الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة غير المقننة:المنتج الحضاري المرحلي لتلاقح الثورة التقنية ونمط الانتاج الراسمالي:

خالد عبد القادر احمد

2011 / 8 / 11
العولمة وتطورات العالم المعاصر


انني على يقين تام ان منهجية القراءة هي ناظم البناء الفكري الانساني, وتبعا لسلامةتها يتحدد مستوى سلامة الحصيلة الفكرية الانسانية, لذلك يمكن القول ان المنهجية المادية الجدلية كما طرحها الفكر الماركسي هي اثمن انجاز ايديولوجي انساني اطلاقا في التاريخ. طالما لم يمس بهذه المنهجية وجود مسبق لامراض في بناء حالة التعقل الانساني نفسها,
قد يقول مشكك ان الحتميات الفكرية التي استنتجها الماركسيون بدءا بماركس, سقطت في تجربة التطبيق الانساني, مقدمين سقوط التجربة الاشتراكية نموذجا لذلك وبرهانا ودللا على الفشل, دون ان يتذكرو ان مؤسسي الماركسية بهذا الصدد, اشاروا الى اتجاه حركة التطور الموضوعية وارتداداتها _ المرحلية_على الفعل الارادي الانسان, وفي هذا الاطار نجد ان_ التوقعات الماركسية_ صدقت, ليس في قراءة مراحل التاريخ, بل وفي استشراف المنظور من مراحل المستقبل ايضا,
لكن ما نود الاشارة له هنا, هو ان الجوهر الثقافي للمنظور المادي الجدلي للقراءة هو التاكيد على السرمدي المطل منها, كالقول باطلاقية حركة التغيير وتحديد القوانين الناظمة لالية حدوثها. ووحدة تجليها في المادة والانسان الذي يؤكد على وحدة ماديتها,
ان المنهجية المادية الجدلية للقراءة الانسانية للواقع, ليس مهمتها صياغة الاستنتاج الفلسفي, فهذه مهمة عملية التعقل الانسانية, لكن مهمة القراءة المادية الجدلية, هوو عرض صورة الواقع في ذاتيته المادية المتغيرة, كما هو في ذات وجوده,
ان مقولات الايمان والالحاد الديني مثلا ليست معطى مباشر للقراءة المادية الجدلية لذات الكون وحركته, فهي تعطي اشارات تخدم التوجهين العقليين نحو الاقرار بوجود الله او انكار هذا الوجود, ويعود للاتجاه الخاص لعملية التعقل الانساني ان تختار الايمان او الالحاد. لان الاقرار بمادية الوجود ياخذ عملية التعقل الانسانية الى انكار توازي وجود حالة لامادية معها مما يعني الالحاد, في حين انها من جهة اخرى, تطرح تقييد الحركة المادية بناظمها من قوانين التفاعل الامر الذي يطرح وجود نظام وناظم ويتجه الى الاقرار بوجود الله والايمان به, اما ما يلي هذا المستوى من الحقيقة من حوارات ومماحكات سفسطائية فلا جدوى منه ولا ثمن له. فليس الموضوع موضوع تقرير ان جدلية مادية الكون هي وضع الهي او وضع الصدفة المادية البحتة, فالاهم هو هل تتسلح عملية التعقل الانسانية بمنظور قراءة مادي جدلي او منظور قراءة قدري فحسب.
ان فارق المسالة هو ان منظور القراءة المادي الجدلي, يطرح من الناحية الرئيسية عملية استشراف المستقبل, ويحث ارادة الانسان على ان تكون صاحبة قرار فيه وان تتحرك نحوه بصورة برنامجية مقصودة, في حين ان المنظور القدري يملي عليه حالة احساس بالعجز ويفرض عليه حالة انتظارية. على اعتبار ان لا قوة انسانية مكافئة للقوة القدرية وقادرة على تغيير ارادتها المسبقة,
ان تناقض اتجاهات استنتاج عملية التعقل الانساني اثناء قراءتها لواقعة وجود الوجود انتج تناقض المقولة الفلسفية, لكنه لم يستطع المس بوحدة اتفاقها على حقيقة وجود الوجود نفسها, الامر الذي يؤكد حقيقة وجود منطلق واحد للاتجاهات المتناقضة والمتعددة, ولم يكن غريبا وهذه الحال ان تتناقض قراءة تاريخ مسار التطور الحضاري الانساني, وقراءة الوظيفة الحضارية لمنتجاته الثقافية الناظم المتطور للسلوك الانساني ومرشداته الحضارية, ومنها بالضرورة ذات منتج المقولة الفلسفية على تناقضه, حيث يبقى مكثف الحصيلة المعرفية لمجمل انتاج التاريخ الحضاري والمشيمة الانسانية التي تحوله الى ارشاد سلوكي, لذلك لم يكن غريبا ان يكون انحياز المعرفة العلمية الرئيسي ليس لاتجاهات عملية التعقل الانسانية المتناقضة بل نحو تعزيز ضرورة السمة العلمية _ مادية وجدلية_ منهجية القراءة, الامر الذي قلل من قوة اعتماد المقولة القدرية في منهجية القراءة وعزز الاعتماد على قوة المنهجية المادية الجدلية, لذلك نجد توازي باتجاه منسجم ومتناغم بين تعزز دور البحث العلمي من النشاط الانساني مع تعزز دور منهجية القراءة المادية الجدلية,
يمكن القول اذن: ان منهجية القراءة المادية الجدلية للواقع باتت هي المكتسب الرئيسي لعملية التحضر الانسانية التاريخية, دون تعارض مع حرية عملية التعقل الانسانية في الاستنتاج الفلسفي. وان عملية التعقل الانسانية وحدها تتحمل مسئولية خلل الاستنتاج او صوابيته,
وفي القاء نظرة على الماضي عرضت منهجية القراءة المادية الجدلية لنا عوامل وقوانين الانقلابات الحضارية التي مرت على الانسانية. واثبتت ان _ سرمدية حركة تغير الواقع الموضوعية_ هي العامل اللاارادي الدائم لحدوث هذه الانقلابات, وان استمرار هذه الحركة وسرمديتها سياتي بانقلابات حضارية مستجدة, وفي هذا الاطار كان توقع الثورة الاشتراكية, التي حدثت فعلا ونجحت نسبيا فعلا, لكنها هزمت امام منتجها _ سرمدية الحركة وعملية التغيير_ ودون الرجوع للخلف كانت هذه الهزيمة لصالح النظام الموازي في وجوده للنظام الاشتراكي, الا وهو نظام نمط الانتاج الراسمالي, الذي يتعرض هو بذاته الان للهزيمة امام الانقلاب الحضاري القادم الذي ياخذنا اليه اتجاه اعتماد الصيغة العلمية كشارط لحياة الانسانية وفعالياتها وتشكيلاتها وعلاقاتها...الخ.
ان الانقلاب الحضاري الانساني لا يحدث الا بصورة مراحلية, لكل منه تراكمه الكمي وقفزته النوعية, التي تتجلى في بنيتي المجتمع التحتية والفوقية, وبمقدار تواتر التغيرات وتراكمها في هاتين البنيتين تقترب ساعة قفزة الانقلاب الحضاري المراحلية اولا والشاملة ثانيا, ففي اي مستوى نحن من مراحلية الانقلاب الحضاري على كلا نمطي الانتاج الراسمالي والاشتراكي,
على هذا الصعيد يمكن القول ان مسار التطور الحضاري الانساني ينطوي على تناقض يكاد يكون مضحكا؟ ففي الحين الذي لم تستكمل بعد جميع قوميات المجتمع الانساني تحررها من علاقات اللاتكافؤ, ولا يزال بعضها يناضل في سبيل تحرره وتحديد شرعية وجوده القومي نجد ان مسار التطور ادخل الانسانية فعلا ومبكرا الى حالة عولمة تتجاوز مسلكية التحفظ القومي, وكانت ادوات ذلك هي العولمة النسبية لنمط الانتاج الراسمالي نفسه وعولمة ثورة الانجاز التقني التكنلولوجي الانساني, في كافة المجالات. الانتاجية والخدماتية والبحثية, الامر الذي كان من نتائجه المباشرة بدء تفكك الحصانة القومية وتدخل العولمة المباشر في الحياة الداخلية للقوميات وعلاقاتها الداخلية ....الخ.
لقد بدأ النظام القومي يفقد سيطرته في المجالين الرئيسيين لسطوته السلطوية, فهو يفقد قدرته على التحكم بالمواطنة كما انه يفقد قدرته على التحكم بحالة العزل القومي وبات يتعرض اكثر فاكثر لمدى اوسع من تاثير الاجنبي بالمحلي, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بمنهجية مباشرة او بالتاثير غير المباشر
ان ثورة الاتصالات والمواصلات, انهكت العزلة القومية للمواطن وانهكت رقابتها عليه, الى درجة بات معها المواطن يمتلك مستوى ثقافي اعلى من ما يتيحه له تخلف التشريع في مجال الحريات والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان, فهو بات يعيش حالة مقارنة مستمرة بين العالم الافتراضي الذي توفره له تقنية الاتصال العالية وعالمه الواقعي الذي تقوننه التشريعات السلطوية حول نفس المسائل, ولا ترتقي لمستجد رقي مستواه الثقافي,
