الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عماد فؤاد حيث الكتابة زراعة

ريبر يوسف

2011 / 8 / 11
الادب والفن




كنت على طريق ما طويلة إذ وارتني نفسي الشديدة بي عنها، آن اتسعت عيني ككفّ الأعمى، إثر مشاهدتي فيلم (الطريق) للمخرج الكردي (يلماز غوناي). ترى, إن كان لكل امرئ سدرته المواظبة على تلقينه نفسها، في حركة منها (استدلال العاقل إلى ما هو غائب أصلاً) من جهة, واستدلال العاقل إلى حضور شاق كفعل جوهرٍ من جهة أخرى, ليكون المرء في حال هلامية الهيئة، بادئ الأمر، إذ يواظب على انحسار نفسه الـ هناك، وأخرى الغائبة في سؤاله عن أناه, هو إذاً البحث أبداً عن رحمٍ، يهادن بين متوجسات المرء السعي الدائم لإلصاق وجهه بوجه تربة تحفظ ما نسعى إلى نسيانه مراراً ومراراً. ثمة ذاكرة خَلَلَ المنكفئ عن التراب، ذاكرة متقطعة تشبه صورة لحظة المطر.. تحيلُه بين عدم انجراره في أثر المستطاع "أنت واسطة العقد في ترتيب إخوتك, وأنا الابن البكر لفلاحين نازحين من وحل الجهالة إلى وحل المجهول". إذاً، الطرق التي تُتعِب الكائن لحظة امتلائه ركناً فارغاً كان في الحياة, تنهكه في لحظات ما فيما بعد وكأن الكائن لا يسعه التكتم على شيء أعدّه كي يفشيه لنفسه لحظة سؤاله الطرقَ بما هو كان قد أجهد نفسه لنسيانها. ترى, هل تعود الطرق التي واكبناها في الطفولة ـ هذا إن كانت الطرق كائنات بدورها ـ بكافة العناصر التي لملمتنا، لحظة بلحظة، وكأنها نسجت فينا ما يجعلها تستدل إلينا في زمن ما آخر يبتعد عنها ويكون ملاصقاً بنا؟ لكننا لا نقوى على الخروج على الطرق, مهما أجهدنا أنفسنا بحكمة نتلمس منها حكمة, والطرق التي تتظاهر لنا بغيابها تتظاهر لنا بحضورنا في آن. هو، إذاً، لعب إذ تحاول الخروج على فكرة غير موجودة أصلاً, وموجودة بفعل الكائن فاعلاً لا يسعه الغياب دوماً, إذ يقول الشاعر الأمريكي (مارك ستراند): "في الحقل أنا غياب الحقل" تجهد ذاكرتنا أيضاً وأيضاً في وصف الفعل بعين متلازمة مع مكونات تربكنا لحظة التمعن فيها. هكذا يفضي الشاعر المصري (عماد فؤاد) في جبّ المتلقي بغيابه في حضورٍ ما, وغيابِ ما هو حاضر إذ يكون على أهبة وصفه بفعله كائناً موجوداً أبداً، وإن تغيرت الطرق في ترابية الألوان لجسدٍ يُسمّى جثة، لحظة غيابٍ ما هو أشد لمعاناً فيه في حال كأن الطرق والطرق تسلبان من المتلقي، لوهلة، سعةَ الدلالة في مفهوم الكلمة عبر اللغة المادية؛ سيما أن السير في منظور اكتشاف حال الجسد يفضي إلى اللغة الحسية، بفعلها غير مجردة من الغياب، وإن يكن موسوماً هذا التجرد بحرف ما أو حركة غزيرة تبوح عبرها لنا ببساطة التفسير. تأتي بلاغة المصري عماد فؤاد في توطين الجسد المجرد من البريق, أماكن حواس تتعاقب إحداها سابقتها وكأن الجسد/ الجثة في كتابه (عشر طرق للتنكيل بجثة) حقلٌ يقضم فيه البصريُّ لونَ الحسي فيه, سيما أن كل طريقة تفتق في سرها طريقاً ما يبدو غيابه مشكوكاً في أمره الطريق, وحضوره مشكوكاً في سر الطريق الطرق. في الفيلم "اللوح الأسود" للمخرجة الكردية (سميرة مخملباف)، تتعرى الألواح التي تعتلي ظهور معلمين يفتحون في الجبال المغلقة طرقاً لا متناهية، لوهلة يغيب الشكل في الألواح تلك؛ إذ تتحول إلى مواد أخرى بدورها ترتب صبر الكائن في التمرين على ما هو غائب عنه. يتحول اللوح المعدّ لتعليم اللغة إلى عناصر متعددة؛ باب.. حبل غسيل.. نقالة طبية.. خشب تجبير الكسر.. وملجأ. في السّيَر المتعددة لدى كتاب عماد فؤاد تتجرد العناصر من سياقاتها، لوهلة، في حركة غير غائبة عن استدراكنا لمغزاها، في حين تتفتح طرق لا متناهية داخل نصّه المنغلق بفعل ألم يواظب على تفسير نفسه، خَلَلَ مخيلة الشاعر، حتى يتظاهر لنا الهمّ للحظة سرباً كثيفاً وكأنه سرّ أجنحة لضوء أبيض. في حين يكون الجسد جثة، داخل أحد النصوص، يتحول سرداً نبيلاً، جارحاً ذهن الشاعر لحظة لمعانه على بياض الكتابة، لا بل اللحظة التي تسبقها حتى, سيما أن المرء ليس في مستطاعه توظيف الألم مرتجلاً إياه. في ذهن المرء عوالم تعتاش على توجس المرء بها، حتى تحين لحظة لمعانها, هي حال شبيهة بفعل الولادة لدى الكائنات عموماً عموماً, هو إذاً التفسير بعينه جامعاً ما يتناثر عن عيننا، في نقطة صلبة تجاور بفعلها صلباً صلابةَ التراب، الذي يقبض بيدين منهكتين (كأنها تستدل العاقل إلى ما هو غائب أصلاً) على ترابية الحالة فينا, يكون الأمر إذاً حرثاً بمواد وأفعال أخرى ـ هذا بفعل الكتابة عند عماد فؤاد عملية لا تتجزأ من ماهية الزراعة ـ المودة النقمة الخجل الجرأة في نصه ليست أفكاراً توجز المودة النقمة الخجل الجرأة, لوهلة يتظاهر لنا موثقاً ذاكرته الترابية بذاكرة اسمنتية منكبّة على مواظبة المكان الأوسع له في ذهنه المشوش بالتراب. زراعة هي الحياة، داخل النص المجرد من أمكنة لا تفصل نفسها عن سايكولوجيا المكان ذاته, حتى يخال لنا أنه شبح نفسه إذ يقف على منحدرٍ ملون ـ هو منحدر في ذهنه, "أمك وأمي عجوزان تشتكيان مساخر الزمن وآلام الروماتيزم". يغيّب عماد فؤاد العناصر المكونة للجغرافيا عموماً فيما يهم باستدراك ما هو عاطفي، بالشكل الكوني للحياة. في هذا الفعل خروج على الشكل. مسحة منه، وبيد شاقة ما، تجعل البسيط كونياً والكوني نقمة تجهد ذاكرته أكثر فأكثر. إذاً، لا تغادرنا الطرق التي رتبتنا لنفسها إذ غادرناها، هي دوماً تلك الطرق التي خلنا أننا ـ وإن هرولنا في سريرتها ـ سريرة كائن يفشل في إيجاد الحلول التي تطوي الطرق إلى الأبد لينظر نفسه مباشرةً.
ينتهي كتاب عماد فؤاد في صفحاته, فيما العناصر سيّارة كل منها في طريق، وبطرق لا متناهية تفتح في الذهن المتلقي طرقاً نظنها تنتهي إلا أنها تنهينا تماماً, إذ نتخيلنا لم نعرف هذا الطريق البتة.. وما مشينا يوماً ..كالفرس في الفيلم (الطريق).
"سأبدأ الكلام في آخر نقطة من السطر دون فواصل ولا نقطٍ ولا مساحاتٍ فارغةٍ بلا معنى وتعالي نتصارح...."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برلين

ـ (عشر طرق للتنكيل بجثة)، مجموعة شعرية للشاعر عماد فؤاد، إصدار العام 2010م، دار الآداب. تصميم الغلاف: ريم الجندي.
ـ عماد فؤاد: شاعر مصري، من مواليد العام 1974م. يقيم في بلجيكيا. أصدر أربع مجموعات شعرية ـ ترجمت قصائده إلى العديد من اللغات من بينها الإنجليزية والهولندية والفرنسية والإسبانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب