الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل المبتغى السياسوي الضيق لحزب العدالة والتنمية

سامر أبوالقاسم

2011 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش المشهد السياسي المغربي هذه الفترة على إيقاع محاولة اقتناص حزب العدالة والتنمية للفرصة، ورغبته في ملء الفراغ الحاصل في الساحة السياسية، وتعبيره القوي عن الإصرار المحموم على الوصول إلى موقع التدبير الحكومي من خلال الانتخابات التشريعية المرتقبة.
البروز المثير للاهتمام لهذا الحزب الديني في الآونة الأخيرة، يتم في ظل تراجعات كبيرة وترددات خطيرة تعرفها باقي الأحزاب المغربية، تخوفا من هشاشة بنياتها التنظيمية، ومن تراجع إشعاعها في أوساط قاعدتها الجماهيرية، ومن الحراك الاجتماعي الحالي الدافع في اتجاه تغيير غير محدد المعالم والغايات، وكذا من الضعف على مستوى نسج تنسيقات وتحالفات مساعدة على إقامة تقاطبات واضحة، وهو للأسف ما يزيد المشهد السياسي تعقيدا من حيث اتضاح الرؤى والبرامج السياسية العملية.
ويأتي تهافت هذا الحزب الديني كذلك، في ظل خريطة سياسية وانتخابية يحتل فيها حزب الأصالة والمعاصرة الرتبة الأولى حسب نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة، التي مكنته من الحصول على قاعدة واسعة من الهيئة الناخبة وفئات عريضة من المستشارين الجماعيين وأعضاء الغرف المهنية، إضافة إلى العدد الكبير من النواب والمستشارين البرلمانيين، وجعلته في موقع الحزب المتمكن ميدانيا من التأثير الإيجابي على الكتلة الناخبة لصالحه فيما نستقبله من استحقاقات، كما جعلته في موقع الحزب المحتمل حصوله على رتبة مشرفة في الانتخابات التشريعية المقبلة، بما يخوله المشاركة في أول حكومة بعد التغيير الدستوري العميق.
حزب العدالة والتنمية ـ وهو حزب ديني يدعي الاستناد إلى المرجعية الإسلامية من منطلق المساهمة "الذكية والمعتدلة" في تقوية مناحي الغلو الديني، عبر الشحن والتوجيه المنغلق، الهادف إلى توظيف الدين الإسلامي سياسيا ومصلحيا بما يتماشى مع أهدافه الانتخابية ـ لم يعد يرقه هذا الوضع السياسي الراهن الذي يعد لغير صالحه، فامتطى صهوة دغدغة عواطف الرأي العام والتهجم على كافة القوى السياسية المتواجدة، ليضيف هذه السلوكات المشحونة بالحقد والكراهية المتنافية مع أخلاقيات التنافس الديمقراطي إلى رصيده على مستوى التوظيف السياسي للدين، ودفاعه المستميت على المتورطين في العمليات الإرهابية، وتغطيته السياسية التي يوفرها لكل التيارات السلفية المتطرفة، بهدف الرهان عليها في كل الاستحقاقات السياسية ببلادنا.
في السنوات الأخيرة، لم يتمكن الحزب من الحفاظ على "توازنه" السياسي والانتخابي بعد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، فعمد إلى"مبدأ التقية" في القيام بعمليات التوفيق بين دفاعه البليد عن الهوية الدينية للأمة، وبين دفاعه المنافق عن الديمقراطية بمفهومها الكوني، وهو ما جعله في مأزق سياسي حقيقي، لم ينفع معه سوى تحركه في غضون الإصلاح الدستوري الأخير ليلعب أحد أدواره القذرة، المتمثل في تصعيد لهجته تحت ذريعة "المساس" بالهوية، خاصة في الشق المرتبط بإسلامية الدولة، وهو تحرك لم يكن سوى بإيعاز من التيار المحافظ داخل أجهزة الدولة، فرضي لنفسه أن يُستَخدَم أداة للالتفاف على مطلب القوى الديمقراطية تضمين الدستور الجديد مقتضيات حداثية جريئة؛ من قبيل حرية المعتقد.
وفي مقابل هذا الدور، وبهدف الحصول على مرتبة متقدمة في الانتخابات المقبلة، وبغاية المشاركة في التدبير الحكومي الآتي، لجأ الحزب إلى الاحتماء بالتيار المحافظ داخل أجهزة الدولة للضغط من أجل تمكينه من ذلك، عبر القيام بمحاولات تحجيم قوة حزب الأصالة والمعاصرة وافتعال قضايا زائفة، تلك التي ـ للأسف ـ انجرت إليها بعض المكونات السياسية، علما بأن هذا الحزب غير معني تماما بتطبيق الآليات الديمقراطية في الحصول على موقع سياسي وانتخابي متقدم، وأن كل ما في الأمر هو التوجه نحو الضغط على السلطات من أجل دعمه في الاستحقاقات المقبلة.
ولتيسير سبل الوصول إلى هدف المشاركة في التدبير الحكومي المقبل، عمد حزب العدالة والتنمية إلى الإلحاح على ضرورة البدء بإجراء الانتخابات المحلية، بغرض سحب البساط لحزب الأصالة والمعاصرة الذي احتل المرتبة الأولى عبر نتائج آخر استحقاق انتخابي، وبهدف التمكن من فرصة الاستحواذ التام على الجماعات المحلية التي ستعطي للحزب الديني إمكانيات التأثير على الكتلة الناخبة، بما يجعله في وضع مريح على مستوى التباري على المقاعد البرلمانية.
غير أن هذا المطلب اصطدم من جهة بتوافق العديد من الأحزاب السياسية على إجراء الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها والمتعلقة بالغرفة الأولى "مجلس النواب"، ومن جهة أخرى بإصرار السلطات على البدء بإجراء الانتخابات التشريعية، تسريعا بتنزيل روح ومضامين الدستور الجديد.
وبما أن الفشل كان حليف حزب العدالة والتنمية في تطبيق مبتغاه السياسوي الضيق، عمد مرة أخرى إلى المطالبة بالعديد من الشروط التي تخوله تقنيا إمكانية الالتفاف على ما تم التوافق بشأنه من قبل المكونات السياسية، منها إجراء مراجعة جذرية للوائح الانتخابية، وإجراء حركة تغيير واسعة في صفوف الولاة والعمال، الذين يتهمهم بالموالاة لحزب الأصالة والمعاصرة، دون أدنى اكتراث للجانب القانوني الذي يضع هذا الحزب في قفص الاتهام على خلفية نشر أخبار زائفة وإهانة موظفين بسبب أدائهم المهني. إضافة إلى تلويحه الدائم بورقة النزول إلى الشارع إلى جانب جماعة العدل والإحسان وباقي الجماعات الدينية المتطرفة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه.
فلا الانخراط الفعلي في مسار الإصلاح الجاري ببلادنا، ولا التفعيل الديمقراطي للمقتضيات الدستورية الجديدة، ولا إعادة الثقة للمواطن في المؤسسات، ولا القطع النهائي مع منطق التحكم في الحياة السياسية ومع منطق الابتزاز السياسوي الضيق، ولا توفير شروط تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، كل ذلك لا يدخل في مجال اهتمام حزب العدالة والتنمية، بل كل ما يهمه هو القيام بـ"المجهود اللازم" للضغط على الدولة والأحزاب السياسية كي تصبح في خدمة أجندته، مستغلا في ذلك الحراك السياسي والاجتماعي الجاري اليوم في بعض بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
فالمطلوب اليوم، مواقف سياسية شجاعة تجاه هذا التعاطي السياسوي الرديء، والانخراط في سياق توفير الشروط القانونية والسياسية لنزاهة الاستحقاقات المقبلة وشفافيتها، دون تراجع أو تردد أو مزايدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