الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية غرور

أبو العباس ابرهام

2011 / 8 / 11
الادب والفن


الإنسان، ذلك المغرور. إنه ماض في عملية تطوره بثقة زائدة. وهو يبرر انتصاراته بمنطق متعال علي بقية الفصائل. يقول بشكل تكراري روتيني أن لا مجال للمقارنة بينه وبين بقية الحيوانات الأخرى، فهو "العاقل"، "المتحضر" ويقول بـتأفف، مسويا وضعية ياقته الأنيقة، متحدثا عن الفصائل الأخرى: إنها حيوانات. وحتى عند ما يفطن، في آخر المطاف، بأنه حيوان هو الآخر فإنه يضع صفات تمييزية لا حدود لها للارتقاء بنفسه عن الآخرين، صفات من نوع أنا" حيوان ناطق"، "حيوان اجتماعي" "حيوان ثقافي"،" حيوان سياسي"... المؤلم هنا هو أن هذه الاستثنائية تنفي صفة العقل عن الحيوان: لا تجعله يعقل طبيعة الحيوانات الأخرى.
vتبين الدراسات الأخيرة في علم الفصائل primatologie وخصوصا الخاص منها بفصائل القردة إلي أي مدى هي ذاوية الفروق بين الإنسان والحيوان، وإلي مدى هي مجرد أحكام قبلية عالقة بثقافة الغرور التي تميز الإنسان. فحتى علي المستوى العضوي أصبح من الممكن زراعة قلب قرد البابون للإنسان، وتفيد تجارب كهذه أنه قادر علي العيش بهذا القلب لأسابيع. وبالنظر إلي الفصائل الدمية الأساسية في جسم الإنسان لا حظ علماء البريماتولوجيا أنها توجد بنفس الصيغة لدي قردة الريسوس، ولذلك يرمز إليها بـ Rhنسبة إلي الريسوس Rhésus . أكثر من هذا، يشترك الإنسان 98% من خريطته الجينية مع قرد الشيمبانزي.

و لكن الأمر الأسوأ بالنسبة لكثير من البشر هو قربهم من الخنزير، والأمر هنا لا يتعلق بتحول بعض البشر إلى خنازير بين ليلة و ضحاها، كما تشير الكتب السماوية، بل بتقارب الخنزير والإنسان حيث يظهر الخنزير في الخريطة الداروينية كأقرب أقرباء الإنسان و يشترك معه نسبة كبيرة في الخريزة الجينية. و مؤخرا تم بنجاح القيام بعمليات زراعة جلد و صمامات القلب و الكلى من الخنزير للإنسان. بل إن كريستوفر هيتشنز في كتابه ذائع الصيت، "الله ليس أكبر"، يلمح إلى أن تحريم الخنزير ربما كان عائدا إلى شبهه بالإنسان، حيث صياحه صياح إنساني لا لبس فيه. وداعا للخصوصية الإنسانية.


يمكننا أيضا وداع هذه الخصوصية بتجاوز الجانب العضوي إلي مجال المعرفة وتكنولوجيا التصنيع فالدراسات التي أجرتها هيئة العلوم البيولوجية التابعة لجامعة ستانفورد الأمريكية تظهر الحد القوى من المهارة التي تصنع بها حيوانات شتي أسلحتها، التي تصقلها من الخشب المتوفر في بيئتها المحيطة. وتظهر هذه الدراسات حجما كبيرا من التنوع الثقافي في صناعة هذه الأسلحة حيث تسود أنماط معينة من الأدوات المصنعة بين فصائل حيوانية معينة وبشكل خصوصي.

ودائما في هذا السياق ظهر في الآونة الأخيرة علم خاص بدراسة العقل الحيواني هدفه الإفصاح عن نظرية العقل theory of mind لدي فصائل القردة. لقد لوحظ هنا أن القردة تمتلك حدا مدهشا من السيمانطقية: القدرة علي التعرف علي معاني معينة بأصوات معينة. لقد أصبح من الممكن علميا الحديث عن اللغة الحيوانية، حيث تدل متابعة حياة القردة أن لأصواتها دلالات واضحة. وداعا لمصطلح الحيوان الناطق وصفا للإنسان.


لا تحمل عبارة "الإنسان حيوان اجتماعي " أيضا أي معني، إذ القردة اجتماعية هي الأخرى. صحيح أنه يمكن إيجاد فصائل حيوانية غير اجتماعية ( تماما كما يمكن وجود مجتمعات بشرية فردية أو أشخاصا انعزاليين ) ولكن التصرف الحيواني هو عموما اجتماعي: أي ذا مرجعية تحددها المجموعة. أكثر من هذا يبدو أن جانبا من الدماغ القردي هو اللحاء المخيcortex، يرتبط بشكل مباشر بالنشاط الاجتماعي للحيوان. ويمكن ملاحظة أنه كلما غلظ هذا الجانب من الدماغ كلما ازداد معدل التفاهم الإجتماعي لدي صاحبه. يوجد هذا اللحاء بشكل غليظ جدا لدى الإنسان بحيث يسمح له بالثرثرة والانسجام مع نظرائه، ولكنه أيضا غليظ نسبيا عند قردة البابون، والريسوس، والشمبانزي والغيبون والمارموس.

يفسر هذا أنماطا من التصرف الإجتماعي المنظم عند هذه "المجتمعات " فيما يتعلق بتربية الأولاد، العمل التعاوني، عمليات جمع الغذاء، الصيد الجماعي، وحتى فيما يعني النزاعات وحل النزاعات بين أفراد المجموعة. القردة أيضا حيوانات سياسية بشكل كاف لجعل أرسطو يراجع عبارته الشهيرة عن الإنسان كـ"حيوان سياسي ". لقد لاحظ علماء البراماتولوجيا كيف أن هناك أبعادا سياسية لصراعات القردة فيما بينها؛ تحاك تحالفات بين ذكور الماكاك ضد بعضها البعض الآخر. بل ويتم التوصل إلي تسويات سلمية فيما يتعلق بالامتيازات الجنسية والعمل التعاوني: حيث يتم التوصل إلي تنظيم عادل لأوقات العمل واقتسام"عادل" للإناث. عند بعض الفصائل، وخصوصا فصيلة البونبو، وهي نوع نادر من الشمبانزي يوجد أساسا في اليابان. يتم تجاوز الاحتدام بجلسات جنسية.

تصرف القردة أيضا يأخذ بعين الاعتبار الوضعية العامة للفصيلة. فمثلا لوحظ أن عدوانية قردة البابون تجاه بعضها البعض الآخر قد خفت بشكل كبير جدا عندما انخفض الحجم الديمغرافي لجماعة منها في أدغال كينيا بفعل مرض السل الوبائي ردا علي تغير السلوك العدواني للمجموعة. ولوحظت ميول للقردة الأقوى فيها لتحمل استفزازات واعتداءات القردة الصغيرة. لقد جعلت تصرفات كهذه العلماء الباحثين في السلوكيات القردية يقتنعون أن القردة سياسية في السلم كما هي كذلك في الحرب. وبمناسبة الحرب ليس الإنسان هو المعيار الوحيد، وليس هو النوع الوحيد الذي يقتل أخاه الإنسان كما يقال دوما. القردة تفعل ذلك.

لقد وجهت ضربات مؤلمة إلي غرور الإنسان علي مدي القرون الأخيرة. في البداية تم إنزاله من مركزية العالم بفعل كتابات كوبرنيكوك الذي ألغي وهم الأرض مركزا للعالم ووضع الشمس مكانها. ثم جاءت الداروينية ووضعت الإنسان ضمن سلسلة حيوانية واضحة. ثم جاء نيتشه وألغي البعد الإلهي للإنسان. ومباشرة بعده ألغي فرويد الأبعاد الغائية المثالية بتصويره الإنسان حيوانا ميكانيكيا تصنعه الغرائز.

واليوم تظهر القردة من خلال حياتها اليومية كيف أن الإنسان لم يعد يحظى وحده بجميع الصفات التي تضاف إلي كلمة حيوان لتمييزه. لتمييز الإنسان لا يجب إبقاء أي شيء أكثر من "حيوان" لوصفه. أو يجب القول إنه " «قرد متعالي » إن كان لا بد من قول شيء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي