية التي تناولت قضية مدينة حماة، وأحداث حماة 1982، خلال هذه الشهور السورية.
الغاية من هذا المقال، توضيح أنه لا يوجد أي تقاطع بين ظروف أحداث 1982، وبين ما يحدث في 2011، لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا عقائدياً.
إذا مررت سريعاً عبر التجربة في حماة! فإن معظم أهل مدينة حماة، أعوام 1980ـ 1982، كانوا معبئين بعقيدة واحدة، العقيدة الإسلامية، ولعلهم كانوا مؤمنين إيماناً غير واقعي بأن الجهاد في سبيل الله فريضة يُكافَؤون ويُثابون على تأديتها، وكانت الغاية، في الذهن، من الجهاد أن تنتزع السلطة من النظام، حيث إيمان الأغلبية أن هذا النظام غير شرعي. كانت جماعة الأخوان الأقرب لتحقيق هذه الغاية. فعل هذا الايمان لم يكن في الواقع إلا نزعة انتصار للعقيدة التي تمثلتها جماعة الأخوان للتغلب على النظام السوري. كان الاستعداد البشري الحقيقي للفعل السياسي أو لحمل السلاح، قلة قليلة، بعضهم تنظموا وتدربوا على أحد هذين الفعلين، وأصبحوا جاهزين للعمل السياسي أو المسلح.. ما حدث "وتناول أسباب هذا يحتاج إلى دراسات اجتماعية سياسية اقتصادية مطولة" أن وجه المدينة صار إسلامياً، بسبب تلك القناعة، لكن الأهالي وأتحدث الآن عن تلك الطبقة المتوسطة المتعلمة الطامحة، كانوا أناساً عاديين، مرتاحين عاطفياً ومرهفين إنسانياً، ولم يكن هناك عند أي منهم حقد يدفعه ليمارس القتل أو لديه القدرة على ظلم أو قهر إنسان.
المنظمون فعلياً هم من مارسوا الوظائف والمهام الموكلة إليهم، لكن الأمر لم يكن نابعاً عن حقد أو رغبة بالثأر، أعتقد، إنما كان إيماناً بالعقيدة، دعوني أقول، إخلاصاً مريضاً، للعقيدة، ولعل الناجع في ذلك الحين، هو العمل على التخفيف من ذلك الإخلاص الذي كان يصل بصاحبه إلى تبرير الحرب ضد جماعة. غير هذا، هناك فرق كبير بين من تنظم باستعداد كامل لأداء مهمات التنظيم، وبين الأهالي المؤمنين إيماناً نظرياً من دون أية ممارسة فعلية.
لكن المذابح التي مورست والقتل الذي امتد لأسابيع في شباط 1982 وشمل المسن والرضيع والحامل والصبية والشب، الهدم والإبادة، كان خبط عشواء، ويعجز الخيال عن الإحاطة به، إذ كيف يستطاع فعل هذا لمدة زمنية تمتد لأسابيع. الثأر عادة يدفع صاحبه إلى فعل قتل خلال ساعة غريزية غير إنسانية، أما أن يمتد الفعل ليكون قتلاً منظماً لأكثر من ثلاث أسابيع، فهو الأمر الذي يستحق الكشف والدراسة. وهو ربما ماكان يمكن أن يخلق أو أنه أوقع و راكم حقداً. والغريب بالأمر إلى درجة الفظاعة، هو تكديس كراهية فوق هذا، بتكرار الفعل بشكل آخر في 2011.
بالعودة لموضوع الأحزاب والعقائد في سوريا بعد ذلك، وبالاشارة إلى جماعات أخرى غير إسلامية، ومن خلال معايشتنا ل أخبار أحزاب سياسية حملت عقائد ونظريات نشطت من خلالها في الثمانينات، طلاب وطالبات آمنوا بحرارة بها، وتكبدوا ظروفاً قاسية من السجون والتنكيل والحرمان من أبسط حقوق المواطن في الدراسة والعمل.. إنما يجدر الاشارة أيضاً أن نشاطهم وتطلعاتهم كانت ضمن إطار أيديولوجية الحزب وضمن جماعتهم، الجماعة التي ترعاهم وتدعمهم وهم يخدمون فيها بدورهم. وبالتالي فالنشاط وإن ظل سلمياً، إنما أيضاً كان غايته الوصول إلى مواقع القرار لكي يتاح لعقيدتهم الانتشار. وبالتالي لم يكن يختلف كثيراً في الغاية.
مفهوم طبعاً في كل جهات العالم، أن يكون للأحزاب غاية أساسية هي الوصول إلى موقع القرار.
إنما الخلاصة هنا: أن أوضح للمتخوفين من أمر أن الأغلبية السورية تدين بدين الاسلام، أن مئات الآلاف التي نزفت قتلاً وتعذيباً وترويعاً خلال هذه العقود، لم يخرجوا يضحون بحياتهم من أجل السيادة والوصول إلى مواقع السلطة والقرار ولا من أجل عقيدة تتمثل في كثير من الأحيان باعتيادات حياتية يومية ليس أكثر، إنما خرجوا بسبب الذاكرة المليئة بالقتل والسجن والتهجير والتهميش الذي عايشته الأغلبية بشكل شامل في كل تفاصيل يومهم، خلال هذه العقود، والذاكرة المشتركة هي السبب الأساس وراء هذا التكاتف والصوت الواحد وليس أبداً العقيدة الواحدة، الفرق أنهم اليوم يطالبون بحقوقهم، ولا يحاربون من أجل عقيدتهم. لذلك وإن مازال وجه البلد إسلامياً، فإن هذا لا يفقرها ولا يغنيها، لا مجال له في هذا الانطلاق الثوري.
يغني البلاد الآن أن أهلها هبّوا يطالبون بحقوقهم مثل كل شعب متحضر كريم ويحترم هويته ووطنه في هذا العالم. ولذلك لا يمكن تشبيه توائمهم اليوم في الشارع، بتوافقهم في العقيدة أعوام العقائد والايديولوجيات.
1982 كان إيماناً حزبياً ونزاعاً لتسود عقيدتهم، وعبرها يتسيدون، أما اليوم فهو تلهف إنساني وتوق جماعي، سعي لممارسة الحقوق، وليس نزعة للتسيد أو للتبشير بعقيدة. ولعل في هتاف: هي لله هي لله لا للسلطة ولا للمال! أسطع تعبير. تضحية لا تعويض عليها ولا مكافأة ولا حتى وعد بخلاص واضح. غريزة إنسانية عتيقة لا افتعال فيها.
كثيرون في حماة قالوا في مظاهراتهم قبل القمع الأخير: كنا نتوضأ وننطق بالشهادتين قبل الخروج إلى الشارع يوم الجمعة. عملية تطهر ملائكية، الثمن إذن حياتهم، هل في هذا التطهر انتصار للعقيدة، أم لخير الإنسان والحياة؟ السؤال موجه لهؤلاء الذين ينظرون للأمر بشكل شمولي أقرب إلى نزعة الفكرة منه إلى الواقع.
انتهاك حقوق هؤلاء الناس في انطلاقهم الثوري وتوقهم الحياتي، أو تأييد الانتهاك أو الصمت عليه، أو تجاهله والمواربة حوله، كل هذا أمر شنيع بكل ما تدل عليه الكلمة من معنى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمات من ذهب
saqeq ( 2011 / 8 / 10 - 20:30 )
(( أما اليوم فهو تلهف إنساني وتوق جماعي ))

ما اروع ان يتم تشخيص الوقائع كما هي ، احترامي لك استاذة منها

اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة