الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسحراتي في الاردن بين الفساد والحرية !!

خالد عياصرة

2011 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


خالد عياصرة يكتب : قادما من بين البيوت بصوته المبحوح عزفه المنفرد المنغم برفقة طبل وقطعة من خشب، يعيدك إلى فطرتي الأولى شعرت بغبطة، لا يشوبهما الا ضحكات صديقي العزيز جهاد، ويده المرتجفة التي امتدت إلى ذلك الرجل لتعطيه بما تجود النفس، بعد رحلة شقاء في البحث عن الرجل، الذي خاف بدورة من تصرفنا القائم على اللحاق به من مكان إلى مكان ومن شارع إلى شارع. يضحك جهاد واضحك أنا، يا نايم وحد الديم ، لا الله الا الله محمد رسول الله، قوموا إلى سحوركم، برفقة الطبل، وصوته المحبب، ووجهة البشوش .

هنا تبدأ القصة، امرأة في البيت المقابل شدها صوت لتهليل، طفل يتطاير فرحا ويركض ليقف إمامة ويرغمه على إعطاءه الطبل وبدا يضربه، أمراه أخرى تقف عند باب منزلها وأطفالها تنتظر مقدمة لتعطيه مما أعطاها الله، بسمات الصغار وتطايرهم فرحا به، تجعلك تقف متفكرا بعظمة هذه المهنة، ودورها المحبب .

قديما، لا يكتمل رمضان الا برفقة المسحراتي، في هذا العام الكثيف بالغضب والقهر والدماء والأجساد المتناثرة على امتداد وطننا العربي، جاء رمضان يحمل شيئا من الفرح المسلوب في جرش - على اقل تقدير بالنسبة لي - كوني وللمرة الأولى بلا فخر أرى "المسحراتي "يطوف على البيوت ويجوب الشوارع في جولته الليلية على الاحياء المدينة لإيقاظ الناس للسحور.

المسحراتي عادة عربية اسلامية محببة، يقال أن أول من ابتدع هذه العادة هو عنبسة ابن إسحاق في مصر، حيث كان يذهب سيرا على الاقدام من الفسسفاط عاصمة مصر، إلى جامع عمر بن العاص.

تطورت إلى أن صار أهلنا في مصر يدعون الناس إلى السحور بمرافقة الضرب على الطبل، وتبعتهم بعد ذلك البلاد العربية وبعض البلاد الإسلامية.

طيلة الشهر الكريم يأخذ الرجل على عاتقة ايقاظ الناس من نومهم، الجميل في الأمر هو أن الأغلبية العظمى من الناس، يقدمون للمسحراتي كامل صنوف الاهتمام والرعاية، فهذا يقدم له الماء، وذلك التمر، وأخر الشراب، ورابع يعطيه بعضا من المال. في صورة تلخص عاداتنا الاجتماعية الترابطية الراقية، التي بتنا نحن لها حنان الغمامة إلى الأرض .

يدق الطبل ويعلو الصوت مهللا : يا نايم وحّد الدّايم يـا غافي وحّـد الله، يا نايم وحّد مولاك للي خلقك ما بنساك، قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم .

هذا الصوت يجوب الشوارع طيلة أيام الشهر الفضيل، حتى تعتقد في قراره نفسك بأنه سيستمر إلى ما بعد رمضان.
لكن لكل بداية نهاية، ينتهي الشهر، ويأتي عيد الفطر الكريم، يكرم الأهالي المسحراتي بشتى الوسائل والأساليب، بما تجود أنفسهم، مما رزقهم الله .

لكن، في الحقيقة مازلت أعيش التجربة، مع أسئلة كبيرة جدا تقول: من أين لنا مسحراتي يرفع صوته لتحصى شروط الحرية، مسحراتي يدعونا إلى حماية البلد من الفتنه، وهل ثمة هناك في مكان ما مسحراتي يحذرنا من السقوط في متاهات الفوضى الخلاقة، وهل يوجد مسحراتي يسهم في اصلاح ما خرب على يد الفساد والحرامية والسرسرية وقطاع الطرق !!!
يا حبذا لو يقرر رئيس الوزراء دولة معروف البخيت استحداث وظيفة على سلم التشكيلات يكون فيها هناك دورا للمسحراتي، يحصر دورة في دق طبول التنبيه في الوزارات والمؤسسات والشركات من الحرامية والفاسدين، ومن عملاء الداخل والخارج .

في الحقيقة أمل ذلك، كنا في السيارة أنا وصديقي العزيز جهاد، انتهت الليلة، لكن بقيت التجربة تسيطر علي عقلي .
الله يرحمنا برحمته ... وسلام على أردننا ورحمة من الله ..... رمضان كريم.
خالد عياصرة
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة أكسفورد البريطانية يواصلون الضغط على جامعتهم لمقا


.. خفر السواحل الجيبوتي يكثف دورياته بمضيق باب المندب




.. وصفته بـ-التطور الشائن-.. وكالة -أونروا- تغلق مجمّع مكاتبها


.. بين مؤيد ومعارض.. مشرعون أمريكيون يعلقون على قرار بايدن بتجم




.. السويد.. مسيرة حاشدة رفضا لمشاركة إسرائيل في مهرجان غنائي في