ان قوة ادوات قمع المواطنة باتت تتهاوى واحدة تلو الاخرى, فمجال اخفاء المعلومة مثلا كاحد مجالات قوة السلطة انهار الان مع وجود حالات الهاكرز ويكاد هؤلاء يتمكنون من السيطرة حتى على امن اسلحة الدمار الشامل, والاطلاع على الاسرار القذرة للدولة, .....الخ,
اما على صعيد العلاقات الرسمية فان تشابك المصالح وحجم انكشاف الوضع القومي بات يسمح مثلا لوزارة الخارجية الامريكية ان تحدد من يصلح ومن لا يصلح لترؤس النظام في سوريا واليمن وليبيا....الخ. ان الدولة لم تعد تستطع السيطرة سوى على الحركة الانتقالية المادية المباشرة للمواطن ووسيلة مواصلاته, لكنها لم تعد تستطيع السيطرة على مستوى وقوة وحجم تحقق المواطن ثقافيا
وحتى الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها لا تزال مقياس التفوق الحضاري نجدها الان باتت تواجه تحديات نظام العولمة الذي دعت العالم للصورة الامريكية منه, فوجدت في وقائع كتسريبات ويكليكس, ان العولمة بصورة رئيسية غير قابلة للتقنين القومي وان النظام القومي عالميا سيكون ضحية لها, وان تفاوت توقيت الاستفادة منه والضرر به من قومية لاخرى,
بهذا الصدد يمكن القول ان _الشكل المجرد_ لنمط الانتفاضات الشعبية الذي حدث في منطقتنا والذي بات اسلوبها يتسرب لمواقع قومية في مختلف القارات, يمكن اعتباره ايضا شكلا من اشكال تمطي نظام العولمة على سطح الانسانية كلها, فما يحدث فنمطية ما يحدث في بريطانيا وحدث قبلها في اليونان, لا يمكن عدم الاقرار بتاثرها بنمط الانتفاضات التي حدثت في منطقتنا, غير ان خصوصية كل وضع قومي تفرض شروطها فيه, وهو غير بعيد تكرار حدوثه في الولايات المتحدة نفسها التي حاولت ان تطور لنفسها منه نمطا خاصا له استخدامه السياسي المقنن في صورة _ مقولة الفوضى الخلاقة_ وان تستخدمه استخداما قوميا خاصا,
ولربما لا يكون يوم مواجهة الولايات المتحدة لهذا الاستنتاج غير بعيد اذا تذكرنا وجود واستمرار تفاعل الازمة الاقتصادية فيها, والحوار السياسي الخلافي الذي بات يسود مجتمع الولايات المتحدة والذي تتكثف حدته بحوار الحزبين باعتبارهما الادوات السياسية الرئيسية للممارسة الاجتماعية الامريكية للديموقراطية.
ان خلاصة ما ننوي قوله هنا, هو ان مسار التطور الحضاري الانساني, في محاولته الوصول الى صيغة علمية لتشكيل الواقع الانساني, انما يمر باشكال مرحلية قد تبدو شكلا على تناقض مع مناورة حركة الواقع الموضوعية, غير انها في جوهرها تكون على تناغم وانسجام معه, وانما هي تستجيب فقط لشروط وتجليات مرحلية خاصة,
وحتى على صعيد السلوك الطبقي البرجوازي الراسمالي, نجد ان هذه الطبقة تحاول منذ وقت مبكر ان تتكيف مع واقع الاتجاه الانساني نحو العولمة, محكومة في ذلك الى منحاها في الاستجابة الى احتياجات هدف مركزة الثروة, فهي لا تتحرر بذاتها فقط من قيودها القومية نسبيا وانما تجر ايضا برجوازيات الامم الاخرى الى منهجية التحرر من قيودها القومية الخاصة,
هنا علينا ان لا نخلط بين مقولة الاممية اللاطبقية التي طرحها الفكر الاشتراكي ومقولة العولمة التي يطرحها موضوعيا بطبقيتها تلاقح ثورة التطور التقني ونمط الانتاج الراسمالي ويطرحها برنامجيا الفكر الاستعماري كمنهجية سياسية اقتصادية مقننة تضمن بقاء فارق التفوق الحضاري بين القوميات الاستعمارية والقوميات المستعمرة,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البقاع شرق لبنان: منطقة استراتيجية بالنسبة لحزب الله


.. بعد مقتل حسن نصر الله.. هل كسرت إسرائيل حزب الله؟




.. تباين| مواقف هاريس وترمب من العمل في ماكدونالدز


.. عواصف وفيضانات غمرت مناطق متعددة في ولاية فلوريدا جراء ضرب إ




.. أمين عام المجلس الإسلامي العربي يتهم إيران بتسليم إحداثيات -