الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل غرامية إلى الملاك / 2

عبد العظيم فنجان

2011 / 8 / 12
الادب والفن


أنتِ عشتاري ، وأنا سومر كلها : أنا شعبكِ وأنا بلادكِ ..

......................................................................................................................





كنتِ شجرة تنطلقُ منها الريحُ ، وعندما تتيه العاصفة ُ ، ولا تجد مكانا تأمن إليه ، بعد طوافها في العالم ، تسندُ ظهرها إلى جذعكِ ، وتنشرُ ريشَ أجنحتها على أغصانكِ .

وكنتُ أعدّني حارسا لملعب عواطفكِ ، عندما يضربُ البرقُ قنطرة عبوركِ إلى الحب وإلى المطلق ، لأنكِ تمزجين المطلق بالحب ، ومن بينهما تشرقين
بكامل قلبكِ ، لتقولي : احبكَ ..

تشرقين فتطيعكِ المعصية ، ويصيرُ النثرُ شِعرا .

كنتُ اُكرّسُ الحواس ، كلّ الحواس ، لأكثفَّ وجودكِ ، الذي لا يُحد ، في فواصل توصلُ بين غرائزكِ وبين شغف الينابيع في أن تفيض على هواها .

كنتُ أضعُ أحشائي على طاولة الكتابة ، لأنتزعَ من دمي ، الذي كنتُ تسيلين معه ، كلمة شافية : كلمة هي مفتاح ، لو خطر للحياة أن تبقى مصرّة على أن نعيش داخلها ، مثل مَلاكين في قفل ..

كنتُ أتشظى بين تجريد الجمال ، وبين مثالكِ .
وكنتُ أمزجكِ بالجَمال ، وأضيعُ بينكما .

أعرفُ ثمرة لا تفكر أن تخون الغصن ، هي أنا .
أعرفُ غصنا اقتلعته الفأس ، بضربة محكمة ، من مكانه ، هو أنتِ .
أعرفُ أن الثمرة لبثت معلقة في الفراغ .
لكنني أجهلُ ماذا حلَّ بالغصن .

ـ لماذا يسلبنا الرعبُ قدرة المشي على الماء ، ويغتصبُ بكارة رغبتنا في أن نتنفس الهواء ، الهواء الطلق ..؟!

كنتِ تسألين ، فأنظرُ إلى وجهكِ الصغير ، وجهكِ وجهكِ وجهكِ ، وأسكتُ ، لأن هذا ما يحدثُ عندما يكتشفُ العقلُ أن الخيالَ أكثر حنانا منه .
هذا ما يحدثُ عندما تمزّق الساقية بدلة الأرض .
هذا ما يحدثُ عندما تنطلق فراشة بيضاء ، فراشة مثلك ، فراشة بيضاء كعاصفة ، لتغلق فوّهة مدفع.

آه ،
أن أتلوى ، الآن ، بين طرق وأساليب الكتابة ، لأظفرَ بخسارة أليق :أن أجعلكِ الخلاصة : الحب والجنون معا ، فلأنني أعرفُ أن القطرة هي اختصار البحر، ولأنكِ سلبتِ زرقتكِ من زرقتكِ ما أن طرق الرعبُ بابكِ ، فأكل الساقية شيئا فشيئا ، حتى جفَّ النبعُ ، وتبخـّر حتى السراب من مخيلة المسافر .

لا أملكُ ، حتى في الشِعر ، أن أبعثَ فيكِ الذكرى ، تلك الذكرى التي تجعلُ القلب ثملا من الحب أو من الحزن : لقد حوّلكِ الخوفُ إلى خوف ، حتى أنني صرتُ أخافكِ ، حتى أن شككِ في أن كل شيء ليس على ما يرام تحوّل ، فجأة ، إلى يقين في أنكِ أخذتِ نصيبكِ من اليأس أو من الحب ، وكفى .


ما النصيب ، إن لم يكن القبض عليه محفوفا برغبة القبض على المستحيل ؟!
ما اليأس ، إن لم يكن جمرة في القلب تحفر نفقا مضيئا إلى الفرح ؟!

ليس وَلها هذا الذي نمارسه ، كمدعوين في حفلة .
ليس حبا هذا الذي نعيشه ، كتلاميذ في الصف .

ليست ثمة مدرسة لطالب غاضب من التعاليم ، كما ليس ثمة بيت لحمامة تحلم ، أبدا ، بالتقاط ظلها الساقط على الأرض .

أعرفكِ كنتُ .

أعرفُ أن أمراضكِ هي الشفاء .
أعرفكِ كنتُ كوباء ،
كوباء يصيبُ الكراهية بالشلل ، ويمزقُ أورامها .
أعرفكِ كقشة ،
كقشة صغيرة جدا ، تحمل العالم على ظهرها ساعة الطوفان .

أعرفكِ ، أعرفكِ ..
أصيحُ : أعرفكِ ، كلما غزاني القنوط .

كلما قالوا : إنكِ امرأة لا قلب لها ، قلتُ : إنكِ امرأة ومَلاك ، ومَلاك أنتِ وامرأة ، وأنتِ عشتاري ، وأنا سومر كلها : أنا شعبكِ وأنا بلادكِ .

كلما احتلني الليلُ ، صرختُ : أعرفكِ ، كما يعرفُ القنديل شعلته .

أعرفكِ كما تعرفني الهشاشة ُ ، كما تعرفني القوة ُ ، كما يعرفني الضعفُ ، كما يعرفُ العشّاق قصائدي التي تحبكِ عن بعد ، وكما يعرفُ الجميع اسطورتكِ : يا منامي ، يا يقظتي ، يا إلهتي ، يا صبيّتي ، يا امي .

أعرفكِ كما يعرفُ الشاعر قصيدته ،
لكن آه ..
لا أعرفكِ صرتُ .

صرتُ لا أعرفكِ ، كما لا أعرفُ أحدا ، وأعرفكِ .
صرتُ لا أعرفُ كيف أعرفكِ .

مَن أنتِ ؟!

آه ،
لقد أنتظرتُ أن اُصلبَ بين ذراعيكِ ، لأذهب إلى الله بقلب أبيض .
انتظرتُ أن أتدلى من رموشكِ كدمعة لألتحق بالسواقي ، أو أضيع في الينابيع .أنتظرتُ أن أحطّ ، مثل عصفورجريح ، على كتفكِ الأيسر ،
أن أطير نحو كتفكِ الأيمن ،
أن أسقط قتيلا بين أحضانكِ
انتظرتُ أن أبقى عليلا لأنكِ العلة .
لم انتظر أن اكون هذا التائه ، هذا التائه ، الذي يكتبكِ كلما عثر على حسراتكِ بين الكتب ، أو على الأرصفة ..

أيتها المتسكعة العظيمة ،
يا نفسي ،
قفي مع نفسكِ مرة .



توقفي ، أيتها المتسكعة في داخلي ، ودعيني أطوف حول دواخلكِ مرة .
اريدُ أن أعرفني هناك .
اريدُ أن أراني مترنحا في شوارع قلبكِ :
لقد طردني العالمُ من العالم ، ثم طاردني العالم حتى وأنا خارج العالم :
احتاجني هناك في مرايا سرابكِ:
كوني عادلة ، واتركيني ألعبُ لعبتي الأخيرة ، فليس ثمة ما أفعله هناك سوى أن احبكِ .


كثيرا قلتُ لكِ : إن الآلهة لا تعرف ما الحب ، ولسنا من طين أومن ذهب
كثيرا قلتُ : إن الكتابة فعل ، وإن الشِعر موقف .
كثيرا صرختُ : أنا مريض ، فلا تمدي يديكِ نحوي .
كثيرا بكيتُ لأنني رأيتُ النهاية عندما وقفتِ ضد العالم وصرختِ : احبكَ
كثيرا نصحتكِ : إن العائلة رجالي ، وإن وأد البنات ليس عادة جاهلية .
كثيرا دستُ على قلبي لأمنحك النجاة من السحل بحبل التقاليد .
كتيرا وقفتُ ضد هذا وحاربتُ ذاك .
كثيرا جرحتُ كبريائي .
كثيرا لاطفتكِ وأنا يأئس .
عانقتكِ وأن موثوق الى الخلف والى الامام .
لو تعرفين كم انتظرت الرصاصة الطائشة ،
لو تعرفين كم انتظرت أن تصيبني .
لو تعرفين كيف متُّ عندما اخترقتتكِ ..


قلتُ لكِ ما لم أقله إلى نفسي .

لا أحد ، مثلكِ ، يعرفني .
لا أحد .

أن أفقدكِ الآن ، أن لا تخسريني رغم ذلك ، وأن ألبث مخلصا من بعيد ، فلأن ذلك هو الضعف الذي يعتري القوة : هو الصفاء الذي يشي بحرارة الدمعة ، كما أنني مغرم بالمستحيل : مغرمٌ بالهباء العظيم ، باللاشيء ، وبأن أكون خائبا ، لكن ببصمةٍ لن تزول ..

لن أقتل نموذجكِ ، كما يفعل الشعراءُ عادة : سأوقفُ الزمنَ عند لحظة امتزاجكِ بي ، عند دقيقة تشبثكِ بقشة الجنون التي تحمل على ظهرها اليائسين ، والسائرين في نومهم ، وعند ثانية مرورك السريع والخاطف ، مثل نيزك تتحاشاه الكواكب ، كل الكواكب ، غير آبه بتحولاتكِ بعد ذلك .

ليس عدلا أن نطفيء القنديل ، إن قرّرتْ فراشةُ ما أن تأخذ طريقها الخاص إلى النار : هكذا يضرب الشِعر بقبضته على طبل القدر ، و هكذا ـ أيضا ـ ينتزع الشاعرُ ، من قلب اليأس ، مساره الخاص إلى الأمل .


......................................

13ـ 8 ـ 2010 مساء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??